الخميس، 20 أغسطس 2009

الرقص و الإسلام هل يجتمعان؟!!


قال لى صديق: هل قرأت ما نشرته «الوفـد»؟ إن عليك أن ترسل تكذيباً.
قلت: وماذا قالت «الوفد»؟
قال: جاء بالعدد الأسبوعى الصادر فى ٢٣/٧/٢٠٠٩ الصفحة الأخيرة وتحت مانشيت بعرض الصفحة: [نجوى فؤاد: تحريم الرقص مزايدة على الفن وجمال البنا أنصفنا].
ودار حديث بين المحرر الأستاذ نادر ناشد وبين نجوى فؤاد جاء فيه:
قلت لنجوى فؤاد: فاجأنى الشيخ جمال البنا مؤخراً بفتوى أن الرقص عمل محترم وحلال وأن الراقصة الراحلة تحية كاريوكا كانت فنانة ملتزمة وتاريخها محترم.. كيف تجدين هذه الكلمات؟ وهل هى تغفر لسنوات عشناها فى ظل تحريم الفن والتمثيل؟
ــ طبعاً هذا كلام حقيقى فالرقص فن محترم وغير صحيح ما يتردد عن تحريمه والقضية أولاً وأخيراً المغالاة فى تفسير كل شىء والمزايدة على الفن.. ما حدث من سنوات تحريم الفن لم يكن ضد الفن فقط، بل كان ضد كل شىء جميل.. ضد الأدب والشعر والموسيقى والغناء والمرأة.. كل شىء أصبح محرماً ولم يعد هناك شىء مباح سوى ما يريده هؤلاء فقط، بل إن كثيرًا مما يقولونه يحرمه بعضهم البعض.. ثم إن الشيخ جمال البنا يذكرنا بالراحلة الكريمة تحية كاريوكا.. وكانت بالفعل سيدة فاضلة عرف عنها فعل الخير.. والحديث عنها يطول وعن كثيرين.. إلخ.
قلت: لا أرى فيما نشر ما يدعو للتكذيب، فأنا ذكرت السيدة تحية كاريوكا بخير، قلت إنها سيدة «جدعة» لها شخصية وفيها حس إسلامى عميق جعلها تتزوج كل من تقيم معه مخالطة جنسية حتى تكون فى الحلال، وهذا هو السر فى أنها تزوجت لأكثر من عشر مرات، وقد كانت إحداها من أمريكياً أسلم، وكانت ممثلة وأقامت مسرحاً اجتماعياً ناقداً، قدر ما كانت راقصة ممتازة ومسها طائف من العمل السياسى فدخلت السجن، فضلاً عن أن حياتها كانت كفاحًا، وعندما قيل لها إنها سارت على طريق الأشواك كملت «حافية»، فلم تكن حياتها كلها صفواً أو لهواً ومأساتها أن جيناتها خانتها فجعلتها ممتلئة إلى درجة استحالت معها أن تمارس مهنتها التى تقوم على الرشاقة، أو حتى أى عمل عام خيرى آخر، ولولا ذلك لظلت بضع سنوات على المسرح.
أما هل يتفق الرقص مع الإسلام؟.. فالرد عليه يتطلب العلم بأمرين:
أولاً: نظرية الإسلام فى الطبيعة البشرية.
وثانياً: تكييف العدالة الإسلامية التى ينبنى عليها الحكم.
فالله تعالى خلق الإنسان من طين فكانت مادته من لحم ودم ثم سواه بيده فخلقه فى أبدع تكوين، وظل الجمال الإنسانى خاصة فى المرأة هو أكمل جمال، وأهم من هذا أنه نفخ فيه من روحه فأعطاه الضمير، والإرادة، وشيئاً ما من ملكة الخلق، وفى الوقت نفسه فإنه غرس فيه غريزة جنسية هى أقوى الغرائز، ومزج فيه التقوى بالفجور، وابتعد عن عالم الملائكة الذين لا يعرفون الخطأ أو يقترفون الذنب، وسلط عليه الشياطين ليفتنوه بكل المغريات وأبرزها «السلطة، والمرأة، والثروة»..
ثم أرسل رسله وأنزل كتبه لمساعدته على الهداية، وتركه حراً يختار الكفر أو الإيمان، الهدى أو الضلال، بل إنه يسر له أن يسير فى طريقه الذى أراده، والذى فى الوقت نفسه قدره الله له فكلٌّ ميسر لما خلق له، «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى».
بهذا التكييف أصبحت الطبيعة البشرية كالنفط يؤخذ منه البنزين الذى تطير به الطائرة فى آفاق السماء، ويؤخذ منه «الزفت» الذى تسوى به الطرق بحيث يحسن السير عليها، وكل واحد منهما مطلوب فالبنزين للطيران.. والزفت للوطء، وبدون هذا «الزفت» لا يصح السير ويمكن للإنسان أن يتعثر وللسيارات أن تتعطل.
وبحكم هذه الطبيعة لابد أن يذنب الإنسان، لابد أن يخطئ رغم أنفه أو كما يقول أحد الأحاديث «مدرك ذلك لا محالة»، فهذه هى الطبيعة البشرية، فضلاً عن أن الطبيعة الاجتماعية تجعل لكل فعل رداً من نوعه وطبيعته، فكما قلنا فى مناسبة سابقة إن تعسف الآباء والأمهات فى شروط الزواج ورفضهم الحديث «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض»، أدى إلى انحراف الشباب، وإلى فساد كبير، وهذا الانحراف كان أمراً مقضياً لا راد له، لأنه هو نفسه ليس فعلاً، ولكن رد فعل، وقد تنبأ به الحديث وحكم بوقوعه، فإذا أريد لوم فيجب أن يوجه أولاً للآباء والأمهات الذين هم السبب الأصلى.
ولما كان هذا فى حقيقته ليس إلا نوعاً من الاستسلام للطبيعة البشرية أو الخضوع للطبيعة الاجتماعية (الفعل ورد الفعل)، فإن صفة الإثم فيه ليست أصيلة، وإن كانت تخالف ما يريده الإسلام، ولهذا جعل الإسلام له تكفيراً فى التوبة، والاستغفار، وأهم من هذين فعل الخيرات وعمل الحسنات «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ».
وبالطبع فإن هذا الحديث عن ذنوب الضعف البشرى تختلف عن ذنوب «الشر» الذى توجد فى بعض الأفراد بتأثير عوامل عديدة مثل السرقة والغصب والقتل.. إلخ، فهذه لها عقوباتها الرادعة.
■ ■ ■
على أن الصورة لا تتم إلا بمعرفة نظرية الإسلام فى العدالة، وبالتالى الحكم على الإنسان. فالعدالة الدنيوية تقوم بعقاب المخطئ، ولكنها لا تثيب المحسن، وهذا يعود إلى ندرة الموارد، وأنها لا تكفى لو أردنا إثابة المحسنين. ففى العدل، كما فى الاقتصاد، حكمت ندرة الموارد بذلك. ولكن خزائن رحمة الله لا تنفد، ومن هنا فإنها تضم إلى عقاب المسىء إثابة المحسن. ودون إثابة المحسن لا تتم العدالة. ولا يمكن إثابة المحسن إلا بموارد الله التى لا تنفد.
ومن هنا جاءت «الدَّار الآخِرَة».
ليست الخصيصة التى تميز القيامة أنها تحكم بالنار على المخطئ، فهذا ما يمكن أن يحدث فى عدالة الحياة الدنيا، وما كانت تقوم به محاكم التفتيش، ولكن ميزة العدالة الإلهية أنها تثيب المحسن فيدخل الجنة الملايين والبلايين ممن أمضوا حياتهم كلها فى الكد والشقاء والتعب والعناء وفى العمل المتواصل دون أن يتذوقوا سعادة أو يحسوا بمتعة، فهؤلاء سيتمتعون بجنة فيها من النعيم ما لم يحلموا به، فهناك «أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى»، إن خزائن الله لا تعرف الزجاجات المغلقة ولكن الأنهار المفتوحة.
ودون إثابة المحسن لا تتحقق ولا تكتمل العدالة، لأن العدالة التى تعاقب المسىء عدالة ناقصة ولا تسمح عدالة الدنيا بأسرها بإثابة المحسن.
ومن المفاهيم السائدة، والخاطئة فى الوقت نفسه أن الإنسان ما إن يذنب حتى يعاقب على ذنبه وقد يلقى به فى الجحيم، وأنه قد يسأل أول ما يسأل عن الصلاة، فإذا كان قد أهمل فيها، فلن ينفعه شىء آخر.
والحقيقة أن العقاب لا يكون إلا بعد إجراء موازنة دقيقة بين الحسنات والسيئات، ويتوقف الحكم على نتيجة الميزان «فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ».
ولكن تقدير وزن الحسنات والسيئات يختلف عما نتصور.
فإن الحسنة يمكن أن تتضاعف إلى سبعمائة ضعف وتصبح مثل «حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ»، أما السيئة فلا تزيد أبدًا عن أنها سيئة، قد تكون سيئة كبيرة وقد تكون سيئة صغيرة، ولكنها لا يمكن أن تتضاعف وإنما سيكون وزنها بحكم جسامتها.
وهناك أيضاً سيئات يخرجها الله تعالى من الميزان رحمة ولطفاً «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ» (الأحقاف: ١٦).
وهذا كله لأن رحمة الإنسان تساوى واحداً من مائة من رحمة الله، فرحمة الله يمكن أن تسع كل شىء.
فلو أن امرأة كانت ترقص ليل نهار، ولكنها كانت تقوم بحسنات من معونات، ومن إصلاح ذات البين، ومن رعاية.. إلخ، فإن حسناتها ستغلب سيئاتها بفضل الحساب الإلهى الرحيم.
وهناك أفعال عديدة وفاشية أسوأ بمراحل من الرقص حتى لو كان عارياً.
وأين يذهب رقص راقصة بجانب قوانين تفرض الظلم والتعاسة على ملايين أو التعذيب الخسيس فى السجون وانتهاك كرامة الإنسان أو حتى فتاوى تتعصب فتأخذ بالأصعب وتشق على الناس، ومن دعاة يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويقعون فيه.
ليس من العجيب إذن أن يجتمع الرقص والإسلام، ولا من المستبعد أن تكون راقصة فى أعلى عليين من الجنة، فرحمة الله أعظم مما تصفون. وإذا كنا نستبعد ذلك، فهذا يعود إلى أن عدالتنا تدين المذنب على ذنوبه دون أن تثيبه على إحسانه، وهذه عدالة ناقصة.. أما عدالة الإسلام فإنه «تعادل» ما بين الحسنات والسيئات بحساب إلهى رحيم، ومن الخطأ أن نمد عدالتنا إلى عدالة الإسلام، ومادام الحديث عن الإسلام فهذا هو الإسلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق