مات خالد سعيد الذي يهوي العزف علي الاورج وخلق بموته قضية يبدو انها لن تختفي بسهولة من علي ألسنة الناس ولا من علي سطح الأحداث الملتهبة أصلا.
هناك روايتان للقصة، مثلها مثل أي قضية قتل اتهم فيها أفراد من الشرطة، رواية رسمية من الداخلية غالبا لا تصدق، ورواية أخري يرددها الناس بها بعض المبالغة، ولا تستطيع ان تتحقق منها لأن العامة غالبا ما يرون ما يعتقدون، او يركزن علي أمر ويتركون الاخر، وبالتالي فان التحقيق الأمثل والأكمل هو تحقيق النيابة العامة التي نثق كثيرا في تحريها الحياد والدقة، خاصة بعد ان أحال النائب العام القضية الي نيابة الاستئناف حتي يضمن ان يتحقق عنصر الخبرة في هذه التحقيقات.
رواية الداخلية تقول إن الشاب القتيل مطلوب علي ذمة قضايا وسبق اتهامه في قضايا أخري مماثلة، في محاولة لتجهيز الرأي العام وتوجيهه بهذه المعلومات الي ان القتيل ليس فوق مستوي الشبهات، أو بمعني آخر تحاول تشويه سمعته حتي لا يكون هناك أي مبرر للتعاطف معه.
هذا الأمر نجح بطريقة أو بأخري في منح بعض الأقلام والنشطاء رخصة للتراجع أو عدم التعاطف مع القتيل، لكن في المجمل فشلت محاولة التشويه مثلما فشلت مع كل قتيل سقط ضحية تعذيب رسمي.
وهو ما نعيبه علي الداخلية التي تصر علي استخدام هذه الطريقة دائما في محاولة منها لتقليل الهجوم علي أفرادها حتي لو كانوا مدانين، وان كنا نراها أكثر شجاعة في أوقات كثيرة عندما تحيل كثيراً من هذه القضايا الي النيابة وتجري محاكمات تأديبية لأفرادها المتهمين بالتجاوز واختراق القانون.
نعود إلي عملية القبض علي هذا الشاب التي شابها كثير من القوة والخشونة غير المعقولة، فالروايتان تكادان متفقتان لكنهما تختلفان في تبرير هذه الخشونة، فمثلا الداخلية قالت إن القتيل قاوم السلطات في عملية القبض عليه، فاضطر أفراد الأمن او المتهمون بقتله للتعامل معه بالقوة، اما الرواية الشائعة والمنتشرة والتي رددها شهود عيان قالت إن الشاب كان يجلس في النت كافيه فدخل عليه المخبرون للقبض عليه فقاومهم فأمسكوا برأسه وضربوه في حائط الكافيه ثم جروه وهو يقاوم.
آثار الرضوض علي وجه الجثة قالت عنها الداخلية إنها نتيجة سقوط جثته من نقالة الاسعاف أثناء نقله، وان القطع الموجود في الوجه والرقبة سببهما قيام الطبيب الشرعي باستخراج لفافة البناجو التي ابتلعها اثناء القبض عليه.
هنا أضعف جزء في رواية الداخلية، فكل شهود الاثبات اكدوا ان القتيل لم يكن معه شيء، وانه لم يبتلع شيئا، وانه لو كان مختنقا بما ابتلعه فكيف كان يصيح ويشتم وهو يقاوم منذ ان كان في الكافيه حتي دخوله في غيبوبة بسبب الاعتداء عليه.
ثم ان محاولة استخراج لفافة البانجو من عنق القتيل من المستحيل أن تتم من خده او من اذنيه، او ان تقطع شفته السفلي او ان تكسر اسنانه او ان تورم عينيه.
التضارب لم يكن فقط في مسألة قتله او موته او في القبض عليه او حتي في ما اتهم من جرائم، فقد وصلت الي حياته قبل موته بكثير.
فالأوراق التي حصلنا عليها تحمل الكثير من علامات الاستفهام فمثلا قيل إن الشاب حصل علي بكالوريوس تجارة من جامعة الإسكندرية، مثلما قالت ابنة خاله، في حين ان شهادة تأدية الخدمة العسكرية التي منحتنا إياها والدته السيدة ليلي مرزوق تقول إن ابنها أدي الخدمة العسكرية في قوات أمن الإسكندرية وهو ما يشير الي كونه لم يتلق تعليما يتجاوز الابتدائية، والا كان قد التحق بالقوات المسلحة.
صحيح ان الشهادة التي حصل عليها تحمل درجة تقدير رديئة وانه امضي قرابة الـ 6 سنوات في الخدمة نظرا لتخلفه وهروبه وبالتالي حبسه، الا ان نفس الشهادة تفجر مزيدا من الاسئلة التي لم نجد لها اجابات حتي الآن.
فمثلا قالت امه إن ابنها ظل في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة سنتين وعاش هناك مع اخويه اللذين حصلا علي الجنسية الامريكية، في حين ان شهادة الخدمة العسكرية تشير الي ان القتيل انتهي من تأدية الخدمة العسكرية بشكل نهائي في ابريل 2008 وحصل علي الشهادة (شرط اساسي للسفر) بتاريخ يوليو 2008، بما يعني لو ان الشاب القتيل قد سافر الي امريكا وظل بها عامين فإنه كان من المفترض ان يعود في يوليو 2010 وهذا ما لم يكن حقيقة، فضلا عن ان جواز سفره استخرج بتاريخ اغسطس 2009.
شهادة الخدمة العسكرية تشكك ايضا في رواية الداخلية التي قالت إن المذكور كان مطلوبا في قضية هروب من الخدمة العسكرية رقم 333 لسنة 2008 في حين ان خالد سعيد انهي خدمته العسكرية في إبريل من نفس العام، وقد يكون قد تهرب من الخدمة لفترة لكن القواعد التي تنظم هذا الامر تقول إن من يهرب يتم معاقبته وبعد تنفيذ العقوبة يستكمل مدته كاملة، وبالتالي فإن المذكور كان قد اتم فترة المعاقبة ثم استكمل الفترة المتبقية من تجنيده، وبالتالي فقد جنح الصواب عن رواية الداخلية في هذه الجزئية.
نأتي للجزء الاخطر والاهم علي الإطلاق في هذه القضية وهو الخاص بأن المذكور كان مطلوباً لتنفيذ حكمين بالحبس صادرين في قضيتين إحداهما جنح سرقات والثانية حيازة سلاح أبيض.
واذا افترضنا ان هذا الامر صحيحا تماما وان المذكور إضافة الي كل هذا قام بالتعرض لأنثي وان فيه كل العبر والمخالفات، وكلها جنح لا ترقي للجناية، فهل هذا يبرر او يكون ممهدا للقبض عليه بهذه الطريقة المذلة المهينة الدامية التي انتهت بفض بكارة روحه.
هل من حق أفراد أمن يندرجون في أسفل السلم الوظيفي الأمني ان يتعاملوا مع البشر علي انهم قطيع من الخراف وان من يحمل كارنيه مخبر سري هو إله منزه عن المحاسبة او المحاكمة.
هل هناك قانون في الدنيا يمنح هؤلاء المخبرين حق القبض علي الافراد الامنيين في أي مكان وبأي طريقة وبدون مرافقة ضابط شرطة
الفجر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق