السبت، 13 مارس 2010

طرائف "السينما المصرية" الفكاهية


تلقائية وبساطة وخلود
ياله من عالم فكاهي عجيب هذا الذي تضمنته شرائط السينما الروائية المصرية ‏,‏ حتي تلك المأساوية منها لم تخل من طرائف تدفع علي الضحك تارة والسخرية تارة أخري مثل هذه الجملة التي قالتها نجمة إبراهيم لابنها وهو هنا الراحل فاخر فاخر في فيلم اليتيمتان حتي انت ياعرج بتحب‏!!‏
تتسابق الفضائيات الناطقة بلغة الضاد تعرض أفلاما مرت عليها عقود ويجلس المتفرجون أمامها يضحكون ويستمتعون وكأنهم يرونها للمرة الأولي في حياتهم‏,‏ والقائمون علي الميديا المرئية العربية يعلمون ذلك ومع هذا يعيدون عرضها مرة تلو الأخري الأكثر إثارة أن المشاهد يكاد يحفظها الناس عن ظهر قلب‏,‏ وما أن ينتهوا من مشاهدتها يظلونعلي أمل في تكرارها من جديد بيد أنهم ينتظرونها علي أحر من الجمر‏.‏تلك الحالة الحميمية لا تقتصر علي المتلقين المصريين فحسب‏,‏ وإنما تشمل كافة الناطقين بالعربية من المحيط للخليج‏,‏ ومن جبال طروس شمالا حتي جنوب السودان وصحراء كلهاري العنيدة بوسط القارة السمرء كما كانوا يعلموننا في ذلك الزمن البعيد‏.‏ والحق أنه من الصعب أيجاد تفسير مانع جامع لهذا الاجماع‏,‏ فهل هو الرقي وبساطة المعروض وبعده عن التكلف والتصنع السبب ؟ أم هي التلقائية التي تنبع من قلب الفنان المؤدي أو المرتجل للنص لتتجه مباشرة دون عوائق إلي قلب المتفرج الذي يكاد يقع من هيستريا الضحك ؟ وها هي الدموع الممزوجة بالضحكات تنساب من مقلتيه وهو يتابع فالسات الكوميديا الشفافة غير الجارحة لقيمه وتقاليده وثقافته وكذا الاخلاق التي تربي ونما عليها‏,‏ بعبارة أخري بدت الفكاهة المصرية والمصورة بكاميرات السينما لا مجال فيها للاسفاف أو الاستظراف‏,‏ وياليت صانعيها ومعظمهم ترك الدنيا الفانية يأتون كي يشاهدوا بانفسهم ميراثهم الفني والابداعي الذي تركوه في نفوس الجماهير علي مدار الاجيال‏.‏ وهو ما يزيد الأمر صعوبة لكاتب تلك السطور‏,‏ فمن أين له البداية‏,‏ فالمسألة ليست في التسلسل التاريخي‏,‏ ولكن في الكم وهو يعد بالمئات‏,‏ وكل شريط فيه‏,‏ يملك من الجمال وطلاوة الاداء الكوميدي بحيث يستحيل معه تفضيل واحد علي آخر‏,‏ ولكن لا مناص فلا بد من خطوة أولي نحو الولوج في متعة الفكاهة المصرية والتي زخرت بها الشاشة الفضية‏,‏ وليطلق العنان للقلم يختار بعشوائية‏,‏ وبعبارة أدق يتوقف عند ما تعن به الذاكرة المتخمة والتي سرعان ما وجدت نفسها وبدون سابق إنذار مع الانسة ماما الذي اخرجه حلمي رفلة قبل ستين عاما‏,‏ وكتب السيناريو والحوار أبو السعود الابياري‏,‏ وقام ببطولته محمد فوزي وصباح ومعهما إسماعيل ياسين وسليمان نجيب بأفشاته اللاذعة وهو يرد علي شخص يخاطبه قائلا يا سيدي الفاضل فيكون جواب نجيب بلا فاضل بلا ناقص‏.‏أن مشاهد ذلك الشريط الجميل حوت ابتكارات خلاقة سواء في توصيف الأماكن أوالجمل الحوارية بدءا من صالون الحلاقة الذي أطلق عليه أسم‏"‏ دقن الباشا‏"‏ وصاحبه الراحل شرفنطح مرورا بالستارة التي ستتحول إلي فستان سهرة والذي ستستحق عليه زينات صدقي‏(‏ خوخة‏)‏ بدعاء حار وصادق من صباح‏:‏ ياحلي خوخة ربنا ما يوريكي دوخة وانتهاء بنمرة وهي نمرة‏.‏ المهم هنا أن الثلاتي محمد فوزي وسليمان نجيب واسماعيل ياسين سيعودون في نفس السنة ليقدموا شريطا كوميديا آخاذا أخرجه إبراهيم عمارة وكتب له السيناريو والحوار أبو السعود الابياري وهو الزوجة السابعة مع ماري كويني التي ستضع البصل الاخضر تحت وسادتها لترغم زوجها علي تطليقها‏.‏تلك الحكاية سيعاد تقديمها من جديد في عمل لا يقل جمالا وروعة عن خفة دم الزوجة السابعة‏,‏ ألا وهو الزوجة الـ‏13,‏ والذي أخرجه فطين عبد الوهاب‏,‏ وقام ببطولته رشدي اباظة وشادية بالاشتراك مع حسن فايق وعبد المنعم إبراهيم‏,‏ والطرفة تبدأ من اسم الفيلم الذي أعطي مغزي دراميا شديد الدلالة بيد أنه هيأ المتفرج لمضمون للقصة التي سيري فصولها من خلال عرض الشريط علي الشاشة‏,‏ والذي يدين دون وعظ تعدد الزوجات‏,‏ ثم تاتي المواقف الضاحكة كتلك التي ادتها الراحلة وداد حمدي فمن خلال مشهد ترد فيه علي سؤال الزوج رشدي اباظة‏:‏ ستك فين ؟؟ لتنطلق الاجابة في سلسلة من الحركات والايماءات قائلة‏"‏ ياحبة عيني فضلت مستنيا مستنيا‏(‏ وراحت تردد الكلمة أكثرة من مرة‏)‏ والدمعة علي خدها لحد ما زهقت وراحت للكوافير‏!!‏ كذلك عندما يكتشف رشدي أباظة أن زوجته وكي تتخلص من عقدتها النفسية عليها أن تذهب إلي المدرسة الابتدائية من أول وجديد ويهم بالانصراف فيسأله حسن فايق‏:‏ أنت رايح فين وسايب الدنيا بتغرق ؟ فيرد أباظة رايح أقدم الاوراق لعايدة بالمدرسة‏,‏ ويلحق به عبد المنعم ايراهيم فيبادره فايق بالسؤال وانت كمان علي فين ؟ رد سأذهب لاشتري المريلة للست عايدة ولأنه أبيها هنا يردد حسن فايق قائلا وأنا الحق أدفعلها المصاريف‏!!‏نعود إلي إسماعيل ياسين وعمله ابن حميدو والذي أخرجه فطين عبد الوهاب عام‏1957‏ ويعتبر هذا الشريط من علامات الكوميديا البارزة في مسيرة السينما المصرية الملفت في هذا الفيلم أن أسماء ستدخل عالم الافيهات والقفشات الضاحكة والدليل علي ذلك أنها صارت من المأثورات‏,‏ منها الفنان توفيق الدقن الذي ادي دور الباز أفندي وعبارته الشهيرة‏"‏ أه‏"‏ وايقونة القصري‏"‏ نورماندي تو‏"‏ وعبارة سعاد أحمد‏"‏ حنفي‏"‏ وهل هناك من ينسي للقصري في أحد أفلامه طلبه من المطرب محمد عبد المطلب‏:‏ ياله ياطلب غنينا طقوقة لبيتهفن‏!‏ومن منا الذي لا يتذكر مشهد إسماعيل ياسين في فيلم إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين وأمامه تلال الورق لقد حاول ترجمة وكتابة ما يقوله هذا الرجل صاحب العربة الكارو لحماره كي يسرع الخطي ولكن عبثا فقد خارت قواه معلنا فشله الذريع مرددا كان نفسي ياخواجة بيجو ولكن ما باليد حيلة ويلحق به الاسطورة القصري لعل وعسي يتمكن من فك طلاسم الجملة العجيبة‏,‏ لكنه يسقط في اتون الخيبة ويصرخ طالبا النجدة قائلا‏"‏ أنا في عرض المجمع اللغوي‏".‏
في نفس الفيلم وجدنا زينات صدقي أم طعمة‏,‏ وعبارتها الشهيرة لخطاب ابنتها‏:‏ هي دي تيجي طعمة لك وأنك لها يا معلم‏,‏ ورغم أن عبد المنعم إبراهيم كان ضيف شرف في هذا الفيلم الذي أخرجه عيسي كرامة عام‏1958‏ إلا أن المشهد الذي جمعه مع زينات صدقي كان واحدا من المشاهد الخالدة خاصة بعدما اوحي لها بأنه دكتور وبعد أن ظهر لها مرتديا جاكت وكرافته علي سرواله الداخلي لتند عنها صرخة هو انت منهم يابن الرفضي‏.‏
وفي عام‏1959‏ يقدم لنا عز الدين ذو الفقار شارع الحب تفوق عبد السلام النابلسي علي نفسه وهو يقول بكل أسي قررت وأنا مغمض العينين والأذن والحنجرة أن أتجوز اللي ما يسمي تر تر‏...‏ وللطرائف بقية‏..‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق