إنها في عمر الزهور, وربما في سن النضج, أو هي في بداية حياتها العملية أو الزوجية.. عندما تزداد المشكلات عليها ويضيق بها العالم.. تستغرق في الأحلام.. أحلام يقظتها.. فتجلس قبالة السماء تبني قصورا من الرمال, أو تزرع أشجارا وتقطف ثمارها, وقد تلتقي بمن تحب وتتزوج وتنجب أطفالا يزرعون الزهور بدورهم في كل مكان من أرجاء حديقتها.. هذه هي أحلام يقظة فتيات زمان, اللاتي كن يتغلبن علي مشاكلهن بهذه الوسيلة البسيطة فتزيدهن نقاء وبياضا وتأخذهن بعيدا عن الماديات, وتضعن علي حياتهن وواقعهن النعومة والرومانسية, وقد ملكن أحلاما تحققت ذات يوم.ولكن في عصر العولمة والانترنت والفضائيات, أصبحت فتيات اليوم أكثر واقعية, وأقل تخيلا ورومانسية, وقد حرمن من نعومة فطرهن الله عليها, وهي نعمة أحلام اليقظة الضرورية لتحقيق التوازن في حياتهن, فكيف قضت التكنولوجيا في عصر العولمة علي أحلام اليقظة, هل يمكن اعتبارها سببا رئيسيا لتحقيق الأحلام والأمنيات المستقبلية!!
وما هي شروطها؟! وكيف تصبح صحية وليست مرضية؟!الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يؤكد أن الجهاز النفسي للإنسان يتكون من ثلاث حلقات, الأولي: هي الأنا الأعلي وهي ما يمكن أن نسميه الضمير والأخلاق والمثل العليا, وهذه الحلقة مقيدة ومفرملة للاندفاعات والنزاعات الهوجاء, والثانية:ـ هي الإير أو الهوي ويمكن أن نسميها بالغرائز, وفي هذه الحلقة توجد الطاقة الحقيقية للبشر, وهي تميل للاندفاع وراء إشباع الرغبات والنزوات دون حساب مثل الطاقة العدوانية ـ والجنسية ثم الحلقة الثالثة: التي تسمي بحلقة الضبط والتوازن والتكيف بين متطلبات الضمير من ناحية والغرائز من ناحية أخري وهذه الحلقة تربط بين الفرد من ناحية وبين المجتمع والآخرين من ناحية أخري, فتحقق الأنا هذا التوازن والضبط عبر مجموعة من الآليات تسمي الحيل الدفاعية, ومن أهم هذه الحيل أحلام اليقظة المهمة في حياة كل إنسان.فأحلام اليقظة تعني إطلاق الحرية لتحقيق الرغبات الموجودة في شعور الفرد ولكن علي مستوي الخيال, وبالتالي تصبح أحلام اليقظة حرة وطليقة, وكثيرا ما تتجاوز الواقع بحساباته وتعقيداته, وبالتالي فإن أحلام اليقظة تؤدي وظيفة في غاية الأهمية, وهي تحقيق التوازن النفسي للإنسان خاصة عند الشعور بالإحباط.ويضيف أن لأحلام اليقظة قوانين تحكمها فلا تفريط ولا إفراط فالاستغراق فيها قد يمثل عرضا نفسيا خطيرا, وذلك حين يعيش الانسان في خيالة بدلا من واقعه, وينسج حوله بيتا ومجتمعا من الخيال, وفي الوقت نفسه ينعزل عن البيت الواقعي والمجتمع الواقعي هذا من ناحية, ومن ناحية أخري فالحرمان من أحلام اليقظة قد يصيب الفرد ببعض التشوهات النفسية وعدم القدرة علي مواجهة إحباطاته الداخلية بشكل سلس, وفي هذه الحالة يكون من السهل أن يتحول الإحباط إلي عدوانية, وهو ما يحدث حاليا في مجتمعنا, فانتشار العدوان بين الأفراد يرجع في المقام الاولي إلي فقدان الأفراد لكثير من أحلام يقظتهم, لذلك فإن أحلام اليقظة تؤدي وظيفة نفسية مفيدة عند الاعتدال فيها, مثلها مثل كل الصفات الإنسانية!ويؤكد أنه في عصر العولمة واقتحام التكنولوجيا لحياتنا.. حدثت تغيرات جذرية لهذه الأحلام, وبرغم الميزات العديدة للإنترنت والموبايل والقنوات الفضائية, فإنها أثرت علي حياتنا بشكل سلبي, فقد حرمتنا من نعمة الخيال وسلبتنا الأحلام, وعلي سبيل المثال نجد أن التليفون العادي كان ولا يزال يسمح للفرد بتخيل صورة محدثة, بينما التليفون المحمول المزود بكاميرا يحرمه من التصور والتخيل, كما أن الكمبيوتر يسمح بالدردشة عبر شبكة الإنترنت بالصوت والصورة فيقتل مع الوقت نعمة التخيل, واستخدام الشباب للتكنولوجيا بإستمرار ولساعات طويلة يحرمهم من ترك العنان لخيالهم ومن نعمة التأمل, ويقضي علي أحلام يقظتهم التي هي مصدر المواهب والإلهام, أضف إلي ذلك الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع بشكل عام, والشباب بشكل خاص والتي جعلت الحلم يهرب منهم, فاتجهوا بشدة نحو الواقعية, وأصبح خريجو الجامعة لايحلمون بالوظائف المرموقة, ولكن فقط ينعمون بالعمل المتاح.ويضيف الدكتور عويضة: فتاة هذا الزمن أصبحت لا تحلم بفارس الأحلام الذي يحملها علي حصان أبيض إلي بيتها الصغير السعيد, إنما صارت تحلم بالفيلا الفاخرة والسيارة الفارهة والثروة المتضخمة, ولا تبحث عن العواطف إنما عن الماديات.ونجد الكثير من فتيات اليوم لايستجبن بسهولة للكلام الرومانسي الجميل, ولكن لسان حالهم يقول: هات من الآخر عندك إيه؟! هاتقدم لي إيه؟ ثروة.. ولا سلطة أم معرفتك خسارة؟!!ويؤكد الدكتور محمد عويضة أن أحلام اليقظة لها وظيفة نفسية غاية في الأهمية وفي جميع الأعمار, وهي تطل برأسها الجميل منذ الطفولة المبكرة وحتي نهاية العمر, ولكن من الطبيعي أن تقل تدريجيا ومع الأيام, لأنه كلما تقدم الانسان في العمر وزادت خبرته وإمكانياته, استطاع أن يحقق الكثير من أحلامه ورغباته, وبالتالي تقل احلام اليقظة, لأنه قد تم تحقيق معظمها بالفعل, ولكننا رغم ذلك نقول للأفراد والمجتمعات التي لا تحلم: إنهم قد حكموا علي أنفسهم بعدم التطور, لأن التطور دائما يأتي بفكرة حلمنا بها ذات يوم, وكما قال الرئيس الأمريكي أوباما في كتابة أنا عندي حلم.. فالخروج من المصاعب الاقتصادية والاحباطات في جميع المجتمعات لا يتحقق إلا بتمسكنا بأحلامنا علي مستوي الفرد أو علي المستوي القومي.وهنا يدعو د.عويضة الشباب والفتيات إلي عدم التخلي عن أحلام اليقظة, لأنها تنشط الخيال وتجعل الاحاسيس والمشاعر الإنسانية رقيقة ومرهفة, وينصح أيضا بعدم الاستغراق لساعات طويلة علي الإنترنت والفضائيات, والحد من استخدام الموبايلات إلا للضرورة وليس للدردشة.كما ينصحهم بالعودة إلي التأمل وكتابة الخواطر وأبيات الشعر وقراءة الكتب الأدبية, ومن المفيد الجلوس في الشرفات في المساء والخروج إلي المتنزهات ـ حيث الطبيعة ـ الخلابة الموحية, وتبادل أطراف الحديث والافكار الجيدة الجميلة, وكلها عادات تجعل أحلام اليقظة تنتعش وتتقد, حتي يمكن تحقيقها علي أرض الواقع وتحويلها إلي مزيد من النجاح والإنجازات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق