
المصادفة جمعتني بالصديق العزيز د.عثمان محمد عثمان وزير الدولة للتنمية الاقتصادية وهو المنصب الذي كان معروفا من قبل باسم وزير التخطيط.. المهم ان الحوار دار حول الفقر ووطأته علي المواطنين المصريين.. الوزير يتحدث بالأرقام مثل وزير المالية وإن كان د.عثمان أكثر تفهما لواقع المصريين وأكثر تواضعا. المهم ان الوزير اعترف ان هناك 20% فقط من السكان يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يعني 16 مليون نسمة.. هنا سألته كيف تحسبون هذا المعدل؟ فقال انه طبقا للبنك الدولي فإن الفقير هو من يحصل علي دولارين أو أقل كدخل ثابت ومعلن.. قلت له معني ذلك ان 11 جنيها يوميا أو 330 جنيها شهريا هي حد الفقر؟! اعترض وقال ان هذا خطأ كثيرين لكن الحقيقي ان سعر صرف الدولار الحقيقي هو 185 قرشا. والحقيقة انني لم أفهم هذا المعني! تماما كما لا يفهم ملايين المصريين ان معدلات النمو انعكست ايجابيا علي حياتهم.. ما أقصده انه لو كان معي دولاران وذهبت لتغييرهما فإني سأحصل علي 11 جنيها أو أقل. وبالتالي سأشتري المتاح بهذا المبلغ. أما حساب الوزير بأن الدولار لا يساوي سوي 185 قرشا كقوة شرائية فهذا كلام نظري وأرقام صماء لا يمكن ترجمتها إلي الواقع. وفي الحقيقة فإنني لم اقتنع كثيرا بتعريف الوزير للفقر لأنه تعريف "نظري" والنظرية لا تنجح إذا ما شاب تطبيقها عيوب.. علي أية حال مصر تختلف عن دول كثيرة في شيئين الأول الدعم والثاني الضرائب.. عندنا الفقير والغني يحصلان علي نفس السلعة بذات السعر.. ومن يحصل علي 300 جنيه شهريا يدفع نفس فواتير التليفون والكهرباء والغاز وثمن البنزين الذي يسدده الغني.. الشيء الثاني هو الضرائب فكلنا ندفع 20% من الدخل.. الزبال مثل المليونير. لكن هل صحيح أن البنك الدولي افتي بأن الفقراء المدقعين يبلغون 20% فقط من السكان؟ الحقيقة أن الوزير صادق نسبيا في ذلك فقد قسم البنك الدولي الفقراء إلي شريحتين الأولي تمثل 2.3% وهؤلاء أقل من 100 جنيه شهريا ومعظمهم يلجأ لأعمال أخري أو للتسول والباقون هم من يحصلون علي 300 جنيه ويشكلون 8.16% وبهذا تكتمل نسبة الوزير "النظرية".. لكن هناك نسبة أخري قررها البنك الدولي وتمثل 19% من السكان ويحصلون علي 600 جنيه في الشهر.. والحقيقة ان حال هؤلاء ليس مثل الباقين فالمفروض انهم أعلي دخلا لكن النتيجة انهم فقراء لأنهم لا يستطيعون الحصول علي خدمات متاحة لهم كالتعليم والعلاج والكهرباء وإذا حصلوا عليها فإنهم يضطرون لممارسة أعمال إضافية للوفاء بها.. هؤلاء فقراء أيضا في عرف البنك الدولي لأنهم لا يملكون شيئا. سألت الوزير لماذا ترفضون رفع الأجور؟ فأجاب لأن الموازنة بها عجز كبير! وقلت له هل الفقراء هم سبب العجز فقال انها سياسات خاطئة فقلت له من يضعها؟! علي أية حال الجدل لم ينته.. الوزير مقتنع ان الفقر في مصر تتم محاصرته وأنا مقتنع ان الحكومة انجزت أشياء كثيرة وفتحت استثمارات ووفرت وظائف وزادت المخصصات التموينية ومع ذلك فمساحة الفقر تزداد ولابد أن تجد الدولة وسيلة لزيادة الأجور وتمويل الميزانية من رفع أسعار سلع وخدمات لا يعرفها الفقراء مثل المياه التي تروي ملاعب الجولف والبنزين 95 والسجائر المستوردة وعدد أجهزة التكييف بكل شقة أو فيلا.. لن أقول ضرائب تصاعدية فقد ثبت عدم جدواها بالإضافة إلي انها تضر الاستثمار وتطفشه وتخالف الدستور ولا يوجد مثلها في العالم. ولكني أقول من خلال ابتكار وسائل تمويل للميزانية تفيد أكثر من 40% من تعدادنا أي 32 مليون مصري.. بالمناسبة كان هذا تعدادنا حتي السبعينيات.. ويشكر للحكومة انها استطاعت استيعاب 48 مليونا من السكان داخل مظلتها الاجتماعية والتنموية لكن مازالت هناك ثقوب كثيرة يتساقط منها الفقراء!
الجمهورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق