علي الرغم من تعدد البنوك في مصر في الوقت الحالي، وتداول المعاملات المالية والمصرفية بها، وعشق العديد من المصريين التعامل مع البنوك، فإن فكرة إنشاء أول بنك في مصر ربما تكون مجهولة لدي العديد من المصريين الذين يتصور بعضهم أن طلعت حرب هو الذي أنشأ أول بنك مصري. والحقيقة أن محمد علي باشا الذي حكم مصر في الفترة من »1805 إلي 1848« هو أول من فكر في انشاء بنك يقوم بتثبيت اسعار العملة، وتقدير أثمان النقود المتبادلة عن طريق التجارة مع الاجانب وقبض المبالغ التي تورد إلي الحكومة، ووضع الاسس السليمة للمضاربات المالية في أسعار العملة وأثمان المحاصيل الزراعية. وقصة ذلك انه بعد ان نتج عن تعدد العملات في مصر وتفاوت قيمتها، وارتباط النقد المصري بالنقد العثماني أن كثرت المضاربات في العملة واختفت بعض العملات الذهبية نتيجة لمحاولات التجار الأجانب تهريبها إلي اوروبا واتجارهم فيها خاصة وان العملة المصرية كانت لها قيمتها ووزنها عن العملة العثمانية رأي محمد علي ان يضع حدا لذلك فقام بالاتفاق مع الخواجة »مخالي توسيجه« قنصل اليونان بالاسكندرية و»المسيو باستريه« Pastre الفرنسي علي مشاركة الحكومة المصرية في انشاء بنك بالاسكندرية تكون مهمته تثبيت العملة، وتقدير أثمانها وتحديد اسعارها وتفويضه في صرف المبالغ المالية الواردة للحكومة. وعن طريق هذا البنك استطاع محمد علي تنظيم امور العملة واستبدال النقود للسياح والأجانب وممارسة أمور التبادل التجاري مع العالم الخارجي، وسارت الامور علي هذا المنوال حتي ازدادت سيطرة الاجانب علي اقتصاديات البلاد في عصر »الخديو إسماعيل« فاجتمع كبار التجار المصريين في شهر ابريل 1879 للتباحث في أمر تخليص الوطن من أسر الديون التي ارهقته واتفقوا علي انشاء بنك وطني يكون رأسماله أربعة عشر مليونا من الجنيهات تجمع من سائر ابناء الامة وتقدم هـؤلاء إلي الحكومة بمذكرة تفسيرية عن هذا البنك ذكروا فيها ان إدارة البنك ستكون وطنية، ولكن هذا المشروع لم يتم تنفيذه نظرا للاحتلال البريطاني علي مصر في عام 1882 لذلك خمدت هذه الفكرة إلي أن دعا طلعت حرب إلي انشاء بنك مصر، وكان من نتيجة المقالات التي كتبها في الصحف حول هذا الموضوع أن تعرض المؤتمر المصري الذي انعقد في عام 1911 لفكرة بنك مصر، وقررت لجنة المؤتمر حاجة البلاد إلي إنشاء بنك مصري وطني، وبانتهاء الحرب العالمية الأولي ازدادت المطالبة بإنشاء هذا البنك حتي أعلن في 7 مايو 1920 وفي اعقاب ثورة 1919 عن تأسيس بنك مصر. والواقع ان تأسيس بنك مصر ونجاح رسالته كان اختبارا قاسيا لكفاءة المصريين ومقدرتهم علي تحدي الصعاب، ومدي تمسكهم بحقوقهم وغيرتهم علي واجبهم كشعب يأبي الاستغلال الاقتصادي، فتسابقوا علي شراء أسهم البنك حتي وصل رأسمال البنك عند افتتاحه ثمانين ألف جنيه ثم تزايد المبلغ إلي نصف مليون جنيه في يناير 1925، وارتفع إلي مليون جنيه في ديسمبر 1927 وخلال ذلك أوجد طلعت حرب طائفة من المصريين تحسن أعمال البنوك، واستطاع أن ينشيء بنك ومصر بعشرين موظفا فتح بهم البنك أبوابه، وبدأت معاملاته فإذا العشرون يصبحون مائة ضعف ثم ازداد عددهم إلي آلاف الأضعاف ولم يقف الأمر عند بنك مصر في القاهرة، بل اصبحت له فروع ومكاتب في سائر المدن المصرية، ثم جاوز حدود مصر إلي العواصم العربية مشيرا إلي قوة الإرادة والعزيمة المصرية في مواجهة التحديات.
الوفد - عبدالمنعم الجميعى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق