يمثل الباعة الجائلون نسبة كبيرة من شرائح المجتمع حملوا على عاتقهم مسئولية توفير فرص عمل لأنفسهم بدلا من الاعتماد على الحكومة وهم بالطبع فقراء يحاولون التخلص من فقرتهم حتى لو كلفهم ذلك صحتهم وسلامتهم الشخصية بالوقوف في الشوارع في برد الشتاء ولهيب الصيف يبيعون البضائع بدءاً من علب الكبريت وإبر الخياطة إلى الملابس والأدوات المنزلية من أجل الحصول على جنيهات قليلة تسد رمق أبنائهم ومن يعولون معرضين أنفسهم لمطاردات شرطة المرافق وموظفي الأحياء من هؤلاء بعض المحظوظين القادرين على دفع الإتاوات- الذين تمكنهم الحصول على مساحة صغيرة من رصيف الشارع- والبائع المتجول هو الشخص الذي يقوم بعمليات تجارية بسيطة لسلع رخيصة الثمن تفقد لمعايير الأمان والمواصفات القياسية، وهذه السلع يكون الإتجار فيها مخالفاً للقانون، لأنها تندرج تحت مسمى الغش التجاري ومع هذا فإن ظاهرة الباعة الجائلين منتشرة بصورة كبيرة جداً بسبب إقبال المواطن على تلك البضاعة لرخص ثمنها ويشكل هؤلاء صداعاً في رأس الدولة من أقصاها إلى أقصاها وتسبب خسائر للاقتصاد ومشاكل أمنية ومرورية واجتماعية لا حصر لها حتى أصبحت عنواناً لمنظومة متكاملة من العشوائية- والإهمال اتهامات عديدة توجه للباعة الجائلين منها أنهم سبب للإصابة بالالتهابات الكبدية.
وهو ما جاء في تحذير الدكتور مرتضى الشرقاوي أستاذ وحدة الكبد بمستشفى قصر العيني بالقاهرة من الباعة الجائلين ومشروبات الشارع معتبراً أنهم مصدر لنقل مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي كذلك اتهامهم بالبلطجة ومقاومة السلطات بعد قيام البعض منهم منذ عدة أشهر بمطاردة ضباط شرطة بشوارع الإسكندرية والاستيلاء على ثلاث سيارات شرطة وإحراق موتوسيكل مرور مما تسبب في اندلاع حرب بين رجال الشرطة بدأت باشتباكات بينهم وبين ضباط شرطة المرافق بعد قذفهم بالطوب والزجاج ومطاردتهم بالأسلحة البيضاء كما أنهم يتعاملون في بيع السلع المغشوشة والفاسدة وتم توجيه اتهام لهم باختراق أسواق بعض السلع المهمة مثل الكمامات الواقية من مرض أنفلونزا الطيور والخنازير وهو ما جاء على لسان الدكتور أشرف بركات أستاذ الأمراض المشتركة بالمركز القومي للبحوث الذي حذر من أن الكمامات التي تباع على الأرصفة أو بواسطة باعة جائلين غير مطابقة لمواصفات الوقاية ومعرضة للتلوث والأتربة.
الإحصاءات والدراسات قدرت أعداد الباعة الجائلون بـ5ملايين شخص إلا أنهم يزيدون عن ذلك كثيراً وتمثل المرأة نسبة 30% منهم والأطفال 15% علاوة على الفرد فيهم لا يمثل نفسه فقط ولكنه يمثل أسرة كاملة يتكفل بإعالتها في أغلب الأحوال بالإضافة إلى أن هؤلاء يخدمون أكثر من 10ملايين مواطن من طوائف الشعب المختلفة في المجتمع يوفرون عليهم عناء التنقل أو السير.
ورغم أن هناك دولاً كثيرة استطاعت التعامل مع هذه المشكلة إلا أنه في مصر ظلت المشكلة عنواناً للفشل الحكومي على مدار سنوات طويلة بل إن الأزمة في ظل تفاقم مشكلة البطالة بسبب الخصخصة وسياستها التي لم تهتم بالبعد الاجتماعي والمعاش المبكر إضافة إلى فساد المحليات الذي يساعد في نمو الظاهرة بدعم مهربي البضائع الرخيصة.
يقول سامي فؤاد، محاسب أن المواطن مظلوم من الباعة الجائلين، والمشتري على حد السواء فهو لا يستطيع أن يسير في الشوارع للوصول إلى أي مكان فالشوارع والأرصفة مختنقة بالباعة الجائلين والمستهلكين الملتفين حول بضاعتهم هذا بجانب الضوضاء والفوضى والتلوث التي يُحدثها الباعة الجائلون أنفسهم ورغم ذلك لا يجب أن تتم مواجهتهم بالقوة ولكن من واجبنا كمجتمع هو احتواء الظاهرة وليس مقاومتها بحلول أمنية لمشكلة ذات جذور مجتمعية واقتصادية كذلك فالقوانين وحدها لا تكفي لمواجهة الظاهرة بل مطلوب متابعة دقيقة وصارمة عن الرقابة وتقنية الأجهزة المسئولة من الفساد الإداري وإيجاد بدائل عملية لهؤلاء الباعة وبعضهم يحمل مؤهلات عليا وتخصصات نادرة وهم قوة بشرة مهدرة وذلك ليس خطأهم بل خطأ الدولة التي لم تستطع استيعابهم.
تقول سيدة وهي بائعة مناديل ولبان وملبس: أنا أقف على الرصيف وأبيع بضاعة نظيفة ولا أترك مخلفات خلفي، ولا أزعج أحداً وأقدم خدمة للناس مقابل ربح بسيط أعيش منه أنا وبناتي الثلاثة بعد أن توفى زوجي وكان يعمل بالأجرة ولم يترك لنا معاشاً ولا إرثاً ولكن البلدية تأتي دائماً وتأخذ البضاعة ولا تردها إلا بعد دفع المعلوم وبعدها استلم البضاعة ناقصة وبحالة سيئة.
أما سعدية 50سنة فتقول إن الاستيلاء على البُضاعة وعدم ردها لهم إلا بعد مدة طويلة يعرضها للديون من تجار الجملة التي تشتري منهم وأحياناً يمتنعون عن إعطائها بضاعة بسبب ذلك.
وفي إطار البحث عن حلول للأزمة كانت هناك بعض الجهود منها ما أعدته الحكومة ممثلة في وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد حينما قدم حزمة من المشروعات والقوانين لتنظيم النشاط التجاري والرقابي على الأسواق وتقنين عمل الباعة الجائلين تقوم الخطة على عدة محاور أهمها تحديث الأسواق الموجودة بهدف الوصول إلى مواصفات عامة تحول دون تفشي التجارة العشوائية وتيسر تعامل التجار مع الجهات الرسمية وكانت التجربة الأولى في الإسكندرية.
وتمت إزالة عشوائيات الرصيف من وسط المدينة وتوفير مكان يمارس فيه الباعة نشاطهم بشكل قانوني سليم وتم إنشاء أكشاك لهم في منطقة المنشية استوعبت نحو 300من البائعة الجائلين واستمرت الحال نحو 3سنوات إلى أن شب حريق في هذه الأكشاك نتيجة بعض الممارسات غير السليمة وعدم الالتزام بعوامل الأمان فتم البحث عن بديل آخر يحقق الأمان للتجار ويحافظ على المظهر الحضاري لمدينة الإسكندرية ويساعد على حماية المستهلك وحقه في الحصول على سلعة جيدة بشكل مشروع وتم إيجاد مبنى تجاري كبير بمنطقة المنشية بالقرب من المكان السابق للأكشاك وقامت المحافظة بالاتفاق مع صاحب المبنى على تخصيص المكان لهؤلاء الباعة من خلال عقد ثلاثي يضم المحافظة والبائع وصاحب المبنى على أن تتولى المحافظة تحصيل الإيجار وتسليمه لصاحب المبنى وذلك لتوفير الأمان الكامل له حتى يقبل الدخول في هذه التجربة المهمة.
هذه التجربة جديرة بالتكرار على مستوى الدولة ولكن العائق الأساسي لذلك هو الفساد المتفشي في قطاع المحليات الذين يعتبرون المستفيد الأول من استمرار الأزمة عن طريق جمع الإتاوات والتربح من الباعة الجائلين الذي يعتبرون من الفئات المهمشة والذي يجب احتواؤها بشكل حقيقي ومتحضر.
وفي النهاية يقترح المهندس الكيميائي إيهاب معبد أن يكون هناك بعض الإجراءات للحد من المشكلة مثل تخصيص أماكن للباعة في الساحات والميادين المنتشرة وعمل أكشاك منظمة لهم لكي نحافظ على الطابع الحضاري للشوارع.
ومنح تراخيص مزاولة المهنة لهم دون مضايقات وأن يتم إخضاع بضاعتهم للرقابة الصحية والبيئية ولجهاز حماية المستهلك للتأكد من صلاحيتها.
وكذلك منع استخدام مكبرات الصوت للحد من الضوضاء.
المصدر : جريدة الميدان - حسام عبد الحكم
العدد: 890
التاريخ: 19/1/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق