السبت، 3 مارس 2012

انتبــــــــــاه‏!‏


‏الآن‏..‏ أي شيء يمكن أن يحدث في أي وقت وفي أي مكان‏..‏ هذه العبارة التي جاءت علي لسان ديدمونة في رواية عطيل التي كتبها ملك التراجيديا المسرحية المعروف في الأدب العالمي باسم ويليام شكسبير‏..‏ قبل نحو خمسمائة عام‏..‏
وهي تشعر بأن أمرا ما شريرا هذه المرة ليس طيبا سوف يحدث لها.. وقد صدق حدسها وجاءت نهايتها المحتومة علي يد أقرب إنسان إليها.. حبيبها ومعشوقها عطيل نفسه!
هذه العبارة تتحقق الآن في بلدنا الطيب طول عمره المسالم أبد الدهر. صاحب المثل والمبادئ وحامي حمي الأنبياء ومحتضن رسالات الرسل والفلاسفة العظام وأهل الفكر والفطنة والخلق العظيم.. والذي يكتب الآن آخر صفحة من تاريخه العظيم بثورة أطاحت برءوس الفساد العفنة وحررت عقول أهل مصر وقلوبها من دنس القهر والظلم والفقر المبين.. وخلعت آخر الفراعين من فوق عرش مصر ومعه زبانية الشيطان.. هامان وجنوده قتلة الشباب الغض الصغير وهو يهتف باسم مصر.. ومعهم قارون الذي يحمل في عصرنا اسم وزير جباية الشيطان الذي خرب ونهب أموال الغلابة ومدخرات أصحاب المعاشات وراح يحتمي بالفرنجة في بلاد الغربة..
هذه العبارة التي قالتها ديدمونة في مسرحية عطيل: الآن أي شيء يمكن أن يحدث في أي وقت وفي أي ساعة وفي أي مكان.. تتحقق الآن بالفعل.. وإذا لم تصدقوني وتصدقوا طابور أهل الفكر والرأي من خلفي.. فبماذا تفسرون يا أولي الفطنة منا ما يجري علي الساحة الآن؟
ولنبدأ المسلسل المرعب الذي يجري في بلدنا علنا وعلي مشهد من الجميع.. بل ودون خوف من أحد.. أي أحد.. بذلك المشهد المريب الذي جري في ساعات الصبح الأولي.. وفي أشد شوارع القاهرة زحاما بالناس والمارة والأتوبيسات والميكروباصات والسيارات بل والتوك توك الذي دخل عنوة واقتدارا في قلب الصورة وكأنه قط صغير يموء وسط صخب وصياح ودوشة المرور ودردشة وطناش رجال المرور.. عندما كانت الدكتورة نيرمين خليل تقود سيارتها في طريقها إلي عملها في معامل البرج واقتربت سيارة سوداء من سيارتها وترجل منها شخصان فتحا نيران مسدسيهما عليها وأطلقا رصاصتين استقرتا لساعتها في رأس هذه السيدة الطيبة التي تعمل مستشارة في إحدي هيئات الأمم المتحدة.. وهي تقود سيارتها دون أن تدري أن القدر الأسود يتربص بها في قلب الزحام والساعة لم تتجاوز الحادية عشرة صباحا.. لتسقط برأسها علي مقود سيارتها غارقة في دمائها لتفارق الحياة في الحال.. ويهرب القاتلان أو القتلة بسيارتهم وسط دهشة المارة.. ووسط الزحام.. دون حتي ـ ولهول المفاجأة ـ أن يلتقط أحد رقم السيارة القاتلة يمسك بمرتكبي الجريمة الذين هربوا وسط الزحام!
وحتي هذه الساعة.. وحتي كتابة هذه السطور لم يعثر رجال الأمن علي أي خيط يقودهم إلي الجناة.. الذين تبخروا وسط الزحام.. وتحولوا إلي لغز أسود تذروه الرياح!
هذا أول لوغاريتم لم يتم حل طلاسمه حتي الساعة..
...........
...........

وإذا كنتم لا تصدقون أن أي شيء يمكن أن يحدث الآن.. وفي أي وقت وفي أي مكان.. فبماذا تفسرون حادث الاعتداء علي الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح قطب الإخوان المسلمين والمرشح المحتمل لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة وسرقة سيارته.. ونقله مصابا إلي المستشفي حتي خرج منه في الصباح؟
ولأن كل شيء وأي شيء يمكن أن يحدث الآن.. في أي ساعة وفي أي وقت وفي أي مكان.. فبماذا تفسرون ـ دام فضلكم ـ حادث الاعتداء علي الدكتور حسن البرنس النائب في البرلمان ووكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب والمسئول الأول عن ملف نقل الرئيس السابق الراقد علي ظهره في المركز الطبي العالمي علي طريق مصر ـ الإسماعيلية.. إلي مستشفي سجن مزرعة طرة.. كما أقر البرلمان ومعه الرأي العام المصري كله.. وكما أمر النائب العام الدكتور عبدالمجيد محمود في رسالة واضحة إلي هيئة المحكمة الموقرة التي يحاكم أمامها الرئيس المخلوع؟
صحيح أنه جرت مياه كثيرة في نهر الهم المصري.. وقالت لجان التحقيق في الحادثين.. حادث الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح.. وحادث الدكتور حسن البرنس.. إنهما مجرد حادثين ارتكبهما أشخاص لا صلة لهم بالعمل السياسي.. ولا ناقة لهم ولا نفير فيما حدث.. وإن حادث الاعتداء علي قطب الإخوان المرشح المحتمل لمنصب رئيس الجمهورية.. لا يعدو كونه حادثا إجراميا يدخل في نطاق حوادث السطو المسلح علي السيارات المسافرة علي الطرق الزراعية والصحراوية.. والتي تحولت بعد الثورة ـ بقدرة قادر ـ وفي غياب غريب ومريب لأجهزة الأمن علي الطرق وفي المناطق البعيدة عن الأعين.. إلي جريمة شبه منظمة.. تقوم بارتكابها كل يوم وكل مساء تشكيلات عصابية.. وهو تعبير أمني أصبح دارجا الآن علي لسان كل الناس.. يهدف إلي ترويع المواطنين الآمنين.. والاستيلاء علي ما يحملونه من نقود أولا.. ثم مصادرة سياراتهم.. وتركهم ينجون بحياتهم في حالة امتثالهم لأوامر العصابات المسلحة علي الطرق.. ويا دار ما دخلك شر.. الجناة فازوا بالغنيمة.. وأصحابها نجوا بحياتهم!
وقد ألقت أجهزة الأمن بمحافظة القليوبية القبض علي أكثر من150 من المشتبه فيهم ومن معتادي الإجرام والسطو المسلح علي الطرق والقري والمدن.. وتم العثور علي إحدي عشرة سيارة مسروقة.. ليس من بينها السيارة التي كان يستقلها د. عبدالمنعم أبو الفتوح!
وها هم مسلحون مجهولون يطلقون النيران من بنادق آلية علي قسم الطالبية في شارع الهرم وسط الزحام.. ومجهولون يحرقون50 فدانا في سيوة وطائرات القوات المسلحة تطفئ الحريق الهائل.
...........
...........

تعالوا نفتح ملف دفتر أحوال حادث الاعتداء علي الدكتور حسن البرنس المسئول الأول عن ملف نقل المخلوع إلي مستشفي مزرعة ليمان طرة.. فقد انتهي إلي أنه مجرد حادث مروري وليس حادثا له أبعاد سياسية أو دوافع من أي نوع.. بل إن وكيل النيابة أمر بإخلاء سبيل سائق سيارة نقل الزلط التي اصطدمت بها سيارة النائب البرلماني المسئول عن ملف نقل الرئيس السابق.. بضمان مقر إقامته.. بعد تقديم الدكتور حسن البرنس مذكرة تصالح لعدم وجود دوافع سياسية!
رغم انه تلقي تهديدا علي موبايله.. اذا تم نقل مبارك إلي مستشفي مزرعة طرة!
الحادث إذن ـ كما صنفته النيابة ـ حادث مروري بحت.. لكن اسم صاحب العربة التي وقع لها الحادث الذي بين يديه ملف نقل المخلوع من العز والبغددة في مستشفي خمس نجوم إلي مستشفي البرش والقروانة.. هو الذي أثار أكثر من علامة استفهام وتعجب لتوقيت وقوعه.. مع حادث الاعتداء علي قطب الإخوان علي الطريق نفسه ولكن داخل كردون محافظة المنوفية.. هذا بحيري وذاك منوفي.. وضعوا هنا علامات استفهام سياسية!
...........
...........

وغربان الريبة والشك والحيرة والقلق.. تحلق في سماء مصر.. ونحن نعبر عنق الزجاجة في طريقنا إلي الديمقراطية الحقة التي تتمثل في انتخاب مجلسي شعب شوري بكل النزاهة والصدق بعيدا عن شبح التزوير الذي حلق في سمائنا عبر ستين سنة بطولها.. نصفها تحت حكم آخر الفراعين الظلمة الذي يرقد الآن علي ظهره في مستشفي خمس نجوم علي طريق الإسماعيلية الصحراوي في انتظار حكم العدالة في دولة الفساد المبين في2 يونيو المقبل.. يا مسهل!
وإذا كنا نعيش الآن في ظل سحابات وغيوم سياسية لم تنقشع من سمائنا بعد.. في انتظار كلمة العدالة بعد نحو ثلاثة شهور فما أكثر.. فإن ملف القصاص من قتلة البراءة في أكبر جريمة قتل جماعي شهدتها مصر جرت في بورسعيد في غفلة.. بل قل في تواطؤ مريب من أجهزة الأمن.. وفي تخطيط محكم من عصابة الأخوة كرامازون المحبوسين علي ذمة قضايا قتل الثوار في ميدان التحرير طوال أيام ثورة25 يناير.. بالرصاص الحي في الصدور وبالدهس بعربات الشرطة.. والذين عادوا مرة أخري.. لكي يرتكبوا مذبحة بورسعيد ولكي يقتل الذين لايستحقون الحياة.. الذين لا يستحقون الموت.. أكثر من60 شهيدا من الشباب الصغير الذي ذهب وراء فريقه لمجرد تشجيعه والهتاف له.. لينقض عليه زبانية جهنم الحمراء خنقا وذبحا ورميا من فوق أسوار الاستاد العالية والتي تعلو خمسة أدوار طباقا إلي أسفلت الطريق!
يا لها من موتة بشعة وقتل جماعي وكأنه عملية تصفية عرقية للبراءة والأمل والبسمة والضحكة وحب الحياة.. وللشباب الصغير رصيد مصر في بنك الغد ذهبوا بالفرحة إلي بورسعيد فعادوا جثثا هامدة علي ظهورهم إلي الأمهات اللاتي ينتظرن عودتهم.. وإحزني يا كل أمهات الأرض!
لقد أبكتني أم.. أغرقتني في بحر من الدموع.. وهي تنتظر ابنها الصغير.. الذي لا يتجاوز عمره الرابعة عشرة.. علي محطة باب الحديد.. كانت تناديه وهي في حالة ذهول وغياب يكاد يكون تاما عن الدنيا حولها: أحمد.. ليه قافل تليفونك المحمول.. رد علي يا أحمد.. قول إنك جاي في القطر.. انت فين يا أحمد..!
وينساب نهر من الدموع من عيون كل من كان يقف علي رصيف محطة مصر.. وأنا منهم!
أحمد لم يعد.. ولن يعود.. فقد قتلته قبيلة أكل لحوم البشر التي ظهرت أخيرا دون أن ندري علي أرض بورسعيد.
القصاص أيها السادة.. لابد أن ينال المحرضون جزاءهم قبل الذين غمسوا أيديهم في دماء البراءة.. مع المتهمين المتواطئين من رجال الأمن ورجال استاد النادي المصري الذي جرت داخله أبشع جريمة رياضية في تاريخ مصر.. وفي تاريخ كرة القدم في العالم كله.. حتي تبرد النار التي مازالت مشتعلة في كل الصدور!
...........
...........

الشيء المؤكد الذي وصل إلي حد اليقين في حياتنا الآن.. اسمه القصاص.. القصاص العادل من الذين يجمعهم الآن قفص الاتهام.. من قبيلة الأخوة كرامازون الذين يجمع شمل انحرافهم وفسادهم وجرمهم المبين زنازين السجون في طرة والعقرب والمزرعة والقناطر الخيرية.. ثم مستشفي سجن مزرعة طرة الذي ينتظر في شوق كبير.. كبير عائلة الفساد والإفساد والخراب المبين الذي اسمه المخلوع..
وقائمة المفسدين في الأرض كما كتبتها حفيدتي سالي في كراستها وقرأتها علي رفاقها ورفيقاتها في فصلها رابعة ابتدائي, تضم فطاحل أذناب الفساد في بلدنا طوال ثلاثين عاما من القهر والفقر والجوع والفساد والتخلف والظلم المبين: المخلوع وولداه ووزير داخليته قاتل الثوار ورئيس مجلس شعبه ورئيس مجلس شورته قطبا تفصيل القوانين سيئة السمعة وسكرتيره الخاص ورئيس القصر الجمهوري وسارق مصانع الحديد ومنظم حملة تزوير آخر مجلس شعب مزور100% في تاريخ مصر كلها ووزير جبايته الهارب في لندن ومعه وزير صناعته الهارب هو الآخر إلي عواصم أوروبا وأمريكا ووزير سياحته الذي خربها وقعد علي تلها ووزير إسكانه الذي بني للأغنياء القصور وللفقراء القبور ووزير المبيدات المسرطنة الذي أصاب المصريين بالسرطانات والأمراض التي لا شفاء منها..
وعندما سألت حفيدتي: لماذا لم تذكري أسماء هؤلاء الفاسدين المفسدين؟
قالت: كل الناس عارفاهم كويس.. ولو عاوز تعرف أقلب الورقة.. علي ظهرها اسم كل واحد من المفسدين!
...........
...........

نحن نعيش أياما فاصلة.. فارقة.. في تاريخنا كله..
والأعداء يتربصون بنا من الخارج بإلقاء أعواد الثقاب علي بلدنا.. لنحترق وتضرب الفوضي أطنابها في كل درب وفي كل دار.. ويرسلون علب ثقاب جاهزة بتمويل أمريكي.. كما حدث في تمويل أمريكا جماعات العمل الاجتماعي وصرف أكثر من مليار دولار عليها لضرب الاستقرار وتخريب مكتسبات الثورة.
وها نحن نفرج عن المتهمين الأمريكيين ونتركهم يركبون طائرة أمريكية جاءت خصيصا لهم.. ونترك المتهمين المصريين رهن التحقيق والمحاكمة.. في لغز آخر من ألغازنا الغريبة!
ونحن مقبلون علي انتخاب رئيس مصري جديد لفحته شمس مصر وشرب من ماء النيل ووضع الهرم في صدره مكان القلب.
وعلينا أن نختار رئيسا يسمعنا وليس رئيسا يقهرنا ويظلمنا ويجوعنا علي حد تعبير عم نجاتي فلاح قرية سمسطا.. رئيسا نختاره نحن ولا يسقط علينا من السماء بالمظلة.. في اقتراع نزيه لأول مرة في تاريخنا من أيام الملك مينا موحد القطرين قبل خمسة آلاف سنة ويزيد!
علينا أن نتوقع أي شيء وكل شيء.. شرا كان أو خيرا.. وعلينا أن نفتح عيوننا علي آخرها.. فإن أي شيء يمكن أن يحدث الآن في أي وقت وفي أي مكان كما قالت ديدمونة في مأساتها مع عطيل..
ولن يضيع أبدا دم أبرياء بورسعيد إلا بالقصاص العادل من قتلتهم ومن حرضهم ومن دفع لهم لكي تغرق مصر في بحر من دماء البراءة..
لن يضيع أبدا دم شهداء الثورة.. ولن يضيع دم نيرمين خليل خبيرة الأمم المتحدة.. ولا دم الذين سقطوا في أحداث ماسبيرو ومسرح البالون وشارع محمد محمود ومحيط وزارة الداخلية ومجلس الشعب..
...........
...........

احترسوا أيها السادة.. فالرياح التي تهب علينا هذه الأيام.. ليست رياحا طيبة.. فما أكثر الذين لا يريدون بمصر خيرا.. وعلينا الآن أن نرد كيدهم إلي نحورهم





المصدر : الاهرام - عزت السعدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق