الأربعاء، 19 أغسطس 2009

تخاريف القمني .. من سيدنا إبراهيم و النبي موسى إلى فتاوى إهدار الدم



فى الصورة سيد القمني

أطالب بـ"محاكمة سيدنا موسى لقتله مواطن مصري و سرقة ذهب مصر والتآمر ضد الفرعون... وسيدنا إبراهيم من أرمينيا والإسلام حركة سياسية".. هذه بعض من "أفكار" سيد القمني، تلك التخاريف التي طرد من دولة الكويت على أثرها في العام 2005، وهي أيضا التفسير الفعلي للانتفاضة العارمة ضد منح القمني جائزة الدولة المصرية التقديرية للعام الحالي 2009.
حيث هبت عاصفة غضب جامحة بالدوائر الثقافية والدينية ليس في مصر وحدها بل في دول عربية وإسلامية عديدة، فبعد إعلان فوزه بالجائزة والثورة لم تخمد، حيث فسر البعض هذا الاختيار بأنه يعكس توجها خطيرا أهم ملامحه تكريم الفكر الجانح بدلا من تجريمه وتقديم نموذج التطاول على المقدسات على أنه التيار الجديد الذي يحكم حركة الإبداع في مصر.
وهو ما دفع الكثيرين لترديد مقولة أن التاريخ يعيد نفسه، فالجائزة التي حصل عليها الدكتور طه حسين وفتحت عليه أبواب الجحيم منذ نصف قرن تقريبا ـ بعد اتهامه بالتطاول على الإسلام وتشويه صورته كما في معلقته الأدبية "الشعر الجاهلي" ـ هي نفسها الجائزة التي ستقذف بالقمني في التهلكة بعد حصوله عليها أيضا، بل أنها دفعت الكثيرين للتشكيك في شهادة الدكتوراة التي حصل عليها القمني، والتي سنتناولها بالتفصيل لاحقا.
ولم تكف دوائر دينية وثقافية عن المطالبة بسحب هذه الجائزة من القمني لأن كل أعماله تهاجم الإسلام والأديان، وفيها كفر علني، وان منحه الجائزة هو بمثابة حماية للتطاول ورعاية للمتجرئين على الدين الإسلامي التي يتبعها المسئولون عن الثقافة المصرية الذين يمنحون الرجل 200 ألف جنيه مصري هي قيمة الجائزة المالية من أموال الشعب الذي يرفض كل ما يدافع عنه القمني ويروج له.
وقد طالب الكثيرون بمحاكمة وزير الثقافة المصري فاروق حسني وإقالته من منصبه، فيما تقدم ممثلو الإخوان المسلمين في مجلس الشعب باستجواب للوزير حول نفس الموضوع، وقادت جبهة علماء الأزهر حملة شديدة الوطأة ضد القمني والقائمين على الثقافة في مصر، كما خرج مفتي الديار المصرية د. علي جمعة عن هدوئه المعروف به وشن هجوما كبيرا على منح القمني تلك الجائزة واصفا كتاباته بالتكفيرية.

حيث تلقى فضيلة المفتي سؤالا حول حكم الشرع في منح جائزة مالية ووسام رفيع لشخص تهجم في كتبه المنشورة الشائعة على نبي الإسلام ووصفه بالمزور ووصف دين الإسلام بأنه دين مزور ، وأن الوحي والنبوة اختراع اخترعه عبد المطلب لكي يتمكن من انتزاع الهيمنة على قريش ومكة من الأمويين وأن عبد المطلب استعان باليهود لتمرير حكاية النبوة ـ على حد تعبيره ـ ، فهل يجوز أن تقوم لجنة بمنح مثل هذا الشخص وسام تقديريا تكريما له ورفعا من شأنه وترويجا لكلامه وأفكاره بين البشر وجائزة من أموال المسلمين رغم علمها بما كتب في كتبه على النحو السابق ذكره ، وهي مطبوعة ومنشورة ومتداولة ، وإذا كان ذلك غير جائز فمن الذي يضمن قيمة هذه الجائزة المهدرة من المال العام ؟.
وجاء جواب دار الإفتاء المصرية ـ بعد تمهيد قرآني يبين عظم مقام النبي ـ كالتالي: "قد أجمع المسلمون أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو طعن في دين الإسلام فهو خارج من ملة الإسلام والمسلمين ، مستوجب للمؤاخذة في الدنيا والعذاب في الآخرة ، كما نصت المادة (98) من قانون العقوبات على تجريم كل من حقر أو ازدرى أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها ، أو أضر بالوحدة الوطنية ، أو السلام الاجتماعي".
أما بخصوص ما ذكر في واقعة السؤال: فإن هذه النصوص التي نقلها مقدم الفتوى ـ أيا كان قائلها ـ هي نصوص كفرية تخرج قائلها من ملة الإسلام إذا كان مسلما ، وتعد من الجرائم التي نصت عليها المادة سالفة الذكر من قانون العقوبات ، وإذا ثبت صدور مثل هذا الكلام الدنيء والباطل الممجوج من شخص معين فهو جدير بالتجريم لا بالتكريم.
ويجب أن تتخذ ضده كافة الإجراءات القانونية العقابية التي تكف شره عن المجتمع والناس وتجعله عبرة وأمثولة لغيره من السفهاء الذين سول لهم الشيطان أعمالهم وزين لهم باطلهم ، قال تعالي "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" . واللجنة التي اختارت له الجائزة إن كانت تعلم بما قاله من المنشور في كتبه الشائعة فهي ضامنة لقيمة الجائزة التي أخذت من أموال المسلمين.

كما أصدر مفتي مصر الأسبق فضيلة الدكتور نصر فريد واصل فتوى شرعية وبيانا قويا فيما يتعلق بقضية سيد القمني والمجلس الأعلى للثقافة استنكر فيه بشدة منح جائزة الدولة التقديرية لسيد القمني، وطالب بضرورة ملاحقة ومقاضاة القائمين على هذه الجائزة وعلى رأسهم الوزير فاروق حسني ومسئولي الوزارة من أجل إجبارهم على سحب منح الجائزة لرجل قال إنه "سخر حياته وجهوده للنيل من الإسلام وإنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم" مطالبا بهبّة شعبية لدعم هذه الدعوى.
واعتبر أن منح الجائزة للقمني - الذي يصف الإسلام بأنه دين مزور اخترعه بني هاشم للسيطرة السياسية على قريش ومكة- يمثل عدوانا على الدستور المصري ومخالفة للمادة 2 من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريح وعلى هوية مصر الإسلامية.
وانتقد واصل بشدة منح القمني مبلغ 200 ألف جنيه قيمة الجائزة، علاوة على مكافأة شهرية من أموال المسلمين ودافعي الضرائب، مشددًا على أن هذه الأموال يجب أن تستخدم في خدمة الإسلام كهوية وعقيدة للمصريين، وليس إنفاقها على من وصفهم بـ "أصحاب التيارات المنحرفة والشيوعيين واليساريين".
وعلى أثر ذلك وفي تصعيد خطير للأزمة تقدمت د. إيزيس ـ ابنة سيد القمني ـ ببلاغ إلى النائب العام ضد جبهة علماء الأزهر ومفتي مصر السابق د. نصر فريد واصل والداعية يوسف البدري وقيادة جماعة الإخوان المسلمين مشيرة إلى أن الجبهة نفسها تسببت قبل ذلك في مقتل الدكتور فرج فودة ـ مفكر علماني قتل قي الثمانينات ـ بعد بيان مشابه أصدرته وأفتت فيه بتكفيره حيث لقي مصرعه بعدها على يد احد المتطرفين.
وحذرت إيزيس القمني من انه إذا لم تستطع الدولة الوقوف أمام هؤلاء والتصدي لهم "فأنا أول من سأدعوه إلى أن يغادر مصر نفيا اختياريا"، ودشنت ايزيس حملة على الفيس بوك للدفاع عن والدها وقالت "أنهم منهزمون لا محالة".
وعند هذا الحد لم تنته المعركة بل أنها البداية، حيث يتوقع المراقبون تصاعد الأحداث على نحو أكبر خصوصا مع تنامي تيار يتولى الدفاع عن حصول القمني على الجائزة وهو ما سيخلق حالة انقسام غير محسوبة العواقب على الساحتين الفكرية والدينية.
رحلة الجدل
وتشير التقارير المنشورة إلى أن سيد القمني من مواليد عام 1947 ومسقط رأسه مدينة الواسطة بمحافظة بني سويف ـ 140 كيلو متراً جنوب العاصمة القاهرة ـ وعاش شبابه في كنف ثورة يوليو وتوجهاتها، فاعتنق التوجه القومي وظل محافظا عليه حتى عام 1990 عندما غزا صدام الكويت، فتخلى القمني الذي عاش في الكويت سنوات عدة عن قناعاته القومية الاشتراكية لتحل محلها قناعة جديدة هي الليبرالية والعلمانية.
حصل القمني على ليسانس الآداب في الفلسفة من جامعة عين شمس، وبدأ في دراسة التراث الإسلامي والأديان سيرا على مناهج علوم نقد الكتب المقدسة، التي ترى أن أي كتاب مقدس يمثل انعكاسا للثقافة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أحاطت بظهوره.
واستهل القمني أطروحاته بكتاب "النبي إبراهيم والتاريخ المجهول"، الذي يخالف فيه الرأي القائل بأن إبراهيم ولد في العراق، زاعما انه جاء من أرمينيا التي غادرها متجها شرقا إلى فلسطين ثم إلى مصر التي هاجر منها إلى اليمن، ويرى أن اليمن كانت بمثابة تجمع للمهاجرين المصريين الذين خرجوا من منَف المصرية اثر صراع ديني وسياسي قاصدين اليمن ذات الأرض الخصبة الشبيهة بأرض مصر، وهناك عرفوا بـ "العماليق".
وفي كتابه "النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة". يزعم القمني أن النبي موسى هو نفسه الفرعون المصري اخناتون الذي جاء بالتوحيد، وهو نفسه شخصية أوديب اليونانية، وواصل القمني تناوله للتوراة وتاريخها في كتابه «رب الزمان» وقد أوصى مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة الكتاب وعدم طباعته.
إلا أن أزمة القمني الفعلية بدأت مع كتابه "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، الذي يزعم القمني فيه بان الدولة الإسلامية الأولى بزعامة النبي - صلى الله عليه وسلم- جاءت تجسيدا لتاريخ طويل من محاولات أجداد النبي للسيطرة على قريش والعرب، وان الإسلام عبارة عن حركة سياسية ناجحة لا مجال فيها للوحي ولا للسماء.
وعلى نفس المنهج سار القمني في كتابه "حروب دولة الرسول" حيث تناول السيرة النبوية محاولا تلمس الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أحاطت بظهور الإسلام وانتشاره، مسلطا الضوء على روايات غريبة مرفوضة من قبل الباحثين الأصوليين، ونازعا القداسة عن النبوة والرسالة بوضعها في سياق تاريخي لا علاقة له بالسماء.
وهاجم القمني في كتابه "شكرا بن لادن" التيار الإسلامي المعتدل ووصفه بأنه لا يختلف كثيرا عن تيار التشدد والعنف.
وفي خضم هذا الجدل المحتدم الذي أثارته كتابات الرجل، فوجئت الأوساط الثقافية عام 2005 بالدكتور سيد القمني يعلن اعتزاله الكتابة ومراجعته لأفكاره وبراءته مما كتب اثر تلقيه رسالة تهديد بالقتل عبر البريد الالكتروني من قبل جماعة إسلامية. وبدا أن الرجل - الذي وصف كتاباته بأنها عديمة الجدوى - يراجع نفسه بالفعل على الرغم من اتهامه بالجبن من قبل بعض المفكرين الليبراليين والعلمانيين، إلا انه عاود الكتابة على نفس النهج، مواصلا التمسك بمنهجه النقدي في قراءته للتراث وخصوصا التراث الإسلامي.
ثم جاء الفوز بجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية - حصل عليها بأغلبية 36 من 48 صوتاً هم أعضاء اللجنة المشرفة على الجائزة- لتوقظ الجدل النائم حول مشروع القمني الفكري، ولتفتح أبوابا لا يدري احد متى ستغلق أو كيف، خاصة بعد صدور فتوى رسمية من دار الإفتاء المصرية تكفر فيها القمني.

وفي تطور مثير للأحداث كشفت صحيفة المصريون الأليكترونية شراء سيد القمني شهادة دكتوراة مزورة من مكتب محترف بيع شهادات في الولايات المتحدة انتهى أصحابه إلى السجن بعد القبض عليهم من قبل المباحث الفيدرالية ، وقد اعترف سيد القمني في مقال له نشره بصحيفة المصري يوم الأربعاء الموافق 5 أغسطس / آب 2009 بصحة ما نشرته الصحيفة الالكترونية حول تزوير شهادة الدكتوراة ، مدعيا أنه لم يكن يعلم أنها شهادة مزورة وظن أنه حصل عليها من جامعة جنوب كاليفورنيا وليس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية ، زاعما أنه لم ينتبه إلى هذا التزوير إلا بعد اطلاعه على عملية البحث والتقصي الذي قام به موقع المصريون عبر رجالهم في أمريكا منذ أيام حسب قوله حرفيا في المقال .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق