الجمعة، 2 أبريل 2010

موسى يلقى خطاب "الوداع" فى سرت .. التخلى الطوعى عن السلطة


ويقدم للحكام العرب نموذج «التخلى الطوعى» عن السلطة
جاء الخطاب الشامل الذى ألقاه عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلال افتتاح فعاليات القمة العربية الثانية والعشرين التى عقدت بمدينة سرت الليبية يومى ٢٧ و٢٨ مارس الماضى، أشبه برسالة الوداع، كونه جدد فيها التأكيد بعدم ترشحه لمنصب الأمين العام مرة أخرى. قدم موسى خلال الرسالة توصيفا للوضع العربى العام، ووضع يده على علله، ووصف له العلاج، كما لم يخل الخطاب من رسائل عديدة موجهة لجهات معينة، تهدف إلى إصلاح العمل العربى المشترك والجامعة العربية، وكأن لسان حاله يقول «إما أن نفعل ذلك، وإما فلا فائدة مما نفعل».
ومن هنا لابد من إعادة قراءة هذا الخطاب مرات عديدة، لأنه نتاج تجربة وحصاد سنوات طويلة قضاها صاحبة فى كنف الدبلوماسية المصرية والعربية، انغمس فيها وانغمست فيه حتى توحدا فى شىء واحد، ففى كل مرة تقرأ الخطاب تتكشف لك زوايا وأفكار لم تكن تدركها فى المرة الأولى.
لكن اللافت أن رسائل الأمين العام كانت موجهة فى معظمها الى القادة العرب، الذين فاجأهم خطاب موسى لأن أفكاره ربما تكون صادمة لهم.
قدم موسى تصورا لإصلاح الجامعة العربية، والعمل العربى المشترك بشكل عام، وأعاد التأكيد على رغبته فى عدم الترشح لفترة ولاية ثالثة على مقعد الأمين العام للجامعة العربية، على الرغم مما كان يلمح له من نجاحات حققها فى ظل ظروف صعبة، وذلك فى خطوة منه، فيما يبدو، لإرساء مبدأ التخلى الطوعى عن السلطة ليكون نموذجا للقادة العرب الذين يتمسكون بها، لعقود طويلة مرت، مما أصاب الحياة السياسية العربية بالجمود.
فقد أكد موسى: «أنا على وشك إنهاء الولاية التى انتخبتمونى لها فى عام ٢٠٠٥ وهو ما أعتقده بالنسبة لى كافيا كفترة خدمة للعرب وعالمهم، خلال الأعوام التسعة المنقضية حاولت جهدى أن أنهض بالجامعة العربية، وأن أكون المتحدث باسمها وباسم مجموع العرب، وفى طرحى جدول أعمال واسع يقوم على الأركان الأربعة: السياسية، التنموية، الثقافية وأخيرا وليس آخرا الإصلاح والتطوير والتحديث».
كما أن خطاب موسى يمكن قراءته من زاوية عكسية بمعنى أنه يسعى الى إعادة الترشح ولكن بعد الحصول على أكبر تأييد له، حتى يأتى برغبة عربية وليس من خلال رغبة مصرية أو شخصية، وذلك ليضمن توفر أكبر قدر من التأييد العربى لمبادراته الإصلاحية التى يطرحها لإصلاح العمل العربى، فقد حرص موسى على الإشادة بانجازاته: «أنا لا أقول إننى نجحت، ولكن أقول حاولت وبكل ما أمكننى أن أجمعه وأعتمد عليه من إخلاص وكفاءة وتفان». كما لم يفته التأكيد على أن قدرة الأمين العام على تنفيذ المهام الموكلة إليه، ودعم العمل العربى المشترك «لا تتحقق بدون دعم عربى واضح للجامعة العربية ذاتها».
ووجه موسى نقدا مقّنعا للنظام السياسى العربى محمّلا إياه مسؤولية الفشل والتراجع السياسى، إلا أنه طرح ذلك مختبئا خلف ميزانية الجامعة، حيث أكد «أنه لا يمكن أن تعمل الأمانة العامة للجامعة عملا يرتفع إلى مستوى الأداء الإقليمى للمنظمات الدولية والإقليمية بميزانية يضيع أكثر من ربعها فى التمنع أو عدم القدرة، ثم تتهم الجامعة بأنها المسؤولة عن التراجع العربى وعن الفشل السياسى.. بينما المسؤولية تعود على الإرادة السياسية للدول الأعضاء التى يفترض أن يكون حماسها للعمل العربى والتزامها به هو المحرك لعمل الأمانة العامة للجامعة، وليس العكس».
وحاول الأمين العام رسم خطوط عريضة للسياسة العربية المستقبلية، تضمن تحقيق التوافق والعمل الجماعى العربى، معترفا بتواضع المستوى الذى وصل له العرب فى هذا الشأن «حيث توليت قيادة العمل الجماعى العربى، محاولا بقدر الإمكان الحفاظ على أطر العمل المشترك ورعاية المصالح الجماعية والعمل على بلورة مواقف عربية موحدة، ومحاولة تنفيذ جدول أعمال عربى نضمن التوافق الشامل حوله»، لافتا إلى وجود مؤشرات للتقدم، إلا أنه تقدم بطىء لايزال هشا يستلزم ربما إعادة نظر فى مسار النظام العربى ليتماشى مع التطورات والمتطلبات المعاصرة والمستقبلية».
كما أن موسى صاحب الشخصية العروبية والقومية، أراد مواجهة، الدعاوى التى انطلقت فى بعض الدول العربية من ضرورة التخلى عن الشعارات القومية لأنها لم تعد ذات جدوى وعفا عنها الزمن، فحرص على توجيه رسالة أخرى، أكد خلالها على أن الشعور القومى «ليس سبة ولا هو ردة إلى ماض سلف، إنه شبكة أمان تربط الشعوب العربية وتوثق عرى التواصل والتشابك والشعور القومى لا يتعارض مع العصر ومتطلباته ولا يعوق إمكانات التجاوب معها».
كما كانت قضية المصالحة العربية - العربية محورا رئيسيا فى التقرير الذى قدمه عمرو موسى للقمة، مؤكدا أن المصالحة العربية ومواجهة النزاعات والخلافات التى تنشب بين الدول العربية أصبحت من المطالب الرئيسية للمواطنين العرب الذين سئموا هذه الخلافات وطريقة إدارتها.
وكان مقترح موسى الخاص بسياسة «الجوار العربى» والتى تضم كلا من تركيا وإيران إضافة الى دول أخرى أفريقية مثل اريتريا وأثيوبيا ودول جنوب الصحراء مثل تشاد والسنغال وغينيا ومالى والنيجر، من أهم النقاط التى تتخطى العمل العربى المشترك الى مستوى أعلى من التعاون الإقليمى، مشددا فى ذات الوقت على أهمية أن يكون الحوار مع ايران جزءا من هذه السياسة، رغم ما تبديه العديد من الدول العربية من تحفظ تجاه مثل هذا الموضوع بالذات.
كما أخذت عملية السلام فى الشرق الأوسط حيزا كبيرا من تقرير الأمين العام، وحرض خلالها على تشخيص عدد من الأخطاء العربية فى هذا الملف، وكأنه يريد أن يحض القادة العرب على عدم تكرار هذه الأخطاء. وقال: إننا اعتمدنا لسنوات طويلة على جهود الوسطاء بدلا من الإشراف الكامل للأمم المتحدة على عملية التفاوض التى أطلقها مجلس الأمن. كما قبلنا للأسف عملية سلام مفتوحة النهاية أى لا نهاية لها.
ودعا موسى القادة والرؤساء العرب الى دراسة مختلف الاحتمالات، وعلى رأسها الاحتمال القائم بفشل عملية السلام كلية، وقال: «أرجو أن تناقشوا هذا الاحتمال وتداعياته»، فى إشارة منه إلى ضرورة إيجاد بدائل بعد أن أدت سياسة الخيار الأوحد، وهو السلام كخيار استراتيجى الى مزيد من التغطرس الإسرائيلى، ومزيد من الوهن العربى.
من جانبها أعتبرت مصادر مطلعة بالجامعة العربية أن إشارة موسى فى خطابه برغبته فى الاكتفاء بالفترة الحالية له، كأمين عام للجامعة العربية، وعدم السعى للاستمرار لمدة جديدة، هى رسالة أخرى للزعماء العرب بإتاحة الفرصة للأجيال الشابة، وضخ دماء جديدة فى النظام العربى الحاكم.

المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق