الجمعة، 19 نوفمبر 2010

أحمر‏ ...‏ أو سينما السم في العسل

خواطر سينمائية
المصدر : الأهرم المسائي - ضياء حسني
من الكتب التي كتب لي أن أقرأها في بداية اهتمامي بالسينما كان كتابا يحمل عنوان‏(‏ هوليوود بالألوان الطبيعية‏)‏ و هو علي ما أعتقد من تأليف السينمائي و الناقد عبد القادر التلمساني‏(‏ علي ما أعتقد‏)‏
و قد كنت عثرت علي الكتاب في مكتبة أبي‏,‏ من خلال هذا الكتاب تعرفت لأول مرة في حياتي أن السينما هي إحدي وسائل بث الإيديولوجية عبر الشريط السينمائي‏,‏ بالطبع لم أكن أعرف الكثير من التعبيرات التي وردت في الكتاب مثل الإمبريالية و الإيديولوجية وسيادة حضارة الرجل الأبيض و غيرها من التعبيرات التي كانت بالنسبة لي طلاسم وجب علي فكها‏.‏ كان نهمي لأفلام السينما الهوليوودية هو ما دفعني لقراءة كتاب يحمل عنوانه كلمة هوليوود فقد كان التليفزيون اصري في ذلك الوقت مصدرا من مصادر الوصول للسينما الهوليودية من خلال العديد من أفلام الغرب الأمريكي ورعاة البقر والأفلام التي كانت تدور أحداثها في أفريقيا مثل أفلام طرزان وغيرها من أفلام المغامرات‏,‏ بجانب دور عرض السينما الصيفية التي كانت ملجأ محبي السينما من أبناء الطبقات المتوسطة من سكان المدن‏.‏ وكانت الصدمة الكبري لي هو معرفتي أن كل النماذج التي كنت أحبها في تلك السينما من رعاة بقر ورجال بيض من المغامرين في أدغال أفريقيا‏,‏ والفرسان حاملي السيوف مرتدين العباءات السوداء مثل شخصيات زوزو وغيره من الأبطال التي طالما حلم بهم الكثيرون منا في طفولتهم ليسوا سوي معادل موضوعي لأفكار يراد بها تحديد مواقفنا و رسم رؤيتنا لهذا العالم وفقا لما يراه رجال هوليود‏.....‏ الذين هم في الأغلب والأعم ينقلون لنا الرؤية السائدة في المجتمع الأمريكي‏.‏ فلكم كنا نكره الهنود الحمر‏,‏ حيث كانت هوليوود تقدمهم لنا بصورة المتوحشين القتلة سفاكي الدماء وليس المدافعين عن أرضهم ضد الغزاة‏,‏ و أن الأفارقة و السود ليسوا قرود متوحشة كما كانوا يظهرون من خلال أفلام الأدغال و الأحراش‏,‏ بل أن شخصية زورو كانت في جزء منها تبريرا أمريكيا لانتزاع الولايات المتحدة الأمريكية لأجزاء من المكسيك و ضمها لأراضيها لتصبح ولاية من ولايات أمريكا‏.‏ هذا السم في العسل الذي كانت تبثه سينما هوليوود كان له مفعول السحر علينا وعلي الكثير من الأجيال السابقة علينا‏,‏ جعلنا نفكر كما تريد هوليود ونري الحياة وفقا لمنظورها‏.‏ تطورت الأمور وتطورت هوليوود نفسها فلم تعد تقدم لنا رسائلها بنفس القدر من الفجاجة التي عهدنا بها من قبل‏,‏ و لكنها من أن لأخر تمرر لنا رسائل كثيرة من خلال أفلام كوميدية‏,‏ و أفلام حركة قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالسياسة ولكنها تمر مباشرا لعقل المشاهد لتسيطر عليه‏.‏ كل تلك الأفكار خطرت لي و أنا أشاهد فيلم‏Red‏ من بطولة بروس ويليس و مورجان فريمان وجون مالكوفيش وأرنست بورجنين وريشار دريفوس‏.‏ الفيلم يحكي عن‏'‏ فرنك موز‏'‏ عميل المخابرات المركزية السابق الذي يكتشف وهو علي المعاش و يقضي حياته في منزل منعزل بأن هناك من يريد قتله‏.‏ يذهب موز لزملاء المهنة السابقين الذين نعرف أنهم هم أيضا مهددون بالتصفية من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية التي كانوا يخدمها في يوم من الأيام‏,‏ و ذلك لأنهم اشتركوا في مهمة ترحيل جندي أمريكي من إحدي دول أمريكا اللاتينية حيث كان جنود المارينز يعسكرون هناك‏,‏ وذلك من بعد أصابته بحالة لوثة و أقدامه علي قتل الكثير من المدنيين‏,‏ و شاءت الظروف أن يصبح هذا الجندي نائبا لرئيس الجمهورية و مرشحا لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من مليونير كبير يتاجر في السلاح‏,‏ لذا فأن هناك عملية تصفية لكل من حضروا الماضي الأسود لهذا الجندي السابق الذي سيصبح‏(‏ أو يود أن يصبح رئيسا‏).‏ و من بعد الكثير من السخف الذي تشتهر به أفلام الجاسوسية وارد هوليود الستينيات مثل تجمع خمسة أفراد من قدامي الجيش أو المخابرات لينجحوا في مواجهة جيوش كاملة‏,‏ أو كيفية الدخول لمقر وكالة المخابرات المركزية و العبث في قاعدة بياناتها‏,‏ وخطف نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من حفلة جمع التبرعات التي خصصها لجمع التبرعات لحملته الانتخابية‏...‏ ينجح العميل فرنك موز و أصدقاؤه في كشف المتلاعبين أعداء الحرية والديمقراطية الأمريكية‏.‏ يتمثل السم الذي يقدمه لنا الفيلم من خلال مشاهد الكوميديا والمغامرات الظريفة التي يحفل بها الفيلم عبر ممثلين مخضرمين طالما أحببناهم عبر مشوارهم الطويل في السينما الأمريكية‏,‏ وينجح عبرهم أن يعطي شرعية كبيرة للأعمال القذرة التي قام بها عملاء المخابرات الأمريكية في مشوارهم المهني السابق من قتل و تعذيب و خطف واغتيالات علي أنه عمل وطني قام به هؤلاء العملاء و ليس جرائم ارتكبت‏,‏ بل ان في حوار بين عميل المخابرات الأمريكية و العميل السوفيتي السابق يعلن العميل السوفيتي بحزن شديد أنه لم يقتل أحدا منذ سنوات‏,‏ في نفس الوقت الذي نري الشخصيات تخاف علي عائلاتها و تقع في قصص حب و تحارب من أجل كشف الحقائق عن مفسدين في النظام الأمريكي‏,‏ يقومون بالقتل بدم بارد وأن ما فعلوه وما اقترفوه خارج الولايات المتحدة يعد عملا وطنيا‏.‏ كل هذا يصب في مجال أن أبناء الولايات المتحدة من جنس أخر و أنهم يحق لهم ارتكاب كل الموبقات لحماية بلادهم و مصالحها‏,‏ و بالطبع حمايتها من ماذا لا يهم‏...‏ المهم أن تنتقل روح شرعية جرائم العملاء لذهن المتفرج و بتالي يمكنه تقبلها كما تقبلنا إبادة الهنود و تخلف السود و وحشية الفيتناميين من قبل‏.‏ ومازالت هوليود تضع السم في العسل‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق