الجمعة، 2 مارس 2012

مكرم :‏ مبارك أملي مذكراته علي محافظ الأقصر السابق وجمال أخذها ..!


لم يكن مبارك يثق بالصحافة‏.‏ لم تكن الجريدة بالنسبة له أكثر من بغبغان‏..‏ يحضر دائما في البيت‏,‏ لكنه لا يشارك في شئونه‏.‏

مكرم محمد احمد خلال حواره مع مندوب الاهرام
حتي الصحف التي تكلمت بلسان معارض, كانت تسهر, في السر, مع زكريا عزمي ثم تتسلل, مع أشعة الشمس, إلي أيدي الناس لتفرغ قبضتهم في شتم الرئيس. منتهي النصب.. أن تنادم النظام بالليل وفي الصباح تلبس خرقة معارضيه.
هذه هي قواعد اللعبة, وعلي من يرفض أن يعيش مطاردا, في رأيه وفي رزقه.
وقد نزل كثيرون إلي الملعب وأخذوا يستعرضون مهاراتهم أمام المدرب, ليختار منهم من يدير المباريات لحسابه, في غيبة الحكام, ورغم أنف المتفرجين. علي أن المقادير ألقت إلي جوار مبارك بصحفيين كبار مثل مكرم محمد أحمد. مكرم قيمة, قد نختلف في تقييم الحساب الختامي له, لكنه صاحب مشوار مع المهنة طوله50 سنة من العرق. وقد ذهب الرئيس وبقي الرجل يحمل سلة مليئة بطهارة اليد وكثيرا من الشوك وشهادة لم ينقلب فيها علي ذاته, ولم يتكلم من خلاله أي صوت قديم.
> أستاذ مكرم, أنت اقتربت ورأيت, فما استعدادك لأن تقول شهادتك كاملة ؟
- أنا لم أكن في وضع متميز من مبارك. كل رئيس يحاول أن يعقد علاقات ودية مع رؤساء التحرير, لأنهم ينقلون صوته للناس. ولذلك كان مبارك يفهم كل واحد منهم أنه الأقرب إليه. وأنا, بحكم شيبتي, لم أنخدع بهذه اللعبة. هناك دائما إشكالية في العلاقة بالرئيس..أنا, كصحفي, أريد أن أعرف أكبر قدر من الأخبار, وهو يريد أن يستثمرني. هكذا تمضي العلاقة.. مركبة وغريبة, لكن هذا لم يمنع أنني اختلفت معه
> فيم اختلفتم؟
-( بتمنع, لن يصمد طويلا, إذ سرعان ما قال مكرم من تلقاء نفسه).. اختلفنا, أولا, حول إيران. كان رأيي أنه من الضروري أن تكون بيننا وبينها علاقات, لكن مبارك تصور أن مناقشاتي المستمرة مع أبو غزالة هي التي وضعت في ذهني ذلك. كان أبو غزالة يتفق معي في أن علاقتنا بإيران سوف تضبط وضع مصر في الخليج. وتكون, في الوقت نفسه, حائط صد ضد صدام حسين الذي كان يأخذ منا الأسلحة ويشيع أن المصريين تحولوا إلي تجار سلاح! ولذلك فاتحت الرئيس في هذا الموضوع, ذهبت إلي إيران ولما عدت قلت له: أعتقد يا سيادة الرئيس أنه كان يمكن لك أن تؤثر في سير الحوادث, لأن محمد خاتمي كان بحاجة إلي مساندتك في مواجهة المحافظين. فقال لي: يبقي إنت بقي مستفيد منهم ؟ هذا ما حدث بالضبط فاحمر وجهي واصفر, ولما رآني هكذا عاد قبل أن يدخل كابينته في الطائرة وقال لي: أوعي تزعل, وافتكر إنك كنت بتقول عن الإيرانيين إنهم مش كويسين. فقلت له: حصل, لكن هذا لا يمنع من إقامة علاقات معهم. وأضفت: أنا عاتب عليك يا سيادة الرئيس, لأنك تقول هذا الكلام وأنت تعرف من أنا؟
ثم اختلفنا حول الانتخابات الأخيرة. قلت له: أحمد عز هيخرب البلد, فقال: هنصلح, بس مش أوي كده, هم لم يبتدعوا النتائج. لكني أجبت: لا يا سيادة الرئيس: هم ابتدعوا النتائج. وفي المرة الثالثة خاصمني سنة, لأني نشرت, أن جمال كان يتاجر في ديون مصر. فكلمني في التليفون وهو زعلان, قلت: أنا تناقشت معك قبل التسجيل في هذا الموضوع وأنت اقتنعت يا ريس, ففيم عتابك ؟ لا تعط فرصة لدخول طرف ثالث بيننا يا ريس
> من الطرف الثالث هذا ؟
- الولد نفسه, وكانت لدي شكوك في صفوت الشريف, لأنه كان يتضايق من مقابلتي للرئيس من خلف ظهره. المهم أن مبارك قال لي: طيب كلم جمال, لأنه زعلان منك. فقلت: ما لوش حق يزعل ؟ لأن الكلام الذي يقال في الشارع أكبر بكثير مما أثرت
> تريد أن تقول إنك فاجأته بالسؤال عن نقطة حساسة كهذه ؟
- أي والله, لم أقل له أي شيء قبل أن أسأله فيه, لكني كنت أوجه له الأسئلة بأدب
> يقال إن ما يجعل المرء علي القمة هو قدر ضئيل من المقدرة, لكنه يكون مطلوبا في مكانه وزمانه بالضبط. أسألك وفي ذهني ملابسات اختيار السادت لمبارك نائبا له ؟
- السادات صار لديه اعتقاد بأنه كسب مبارك, بعد مؤازرته له في دخول الحرب بما في أيدينا من سلاح. ثم إن العلاقة بينهما عززتها الظروف داخل القصر. في هذه الفترة كان منصور حسن قد أصبح وزيرا لشئون الرئاسة, ودار كلام حول ترقيته. وقد سألني منصور رأيي فقلت له: لا تقبل هذا وإذا قبلت لا بد أن تدخل للسادات من باب مبارك, لأنهما في النهاية عسكريان والمجموعة التي في القصر ستساند السادات ونائبه في أي خلاف يقع بينكما. كان أشرف مروان هو الذي يلعب هذا الدور الرئيسي, حتي إنهم منعوا عن منصور المعلومات والتقارير, وبدأ مروان يقوم بغارات مفاجئة علي مكتبه, خاصة بعد أزمة سبتمبر, وأزمة المحامين, وكان منصور ضالعا في تنقية الأجواء بين نقيب المحامين أحمد الخواجة وبين السادات وكاد ينجح, لكن السادات لم يقبل مساعيه. وقتها عرفت أن منصور سيمشي
> عندما قابلت مبارك, لأول مرة, شعرت أنه قادر علي أن يلهم شعبه ؟
- سأقول لك سرا أذيعه لأول مرة. أنا استدعيت للقاء مبارك, لسبب أخر غير الحديث الصحفي. كانت شائعة قد انتشرت في دار الهلال.. أن مبارك طرف في اغتيال السادات. ووصل الكلام إليه. لا أعرف كيف؟ المهم أنني فوجئت بتليفون يستدعيني لمقابلته, ولما رأيته سألني: إيه الموضوع إللي بيتقال عندك ده, فقلت له يا ريس: هذا الموضوع لا ينبغي أن يقلقك, أنا احتويته. المهم أن مبارك اقتنع وقال لي: أحسن إنه الموضوع إتلم. إنت عارف هم عملوا إيه ؟( يقصد أسرة مصدر الشائعة).. خلي المدعي الاشتراكي يقول لك هم عملوا إيه ؟
الشاهد أنني في آخر الجلسة سجلت معه الحوار الذي قال فيه الكفن ما لوش جيوب. كانت عجلة ابنه مركونة في المكتب. وكان الرئيس يلمع حذاءه بنفسه
> متي بدأ يتحول ؟
- أظن أن الرئيس مبارك حكم مصر بشكل جيد في الفترتين الأولي والثانية فقط. كانت نواياه الوطنية عالية, ولم يكن يحب إسرائيل, وكان حذرا تجاه أمريكا. المشاكل كلها بدأت بعد التوريث, فهبطت قيمة مبارك, وأصبحت مصر رهن أمريكا, ولم نعد قادرين علي أن نقول: لا لإسرائيل. كان يعتقد أن طريق التوريث لا بد أن يمر بواشنطن عبر تل أبيب
> وما الانطباع الذي تركه فيك ؟
- الرئيس مبارك لم تكن لديه كاريزما. وقد استغرق وقتا طويلا لكي يتعلم. هو بنفسه قال إنه أخذ سنوات كتيرة علشان يتعلم الحكاية. وفي فترة ما, لأكون شاهد عدل, كان يكره الذين ينافقونه. مرة قال لأحد رؤساء التحرير كفاية بقي, كفاية هتعملوا في إيه
> من ؟
- لن أقول لك. الشاهد أن المصريين هم الذين يصنعون آلهتهم وفي النهاية يخسفون بهم الأرض
> وما أخطاؤه القاتلة ؟
- تصوره أنه لكي تكون هناك تنمية صحيحة, لابد أن تكون هناك قطط سمان,علي عكس ما كان يؤمن به أيام رئيس مجلس الشعب, ده إللي اسمه...
> رفعت المحجوب ؟
- المحجوب كان يقنعه أن بقضية العدالة الاجتماعية, لكن الخطأ هو اعتقاده أن رجال الأعمال حين يصنعون التنمية سوف تتساقط الثمار في حجر الناس!
> ربما لذلك انتهي به الحال إلي تشكيل وزارة منهم ؟
- في الفترة الأخيرة كان جمال يتابع كل شيء. كان عين الرئيس وأذنه. أما الوزارة فكانت هناك كوتة معينة تشكل بها.. سوزان كان لها تأثير قوي علي وزراء التعليم والصحة والإسكان والثقافة ومحافظ القاهرة. أما جمال فكان يمشي معه الوزراء المعنيون بشئون المال والأعمال
> بصراحة.. هل تدخل مبارك في عملك كرئيس للتحرير أو نقيب للصحفيين ؟
- مرة كلمني وقال لي: المعلومات إللي عندك ناقصة, كان حقك تتصل علشان أقول لك التفاصيل
> في أي موضوع ؟
- لا أذكر, لكنه كان يغضب عندما ننشر شيئا علي غير هواه
> صحيح أنك كتبت له خطابا, تطلب دعمه في انتخابات النقابة؟
- الخطاب الوحيد الذي أرسلته له عبر صفوت الشريف.. أنني سأعتصم أمام مكتب يوسف بطرس غالي, إذا لم تحل فورا مشكلة الزملاء في جريدة الشعب. وبالمناسبة.. كنت رافضا بشدة خوض هذه المعركة الانتخابية, إلي أن سألني الرئيس: إنت ليه مش عايز تدخل الانتخابات ؟ فقلت: هناك4 أجيال في النقابة وحجم الاختلاف بينهم وبين النظام هائل, ولهم طلبات كثيرة ومشروعة. فقال: ولماذا لا تدخل وتحقق لهم طلباتهم؟ فاعتذرت, لكني فوجئت به يتصل مرة أخري ويفتح الموضوع. فقلت له: عايز مدينة سكنية للصحفيين, قال لي: ماشي, عايز400 بدل تكنولوجيا, قال لي: ماشي, كل إللي إنت عايزه. وقد بدت لي هذه فرصة جيدة. شعرت أنه بإمكاني أن أحصد مكاسب عديدة لزملائي
> وماذا عن حس الفكاهة لديه؟
- كان يحب النكت والضحك. هو, بالمناسبة, بسيط جدا في تعاملاته. وكنا نسأله في كل شيء. مرة قلت له, رغم صداقتي لعاطف عبيد: الناس ملت من عاطف عبيد.. دمه تقيل
> وبماذا أجابك ؟
- كان يختزل الأشياء في نفسه. قال لي: ها اجيبلك يا سيدي المرة الجاية واحد دمه خفيف
> أحيانا كنت أشعر أنه موكل بعناد الناس ؟
- كانت هذه إحدي صفاته الأساسية. كان يخفي عنا وجهة الطائرة, وكنا نتظاهر بالجهل لنشبع رغبته في التكتم
> وما مركب نقصه ؟
- أنا لست طبيبا نفسيا, لكن يمكنك أن تلحظ بسهولة قلة ثقافته
> ماذا تفتقد في مبارك ؟
- أنا صحفي مهمتي أن أواكب الحدث وألا أتوحد مع أي شيء, بحيث يتحول إلي جزء مني
> لكن الصحفي أيام مبارك كان متوحدا فيه.. كان ظله في الصحيفة ؟
- عن نفسي كثيرا ما استعجلته. يا ما قلت له: إحنا( يقصد رؤساء المؤسسات القومية) نتنا, إحنا خلاص خللنا. لكنه كان يقول لي: إنت مستعجل ليه يا أخي!
> متي رأيته غاضبا ؟
- في رحلتنا الأخيرة لأمريكا. كانت إجراءات التفتيش سخيفة جدا, حتي إنها بدت متعمدة. وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي علمنا أن بوش سلم شارون رسالة تضمينات بأن الكتل الاستيطانية الكبري سوف تلحق بإسرائيل. كان الوضع محرجا, لأن بوش لم يخطر مبارك بهذا الأمر. وقتها استشاط مبارك غضبا وطلب من عمرو موسي أن يدبر له أية مناسبة, ليعلن فيها اعتراضه علي قرارات بوش. وبالفعل قدم الرئيس خطابا خرج فيه علي النص وأبدي غضبه من هذه المفاجأة. وكانت تلك آخر زيارة له لأمريكا. وبالمناسبة كانت القاهرة قد حذرت واشنطن من هجمات سبتمبر, لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تلتفت لهذا التحذير, بل إن بوش راح يسمي مبارك في كل المنتديات بـM.wisdom. وفي حادث الأقصر, وأثناء إقالته للجنزوري, كان مبارك في منتهي الغضب
> ما الخدمات التي قدمها مبارك لأمريكا, وتتناقض مع الأمن القومي المصري ؟
-( بعد تفكير) من المؤكد أن التسهيلات التي تحصل عليها أمريكا في مصر, وهي تسهيلات كبيرة.. بحرية وجوية, تفوق في قيمتها المعونة التي تقدمها لنا. أعتقد أيضا أن الخدمات التي قدمتها مصر في الحرب علي الإرهاب كانت مهمة للأمن القومي الأمريكي. ثم إن توتر العلاقات بين القاهرة وحماس صب في صالح أمريكا
> و إسرائيل.. ألم يتخذ منها صديقا استراتيجيا, بدلا من أن تكون العدو الاستراتيجي ؟
- الخطر أن مبارك اعتمد خطا كان سائدا أيام السادات.. أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب. ثانيا: كانت هناك جرائم إسرائلية ارتكبت في حق الفلسطينيين, لكنها لم تكن تلقي ردود فعل قوية من جانب مصر. ثالثا: أننا في بعض الأحيان كنا نضغط علي الفلسطينيين, كي يذهبوا للتفاوض, دون أن تكون لدينا ضمانات كافية بأن هذا التفاوض سيحقق أية ثمار حقيقية
> من الذي كان يهيمن علي مقاليد الصحافة في عصر مبارك ؟
- صفوت الشريف, لأنه كان صاحب تأثير قوي علي مبارك. هو الوحيد الذي كان يجيد التخاطب معه ويفهمه. ثم إن مبارك كان يثق في قدرته علي التعامل مع كل المشاكل, وبالرغم من أنه يعرف كثيرا جدا من أساليب الشريف وسمع شكاوي كثيرة في حقه, إلا أنه كان يري دائما أن الشريف هو رجله في المهام الصعبة
> تقصد المهام القذرة ؟
- واحدة من عيوب الشريف أنه لم يكن يحسن التعامل مع من يحترمون أنفسهم. كان يريد من كل من يتعامل معه أن يكون مجرد أداة في يده وجزءا من إرادته. وكانت لديه درجة من المكيافيلية.. أن يحقق ما يريد بأية طريقة
> ما حقيقة موضوع التوريث ؟
- أنا كنت أول صحفي في مصر يسأل مبارك عن هذا الموضوع وكانت إجاباته: أننا لسنا مثل سوريا وأن مصر ليست ملكية, لكي نورثها. مثل هذه الإجابات كانت تحتمل نوعا من المخاتلة, لأنه كان يتصور أن نزول جمال مبارك المعركة الانتخابية يبطل مفهوم التوريث. لكن بدا من الانتخابات الأخيرة أن الحكم سينتقل في الفترة القادمة لجمال
> اقتربت من جمال, بحيث يمكن أن تلخصه في عبارة ؟
- عنيد
> من شابه أباه ؟
- لا أعرف إن كانت وراثة أم لا, لكنه بدأ يمارس نفوذه بشكل فظ علي كل من يخالفه الرأي..
> اذكر لي وقائع ؟
- مرة عنف أحد رؤساء التحرير دون مبرر
> من ؟
- لا داعي, وخلافه الشديد مع الجنزوري. والأخطر من ذلك أنه صدق ما كان يقوله له بعض حوارييه من أن الديموقراطية سلعة غير مطلوبة, وأن الناس تترقبه وتأمل فيه وأن كل شباب مصر متحمس لوجوده. كان يعيش في شرنقة مثل الرئيس
> ما دور جمال في إقالة الجنزوري ؟
- هناك أسباب كثيرة لإقالة الجنزوري: منها أنه كان ينظر لنفسه علي أنه رئيس وزراء سياسي, ومن ثم يحق له أن يبدي رأيه. وهذا لم يكن أمرا مستحبا داخل القصر. السبب الثاني هو أن العلاقة بين الجنزوري ويوسف بطرس غالي, الشخص الأثير لدي جمال, كانت غاية في السوء, إلي حد أن الجنزوري كان يتهمه علنا في وطنيته. ثالثا أن مبارك كان يأخذ علي الجنزوري أن الحسابات الختامية للموازنة جاوزت المقدر لها بسبب كثرة المشروعات الكبيرة. وقد سمعت هذه الرواية من مبارك شخصيا.. أن الجنزوري عمل له من البحر طحينة. أما الجنزوري فيعزو السبب إلي خصومته مع غالي
> وما الشيء الذي كنت تشعر أنه مدار حياة مبارك ؟
- أمنه. مرة, وهذا الكلام لم أقله من قبل, كنا قد وصلنا إلي تنزانيا, لكن فوجئنا الساعة12 بالليل, في نفس ليلة وصولنا, بدق عنيف علي الأبواب.. كله يجمع.. كله ينزل شنطه. وفي الآخر اتضح أن السفير الأمريكي اتصل بأحد أعضاء الوفد المصري وأخبره أن لديه معلومات عن وصول اثنين من الليبيين إلي تنزانيا, وأن السفير يخشي أن يكون هؤلاء مكلفين باغتيال مبارك! وقتها لم تكن العلاقات طيبة بين مصر وليبيا. المهم أمرت الطائرة بأن تقلع علي عكس الاتجاه في الممر ووضعت سيارة رؤساء التحرير في مقدمة الركب, لكي يضحوا بنا في حالة وجود شيء.
> وما دور زكريا عزمي في تقويض القصر؟
- زكريا هو الذي كان يفتح الباب علي مبارك وهو الذي يغلقه عليه. وما من رسالة يمكن أن تصل لمبارك إلا من خلاله. هو أداته وعصاه أذا أراد مبارك أن يقرع وزيرا. هو كـ.. مبارك, لكني لا أريد أن أستخدم هذا التعبير
> وحسين سالم ؟
- رجل الظل, تراه دائما من وراء ستار. عازف عن أن يكون نجما, حتي في الإعلانات بخيل. وربما كان ذكاء منه.. أن يظل دائما في الهامش
> قلت إن هناك مؤامرة كان يقودها جمال والعادلي للانقلاب علي مبارك أثناء الثورة.. هل تأكدت من هذا الموضوع ؟
- ما قلته أن هناك ورقة من8 بنود تمثل خط الدفاع الأخير, وأن العادلي استخدم هذه الورقة في غير ظروفها الحقيقية
> ما محتوي الورقة تفصيلا ؟
- تحدد في ساعة الـblackout( التعتيم) كيفية التصرف حيال الأوضاع
> بالنسبة للجماعات الإسلامية, هل كان مبارك متحمسا لحوارك معها ؟
- هو فوجيء بصدور الحلقات وصبر علي الحلقة الأولي والثانية. بعدها جاءني اتصال من زكريا عزمي يطلب فيه وقف النشر, بناء علي طلب الرئيس,لكني اعتذرت. قلت له: إذا كنتم عايزين تصادروا المجلة صادروها, لكنني لا أستطيع وقف العدد بعد أن أعلنت عنه. ثم إنني لا أري أي ضرر من وراء النشر. ما الخطأ في نشر هذه الحورات؟ فرد زكريا: يعني إنت مش عارف يا مكرم ؟ قلت له: لأ مش عارف, فقال لي: العالم كله بيتكلم عن القبض علي المتطرفين وإنت بتتكلم عن الإفراج عنهم!! هنا قلت له: هذه الحوارات في سجون مصر سابقة ليس لها مثيل في العالم. وأنا لو مكانكم أنشر هذه الفيديوهات في التليفزيون! فرد: آه ده إنت بقي عايز توججها مع أمريكا! فعرفت أن أمريكا غاضبة من هذه الخطوة ومعترضة عليها. المهم أنني طلبت مبارك وقلت له: أنا مش فاهم يا سيادة الرئيس إيه إللي مزعلك من نشر الحوارات ؟ فقال: حبيب العادلي غلط إنه سمح لك تصور الصور دي.. كان هناك أكثر من ألفي سجين من هذه الجماعات لابسين أبيض والضباط واقفين قدامهم, في أربعة سجون متصلة. المهم قال لي مبارك: زكريا بلغني إنك مصر علي النشر! فقلت: شكلها وحش أوي يا ريس إني أطبع المصور من جديد وهو علي وشك أن ينزل السوق! فرد: طيب دي تبقي آخر حلقة
> أفهم من كلامك أنك قمت بهذه المبادرة من ورائه ؟
- طبعا, لكن بموافقة حبيب العادلي
> ما دور العادلي في الوصول بـ مبارك إلي هذه الحافة الوعرة؟
- أنه اعتمد علي الحل الأمني, وعدم دقة تقاريره عن الوضع في الميدان
> ما الأصل الذي يمكنك أن تعزو إليه في النهاية كل تصرفات مبارك ؟
- اعتقاده أنه دائم. لم يشعر أن الناس قد تمله كما تمل أي مسئول. ثم إنه لم يبعث الأمل في نفوس الشباب. تقول له: يا ريس مطلوب أن نكلم الشباب بلغة جديدة, فيقول لك: ما هو كل إللي بنعمله بنعمله للشباب. لم يدرك مخاطر الفجوة التي حدثت بين الناس وبين النظام. كان غائبا تماما عن رؤية هذه الفجوة. مبارك كان يعتقد أن الناس تثق فيه ويمكنها, من ثم, أن تقبل خياراته. وهذا يؤكد أن المسافة قد اتسعت بينه وبين الشارع. كلنا كنا ندرك ذلك
> أنت شخصيا.. هل نبهته إلي شيء من هذا ؟
- أكتر من مرة, لكن الرئيس الأسبق في الفترة الأخيرة كان يحب أن يتكلم بأكثر مما يسمع. كان يصادر عليك ابتداء حقك في الكلام. عندما يشعر أنك ستسأله عن شيء مهم كان يبادرك بالكلام. وكان المحيطون به يقولون: ما تتعبش الرئيس يا مكرم. ولا تنس أن الغرب اتبع معهformula( صيغة) غريبة جدا.. أنه حكيم الشرق الأوسط, وأنه الوحيد الذي ينتظرون موعظته. كان الغرب ينافقه
> استعلي علي النفاق المحلي, ورحب بالأجنبي.. عقدة الخواجة ؟
- الغرب عمق بداخله الاحساس بأن أفكاره لا تراجع. إلي أن هزته الحرب علي غزة. أعتقد أن هذا الموقف غمره بشعور عدواني ضد حماس. في البداية, وقد سمعت منه ذلك بأذني, كان يري أن حماس لا علاقة لها بالإخوان, لكنه في الآخر اعتبرها خصمه الحقيقي
> كتبت خطب مبارك لمدة10 سنوات. أسألك عن الكلمات التي كنت تستخدمها وتشعر أنها تمثله ؟
- كنت أعبر عن المشكلات كما هي, آخذ ما يسمح لي به من معلومات, ثم أكتب الخطاب بناء علي إحساسي أنا بالشارع
> أليست هناك كلمات معينة أو خلفيات بعينها أحاطك علما بها أو حذرك من استخدامها ؟
- مرة, وكانت هناك أزمة بين مصر والأردن, قال لي, قبل أن أكتب الخطاب: حط في اعتبارك كيت وكيت. ثم حكي لي الخلفية الحقيقية للخلاف بينه وبين الملك حسين
> حول ؟
- محاولة الملك حسين لمنافسة الدور المصري. وعلي فكرة لم أكن وحدي من يكتب خطاباته. هيكل أيضا كان يكتب له
> تقصد أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق ؟
- كان يكتب له الخطابات الدينية
> ألم يطلب منك أن تكتب له مذكراته ؟
- مبارك أملي مذكراته علي محافظ الأقصر السابق, سمير فرج. سمير قال لي إن جمال مبارك أخذ منه أكثر من25 شريطا, وأنا علي يقين أن مبارك سجل فيها كل ما لديه
> ما الشيء الذي كان مبارك يعتبره فخر إنجازاته ؟
- تسديد ديون مصر, وقضية طابا, وأنه علم طيارين كويسين. لم يكن يتكلم معنا عن الحرب, بل عن العيال إللي كان بيدربهم ويلقنهم. كان يقول للواحد منهم إذا سمعت الكلام ها ترجع لي سالم, وإذا ما سمعتش الكلام مش هترجع
> وما الشعار الذي رافقه طوال مشواره مع السلطة ؟
- لم يحكمنا مبارك واحد. في البداية كان هناك مبارك متواضع وبسيط يكره النفاق, ومبارك الثاني كان لرفعت المحجوب تأثير قوي عليه, ثم مبارك الثالث بتاع الحرب علي الإرهاب, مع أنه كان يعاني من أن الغرب لا يصدقه في هذه الحرب. كانوا يتصورون أنه يحاول استخدام فزاعة الإرهاب لتوريط أوروبا وأمريكا في مواقف بعينها. وهناك مبارك..النسخة الأخيرة, وهي بكل أسف ليست أفضل الطبعات
> سمعته يمارس أي نوع من النقد الذاتي ؟
- لم أسمعه ينقد ذاته, لكنه كثيرا ما كان يقول: إحنا تعلمنا بقي
> والديموقراطية, هل كان يؤمن في أعماقه بالديموقراطية ؟
- لا أظن. لو كان الأمر كذلك, لأصبح رئيسا ديمقراطيا. إيمانه الحقيقي كان بـ أتاتورك, وأول كتاب طلبه من دار الهلال كان عنه
> يقال إن رأي إنسان في أية قضية لا يمكن أن يكون أفضل من نوع المعلومات التي تقدم إليه في شأنها. في تصورك ما أخطر معلومة قدمت لمبارك أثناء الثورة وبني موقفه عليها ؟
> أن الجيش نقل مواقعه ويقف إلي جوار الثورة. وأنه لا بد لمبارك من التنازل عن الحكم
> من الذي أبلغه بضرورة التنحي؟
- عمر سليمان
> ألا يبدو لك مبارك, وهو في القفص, مذعنا لمصيره أزيد من اللازم ؟
- كنت أتمني لو كانت لديه القدرة, ليقف علي رجليه ويدافع عن نفسه
> هل يمكن لمحاكمته أن تسيس ؟
- في البداية كانت نظرة المجلس العسكري أن مبارك لا ينبغي أن يحاكم, لأنه يحمل نجمة سيناء وبطل من أبطال حرب أكتوبر. لكنهم قبلوا بمحاكمته تحت الضغط. وربما كانت ثقة مبارك في نفسه هي السبب. سألوه..هل تريد تطمينات؟ قال: لا. هل تريد أن تغادر؟ قال: ليه ؟
> من الذي عرض عليه هذه التطمينات ؟
- عمر سليمان
> هل ينتابك حياله أي إحساس بالشفقة ؟
- هو عزيز قوم ذل. لكن المحاكمة ضرورية, لأنها ستحول دون ظهور فرعون جديد
> وما الحكم الذي سيصدره المستقبل عليه ؟
- ربما يكون المستقبل أكثر إنصافا لمبارك الآن لا يمكننا أن نحكم, لأننا ما زلنا نعيش في قلب المأساة.


المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق