السبت، 24 أبريل 2010

الزوجة الحكيمة‏ !‏



شجعتني القضايا الجادة التي يتناولها بريد السبت علي ان أكتب اليك بمشكلتي عسي ان أجد حلا يريحني من العذاب الذي أعيشه مع زوج لا أستطيع ان أتركه‏,‏ ولايمكنني ان أعيش معه‏.‏

وأروي لك قصتي منذ البداية فعندما كان عمري‏18‏ سنة تقدم لخطبتي شاب ميسور الحال ووافق أهلي عليه‏,‏ وتمت الخطبة وفي يوم عقد القران عزمنا الأقارب والأصدقاء‏,‏ ومعظم أهل البلد الذي نقطنه‏,‏ وبينما كان الجميع يترقبون العريس اذ بأبي يحضر ومعه قريب له‏,‏ ويفاجئنا بأنه خطيبي الجديد‏,‏ ولك ان تتصور حالة الذهول التي أصابت الجميع‏,‏ وأصابتني انا شخصيا‏,‏ وانتابتني حالة هيستريا من الخبر‏,‏ وخلعت فستان الفرح وانصرف المدعوون وهم يضربون كفا بكف‏.‏وهكذا أصبحت مخطوبة لقريب أبي برغم اني مخطوبة لعريس آخر‏,‏ وحاولت بكل الطرق ان أثني ابي عما اعتزمه‏,‏ ولكنهم أرغموني علي فسخ الخطبة من عريسي بالضرب بالجنزير والاهانة‏,‏ وهكذا اصبحت بالضغط عروسا لقريبي‏,‏ وساءت حالتي الصحية واستسلمت للأمر الواقع‏,‏ وكان عريسي الجديد حديث التخرج وليست لديه امكانيات للزواج‏,‏ فحاولت ان أسانده برغم انه أخذني بالقوة ودون رغبتي‏,‏ واتقيت الله فيه‏,‏ وتحملت عصبيته الزائدة عن الحد‏,‏ وعلمت من والدتي في إطار حديث عابر ان اباه ظل يضرب اخاه حتي سقط ميتا‏,‏ فهم ذوو قلوب متحجرة‏,‏ ولم يأبهوا لما حدث‏,‏ وتكتموا الموضوع حتي لايعلم احد الحقيقة‏.‏وتكررت صورة الأب في زوجي الذي دأب علي ضربي وإهانتي لأتفه الأسباب‏,‏ وتعودت علي تحمل مسئولية البيت كاملة بكل كبيرة وصغيرة‏,‏ ولم يحدث أبدا ان تقاربنا‏,‏ وليس بيننا مودة ولا رحمة‏,‏ وكثيرا ما قلت له كفاية ظلم لكن مثله لايعرف ذلك فالظلم جزء من تكوينه الشخصي‏.‏وأذكر ذات مرة ان أطفالا تشاجروا مع بعض مثلما يحدث بين كل الأطفال‏,‏ فأقسم ان يضرب ابننا‏,‏ ولما دافعت عنه ضربني علي دماغي ضربا مبرحا فأصبت بشلل نصفي‏,‏ فلم يهتم‏,‏ ولم يتأثر وظل كالحجر الذي لايلين وتركني بلا حراك‏,‏ وعلم أخي بما حدث لي فأسرع بي الي المستشفي وظللت خاضعة للعلاج لمدة سنتين‏.‏والمدهش ياسيدي ان والدتي وباقي اخوتي تفرجوا علي ولم يساعدني احد الا اخي الأكبر‏,‏ ولما طالت القطيعة مع زوجي جاءني وقال لي انه لن يمد يده علي مرة أخري‏,‏ ولكن مثله لا يمكن ان ينصلح حاله‏.‏وبعد تحسن حالتي الصحية عدت الي العمل ووفرت كل مليم ودخلت في جمعيات وأدخلت الأولاد مدارس خاصة‏,‏ ولم يتبق معي شيء لشراء الملابس فكنت أشحذ من إخوتي الهدوم القديمة ولا أدري اين مرتبه وأمواله والأرض التي يملكها‏,‏ فكل شيء غامض علي‏,‏ وليس من حقي أن اعترض علي تصرفاته ولابخله وكنزه الأموال بهذا الشكل المريض‏.‏وانتقلت هذه العدوي الي أولادنا وعلي رأي المثل اللي بيقول لها جوزها ياعورة بيلعبوا بها الكورة ولم يكن عندي بديل للحياة القاسية التي تشبه الجحيم فكلما ذهبت الي اهلي يعيدوني اليه فأنا بلا كرامة عند أهلي وعند زوجي علي حد سواء‏.‏أما المشاعر فلا وجود لها‏,‏ فهو ينام باستمرار في حجرة الأولاد‏,‏ فإذا احتاجني جاءني في حجرتنا وأخذ ما يريد‏,‏ فأنا لا أمثل بالنسبة له اكثر من خادمة بل ربما تكون للخادمة حقوق لا أحصل عليها‏,‏ وليس مهما احتياجاتي النفسية كامرأة مادام هو يشبع غريزته وينفذ مراده‏!!‏هل هناك ما هو أقسي من ذلك؟ فالجيران يسمعون صراخي كل يوم‏,‏ وكلما توسلت اليه ان يتخلي عن اسلوب الضرب‏,‏ وأقول انا كبرت وتعديت سن الاربعين وما كنت أفعله في العشرينات لم يعد باستطاعتي أن أقدمه الآن‏,‏ يزيد في عدوانه‏..‏ فلقد تعود علي استسلامي له وتحملي ما هو فوق طاقة البشر‏!‏ولم يتخل عن اذلاله لي‏,‏ وقال لي أهلك جوزوك لي عشان طمعانين في الأرض‏,‏ وعمرك ما حطولي حاجة وهكذا أفصح عن اطماعه وما يدور في نفسه منذ ان تزوجني‏,‏ فلقد عرفت انه اشتري من الأموال التي كنزها علي مر السنين ارضا في بلدته وبني فيها عمارة‏,‏ ولديه ايضا ارض زراعية كثيرة بعضها آل اليه بطريق الميراث‏,‏ وبعضها الآخر اشتراه‏.‏وسافر الأولاد الي الخارج بعد ان أنهوا دراستهم وبقيت مع ابنتي‏,‏ واخيرا قررت ان التفت الي صحتي وعافيتي‏,‏ وذهبت الي طبيب لكي يصف لي برنامجا للريجيم‏,‏ فانا اعاني من الربو‏,‏ ولابد من تخفيف حدة السمنة لكي يتحسن التنفس‏,‏ وأستطيع الحركة والتنفس بدون ارهاق‏,‏ ولما اخبرته بذلك تمادي في ضربي وايذائي نفسيا وبدنيا‏,‏ وعرفت انه يفعل ذلك بتدبير محام حتي اطلب الخلع ولا أكلفه شيئا‏,‏ وأعلن هذا أمامي بكل بجاحة وردد بصوت عال لو كان عندك دم ارفعي قضية خلع‏!‏ قلت له‏:‏ أنا لا أريد الطلاق‏,‏ وأنت اخذت كل حاجة‏,‏ أخذت صحتي وعافيتي وعمري وأولادي‏,‏ لم تترك لي شيئا‏..‏ اتق الله في‏..‏ لكنه ظل علي موقفه وظللت علي عهدي بأن أحافظ علي صورتنا كأسرة متماسكة برغم كل ما حدث‏!‏وذات يوم منذ عامين عدت من عملي فوجدته قد أخذ كل ملابسه‏,‏ ولم يترك أي متعلقات له بالمنزل وسافر الي بلده دون علم أحد وتركني معلقة‏,‏ وبدأ الجيران يتهامسون علينا أنا وابنتي الطالبة الجامعية فكل خطوة لنا محسوبة ضدنا فإذا ذهبت الي الطبيب وتأخرت أجد النظرات تقتلني‏,‏ واذا جاءنا سباك لاصلاح شيء في البيت يتغامز الجيران وهكذا تحولت حياتنا الي جحيم‏.‏وإني أسألك ياسيدي‏,‏ هل يرضي ما يفعله زوجي الله سبحانه وتعالي الذي نهي عن ترك الزوجة معلقة‏,‏ لقد طلبت من أهله ان أواجهه فلم يوافق‏,‏ وكلما فاتحه أحد في الموضوع يقول له ممكن تطلب الطلاق‏!‏أما أولادي المسافرون للخارج فلا يسألون عني‏,‏ لدرجة ان احدا منهم لم يرفع سماعة التليفون ليقول لي كل سنة وانت طيبة يا أمي فهم مثل أبيهم‏,‏ ويتصرفون بنفس طريقته‏..‏ وكل الناس يعلمون ذلك‏.‏وأما ابنتي فانني خائفة ان يقف سوقها ولا تتزوج بسبب سوء السمعة الذي لاحق أسرتي نتيجة تصرفات أبيها‏..‏ ان الدنيا تضيق من حولي فبماذا تشير علي ياسيدي؟‏*‏ حكمة المرأة تبني بيتها‏,‏ وحماقتها تهدمه‏,‏ وأنت ياسيدتي زوجة تتمتعين بحسن التصرف منذ سنوات شبابك الأولي‏,‏ فبرغم الصدمة المروعة التي أصابتك يوم عقد قرانك عندما فوجئت بأبيك يفرض عليك عريسا جديدا بعد أن تهيأت للزواج من آخر‏,‏ ضاربا عرض الحائط بكل القيم والأعراف‏,‏ بل والمشاعر والأحاسيس المفترض أن تكون بين الزوجين‏,‏ أقول برغم ذلك تماسكت واستوعبت الموقف العصيب‏,‏ وسرعان ما جمعت شتاتك وتأقلمت مع العريس قريب أبيك‏,‏ ورضيت بما أنت فيه وحفظت بيتك وكرامتك‏,‏ وانخرطت في العمل‏,‏ وتوليت أمور أسرتك المادية بكل مسئولية واقتدار بعد أن ظهر لك بخله وأنانيته‏,‏ وانصرافه إلي نفسه‏,‏ وهو الخط الذي رسمه لنفسه لكي يكنز دخله لشراء الأراضي‏,‏ وبناء العقارات دون علمك ظنا منه أن ما فعله أبوك بتزويجك له كان هدفه ضمان جزء من الميراث الكبير الذي آل إليه‏.‏والغريب أنه قاس المشاعر الزوجية بالمقياس نفسه‏,‏ فاتخذ من حجرة الأولاد مستقرا له‏,‏ حتي إذا أرادك انتقل إلي حجرتك لينال غرضه ثم يعود إلي ما كان عليه دون أن يتحسب لاحتياجاتك النفسية كزوجة لها حقوق مثلما يفكر هو في حقوقه‏!‏وإنني أحييك ياسيدتي علي موقفك‏,‏ فلقد عرفت قدر نفسك وملكت قوة الزمن والإدارة برغم أن أباك سامحه الله هو الذي وضعك في هذا الوضع‏,‏ فلم تضعفي وواصلت مشوارك في تربية أولادك بدأب شديد‏,‏ ولو أنك في عصمة رجل غيره لحملك فوق رأسه وأكبر فيك صنيعك الرائع برعاية البيت والأولاد‏,‏ وصون كرامته‏,‏ لكنه بدلا من ذلك لجأ إلي الضرب والإهانة‏,‏ ناسيا أن السوط قد يدفع المرأة إلي ارتكاب الحماقات‏,‏ لكنه أبدا لن يجعلها مطيعة للرجل‏,‏ لكنها النشأة التي أدت به إلي هذه الغطرسة التي لا مبرر لها‏.‏ومن شابه أباه فما ظلم‏,‏ فهو في ذلك يسير علي طريقة أبيه في التعامل معكم‏,‏ والدليل علي ذلك أن شقيقه رحل عن الحياة بتأثير الضرب المبرح علي حد قولك‏.‏لقد خالف زوجك كل القواعد التي تقوم عليها الحياة الزوجية السليمة‏,‏ فلقد خلق الرجل لقيادة البيت‏,‏ والمرأة لإرشاده ومعاضدته‏,‏ والبيت لا تتم فائدته إلا بها‏,‏ لكنه قلب الموازين فأرغمك علي القيادة والإرشاد‏,‏ وكل شيء‏,‏ ومع ذلك تحملت أقدارك ونأيت بنفسك عما يعيب‏,‏ ومثلك كنز دفين يجب المحافظة عليه‏.‏لذلك أقول له‏:‏ لقد أخطأت كثيرا في حق زوجتك‏,‏ ولن تكسب شيئا من كنز الأموال‏,‏ وسوف تتركها ذات يوم‏,‏ وتقابل ربك الذي سوف يحاسبك علي ما فعلته في حق زوجتك وأولادك‏.‏ولعلك تدرك ذلك قبل فوات الأوان فتعود إلي بيتك وتحفظ زوجتك وابنتك من الأخطار التي تتهددهما‏,‏ هل فكرت فيما يمكن أن تتعرض له ابنتك وهي في هذه السن الخطيرة ولا تجد من يرشدها؟ وهل تخيلت اليوم الذي ستصبح فيه وحيدا عندما يتخلي عنك الأهل والأصدقاء‏,‏ وتتجرع مرارة الحرمان؟‏!‏عليك ياسيدي أن تدرك أنه برغم ما حدث فإن زوجتك تكن لك الاحترام‏,‏ ويكن قلبها الحب والمودة لك‏,‏ وسوف تغفر كل قسوتك عليها‏,‏ وظلمك لها‏,‏ لكن إياك أن تستمر في حالة اللامبالاة بها‏,‏ والاستهتار بمشاعرها وأحاسيسها‏,‏ واحمد ربك أن وهب لك هذه الزوجة الحكيمة التي أفنت حياتها في الحفاظ علي بيتها‏,‏ وصانت لك شرفك وكرامتك‏..‏ هداك الله وأصلح بينكما‏..‏ إنه علي كل شيء قدير‏


الاهرام - أحمد البري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق