السبت، 24 أبريل 2010

و الليل إذا عسعس‏ ..‏ و الصبح إذا تنفس


مرة أخري‏..‏ لبست جلابية المهمات الصعبة واللاسة والطاقية الشبيكة التي غنت لها في الستينيات تحت مظلة الزمن الجميل‏..‏ حورية حسن ورقصت نعيمة عاكف‏:‏ يا أبوالطاقية الشبيكة مين شغلها لك شغلت بيها البلد ولا انشغل بالك‏.
وركبت مهرتي بديعة آخر ما بقي لي من ميراث جدي الأكبر عمدة فم البحر‏,‏ وهو الاسم القديم للقناطر الخيرية قبل أن يشيد جسورها عاهل مصر الأول وباني حضارتها محمد علي باشا تاجر الدخان الذي هبط بأرض مصر بلمسة قدرية سحرية ليعمرها ويبنيها ويخلصها من جور وظلم سلاطين العثمانلية في الآسيتانة‏.‏ وغيامة جهل وتخلف ثلاثة قرون بحالها‏!‏وسرحت في ديار مصر التي أصبحت الآن كفر مصر بعد أن كانت في غابر الزمان‏..‏ درة العصر والأوان‏..‏ كما قالت عن نفسها بصوت أم كلثوم ونظم شوقي‏:‏ أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائض عقدي‏..‏وبينما مهرتي المدندشة بديعة ـ وهذا هو اسمها الذي أطلقته عليها جدتي لأمي لأنها بديعة ومطيعة ـ تتمختر علي ضفاف النيل وسط المزارع والحقول وغيامة الفقر وطنين الجوع وتراب الأرض وطين البرك‏..‏ وأمامنا يفسح لنا الطريق جريا‏..‏ المكاري علوان ممسكا بالشمسية رافعا إياها فوق الرءوس ساعة قيظ وحر وشمس لا ترحم‏..‏ودون سابق موعد‏..‏ اقتحم علينا مسرح الخضرة والماء والتراب والوجوه المكفرة المعفرة‏..‏ قادما من بين سحب الغيب عمنا ومولانا وسيدنا قراقوش العظيم حاكم مصر وواليها من قبل السلطان صلاح الدين الأيوبي‏,‏ بينما كان يحارب الفرنجة وفلول حملاتهم الصليبية بقيادة ريتشارد قلب الأسد‏..‏ ويطردهم في غابر الزمان من بيت المقدس الذي حولته إسرائيل تحت بصرنا وسمعنا الآن نحن العرب الكرام إلي ولاية يهودية خالصة‏!‏صنع غيامة من العفار والغبار بأقدام فرسه الأسود الذي كان يمتطي صهوته‏..‏ عرفته من قلنسوته العالية ولباسه العفاريتي المملوكي الأيوبي‏..‏ وسحنته المغبرة وعيونه التي تحمل في مقلتيها قساوة الدنيا وظلم الإنسان لبني الإنسان‏..‏قلت له مهللا‏:‏ أهلا أيها النسر الأسود‏..‏ أليس اسمك بالتركية يعني النسر الأسود‏..‏ ما الذي أتي بك إلينا الساعة يا أظلم الحكام‏..‏ وآخر مرة جئتنا كان يوم خروج الضريبة اليوسيفية العقارية إلي الوجود‏!‏قال مقاطعا‏:‏ الظلم أحيانا يا فتي الفتيان‏..‏ هو العدل بعينه‏!‏أسأله بعد أن تقاربنا هو بفرسه الأدهم وأنا بمهرتي الطيبة‏:‏ كيف يا سفير جهنم الحمراء؟يكركع بصوت عال كأنه صوت طبل أجوف وهو يقول‏:‏ دعني أسألك‏:‏ لو أن قاربا في بحر هائج تعرض للغرق‏..‏ وكان يركبه رجل وامرأته وطفل واحد‏..‏ وكان لإنقاذ الزورق من الغرق أن يبقي به راكب واحد‏..‏ من تختار أنت من الركاب الثلاثة؟قلت‏:‏ لو سألتني أختار الطفل‏!‏قال ساخرا‏:‏ أنت طيب أكثر من اللازم‏.‏قلت له‏:‏ من تختار أنت؟قال‏:‏ المرأة بالطبع‏!‏قلت‏:‏ يعني تسيب الراجل والعيل الصغير وتختار المرأة؟قال‏:‏ أيوه‏..‏ هذه الحرمة ـ يقصد المرأة ـ سوف تجدد الحياة‏..‏ بعد أن نزوجها رجلا من رجالي لتنجب لنا ذرية من العيال‏!‏قلت مندهشا‏:‏ يا سلام علي العدالة القراقوشية‏!‏قال‏:‏ لا تأخذني في دوكة‏..‏ ماذا فعلتم مع حفيد الباشا الذي تحتفلون هذه الأيام بعيد ميلاده المئوي؟قلت‏:‏ تقصد وزير جبايتنا د‏.‏ يوسف بطرس غالي حفيد بطرس غالي الأكبر أول رئيس وزراء قبطي؟قال‏:‏ نعم‏..‏ ولكن هل رضختم لقانونه الجديد الذي تدفعون فيه ضريبة علي السكن والمأوي الذي يأويكم؟قلت‏:‏ لقد تدخل الرئيس حسني مبارك‏,‏ بوصفه المنقذ دائما‏,‏ للتخفيف من ويلات هذا القانون علي الناس الغلابة وطلب من وزيره أن يرحم الغلابة وهم يعانون هم لقمة العيش وغول الغلاء ووعثاء الفقر وفيروس الفساد‏!‏‏...............‏‏...............‏طبل وزمر وطبل ورقص وعيال فرحون وفتيات تغني ونساء تزغرد‏..‏ إنه موكب عروس في طريقها إلي بيت زوجها‏..‏يسألني مولانا قراقوش‏:‏ ومازال الناس في مصر يفرحون ويغنون ويتزوجون؟قلت‏:‏ حتي الفرح والعرس والزواج تحسدهم عليه؟قال‏:‏ لو كنت مكان عريس الغفلة هذا الذي ينتظر عروسه وهو يمني نفسه بليالي ألف ليلة‏..‏ لقلت له‏:‏ اهرب يا فتي بجلدك قبل أن تقع في المصيدة‏!‏قلت له‏:‏ أي مصيدة تقصد؟قال‏:‏ مصيدة النساء‏..‏ إنهن شر وكيد ونكد وخصام وهجر وغيرة وخناق طول العمر‏..‏ هكذا خلقهن الله‏!‏قلت‏:‏ أليست لك زوجة؟قال‏:‏ بل زوجات‏.‏قلت‏:‏ أليس لك أولاد؟قال‏:‏ بل قبيلة من الأولاد والبنات‏.‏قلت‏:‏ أليس لك أم؟قال‏:‏ لم أرها‏..‏ ماتت في أثناء ولادتي‏..‏ وربتني الجواري والقيان‏!‏قلت‏:‏ ولكن لم تكره النساء إذن؟قال‏:‏ هل تريد أن تعرف لماذا أكره جنس النساء‏..‏ اسمع إذن‏..‏ لقد رباني الخصيان والقيان والجواري علي الحقد والحسد وكراهية كل شيء‏..‏ كن يقدمن لي كتاكيت الدجاج الصغيرة لأخنقها بيدي‏..‏ والقطط الوليدة العمياء لألقي بها في مجمية فرن الخبيز‏..‏أما زوجاتي الأربع‏..‏ فقد تآمرت الزوجة الأولي أم مسعد والزوجة الثانية واسمها خضراء علي الزوجة الثالثة وعد والزوجة الرابعة أم إبراهيم ووضعتا السم لهما في الطعام في ليلة عيد‏..‏ فماتتا علي الفور‏!‏أسأله‏:‏ وماذا صنعت أنت؟قال‏:‏ أمرت بقطع رقبة المتآمرتين وعد وأم مسعد‏!‏قلت‏:‏ يعني زوجاتك الأربع‏..‏ اثنتان ماتتا بالسم واثنتان ماتتا بقطع الرقبة؟قال‏:‏ هذا جزاء الظلمة من جنس النساء‏..‏ يا عزيزي الأفعوان الصغير‏..‏ كل مصيبة في الأرض أو في السماء دائما وراءها المرأة‏!‏قلت‏:‏ يعني حضرتك أعزب الآن خال من جنس النساء؟يضحك حتي كاد يستلقي علي قفاه‏:‏ أنت نمر أبلج يا فتي‏..‏ إنها حكاوي كاذبة ألصقها بي غريمي في الوزارة‏.‏ ابن مماتي في كتابه الفاشوش في حكم قراقوش‏..‏ أنا لم أتزوج أبدا ياعزيزي‏.‏أسأله‏:‏ لم؟قال‏:‏ لأنني خصي لا أصلح للزواج‏!‏‏..............‏‏..............‏هو علي حصانه الأبجر وأنا علي مهرتي بديعة‏..‏سرنا معا في طريقنا إلي كفر مصر التي اسمها الآن القاهرة‏..‏ فاجأني بقوله وقد دخلنا في قلب زحام العاصمة‏:‏ أهذه هي مصر‏..‏ لقد غيرتها الأيام وضربتها المحن‏..‏ فتحولت من واحة للجمال والحب والعظمة والشبع والضحك والفرفشة والخير والحق والفضيلة‏!‏قلت‏:‏ اخلع عن كتفيك يا مولانا بردة المكر والحيلة‏..‏ القاهرة كما هي الآن ليست هي القاهرة التي شاهدتها في حياتك‏..‏ التي اسمها قاهرة المعز لدين الله الفاطمي‏..‏ أما هذه القاهرة‏..‏ فقد كان باقيا علي ظهورها عندما حكمت أنت نحو ثمانية قرون علي الأقل‏!‏قال‏:‏ أفحمتني يا فتي‏..‏ ولكن مصر التي حكمتها لم يكن بها أكوام القمامة التي أراها الآن تزين الميادين ونواصي الشوارع‏..‏ أتعرف يا فتي العصر والأوان‏..‏ علي أيامي كان هناك ألف سقاء يحملون الماء في القرب إلي البيوت ويغسلون الشوارع ليلا‏..‏ وكان كل حانوت يضع علي بابه فانوسا مضاء حتي الصباح‏..‏ ولم يكن يسمح للجمال حاملة التبن أو أعواد الأذرة بالمرور داخل أسوار القاهرة‏..‏ وإذا وجد العسكر شارعا أو حارة أو زقاقا تلقي به أكوام قمامة‏..‏ كنت أحبس شيخ الحارة شهرا في سجن القلعة‏..‏ بعد أن يرغمه الجند علي كنس الحارة سبعة أيام كاملة‏!‏قلت‏:‏ أتعرف كم نصيب كل مواطن في بر مصر من القمامة الآن؟سألني‏:‏ كم بالله عليك؟قلت‏:‏ حسب تصريحات الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء طن قمامة لكل مواطن‏!‏يسألني‏:‏ وكم عدد سكان مصر الآن؟قلت‏:‏ ثمانون مليونا في عين العدو‏!‏يقاطعني بهلع‏:‏ ثمانون مليونا‏..‏ ياه‏..‏ لقد كان كل أهل مصر في عهدي لا يتجاوزون الملايين الأربعة‏!‏قلت‏:‏ يعني لدينا في بر مصر كله ثمانون مليون طن قمامة‏!‏‏............‏‏............‏لم ننتبه إلي أننا نمشي في شوارع القاهرة العامرة‏..‏ أنا علي مهرتي بديعة بالجلابية والطاقية الشبيكة‏..‏ وعمنا قراقوش فوق حصانه الأبجر بلباسه العسكري الذي يشبه زي عامل التليفونات الذي كان يلبسه علي الكسار في فيلم علي وعلي الشهير‏..‏ حتي أغرقتنا فلاشات وأضواء كاميرات السواح الأجانب الذين يملأون الشوارع الآن‏..‏ وهات ياتصوير‏..‏بان الانزعاج علي وجه مولانا قراقوش‏..‏ وهم بسحب سيفه ليدخل في معركة يجندل فيها هؤلاء الخوارج علي حد تعبيره‏..‏ لولا أن تدخلت في آخر لحظة وقلت له‏:‏ لا بأس‏..‏ لقد تصوروا أننا مقدمة مهرجان للخيل وللحمير‏..‏ أو أننا نصور لقطة سينمائية في فيلم عن المماليك‏!‏كنا قد اقتربنا من بوابة عربخانة للحمير والبغال والخيل وعربات الكارو في أحد أزقة السبتية‏..‏ التي صوروا فيها مشاهد فيلم أحمد زكي الشهير أربعة في مهمة رسمية‏..‏ عندما حمل إلي القاهرة من الصعيد حمارا وقردا وعنزة‏..‏ تركنا بعد رجاء ومحايلة وإكراميات‏..‏ مهرتي بديعة وجواد قراقوش الأبجر‏..‏ وركبنا تاكسيا‏..‏ بعد رفض وغضب وخوف وتمنع من جانب قراقوش الذي قال لي‏:‏ كيف بالله عليك تحشرني في هذا العفريت الأبيض الذي يجري دون جواد يجره أو طعام يأكله؟انطلق بنا التاكسي بعد فاصل من التريقة والنكات من جانب السائق اللمض عندما شاهد هذا الثور الهائج الذي يلبس ملابس غريبة الذي اسمه قراقوش وفاجأني بقوله‏:‏ أنتم جايبينه منين ده‏..‏ من الأنتكخانة؟قلت له‏:‏ إننا رايحين ستوديو مصر‏..‏ عندنا تصوير هناك‏..‏ مسلسل تليفزيوني عشان الشهر الكريم‏.‏ورحت في الوقت نفسه أحاول أن أسحب علامات الغضب والهياج من صدر عمنا قراقوش‏..‏ قبل أن يرتكب ما لا تحمد عقباه‏..‏ خصوصا عندما أسر في أذني ونحن نركب التاكسي‏:‏ اسمح لي أن أطير رقبة هذا الألعبان ـ يقصد سائق التاكسي ـ بضربة واحدة من سيفي البتار‏!‏قلت له مهدئا إياه‏:‏ حصل خير يا مولانا‏..‏ سوف أتركك تفعل ما تريد بعد أن ننتهي من جولتنا في كفر مصر‏..‏ أقصد في عاصمة مصر التي اسمها القاهرة‏!‏‏.............‏‏.............‏وصلنا بالتاكسي إلي ميدان التحرير‏..‏ ولا أحد يعرف أن بداخل هذا التاكسي الأبيض أظلم حاكم عرفته مصر في تاريخها السياسي والشعبي‏..‏ وهل هناك ما هو أكثر ظلما وجورا من قراقوش الذي كان العامة يتندرون بأي حكم ظالم أو عجيب أو جانبه الصواب والحق بقولهم‏:‏ ولا حكم قراقوش؟وإن كان قراقوش نفسه أمامي الآن يعتبر أن ما يراه الناس ظلما علي يديه‏..‏ ما هو إلا العدل بعينه‏!‏كان الميدان يعج بمتظاهرين يرفعون لافتات تندد بقرارات الحكومة في معالجة مشكلات الناس‏..‏يسألني‏:‏ ماذا يفعل هؤلاء الذين يرفعون لافتات ويهتفون ضد الحكومة؟ وماذا يفعل هؤلاء العسكر؟قلت‏:‏ إنهم شباب مصر يعرضون مشكلات البلد في التعليم والسكن والغلاء والبطالة والعلاج‏.‏يسألني‏:‏ يعني بصريح العبارة موش عاجبهم الحكومة‏..‏ إزاي الكلام ده؟قلت‏:‏ أيوه‏..‏ من حق الناس أن تعبر عن رأيها ولكن بطريقة سلمية دون إراقة نقطة دم واحدة ودون مصادمات مع السلطة والحكم في البلاد‏!‏يسألني‏:‏ وماذا يفعل العسكر؟قلت‏:‏ لحفظ الأمن والنظام والذي منه‏!‏قال‏:‏ لو حدث ذلك في عهدي لشاهدت رقابا معلقة علي باب زويلة وباب الفتوح‏..‏ أنا لا أسمح أبدا بأن يعارضني أحد‏..‏ ومن يعارضني فسجن القلعة مكانه وما أدراك ما سجن القلعة؟قلت له‏:‏ أنت حتقوللي يا عم قراقوش‏!‏يسألني‏:‏ إنني أري بين المتظاهرين فتيانا وفتيات صغارا؟قلت‏:‏ إنهم طلبة وطالبات وموظفات صغيرات يشاركون في العمل السياسي وهذا حق أصيل كما يقول الدستور‏!‏قال‏:‏ ولكن قد يصيبهم مكروه أو هراوة من جندي‏..‏ وخصوصا الفتيات سأذهب لكي أحميهن بسيفي البتار‏!‏قلت له‏:‏ لا تنزل من التاكسي‏..‏ لو ذهبت لحسبوك واحد إرهابي وأنت بزيك العجيب هذا‏..‏ متسلل من تنظيم القاعدة‏..‏ وحبسوك‏..‏ ولن أستطيع إخراجك أبدا‏!‏يسألني‏:‏ وما هو تنظيم القاعدة هذا؟قلت‏:‏ تصور يا مولانا‏..‏ دولة مثل أمريكا بجلالة قدرها وبوصفها أكبر قوة عسكرية في العالم الآن‏..‏ يتلاعب بها هذا التنظيم الذي تتهمه أمريكا بأنه وراء تفجيرات أبراج التجارة في جزيرة مانهاتن قبل ثماني سنوات‏!‏قال‏:‏ أنت تدور وتلف بي‏..‏ وأنا لا أفهم حرفا مما تقول‏!‏قلت له‏:‏ أحسن لك ألا تفهم‏!‏قال‏:‏ كنت أريد أن أحمي حرمات النساء في هذا الميدان حتي لا يحدث لإحداهن ما فعله أحد جنودي عندما ثار الفلاحون في عهدي ورفضوا إرسال محاصيلهم إلي القاهرة إلا بعد أن يحصلوا علي ثمنها مقدما‏!‏أسأله‏:‏ وماذا فعل أحد جنودك؟قال‏:‏ في أثناء قيام جنودي باللازم ضربا وحرقا وقتلا‏..‏ حدث أن أحد جنودي ضرب امرأة أحد الفلاحين وكانت حاملا في سبعة أشهر فسقط الجنين نتيجة الضرب وفقدت حملها‏..‏وجاءني زوجها يندب حظه بعد أن فقد ابنه قبل أن يولد‏!‏أسأله‏:‏ وماذا كان حكمك يا سيد قراقوش؟قال‏:‏ بسيطة‏..‏ طلبت من زوجها أن يتركها للجندي الذي ضربها وأسقط حملها‏..‏ علي أن يعيدها لزوجها مرة أخري‏,‏ وهي حامل في سبعة أشهر‏!‏صحت من فوري‏:‏ يحيا العدل‏!‏‏.............‏‏.............‏يكركع مولانا قراقوش ضحكا حتي كاد يستلقي علي ظهره وهو يضرب كفا بكف ويشير إلي مقهي تجلس علي مناضده فتيات يدخن الشيشة وقال لي مؤنبا‏:‏ واأسفاه علي ضياع الرجولة في مصر‏..‏ لقد أصبحت نساؤكم لكع ومزر وخلع‏..‏ كيف تسمحون لنسائكم أن يدخن النارجيلة دون خشية أو حياء؟قلت‏:‏ ياعم قراقوش‏..‏ لقد انفلت عيار المرأة ولم تعد تخشي أحدا والنارجيلة ليست عيبا كبيرا الآن‏..‏ كل البنات بعد سن ستة عشر يدخن السجاير والشيشة دون خجل أو خوف‏..‏ هذه سمة هذا العصر يا سيدي‏!‏قال‏:‏ ويلبسن هذا الزعطلون ـ يقصد البنطلون ـ الذي يبين ما خفي من أجسادهن بالحجم والمساحة‏..‏ كيف تسمحون يا جنس الرجال بهذه المسخرة علي آخر الزمان؟لم أجد جوابا عندي أفحمه به‏..‏ وهو مازال علي ثورته وكلامه الذي يسمم البدن‏:‏ـ ناقص كمان يشتغلوا في الأمن وفي الجيش أيضا‏!‏قلت‏:‏ حصل يامولانا‏..‏ أمامك في ميدان التحرير ضابطات شرطة يقمن بالواجب ويمسكن بكل امرأة أو فتاة تخرج عن حدود اللياقة والأدب وتناوئ الشرطة باللفظ والقول‏..‏ وفي الجيش لدينا ضابطات يقمن بالواجب‏!‏قال‏:‏ ما شاء الله‏..‏ وأين ذهب الرجال‏..‏ يجلسون في البيت للطبيخ وتربية الأطفال؟قلت‏:‏ لا‏..‏ الدنيا تطورت يا عم قراقوش‏..‏ ولم يعد هناك فرق بين رجل وامرأة‏!‏قال وهو يضرب كفا بكف‏:‏ وما لزوم الرجال إذن‏..‏ لقد فرطتم في حقوقكم وحلت عليكم اللعنة‏!‏قلت‏:‏ يا عم قراقوش المرأة المصرية الآن وزيرة في الوزارة وسفيرة في الخارجية وقاضية ومدرسة وطبيبة وأستاذة في الجامعة وضابطة في الشرطة والجيش أيضا‏!‏قال‏:‏ يا أيها الأفعوان العصري بئس البيت الذي تأخذ فيه الدجاجة مكان الديك‏!‏‏................‏‏................‏يستسلم مولانا قراقوش لسائحة شقراء قادمة من بلاد الثلج والصقيع وهي تلتقط له صورا‏..‏ وحاولت أن تكلمه إلا أنه لم يفهم‏..‏ وسألتني‏:‏ أهو نجم سينمائي شهير عندكم‏..‏ أنا معجبة به أيما إعجاب‏..‏ نقلت له إعجاب هذه الفاتنة الأوروبية‏..‏ إلا أنه أعرض عنها وقال لي‏:‏ يا عزيزي الأفعوان النساء شر كلهن‏..‏ وكل فهي افرنجية وأنا حاربت أجدادها وهزمتهم في كل معاركي مع الصليبيين تحت قيادة أسد العرب والإسلام صلاح الدين الأيوبي‏..‏ وقد وقعت في الأسر في عكا لولا أن فداني البطل صلاح الدين بمائة ألف دينار‏!‏قلت‏:‏ وشوية عليك‏..‏ والله يا عمنا قراقوش أنت تستاهل أكثر بكثير‏..‏ ألا تعرف ما قاله عنك الفرنجة من الصليبيين الذين حاربتهم؟قال‏:‏ وما أدراني بهؤلاء الأعداء‏!‏قلت‏:‏ لقد قالوا عن شخصيتك بالحرف الواحد‏:‏ إنها شخصية رجل محارب له روح غريبة أدهشتنا وأثارت إعجابنا بشجاعة صاحبها ومهارته وقدرته‏.,.‏ وأنك بالفعل جندي وقديس في وقت واحد‏!‏قال‏:‏ قل هذا الكلام لغريمي في الوزارة ابن مماتي الذي ألف كتاب الفاشوش في حكم قراقوش كيدا لي وحسدا وحقدا‏!‏يسألني‏:‏ أين القناطر التي بنيتها في الجيزة‏..‏ وأين قلعة صلاح الدين التي أقمتها في جبل المقطم‏,‏ وأين سور القاهرة الذي شيدته ورفعته وبنيت فيه القلاع والحصون؟قلت‏:‏ والله نسأل أخونا زاهي حواس حامي حمي الآثار المصرية‏..‏ السور موجود‏..‏ والقلعة مازالت علي حالها وقد عززها وجملها محمد علي باشا باني مصر الحديثة‏..‏ أما القنطرة فربما هدمت وبنيت من جديد‏!‏دعتنا السائحة القادمة من بلاد الثلج إلي وجبة سريعة في أحد مطاعم الوجبات الأمريكية الشهيرة‏..‏ جلس مولانا ممتعضا من الطعام‏..‏ والسنيورة الشقراء معلقة عيناها به تحادثه وتلاطفه وتناغشه وهو يتمنع ويتدلل‏..‏تسألني‏:‏ لم كل هذا التدلل الذي يبديه هذا الفارس العظيم؟قلت لها‏:‏ اسأليه أنت؟قالت‏:‏ لقد سألته ولم يجبني‏..‏ هل يقبل الزواج مني؟لم أتمالك نفسي من الضحك وقلت لها‏:‏ إلا هذه يا سيدتي‏..‏ فهو ممنوع من الزواج‏!‏تسألني‏:‏ بأمر مين؟قلت لها‏:‏ بأمر الله يا سيدتي‏!‏‏...........‏‏...........‏يضع في يدي مولانا قراقوش ورقة صغيرة‏..‏ وهو يستحلفني ألا أقرأها إلا بعد أن يذهب إلي حال سبيله‏..‏كما جاء ذهب‏..‏ فتحت الورقة التي تركها‏..‏ رحت أقرأ‏:‏اعلم يا هذا أن شر البلية ما تصنعون‏..‏ تأكلون فتات موائد الفرنجة وطعامهم المحروم وكثرت من حولكم الهموم‏..‏ تستنشقون هواء ودخانا مسموم‏..‏ وتتركون نساءكم يمرحون ويسرحون دون رابط معلوم‏..‏ اارجعوا إلي عقولكم وتمسكوا بدينكم وعلي الخلق والأدب والإسلام ربوا أولادكم‏..‏ مصر دائما بخير وقد ذكرها الله في كتابه العزيز بأنها الملاذ وأنها الوطن‏..‏ وأوصانا رسولنا الكريم بأن لنا فيها أمنا ونسبا‏.{‏


الاهرام - عزت السعدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق