اعتادت السينما المصرية تقديم الأطفال في صور مسخ, بمعني أننا لا نري أطفالا حقيقيين بل نري أطفالا يلعبون أدوار الكبار فتارة يشدون بالغناء ويرقصون, وتارة يلقون بحكم لا يقولها كبار عاقلون.
في الأغلب الأعم هم مصدر للكوميديا أو للميلودراما بحيث يكفي الفيلم أن يجعل الطفل يعلق علي الأحداث من وجهة نظره حتي تضج الصالة بالضحك علي تعليق الطفل لما به من غرابة كوميدية مضحكة ولعل فيلم أم العروسة ثم فيلم الحفيد لأكبر مثال علي هذا المنحي في السينما المصرية ومن بعدهما العديد من أفلام الستينيات التي لجأت للطفولة من أجل الإضحاك,أما كونهم مصدرا للميلودراما فالسينما المصرية تزخر بالعديد من الأفلام التي تستخدم فيها الأطفال لذرف الدموع وإبكاء المشاهدين, ولعلنا نتذكر الجملة الحوارية الشهيرة التي سمعناها كثيرا مع تنويعاتها المختلفة( ماتسيبينيش ياماما) أو( أبويا أنت رايح فين يا أبويا), هذا دون النظر لمرحلة الطفلة المعجزة فيروز والتي فتحت الباب لاستغلال الطفولة علي الشاشة من أجل جذب المشاهد, فلقد جعلنا طفلة تتصرف كالكبار وتسلك سلوكهم فكانت الطرافة وضاعت الطفولة, ومازال المسلسل مستمرا.ندرت في السينما المصرية وجود أفلام تتحدث عن الطفولة ومشاكلها وعقد النشأة بعيدا عن الميلودراما والبكاء وتطرح مشاكل الطفولة المجتمعية. قد يرجع هذا في كثير من الأحيان إلي أن هذا ليس من الموضوعات الجماهيرية التي تجذب المشاهد المصري لدور العرض, هذا من جانب, ومن جانب آخر فإن العثور علي ممثل طفل وتدريبه وقيادته خلال عملية التصوير من أصعب الأمور في عالم السينما وبالتالي فإن الجميع يتلافي هذا. أما البديل فهو أسهل ما يمكن.... تقديم طفل غير واقعي يتكلم مثل الكبار ويسلك سلوكهم, ففي هذه اللحظة لا يهم اذا كان الطفل قال جملته الحوارية بشكل جيد أم لا, قدم أداء مقنعا أم لا.... فالأمر كله في اطار المبالغات... وبالتالي كل شيء مقبول.شهدت ضمن أسبوع السينما الإسبانية الذي يقيمه المركز الثقافي المصري للتعاون الدولي بالتعاون مع السفارة الاسبانية فيلما عن الطفولة الحقيقية لا تلك التي اعتدنا رؤيتها من خلال السينما المصرية. الفيلم عنوانهElBola أو بيليه من أخراج أخيرو ماناس.
بيليه هو الاسم الذي يطلق علي بطل الفيلم باولو ليس لأنه صغير الحجم ولكن لأنه يحمل دائما بين طيات ملابسه كرة حجرية صغيرة يتحسسها في يده من آن لآخر, بابلو يعاني من تعسف والده ووحشيته فهو يضربه بشدة لأي سبب ويترك آثاره علي جسمه ووجهه, لا يستطيع بابلو الافصاح لأحد عن ذلك. بابلو يتعرف علي ألفريدو زميل جديد في المدرسة ويجد في أسرته النقيض من شخصية والده,فهي أسرة متفاهمة تنهي ابنها عن اقتراف الأخطاء بالاقناع والنقاش في حين أن بابلو لا يعرف من أبيه سوي الضرب والسباب. في مشهد شديد الروعة نري الأطفال يلعبون لعبة شديدة الخطورة تتمثل في وضعهم لزجاجة في طريق القطار المسرع وعلي أحدهم أن ينتشلها قبل المتباري الآخر وذلك قبل وصول القطار بلحظات, بابلو يذهب مع صديقه الفريدو لمشاهدة تلك اللعبة ولكنه يرفض الاشتراك ومع ذلك يذهب مع صديقه بابلو لقسم الشرطة عندما تقبض عليهما لممارسة تلك اللعبة الخطرة. هنا يأتي والد الفريدو ليخرجهما من القسم ويدور بينه وبين ابنه حديث عن مخاطر تلك اللعبة يشرح له فيه بسلاسة عواقب تلك اللعبة الخطرة ويطلب منه أن يمتنع عن الذهاب لشريط السكك الحديدية, بهذا المشهد يقدم الفيلم أسلوبا بديلا لتربية الأطفال عن أسلوب العنف والضرب. إيذاء بابلو من قبل أبيه يجعله يهرب من المنزل ويذهب لبيت صديقه الذي يقوم بتهريبه عندما يعلم بقدوم والده لاصطحابه معه للمنزل من جديد,وفي نهاية الفيلم نري بابلو ويسرد أمام الكاميرا وهو يسب أباه بأشنع الألفاظ كل العذابات التي كان أبوه يمارسها عليه والتي تصل لمستوي تعذيب المساجين السياسيين. جمال الفيلم أنه لم يكن يرغب في تقديم أشرار وأخيار بل هو يسعي من البداية لعرض ظاهرة منتشرة في كل بلدان العالم المتقدم منها والمتخلف, كما أنه لم يتطرف في رسم الشخصيات فنحن أمام أب عادي وليس أبا سكيرا أو مدمنا للمخدرات بل يملك محلا تجاريا كبيرا وذا مكانة متوسطة ولكنه وحش كاسر مع طفله, وكذلك أبو ألفريدو ليس من الطبقات الراقية أو من العاملين في الوظائف المهنية العليا بل مجرد شخص يرسم الوشم علي الجلد ومع ذلك فهو إنسان متحضر يعامل ابنه كانسان وبشر وليس حيوانا. الفيلم يوضح الكوارث التي من الممكن أن يقترفها الآباء في حق أبنائهم دون أن يعلموا لعل العنف هو أحد أشكالها ولكن هناك الكثير من الجرائم ترتكب في حق الأطفال دون أن يدرك الاباء ما يفعلون. تلك النوعية من السينما هي نوعية مختلفة عن التناول السطحي للطفولة في السينما والذي نحتاج لتوفيره فيمن يكتبون لسينماتنا الوطنية... فهل لنا أن نأمل بمشاهدة أفلام مصرية مماثلة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق