السبت، 14 أغسطس 2010

غرام الأفاعي !


لم أكن اتصور أن تسقط أحزاب المعارضة في فخ الإخوان.. لجوء الوفد والجبهة والبرادعي بل وسعد الدين إبراهيم إلي الجماعة المحظورة يعني شيئا واحدا في نظري وهو انهم عاشوا عبثا في الشارع السياسي طوال الفترة الماضية. المفروض ان للأحزاب برامج سياسية تخالف برنامج الحزب الوطني وتتفوق عليه في الكيفية التي تخدم بها المواطنين. لكن في أول اختبار حقيقي لقوة الأحزاب ارتموا في احضان المحظورة!.. وقعوا لهم علي بياض توكيلاً ليتصرفوا فيهم كما يشاءون.. فجأة هام السياسيون عشقا بأفاعي السياسة التي ترابض في جحورها وتستعين بظلام مخابئها لتنقض علي فرائسها من المصريين البسطاء الذين انخدعوا بمعسول كلامهم وانهم "بتوع ربنا" ثم انكشفوا سريعا عندما دخلوا البرلمان وعرف الناخبون انهم لا يملكون شيئا الا الأحذية التي يرفعونها والألسنة التي تسب مصر والحناجر التي تهتف لحماس وحزب الله ولا تري بأسا في انتهاك سيادة الدولة علي أراضيها. يجب أن تتنبه الأحزاب ان الإخوان أهل خديعة ومكر وفتن.. للأسف المعارضة مازالت تتصور ان للإخوان سابقة القاعدة الشعبية التي حملتهم إلي برلمان ..2005 الخريطة السياسية تغيرت.. الحزب الوطني حقق في الخمسة أعوام الماضية انجازات غير مسبوقة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.. أخفق ونجح ولأول مرة يعلن للناس أين فشل ولماذا؟! الإخوان غير الحزب الوطني.. أسلوب الأفعي في المعركة يختلف عن أسلوب المحارب الشريف الذي يخوض القتال بصدر مفتوح فيتعرض لطعنات الخصوم أحيانا ويصيبهم بسيفه أحيانا أخري.. الحزب الوطني لم ينسحب من معركة.. لم يتعلل بأن الرياح الاقتصادية العالمية أقوي منه وانها اقتلعت برنامجه الإصلاحي.. بالعكس واجه الرئيس مبارك وحزبه وقياداته كل الحروب العالمية من ارتفاع أسعار الغذاء إلي افلاس البنوك العالمية وانهيار البورصات وافلاس دول الاتحاد الأوروبي وخرج منها جميعا بأقل الخسائر بعكس محاربين آخرين أقوي منا مالا وأشد عودا في الديموقراطية. الحزب الوطني مهموم بمصر من الإسكندرية للنوبة.. مشاريعه لا تتوقف.. اصلاحاته لا تنتهي.. حلوله لا تتوقف لوطن يزيد مليونا و200 ألف نسمة كل عام وأصبح يزيد بمعدل أسرع الآن. وسأضرب مثالا بحل أزمة النوبة التي استحكمت حلقاتها منذ 50 عاما واستعصت علي حكومات كثيرة منذ أيام عبدالناصر. فإذا بها تنفرج علي يد الرئيس مبارك وكنا نظنها لا تفرج.. كلف وزير الإسكان بتعليمات محددة.. اقتحم الأزمة في وضح النار واعطي تعهدا لا يقبل النقاش.. منزل مجاني لكل نوبي.. الدولة متفرغة لحل مشاكل الوطن. وبقية الشركاء في المشهد السياسي منصرفون إلي التكهنات عن المستقبل ومزاعم التوريث واحاديث الفساد. كفتا الميزان بهما بضاعة تختلف إحداهما عن الأخري.. اليمني يملؤها أفعال وانجازات وأشياء لمسها الناس.. واليسري بها ما يصلح مانشيتات للصحف باللون الأحمر الفاقع. الكفة اليمني يأكل منها الناس.. واليسري لا تعطيهم الا كلاما وشعارات ونقدا.. غير أن أخطر ما في المشهد السياسي الآن أن الإخوان يكادون ينحون الأحزاب الشرعية عن الصدارة قائلين لهم "نحن لها".. والمصيبة أن البعض ارتمي في جحر الأفاعي.. والبعض الآخر يقدم رجلاً ويؤخر الأخري.. وفريق ثالث ينتظر وعداً لن يأتي بتخصيص مقاعد له في البرلمان.. نسوا أن الحزب الوطني لا يملك التحدث نيابة عن الناخبين.. ليس من حقه تقسيم البرلمان علي الأحزاب.. "التورتة" يقسمها الشعب وليس الدولة. وأعود لما يحدث بين الأحزاب والإخوان فأقول إن وصلة الغرام الحالية لا تظهر ائتلاف قوي المعارضة بقدر ما تظهر الأنانية السياسية حيث يسعي كل فريق أو حزب للحصول علي أكبر مكسب سياسي من الشعب المصري. دون أن يقدموا شيئاً في المقابل. وقد فهم الإخوان هذا "الشبق" الذي سيطر علي الأحزاب والسياسيين فلوحوا لهم بعصا موسي فخروا سُجداً.. لدرجة أن د.البرادعي الذي بني مشروعه في التغيير علي إصلاح الدستور والإشراف القضائي ونزاهة الانتخابات والرقابة الدولية عليها. إذا به يتخلي "طواعية" عن برنامجه للإخوان ليجمعوا له التوقيعات الضرورية.. ارتمي البرادعي في أحضان المرشد عندما أظهر له عدد التوقيعات التي حققها الإخوان لبرنامجه ذي النقاط السبع.. كفر البرادعي بالجبهة التي أسسها وآمن بالمحظورة.. نسي الديموقراطية والإصلاح السياسي ورضي أن يكون مرشحاً لدولة دينية.. نسف البرادعي وغيره شعاراتهم الليبرالية عندما قبلوا بالمرشد وقبّلوا يده.. كلهم ارتضوا أن يكونوا "نجاد" المصري في حضرة المرشد الأعلي للإخوان.. أثبت البرادعي وسعد الدين إبراهيم أنهما وإن كانا يحظيان بدعم واشنطن اللانهائي. إلا أنهما يتمتعان أيضا بمباركة الإخوان.. ويبدو أن واشنطن حسمت أمرها وقررت أن تحول مصر إلي دولة دينية.. لم تتعلم أمريكا درس شاه إيران.. ساندت الخوميني في منفاه وساعدت علي إسقاط محمد رضا بهلوي. فكان أن اقتحم الطلاب السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 أمريكياً رهائن لمدة 15 شهراً. يبدو أن واشنطن تدبر لمصر مصيراً مختلفاً هذه المرة.. دولة دينية برئيس يتبعها ولا يعصي لها أمراً.. ثم تفتعل أزمة.. تنقض إسرائيل علي سيناء من جديد وتعطيها للفلسطينيين وتضم إليهم غزة. وتصبح هذه هي الدولة المستقلة التي وعد بها بوش وأوباما العرب.. ثم يهلل إخوان مصر لوجود دولتين إسلاميتين علي أرض الكنانة. وبعدها تبدأ في مصر حرب من نوع آخر كالتي تجري في لبنان.. بين ميلشيات الإخوان وحماس وبين القوات المسلحة الوطنية.. لكن هذا لن يحدث لأن الجميع يعرفون أن الأفاعي لا تستطيع تغيير جلودها إلا مرة واحدة.. وقد استهلك الإخوان هذه المرة. ولن تنبت لهم جلود أخري.

المصدر : الجمهورية - رئيس التحرير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق