الجمعة، 30 أكتوبر 2009

فتيات العولمة ‏..‏ الأقل رومانسية .. محرومات من أحلام اليقظة‏!‏


إنها في عمر الزهور‏,‏ وربما في سن النضج‏,‏ أو هي في بداية حياتها العملية أو الزوجية‏..‏ عندما تزداد المشكلات عليها ويضيق بها العالم‏..‏ تستغرق في الأحلام‏..‏ أحلام يقظتها‏..‏ فتجلس قبالة السماء تبني قصورا من الرمال‏,‏ أو تزرع أشجارا وتقطف ثمارها‏,‏ وقد تلتقي بمن تحب وتتزوج وتنجب أطفالا يزرعون الزهور بدورهم في كل مكان من أرجاء حديقتها‏..‏ هذه هي أحلام يقظة فتيات زمان‏,‏ اللاتي كن يتغلبن علي مشاكلهن بهذه الوسيلة البسيطة فتزيدهن نقاء وبياضا وتأخذهن بعيدا عن الماديات‏,‏ وتضعن علي حياتهن وواقعهن النعومة والرومانسية‏,‏ وقد ملكن أحلاما تحققت ذات يوم‏.‏ولكن في عصر العولمة والانترنت والفضائيات‏,‏ أصبحت فتيات اليوم أكثر واقعية‏,‏ وأقل تخيلا ورومانسية‏,‏ وقد حرمن من نعومة فطرهن الله عليها‏,‏ وهي نعمة أحلام اليقظة الضرورية لتحقيق التوازن في حياتهن‏,‏ فكيف قضت التكنولوجيا في عصر العولمة علي أحلام اليقظة‏,‏ هل يمكن اعتبارها سببا رئيسيا لتحقيق الأحلام والأمنيات المستقبلية‏!!‏


وما هي شروطها؟‏!‏ وكيف تصبح صحية وليست مرضية؟‏!‏الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يؤكد أن الجهاز النفسي للإنسان يتكون من ثلاث حلقات‏,‏ الأولي‏:‏ هي الأنا الأعلي وهي ما يمكن أن نسميه الضمير والأخلاق والمثل العليا‏,‏ وهذه الحلقة مقيدة ومفرملة للاندفاعات والنزاعات الهوجاء‏,‏ والثانية‏:‏ـ هي الإير أو الهوي ويمكن أن نسميها بالغرائز‏,‏ وفي هذه الحلقة توجد الطاقة الحقيقية للبشر‏,‏ وهي تميل للاندفاع وراء إشباع الرغبات والنزوات دون حساب مثل الطاقة العدوانية ـ والجنسية ثم الحلقة الثالثة‏:‏ التي تسمي بحلقة الضبط والتوازن والتكيف بين متطلبات الضمير من ناحية والغرائز من ناحية أخري وهذه الحلقة تربط بين الفرد من ناحية وبين المجتمع والآخرين من ناحية أخري‏,‏ فتحقق الأنا هذا التوازن والضبط عبر مجموعة من الآليات تسمي الحيل الدفاعية‏,‏ ومن أهم هذه الحيل أحلام اليقظة المهمة في حياة كل إنسان‏.‏فأحلام اليقظة تعني إطلاق الحرية لتحقيق الرغبات الموجودة في شعور الفرد ولكن علي مستوي الخيال‏,‏ وبالتالي تصبح أحلام اليقظة حرة وطليقة‏,‏ وكثيرا ما تتجاوز الواقع بحساباته وتعقيداته‏,‏ وبالتالي فإن أحلام اليقظة تؤدي وظيفة في غاية الأهمية‏,‏ وهي تحقيق التوازن النفسي للإنسان خاصة عند الشعور بالإحباط‏.‏ويضيف أن لأحلام اليقظة قوانين تحكمها فلا تفريط ولا إفراط فالاستغراق فيها قد يمثل عرضا نفسيا خطيرا‏,‏ وذلك حين يعيش الانسان في خيالة بدلا من واقعه‏,‏ وينسج حوله بيتا ومجتمعا من الخيال‏,‏ وفي الوقت نفسه ينعزل عن البيت الواقعي والمجتمع الواقعي هذا من ناحية‏,‏ ومن ناحية أخري فالحرمان من أحلام اليقظة قد يصيب الفرد ببعض التشوهات النفسية وعدم القدرة علي مواجهة إحباطاته الداخلية بشكل سلس‏,‏ وفي هذه الحالة يكون من السهل أن يتحول الإحباط إلي عدوانية‏,‏ وهو ما يحدث حاليا في مجتمعنا‏,‏ فانتشار العدوان بين الأفراد يرجع في المقام الاولي إلي فقدان الأفراد لكثير من أحلام يقظتهم‏,‏ لذلك فإن أحلام اليقظة تؤدي وظيفة نفسية مفيدة عند الاعتدال فيها‏,‏ مثلها مثل كل الصفات الإنسانية‏!‏ويؤكد أنه في عصر العولمة واقتحام التكنولوجيا لحياتنا‏..‏ حدثت تغيرات جذرية لهذه الأحلام‏,‏ وبرغم الميزات العديدة للإنترنت والموبايل والقنوات الفضائية‏,‏ فإنها أثرت علي حياتنا بشكل سلبي‏,‏ فقد حرمتنا من نعمة الخيال وسلبتنا الأحلام‏,‏ وعلي سبيل المثال نجد أن التليفون العادي كان ولا يزال يسمح للفرد بتخيل صورة محدثة‏,‏ بينما التليفون المحمول المزود بكاميرا يحرمه من التصور والتخيل‏,‏ كما أن الكمبيوتر يسمح بالدردشة عبر شبكة الإنترنت بالصوت والصورة فيقتل مع الوقت نعمة التخيل‏,‏ واستخدام الشباب للتكنولوجيا بإستمرار ولساعات طويلة يحرمهم من ترك العنان لخيالهم ومن نعمة التأمل‏,‏ ويقضي علي أحلام يقظتهم التي هي مصدر المواهب والإلهام‏,‏ أضف إلي ذلك الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع بشكل عام‏,‏ والشباب بشكل خاص والتي جعلت الحلم يهرب منهم‏,‏ فاتجهوا بشدة نحو الواقعية‏,‏ وأصبح خريجو الجامعة لايحلمون بالوظائف المرموقة‏,‏ ولكن فقط ينعمون بالعمل المتاح‏.‏ويضيف الدكتور عويضة‏:‏ فتاة هذا الزمن أصبحت لا تحلم بفارس الأحلام الذي يحملها علي حصان أبيض إلي بيتها الصغير السعيد‏,‏ إنما صارت تحلم بالفيلا الفاخرة والسيارة الفارهة والثروة المتضخمة‏,‏ ولا تبحث عن العواطف إنما عن الماديات‏.‏ونجد الكثير من فتيات اليوم لايستجبن بسهولة للكلام الرومانسي الجميل‏,‏ ولكن لسان حالهم يقول‏:‏ هات من الآخر عندك إيه؟‏!‏ هاتقدم لي إيه؟ ثروة‏..‏ ولا سلطة أم معرفتك خسارة؟‏!!‏ويؤكد الدكتور محمد عويضة أن أحلام اليقظة لها وظيفة نفسية غاية في الأهمية وفي جميع الأعمار‏,‏ وهي تطل برأسها الجميل منذ الطفولة المبكرة وحتي نهاية العمر‏,‏ ولكن من الطبيعي أن تقل تدريجيا ومع الأيام‏,‏ لأنه كلما تقدم الانسان في العمر وزادت خبرته وإمكانياته‏,‏ استطاع أن يحقق الكثير من أحلامه ورغباته‏,‏ وبالتالي تقل احلام اليقظة‏,‏ لأنه قد تم تحقيق معظمها بالفعل‏,‏ ولكننا رغم ذلك نقول للأفراد والمجتمعات التي لا تحلم‏:‏ إنهم قد حكموا علي أنفسهم بعدم التطور‏,‏ لأن التطور دائما يأتي بفكرة حلمنا بها ذات يوم‏,‏ وكما قال الرئيس الأمريكي أوباما في كتابة أنا عندي حلم‏..‏ فالخروج من المصاعب الاقتصادية والاحباطات في جميع المجتمعات لا يتحقق إلا بتمسكنا بأحلامنا علي مستوي الفرد أو علي المستوي القومي‏.‏وهنا يدعو د‏.‏عويضة الشباب والفتيات إلي عدم التخلي عن أحلام اليقظة‏,‏ لأنها تنشط الخيال وتجعل الاحاسيس والمشاعر الإنسانية رقيقة ومرهفة‏,‏ وينصح أيضا بعدم الاستغراق لساعات طويلة علي الإنترنت والفضائيات‏,‏ والحد من استخدام الموبايلات إلا للضرورة وليس للدردشة‏.‏كما ينصحهم بالعودة إلي التأمل وكتابة الخواطر وأبيات الشعر وقراءة الكتب الأدبية‏,‏ ومن المفيد الجلوس في الشرفات في المساء والخروج إلي المتنزهات ـ حيث الطبيعة ـ الخلابة الموحية‏,‏ وتبادل أطراف الحديث والافكار الجيدة الجميلة‏,‏ وكلها عادات تجعل أحلام اليقظة تنتعش وتتقد‏,‏ حتي يمكن تحقيقها علي أرض الواقع وتحويلها إلي مزيد من النجاح والإنجازات‏.‏



الاهرام - سعدية شعيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق