الأحد، 26 فبراير 2012

تجريف ثروات مصر

لا أحد يعرف بالتحديد كم عدد الأموال التي تم تهريبها‏., ولا كيف خرجت!.. العلم أوجد الأساليب الإحصائية التي يمكن عن طريقها تقدير الحجم التقريبي للفساد المالي الذي استشري في عهد المحلوع مبارك..

فأقل التقديرات للخبراء تصل الأموال المهربة إلي500 مليار دولار, لكن حجم الفساد المالي والرشوة وتجريف الثروات أكثر بكثير مما ذكرته كاترين أشتون المفوضة العليا للسوق الأوروبية أمام الجميع, وهو اعتراف خطير, وتصريحاتها جعلت مؤيدي مبارك والمدافعين عنه ونظامه يتخبطون ويتحسرون.. وهناك رقم واحد من أرقام الفساد سيكلف مصر500 مليار دولار وهو مصنع غاز دمياط. والمؤكد أنكم سوف تزدادون ألما وحسرة, حين تقرأون تصريحات كاترين أشتون وزير خارجية الاتحاد الأوروبي حول عمليات النهب المنظم التي تعرضت لها ثروات الوطن!!


قالت الوزيرة الأوروبية خلال زيارتها الأخيرة للقاهرة, إن ثروة مصر تكفي لمساعدة ربع دول أوروبا, وأن مصر قادرة علي أن تكون بمواردها الآن في مقدمة الدول الغنية علي مستوي العالم, وأن نظام مبارك سرق من المصريين5 تريليونات دولار, بما كان يكفي لظهور90 مليون مليونير كبير في مصر, مشيرة إلي أن ما تعرضت له مصر من الخراب والدمار الاقتصادي يفوق الخيال في الاحتيال والسرقات وتجريف الثروات المادية والطبيعية للوطن.
القضية ذاتها, فجرها الكاتب الكبير فاروق جويدة علي صفحات الأهرام في مقاله أول أمس الجمعة هوامش حرة تحت عنوان أموال مصر الهاربة, أشار فيه إلي تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي, وتساءل جويدة: أين ذهبت ديون مصر التي تركها النظام السابق والتي تجاوزت تريليونا و250 مليار جنيه في أقل من20 عاما؟!, بل أين ذهبت موارد مصر التي تحدثت عنها الوزيرة الأوروبية؟! ثم أين ذهبت موارد قناة السويس والتي تبلغ أكثر من50 مليار دولار, و100 مليار دولار من السياحة, و300 مليار جنيه من تحويلات المصريين بالخارج, و100مليار دولار من البترول, و100 مليار دولار من حرب الخليج, فضلا عن مليوني فدان من الأراضي الزراعية الخصبة التي تحولت إلي عقارات ومبان تزيد قيمتها علي800 مليار جنيه, بالإضافة إلي أكثر من3 ملايين فدان تم توزيعها علي المحاسيب.
يقول الدكتور ابراهيم زهران إن حساب الطاقة المعطلة والمهدرة والفرص البديلة الت أدت إلي أن45% من المصريين تحت خط الفقر, في هذه الحالة نتحدث عن مئات المليارات من الجنيهات مهدرة وضاعت كثروة بشرية, أما النقطة الثانية وهي لجوء النظام الفاسد لمبارك لتصدير خامات مصر وها الجانب غاية في الخطورة ويمثل خطيئة لاتغتفر, فيجب وقف تصدير أي خامات ونحن نمتلك الثروة البشرية المهدرة, فبدلا من تصدير المواد كخام يتم تصنيعها وتحويلها لمواد ذات قيمة اقتصادية أو تصديرها كمنتج, فهذه القيمة المضافة للخامات تحولها لمصدر اقتصادي غاية في الأهمية ويضاعف أموال مصر عشرات المرات, ويضرب بعض الأمثلة المذهلة والخطيرة والتي لاتحتاج لمجهودات كبيرة, فمثلا الثروة التي أهدرت في خام فوسفات أبو طرطور وهي تبلغ13 مليار جنيه صرفت علي خام ردئ لايصلح للتصدير بل رفضته المصانع المصرية كان البديل تنمية مناجم الفوسفات في جنوب الوادي بنصف هذه الأموال وبالتالي كانت ستنتج وتعطي مصر أضعافها مع تشغيل العمالة, خاصة أن الفوسفات يحتوي علي نسبة من خام اليورانيوم المهم الذي يمكن الاستفادة به, وهنا ترتفع قيمة المنتج لأنه يباع كعنصر منفصل عن الفوسفات. ويضرب مثلا آخر بالرمال الزجاجية في وسط سيناء حيث توجد بكميات كبيرة, حصل عليها بعض المواطنين من سيناء, ولتجميع الثروات بسرعة وسهولة يجري تصدير الطن منها بنحو12 دولارا لإيطاليا, وما علي الجانب الإيطالي إلا غسل هذا الخام فقط وهي عملية غير مكلفة وتعيد تصدير جزء منه لنا مقابل200 دولار للطن, ويوجد إهدار شنيع في خام الإلمنيت المتوافر بجنوب الصحراء الشرقية في محافظة البحر الأحمر, حيث يتم تصدير طن الخام منه بنحو20 دولار فقط, ويعود بمكاسب قدرها مليونا دولار فقط سنويا, وهذه مبالغ زهيدة مقابل ضياع ثروات مصر بهذا الشكل, فقمت شخصيا بالبحث عن مستثمر جاد وبالفعل قدمت مستثمرا كنديا لمصر علي أن تقوم هيئة الثروة المعدنية بالمشاركة معه بنسبة60% دون أي مقابل من الهيئة المصرية, وصافي ربح المشروع لايقل عن700 مليون دولار سنويا, إلي جانب تشغيل العمالة والفنيين, فخام الإلمنيت تستخرج منه مادتين هما أكسيد التيتانيوم المستخدم في صناعة البويات وصناعات أخري إلي جانب استخراج نحو50% من الخام كخام حديد ونحن في أشد الحاجة له, لكن بعد عرض المشروع علي وزارة البترول رفضه سامح فهمي بنفسه, وقام بعرض الفكرة علي مجدي راسخ نسيب الرئيس المخلوع مبارك, ليبحث عن مستثمر عن طريقه, وانتهي المشروع علي ذلك ويتم استنزاف خام الإلمنيت المصري.
أما خام الكاولين فيستخدم في صناعات عديدة منها السيراميك والطوب الحراري وكثير من المنتجات والكاولين يضم نوعين من الخام, وللأسف نصدره أيضا كخام يتم فصل نوعيه في الخارج بطريقة سهلة, ثم يعاد تصديره لمصر ليدخل في صناعة السيراميك, ولاتفرق مع أصحاب المصانع أن هذا الأسلوب استنزاف واهدار لثروة مصر, وللأسف يحصلون علي الطاقة مدعومة وكذلك المياه والمرافق والخدمات كلها لكن لايعرفون حقوق مصر والعمالة التي إذا طالبت بحقها يتم طردها وتشريدها, وخام الكاولين يمكن أن يوفر لمصر سنويا اذا احسن استخدامه100 مليار جنيه.
اما الحجر الجيري وما أكثره في مصر فحبها الله بنحو70% من أرضها حجر جيري, وهنا يكشف الدكتور ابراهيم زهران عن كارثة استيراد مصر ما قيمته280 مليون دولار حجر جيري لأنه يدخل في العديد من الصناعات منها الأسمنت والحديد والبناء والرصف وصناعات الكاوتشوك ومعجون الأسنان واللبان, وفي حالة استخراجه في مصر واستغلاله بأفضل أسلوب وتسويقه عالميا حيث تفتقر له الكثير من دول العالم مثل دول جنوب شرق أسيا لجلب لمصر عشرات المليارات.
ويشير إلي الكارثة الأكبر والتي تقدر بمئات المليارات المهدرة والمسلوبة وهي بيع مصانع الأسمنت لشركات يونانية وأسبانية بثمن بخس وتركهم يتحكمون في الأسعار ويحتكرون السلعة الحيوية الخطيرة فقد بيعت اسمنت طرة بمنجمها الزاخر لشركة القلعة التي قامت بدورها ببيعها لشركة يونانية وكان مكسب شركة القلعة في عدة شهور مليار دولار, والشركات التي اشترت مصانع الأسمنت هي المستفيدة من خير مصر وليس أبناءها حيث يشير الدكتور أيمن جاهين إلي أن هذه الشركات الأجنبية تحصل علي الطاقة مدعمة والتعاقد يجبر مصر علي إعطاءهم الغاز لسنوات طويلة مدعم فهذا خراب وكارثة إلي جانب المياه والصرف والعمالة الرخيصة التي تتعرض للتنكيل والطرد ولاننسي أن الخامات يحصلون عليها بلا مقابل تقريبا, ويشير الدكتور زهران إلي أن طنالأسمنت وفقا لحساب الشركات الأجنبية يتكلف عليهم180 جنيها فقط وللأسف يبيعونه في السوق بنحو500 جنيه للطن, فكم من مئات الملايين ضاعت علي مصر بسبب صفقات بيع الأسمنت القذرة والتي كان وراؤها كل من منير ثابت وحدي راسخ أصحاب الأيدي القذرة.
مصيبة الغاز والبترول
قلت للدكتور زهران لم نتحدث عن تخصصك وهو البترول والغاز الطبيعي وهما كانا مصدر كبير للتلاعب والفساد ولك صولات وجولات ضد الفاسدين في هذا المجال وأنت الشاهد الأول علي الذين يحاكمون علي استنزاف واهدار هذه الثروة.. فقال أنت مستعد تسمعني وتصدق وتكتب هذا الكلام في الأهرام فوعدته.. فبدأ قائلا: كذلك البترول حدث به العديد من المهازل التي أضرت بمصر وشعبها وعجزته إنه نهب منظم وخطير وسوف أتحدث معك عن بعض الأمثلة الخطيرة أولا تم اهدار تصدير الغاز بأقل من قيمته مما يحقق خسائر سنوية في حدود25 مليار دولار في العام الواحد, وبإهدار الغاز وعدم استخدامه كمصدر للطاقة تم استيراد منتجات بديلة له بأضعاف مضاعفة سعر تصدير الغاز وهي في حدود25 مليار أخري مهدرة في السنة.
وفجأة تحدث عن شئ خطير أخر حدث خلال سنوات نظام مبارك الفاسد.. مشيرا يوجد لدينا أي مصر العديد من المنشآت البترولية أهمها7 معامل تكرير للبترول لم تجر لها تحديث أو صيانة طوال فترة قيادة سامح فهمي للوزارة علي مدي12 سنة مما أدي لخروج هذه الوحدات الإنتاجية من الخدمة الواحدة تلو الأخري, فمثلا ميدور وهي وحدة إنتاج البنزين حرقت بسبب الاهمال وعدم الصيانة ولم يجري لها إحلال وتجديد حتي الآن, وكل شئ ينتهي نستورد مكانه وكأن شيئا لم يكن, فلا يوجد من يحاسب فكل الدائرة فاسدة وتعم المصالح علي حساب الشعب وإن كان هذا حال التكرير فحالة التوزيع يرسي لها وكارثية لما فعله الفاسدون به خاصة مجدي راسخ وسامح فهمي, فكانت الدولة تمتلك2400 محطة لشركتي مصر للبترول والجمعية التعاونية تم بيع معظمها للقطاع الخاص بثمن زهيد, ومنظومة التوزيع جميعها فاسدة, فالشركات الكبيرة لديها2200 وحدة نقل وقود تم تعطيل السيارات ليقوم مجدي راسخ بتأسيس شركة السهام لنقل هذه المنتجات, زمن الأمور المبكية علي مال الشعب المصري أن راسخ كسب في ليلية واحدة مليار و200 ألف دولار ـ لم يكسبها أحد من قبل ـ حيث وقع عقد نقل الغاز المسيل في مصنع إسالة الغاز برشيد بموجب هذا حصل علي قرض من البنوك لشراء ناقلات غاز مسيل سعرها1200 مليون دولار, فكانت مصر عزبة لهم ينهلون من خيراتها دون حساب أو رقيب.
ونأتي لحقول الغاز والبترول المنتجة فكان عول الفساد متصلطا عليها بقيادة سامح فهمي وأقارب المخلوع, ونبدأ بحقل جيسوم فهو ينتج نحو10 آلاف برميل يوميا وملكيته كانت خالصة لهيئة البترول مع وجود احتياطي مؤكد أكثر من50 مليون برميل في هذا الوقت نستورد بترول خام سواء بشراء حصة الشريك الأجنبي والاستيراد من الكويت عام2005 وسامح فهمي باع الحقل المهم لصلاح دياب بثمن زهيد وهو303 ملايين دولار, ومن أول يوم يبيع دياب العشرة مليون برميل للهيئة المصرية واستطاع تجميع65% من رأس المال الذي دفعه في أول نفس العام, والتعاقد يبلغ20 سنة ومع تزايد اسعار البترول تصل الخسارة لنحو50 مليار دولار, وبالنسبة لحقل الأمل للبترول يوجد به1.5 ترليون قدم مكعب غاز فوق طبقة البترول وهو ملك خالص للهيئة المصرية حسب الاتفاقات القديمة فقام صلاح دياب بشراء الحقل من الشركة الكويتيية بسعر6 مليارات دولار وفجأة وقع سامح فهمي اتفاقا يستفيد صلاح دياب من الغاز وفي الوقت نفسه ليس لدينا غاز, وثمن الغاز علي الأقل30 مليار دولار, وبالانتقال لحقل آخر هو أبو قير للغاز الذي اكتشف أواخر الثمانينيات وتسهيلاته وانتاجيته وجميع أصوله ملك للهيئة المصرية ومن أجل هذا الحقل تم انشاء شركة أبو قير للأسمدة لتحصل علي الغاز وتصنيعه للسماد, وفجأة باع سامح فهمي الحقل لشركة أدسون الايطالية وكان هذا مقابل منحة ايطالية1400 مليون دولار وقالوا إن هذه أكبر منحة حصلت عليها مصر في تاريخ البترول وصفق لها مجلس الشعب, وهذا الحقل منتج وتسهيلاته موجودة من ميناء وخطوط نقل بحرية وغيرها ومصنع لتنقية الغاز قبل الاستخدام, ويقدر الاحتياطي بنحو3 ترليون قدم مكعب غاز إلي جانب150 مليون برميل متكثفات وهو منتج بين الغاز والبترول وعند إضافتها للبترول يرفع قيمته ولذلك سعره أغلي من البترول20 دولارا, ولابد أن يباع حقل أبو قير بما لايقل عن25 مليار دولار ورغم ذلك بيع بمنحة قدرها4,1 مليار فقط وكل ذلك سببه العملات والرشاوي.
ويضرب مثالا آخر للفساد بمحطة اسالة الغاز في رشيد حيث تم فجأة تعديل الاتفاق مع الشركة البريطانية ووافق مجلس الشعب عام2005 ليصبح الامتياز50 سنة مخالفا للقانون لأنه لايوجد في القانون التجاري المصري امتياز لمدة50 سنة وكأنه إحياء لذكري دليسيبس, وللأسف يلزم هذا الاتفاق مصر بمد هذا المصنع بالغاز طوال50 وسوف ينتهي الغاز من مصر قبل20 سنة, وبالتالي نضطر للشراء لتزويد المصنع بالغاز وهذا الوضع اجرامي ومخالف للقوانين.
فقلت له لقد تعبت من كثرة الأرقام المهدرة من أجل أغراض شخصية فقال الدكتور ابراهيم زهران مثل آخر لابد من ذكره وهو مصنع دمياط للغاز فهو المصيبة الأكبر وتقدر خسائره بنحو10% ما أعلنت عنه كاثرين أشتون المفوضه الأوروبية فخسائره500 مليار دولار حيث ابرم عقد مع الشركة الاسبانية يمثلها يحيي الكومي تحصل علي الغاز مقابل57 سنتا تم رفعه فيما بعد لنحو دولارين فقط وسعر الغاز العالمي12 دولار للألف قدم مكعب وعقدهم20 سنة ومصر عليها تحمل الفرق بتوفير الغاز.
القضاء علي قطاع البترول
ويقول الدكتور أيمن جاهين خبير اقتصادي في البترول بالشركة المصرية القابضة للغازات إن قطاع البترول قبل ظهور سامح فهمي كان من أهم القطاعات المنتجة في مصر حيث كان موردا مهما للخزانة العامة للعملة الصعبة, واليوم تقف الهيئة في الطابور تطلب الدعم والمعونة كدعم للمنتجات, وعند احتراق معامل شركة الاسكندرية للبترول لقصور الصيانة كما كشفت التحقيقات وقال مسئول البترول إن وزارة المالية لم تعد تعطينا الاعتمادات الكافية لعمليات الصيانة والاحلال اللازمة
ويوضح أيمن جاهين أن احتياطي الغاز بسبب هذه السياسات وبناء علي احتياطي الغاز المؤكد وهو لايزيد عن40 ترليون قدم مكعب في أحسن الأحوال وللأسف تعلن وزارة البترول أنه77 ترليون قدم, ومصر لها الحق في20 ترليون قدم مكعب وهي النصف وواستهلاكنا السنوي2,2 تربيون قدم وهناك زيادة سنوية نتيجة النمو السكاني والاقتصادي لذلك سيزيد الاستهلاك ومع زيادة استهلاك الطاقة التي يبلغ نصيبها من الاستهلاك30% والتنمية الصناعية المتوقعة حيث تستهلك الصناعة60% من الاحتياجات, وبذلك من المتوقع عدم كفاية الغاو سوي10 سنوات, وهذا الوضع يتطلب تغيير القيادات الحالية التي هي امتداد للنظام السابق بكره وأسليبه, وقد قدمت4 بلاغات للنيابة خلال العام الأخير وجاري التحقيق فيها.
500 مليار دولار طارت
لكن الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي ومدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية له رأي آخر في تصريحات أشتون لأنه قام بعدد من الدراسات الاحصائية والاحتمالية للأموال المنهوبة من مصر طوال فترة حكم مبارك والتي تم تهريبها للخارج وركز علي الأساليب العلمية في كشف حجم الأموال المتوقع تهريبها.. فيشير إلي أن ما ذكرته أشتون من الناحية العلمية لايمت للحقيقة بصلة وهو من ناحية أخري يخفي أغراضا سياسية خبيثة تتمثل في محاولة تملص ممثلة أوروبا من مسئوليات أوروبا تجاه مساندتها علي مدار30 سنة لنظام مبارك الذي كان حكما استبداديا فاسدا ومن ناحية أخري التهرب من مسئولياتها تجاه استرداد الأموال المنهوبة من جانب حسني مبارك وأبنائه وحاشيته في دول الاتحاد الأوروبي, والأرقام التي أوردتها تفتقر لأي أساس علمي لأن عملية تقدير أموال الفساد والمهربة لها معايير علمية تقوم عليها التقديرات.. فالمعيار الأول حجم الناتج المحلي والدخل القومي في هذه الفترة, والمعيار الثاني حجم القطاعات الاقتصادية التي يجري فيها أكبر عمليات النهب واستنزاف الثروات الحقيقية مثل شركات القطاع العام والمضاربة علي الأراضي وحجم الاقتراض المصرفي والتجارة الخارجية للدولة وكميات البترول والغاز وغيرها..., ويتمثل المعيار الثالث في سعة قنوات التسرب وتهريب الأموال للخارج, والمعيار الرابع قدرات الوسائل والأساليب الفنية والاحصائية والمحاسبية التي تساعد في عمليات التهريب.
ويشير الدكتور عبدالخالق فاروق إلي أنه بناء علي هذه المعايير قدرنا في عدة دراسات علمية حجم ماجري تهريبه من أموال عن طريق اسرة مبارك و200 شخص مقربين من الأسرة من كبار رجال الأعمال المحيطين منذ عام1991 بنحو500 مليار دولار, هذا بخلاف ما تم تقديره من حجم الأموال السوداء أو مايطلق عليه الاقتصاد الخفي وهي الأموال التي لايجري ادخالها في مصفوفة الدخل القومي لعناصر الانتاج الموزعة, وبالتالي لايجري احتسابها ضريبيا مثل العملات والرشاوي في المناقصات الحكومية وعمليات البناء والدروس الخصوصية والتجارة في السلع المهربة, وأموال الجباية بالبلطجة في الشوارع ومجموع هذه الأموال تراوح مابين75-100 مليار جنيه سنويا منذ عام1991 حتي ثورة25 يناير, أي نحو من25,1 تريليون جنيه وهي تشمل أموال الفساد للكبار والصغار بعد أن أفسد نظام مبارك المجتمع.
وهنا يؤكد الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ومساعد المدير التنفيذي سابقا في البنك الدولي, أن مصر كانت تمر بأزمات اقتصادية ومالية, وكنا نقترض من الخارج بينما كانت عمليات التهريب للأموال, وتجريف الثروات تجري علي أشدها, عبر قلة قليلة من المسئولين, ورجال الأعمال المتصلين بالنظام السابق, حين كانوا يقومون بتهريب الأموال, ثم يقترضون من البنوك, ويستفيدون بأموال المودعين لإقامة مشروعاتهم.
ويقول د. فخري الفقي: النهب المنظم للثروات حقيقة واقعة, فمصر دولة غنية بمواردها وثرواتها, ومع ذلك لا أحد يعرف حجم الأموال التي دخلت الموازنة العامة للدولة, ولا أين ذهبت بالتحديد, ولم يذكر لنا أحد من الجهات المسئولة حجم الأموال التي تم تهريبها إلي الخارج, ولا الدول التي ذهبت إليها الأموال المنهوبة؟!.. فعلي مدي قرن ونصف جاءت قناة السويس- وهي تمثل أحد مصادر الدخل القومي التي تدخل مباشرة في الخزانة العامة للدولة بمبالغ كبيرة, تصل في تقديري- إلي نصف تريليون دولار خلال قرن ونصف, فضلا عن موارد البترول, والغاز الطبيعي الذي تم بيعه بثمن بخس, ناهيك عن المساعدات الخارجية والمنح الأوروبية, وعائدات السياحة, بالإضافة إلي صادراتنا من السلع والمنتجات الوطنية, والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة, بالإضافة إلي الأموال التي خرجت من مصر قبل إحكام القبضة علي عمليات غسل الأموال, بصدور قانون مكافحة غسل الأموال في عام2005, والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد, والمرجح أن تكون هذه الأموال قد تم تهريبها إلي بنوك سويسرا, وهي الدولة الأوروبية التي لم تدخل الاتحاد الأوروبي حتي الآن, ولم تنضم إلي منطقة اليورو كما فعلت27 دولة أوروبية حتي الآن, لأنها تستقبل الأموال المهربة, والمغسولة, وتحتفظ بسرية الحسابات, والمعروف عالميا أن سويسرا تمثل ملاذا آمنا للأموال المنهوبة, والمغسولة من مختلف دول العالم, فضلا عن البنوك الموجودة في جزر الباهاما, وجيرسي أيلاند, وبنوك أخري في حزر المحيط الأطلنطي وتتبع دولا عديدة, وهي لا تخضع للتفتيش.. باختصار لم تأت كاترين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بجديد حول أموال مصر المهربة للخارج, وكل ما فعلته أنها كشفت الغطاء فقط عن هذه العمليات.
أين ذهبت الأموال؟
ويسأل الدكتور فؤاد أبو ستيت أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية السيدة كاترين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي: من أين جئت بهذه الأرقام والإحصاءات حول ثروات مصر وأموالها المنهوبة؟.. ثم لماذا لم تبلغ الوزيرة الأوروبية الجهات المختصة في مصر بما لديها من معلومات, بينما اكتفت فقط بترويجها؟
في الواقع, حققت مصر معدلات نمو اقتصادية كبيرة طوال الثلاثين عاما الماضية, في حين كان العائد يذهب إلي فئة معينة, بينما تم تهميش الطبقة الفقيرة, وتراجع الإنفاق علي الصحة, والتعليم, والضمان الاجتماعي, كما تم تهريب الأموال, وهو ما تبين بشكل سافر في ميزان المدفوعات لعام2010-2011, وخرج نحو ملياري جنيه من مصر في عام واحد تحت بند السهو والخطأ, والشاهد أن المجموعة المسيطرة علي الحكم, وأعضاء من الحزب الوطني المنحل القريبين من النظام السابق- كانوا يستخدمون المال العام في تهميش الاقتصاد الوطني لتحقيق مصالحهم الخاصة.
ويسأل: أين ذهبت أموال التأمينات, وعائدات قناة السويس, والبترول, والسياحة, وغيرها من الموارد التي تدخل الخزانة العامة للدولة طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك؟
في النهاية يبدو كلام وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون صحيحا إلي حد كبير, لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن البنك المركزي لابد أن يكون لديه علم بكل التحويلات التي تتم للخارج باستثناء المصرف العربي الدولي الذي تحدثنا عنه, فهو خارج الرقابة, مشيرا إلي أن مصر دولة غنية بثرواتها وإمكاناتها, لكنه تم تجريفها عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد!..
بينما لا يريد الدكتور سمير رياض مكاري أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية التوقف عند الأموال المنهوبة, فاستردادها مسئولية الجهات الرسمية في الدولة, وعلينا أن نترك لها هذه المهمة, وفي المقابل يدعو الجميع للعمل, والإنتاج, والاستغلال الأمثل للموارد بما يحقق معدلات النمو المطلوبة, مشيرا إلي أن الاقتصاد المصري يمتلك كل المقومات التي تدفعه للنمو, مثل الموارد الطبيعية, والغاز الطبيعي, والأراضي الزراعية, والظروف الملائمة للإنتاج والتصدير, والقوي العاملة.





المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق