الجمعة، 25 يونيو 2010

الغناء و التمثيل في مسيرة السينما المصرية‏


أنشودة الفؤاد مليودراما غنائية غارقة في المآسي‏..‏ والشيخ زكريا أحمد يؤدي دور لص‏!
أحدث دخول الصوت إلي شريط السينما في مستهل ثلاثينات القرن المنصرم ثورة ما بعدها ثورة في هذا الكائن الفني الوليد الذي انقلبت معالمه رأسا علي عقب وصار عالما مثيرا وفريدا في آن‏,‏ فمعه زاد إنتاج الأفلام وبالتوازي انتشرت دور العرض التي صارت بدورها تشهد إقبالا متزايدا من قبل الجمهور‏,‏
وبطبيعة الحال أغري هذا التطور نجوم الطرب بلا استثناء في المحروسة التي كانت تتشكل كي تصبح قبلة الغناء ومنارة الفن السابع بدءا من ذلك الزمان وحتي الآن فبدت الحاجة إلي بذل الغالي والنفيس من أجل البحث عن محبي الطرب الاصيل غير ضرورية‏,‏ فلا للمشقة والعناء في طلب إحياء الافراح والليالي الملاح‏,‏ فالسينما بين عشية وضحاها أصبحت وكأنها طاقة قدر‏,‏ والدليل علي ذلك أنها جلبت الشهرة وذيوع الصيت لعموم أهل المغني الأجلاء سواء في القطر المصري وبلاد العرب لما وفرته من مساحة كبيرة من‏"‏ السميعة‏"‏ الذين زحفوا إلي أماكن السينما يستمتعون بالاهات الشجية ونواح الحبيب لمحبوبته‏,‏ ليس ذلك فحسب بل ساعدت في اكتشاف مواهب لم يكن ليسمع عنها الناس لولا كاميرا ذلك الفن العجيب‏.‏ويالها من مصادفة خلبت لها الالباب‏,‏ أن يكون أول فيلم ناطق وهو أنشودة الفؤاد والذي عرض عام‏1932‏ من تمثيل المطربة السورية الاصل نادرة‏(1907‏ ـ‏1990)‏ وبطولة رائد المسرح جورج أبيض‏(1880‏ ـ‏1959)‏ وبمشاركة الشيخ زكريا أحمد‏(1896‏ ـ‏1961)‏ الذي قام فيه بدور بسيط حيث جسد شخصية لص‏..‏ الطريف أن الشيخ زكريا قام بتلحين اغنيات الفيلم وغنتها نادرة وكتب كلماتها شاعر القطرين خليل مطران ويقال أن عباس محمود العقاد صاغ بعضا منها‏.‏المخرج إيطالي والمغنية سورية والحكاية تنطلق من سوهاجكتب محمد سعيد ساردا ذكريات صاحبت هذا العمل السينمائي قائلا‏"‏ في حفل من حفلات البيوت الكبيرة جاءت لنادرة الفرصة التي جعلت منها نجمة أول فيلم في تاريخ السينما الغنائية العربية‏,‏ فقد كان يحلو لنادرة بين فترات غنائها أن تقوم بتقليد نجمات التمثيل في ذلك الوقت‏,‏ عندما وقعت أسيرة الإعجاب بقدرات نجمة التمثيل الرائدة بهيجة حافظ نجمة فيلم‏(‏ زينب‏)‏ الصامت قصة الدكتور محمد حسين هيكل‏(1888‏ ـ‏1956)‏ وإخراج محمد كريم‏(1896‏ ـ‏1972)‏ الذي عرض في عام‏.1930‏وكان من بين الحضور المخرج الإيطالي السكندري ماريو فولبي الذي أعجب بتقليدها لبهيجة حافظ وتوسم خيرا في إمكانات نادرة و حضورها اللافت فيرشحها لبطولة فيلمه‏(‏ أنشودة الفؤاد‏),‏ وتنجح نادرة في الاختبار وتلعب بطولة الفيلم الذي جري تحضير غالبية مراحله في استوديوهات السينما الفرنسية في العاصمة باريس‏.‏وقصته وهي فاجعة غارقة في المأسي لخصها الناقد السينمائي سمير فريد في دراسته المنشورة بمجلة نزوي العمانية الشهرية العدد الخامس والثلاثون شهر يوليو عام‏2009‏ يلتقي أمين باشا‏(‏ محمد عبد الله مع السيدة الاجنبية ميريل في فندق مينا هاوس الذي يقع بالقرب من اهرامات الجيزة ويتجول معها في القاهرة‏,‏ ويدعوها لزيارة مدينة سوهاج بصعيد مصر وهناك يعيش حسني عبد الرحمن رشدي‏)‏ في سعادة وهناء مع زوجته نادرة‏(‏ نادرة أمين ولكنه يتعلق بميريل ليان دارفيل عمر زكريا احمد مدير محلج قطن امين باشا والذي كان يريد الزواج من نادرة يبلغها ان زوجها علي علاقة مع ميريل‏.‏ يحاول ابراهيم‏(‏ جورج أبيض‏)‏ شقيق نادرة اقناع ميريل بالابتعاد عن حسني‏.‏ولكن عمر يقول لحسني ان ابراهيم علي علاقة مع ميريل‏.‏ يطلق عمر الرصاص علي ابراهيم‏,‏ ويلفق الجريمة ضد حسني في نفس الوقت الذي تلد فيه نادرة ابنتهما ليلي‏(‏ نادية‏)‏ ويحكم ظلما علي‏(‏ حسني‏)‏ بالسجن‏15‏ عاما‏,‏ ويفقد ابراهيم بصره‏,‏ بعد‏16‏ سنة يعود‏"‏ حسني‏"‏ الي سوهاج شحاذا‏,‏ وبالتزامن يصل أحمد رمزي عبد اللطيف ابن امين باشا من اوروبا بعد ان درس طب العيون‏,‏ ويتبادل احمد الحب مع ليلي‏.‏يلتقي حسني مع عمر الذي اصبح شحاذا بدوره‏,‏ ويعترف عمر للقاضي بان حسني بريء‏,‏ ويموت‏,‏ يشفي ابراهيم علي يد الدكتور احمد ويسترد بصره ويجمع أمين باشا بين حسني وابنته ليلي يوم زفافها الي احمد‏..‏وداد تنجح طربا وتفشل تمثيلاوبنجاح‏(‏ أنشودة الفؤاد‏)‏ الذي لم يكن بسبب قصته الأليمة‏,‏ تتمكن نادرة من أن تصبح واحدة من المطربات المرموقات في الثلاثينيات‏,‏ وهكذا أعطت السينما المطربة نادرة شهادة الميلاد الفني كذلك فتحت الباب علي مصراعيه أمام المطربات في ذلك الوقت اللاتي زحفن إلي هذا العالم لا من أجل أن يخلدهن التمثيل بل لمساعدتهن في الشهرة والانتشار في دنيا الغناء من هنا انطلقت أم كلثوم إلي الجمهور العريض وجاء فيلمها الأول‏(‏ وداد‏)‏ عام‏1936‏ من إنتاج ستوديو مصر وإخراج فريتز كامب وقصة أحمد رامي وسيناريو احمد بدرخان وحكايته كما يخطها تلخيصا الناقد السينمائي محمود قاسم تعود إلي القرون الوسطي وتحديدا عصر المماليك حيث تترعرع علاقة حب بين الشاب التاجر‏"‏ باهر‏"‏ وجاريته‏"‏ وداد‏"‏ التي تتمتع بصوت ملائكي‏,‏ وبينما يتناجي الحبيبان‏"‏ باهر‏"‏ و‏"‏ وداد‏"‏ يسطو قطاع الطريق علي قافلة باهر التجارية ويستولون علي بضاعته التي تمثل رأس ماله جميعا‏.‏ ينتكب باهر ويشكو سوء الدهر وتبدأ مطالبته بالديون التي يستمهل أصحابها ويضطر لبيع كل ما يملك ولا يستطيع سداد دينه‏.‏ تعرض عليه‏"‏ وداد‏"‏ أن يبيعها في سوق الجواري فهي ذات صوت جميل وربما تأتي له بثمن باهظ يسدد به دينه لكنه يرفض فكرة بيع محبوبته‏,‏ تلح‏"‏ وداد‏"‏ في طلبها هذا حيث التضحية بنفسها وقلبها فداء للمحبوب السيد‏,‏ أخيرا يوافق باهر علي مضض ويبيعها ليبدأ حياته التجارية من جديد‏.‏ تغني وداد اللوعة والأسي لفراق حبيبها وسيدها وتحزن عليه حزنا شديدا‏,‏ لكن الأحوال تتغير ويستعيد باهر تجارته وثراءه فيعود ليسترد الجارية وداد ممن باعه إياها ولا يجد صعوبة في ذلك حيث السيد الجديد لم ير منها سوي الحزن والأسي‏.‏ تعود‏"‏ وداد‏"‏ لمحبوبها مرة أخري لتعيش معه في هناء وسعادة‏.‏ثم توالت افلامها ليأتي نشيد الامل عام‏1937,‏ سيناريو إخراج احمد بدرخان وقصة وحوار احمد رامي وحكايته التي لخصها ايضا محمود قاسم قالت أن إسماعيل‏(‏ عباس فارس‏)‏ رجل خشن الطباع ضل في طريق الغواية وطلق زوجته البائسة‏"‏ آمال‏"(‏ أم كلثوم‏)‏ وبين يديها طفلتها الصغيرة‏"‏ سلوي‏"‏ تعاني الزوجة شقاء الحياة‏..‏ يسوق إليها القدر الدكتور‏"‏ عاصم‏"‏ زكي طليمات لذي كان يعالج طفلتها فيشفق عليها ويواسيها ويكتشف الطبيب أن‏"‏ لآمال‏"‏ صوتا ساحرا فيدبر لها عملا شريفا مستغلا صوتها العذب‏,‏ وما لبثت أن سارت في طريق الشهرة والمجد وهنا أخذت عوامل الإشفاق عليها من ناحية الدكتور‏"‏ عاصم‏"‏ تتحول إلي حب‏.‏ وفي هذه الأثناء لا يرحمها‏"‏ إسماعيل‏"‏ مطلقها فإذا به ينتزع طفلتها من بين أحضانها بحكم شرعي‏.‏ وذات يوم أثناء قيامها بدور في فيلم سينمائي مفروض ان ينتهي الدور بأن يطلق بطل الفيلم النار عليها إذا بإسماعيل يتسلل إليها ويطلب منها مالا يستعين به علي الهرب‏,‏ لأن البوليس يطارده وعندما يشتد الخلاف بينهما يطلق النار عليها فيعتقد مخرج الفيلم أن البطل هو الذي أطلق عليها الرصاص‏,‏ ويتوجه إلي آمال وهي ساقطة علي الأرض ليهنئها فإذا به يجدها مضرجة بالدماء لكنها تنجو من الموت ويتم القبض علي زوجها الشرير لينتهي الفيلم النهاية السعيدة‏.‏أم كلثوم أطربت جمهورها بأحلي الاغاني لكنها أمام الكاميرا لا روح واداء لا يمت للتمثيل بصلة وهنا مفارقة فأم كلثوم لن تكون الوحيدة التي غنت وفشلت في أن تترك أثرا يذكر في السينما‏,‏ وسنري في الحلقات التالية أثناء رصدنا للعلاقة بين الغناء والتمثيل أن غالبية من تركوا بصمة في دنيا الطرب‏,‏ مغنون أو مغنيات فشلوا في تحقيق النجاح ذاته علي الشاشة الكبيرة‏!!‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق