يملك الفنان محمد سعد سرا ربما أعمق من سر «شويبس»، الذى مات الفنان الراحل حسن عابدين قبل أن يتوصل له وأكثر حيرة من خلطة كنتاكى، التى قال عنها الأرجنتينى الساحر ميسى بلغة عربية فصيحة «سره لذيذ»، لكنه فى نفس الوقت يملك قدرا من البيروقراطية الفكرية، التى تسبب له إهدارا لموهبته، وما بين هذا السر، وهذه البيرقراطية يواصل محمد سعد حياته الفنية ومشروعاته السينمائية. والحقيقة أن محمد سعد كفنان يشبه إلى حد كبير القطاع العام المصرى، به ما به من إمكانات ولا يحقق النجاح ــ الفنى ــ وربما يحتاج كما هو الحال مع القطاع الخاص إلى مزيد من الخصخصة أو على الأقل إدارة جديدة لمشروعه الفنى، فلا يمكن أن تنكر وأنت تشاهد محمد سعد بقدراته الحركية والتمثيلية وموهبته الفطرية ما وصل إليه لكن فى نفس الوقت تحتار لاستمراره بنفس المنهج والوسيلة دون أن يحاول أن يتغير أو ينظر خلفه ليرى ما وصل إليه وما وصل إليه نجوم غيره سبقهم فى البداية ثم ما لبسوا وانطلقوا، ولم يستطع أن يلحق بهم لترهل مشروعه الفنى، والذى جعله يترنح أحيانا ويصاب بكساد فى أحيان أخرى.صحيح أنه يملك موهبة حقيقية لكن دائما وابدا للصبر حدود والجمهور فى بلدنا يمكن أن يبلع لك الزلط مرة، لكنه لا يمكن أن يعيش بمعدة ممتلئة بالدبش والحصى طيلة عمره يملك فضيلة الغفران، لكنه يرفض دائما الاعتماد على هذه المكرمة، ويحتاج إلى أن تقدم له السبت حتى يقدم لك بطيب الخاطر الأحد، وهذه العلاقة النفعية هى التى فرضها محمد سعد نفسه عندما قدم لهم شخصية جديدة بلغة جديدة ومفردات مختلفة عن تلك التى يشاهدونها وتعودوا عليها، هذه الشخصية التى اختبرت فى دور صغير مع مخرج كبير فى فيلم الناظر لشريف عرفة هى شخصية اللمبى ذلك الشاب، الذى يخرج من بيئة موجودة بيننا، لكن دائما ما نحب أن نتحاشاها وندعى عدم وجودها وربما سر نجاحها فى فيلم كامل هو الحقيقة، التى وضعها صناع فيلم اللمبى أمام أعين الجميع والمشكلات، التى تعرضت لها الشخصية فى الفيلم يتعرض لها كثير من شبابنا والحلول، التى يقدمها أيضا يلجأ إليها الكثيرون منا، ولذلك نجح الفيلم ونجح محمد سعد فى تغيير خريطة السينما.وأضاف إلى فرسان الشباك فارس جديد سرعان ما أصبح فى المقدمة عن استحقاق رغم أن هناك من هاجم الفيلم، وهاجم سعد نفسه لكن الجمهور، وقتها كان سندا له ودرعا حماه من كل تقلبات النقاد، وبالفعل خرج محمد من اللمبى «الفيلم» سالما، لكنه لم يستطع الخروج من اللمبى «الشخصية»، والأحرى أنه لم يستطع الخروج من قالب الممثل الكاراكتر، وهى الأزمة التى لم يدرك سعد أن سابقيه ممن أتوا بصدمة الشخصية، قرروا عن طيب خاطر أن يخرجوا منها بسرعة ليستكملوا مشوارهم، فهنيدى مثلا نجح بشخصية الطالب الصعيدى فى فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية، وكان من الممكن أن يستمر بتلك الشخصية فى أفلامه التالية وأحمد حلمى نجح من خلال كاركتر الشاب الصايع فى فيلم «صايع بحر»، لكنه لم يتوقف أمامه، ولم يعد إليه مطلقا، ومن قبلهما فعل الزعيم عادل إمام والكبير الراحل فؤاد المهندس، وغيرهم من نجوم الكوميديا لكن سعد لم يستطع حتى الآن الخروج من اللمبى أو من نمطية الكاراكتر التى يضع نفسه فيها باختياره للأسف.فقدم اللى بالى بالك ــ اللمبى بحكاية جديدة، وقدم عوكل ــ كاركتر ــ بوحة ــ كركر وكتكوت وبوشكاش، وغيرها من الشخصيات التى يربط بينها دائما خيط واحد رفيع يتعلق دائما به محمد سعد فى محاولة لأن يحدث صدمة اللمبى الفيلم، والذى صعد به إلى عنان السماء، لكن الحقيقة أن هذا الخيط، والذى صنعه محمد سعد بنفسه ولا يمكن الحديث عن محاولات توريط أو فرض نوعية معينة عليه من قبل صناع القرار فى السينما أصبح على وشك التمزق وأخشى أن يسقط من ارتفاعه إلى الأرض. محاولات مخنوقةالحقيقة أن المتتبع لمسيرة محمد سعد الفنية بعد احتلاله للمقاعد الاولى فى عالم شباك التذاكر يجد مسارا متعرجا له على مستوى الإيرادات ومسارا ثابتا على مستوى الأداء، وربما إذا ربطنا بين المسارين سوف نجد حلا للغز الممثل الذى يحرق بأيديه كل مناطقه الخضراء، ومع ذلك يحاول مع كل انتكاسة مالية البحث عن مخرج فيعود إلى الفيلم، الذى يعتبره الدليل الذى يحتذى به وأقصد اللمبى فيقارن بين ما قدمه فى كركر على سبيل المثال، وبين ما قدمه فى اللمبى، ويستشعر أن كمية الضحك لم تكن كافية أو أن الأغنية لم تكن موفقة فيقرر أن يكرر ما فعله فى اللمبى فى فيلمه الجديد، وهكذا لكنه للأسف لا يدرك أن المشكلة ليست فى جرعات الضحك أو الأغانى أو حتى بطلات أفلامه أو مخرجيها ومؤلفيها، وإنما الحقيقة أن المشكلة تكمن فى قناعــات محمد سعد نفسه، والإطار الذى حبس نفسه فيه وأغلق عليه بابا موصدا، وخبأ المفتاح بنفسه فى مكان يعرفه جيدا ويرفض أن يراه. إضافة إلى أنه لا يستغيث طلبا للنجدة لظنه أنه على طريق صحيح، والحقيقة أن هناك من يساعده على ذلك من بعض المنتجين، الذين يريدون عصره حتى آخر نكتة يمكن أن يقولها.ولعل فيلم 8 جيجا، والذى قدمه محمد سعد مؤخرا ــ وأتمنى ذلك ــ يكون تلك النكتة الأخيرة، وليست النقطة الأخيرة التى يستغلها سعد وبعض ممن حوله، فالفيلم الذى شهد محاولة مخنوقة لمحمد سعد للعودة إلى ما كان عليه بعد فترة غياب فى رأيى يجب أن يكون نهاية عهد سعد بأفلام الكاراكتر وبشخصية اللمبى، التى آن الأوان لأن تستريح وأن يضعها سعد فى متحف على اعتبارها مقتنيات ثمينة وآن الأوان لأن يسعى محمد سعد للخروج من سجنه الاختيارى، وأن يجد المفتاح والدعامة التى تبقيه ممثلا مهما قبل أن يعلن إفلاس مشروعه الفنى، ونخسر فنانا نبحث عن أمثاله سنوات طويلة.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق