بمنتهى الحسم، يرفض إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق كل محاولات الالتفاف على العلاج المجانى للفقراء ومحدودى الدخل، متهما البعض باستغلال العلاج على نفقة الدولة لأغراض سياسية تستهدف مجاملة نواب مجلس الشعب، فى نفس الوقت الذى استغله مليونيرات لتلقى العلاج بالخارج.ووجه بدران انتقادات حادة للوزيرالأسبق اسماعيل سلام رغم وصفه له بأنه «راجل طيب»، لابتداعه هذا النظام العلاجى الذى جعل المرضى الفقراء يشترون الأدوية والقطن والحقن قبل دخولهم المستشفيات.وفيما يلى الجزء الأول من الحوار الذى أجرته «الشروق» مع الوزير الأسبق إبراهيم بدران:• بداية.. هل ترى أن أجور الأطباء أصبحت عبئا على المرضى وأنهم يلهثون وراء المال؟ــ ليس كل الأطباء، وأقسم بالله أن 50% على الاقل من الأطباء فى مصر يتقون الله فى مرضاهم، وهم تلامذتى وتلامذة تلامذتى، وأسمع عنهم كل خير، فأنا وجيلى تربينا وتعلمنا على يد أساتذة كبار معنى الطب والطبيب للمريض وللحياة. ولكن هناك بعض أساتذة الطب أصابهم الشطط، واعتقدوا أن هدفهم من مهنة الطب هو الرزق فقط، ونسوا أن الله يرزق من يشاء بغير حساب.• تمنيت فتح الباب لمساعدة الحكومة فى توفير الدعم لفقراء.. فإذا حدث هذا هل تعتقد أن تلك المساعدات ستذهب إلى مستحقيها؟ــ وزير الصحة الأسبق إسماعيل سلام، هو الذى ابتدع نظام العلاج بأجر، فكان العلاج مجانيا فى المستشفيات الحكومية، ولم يكن هناك مرضى يعالجون على حساب الدولة فى مستشفيات خاصة أو خارجية سوى الحالات الميئوس من شفائها، التى كان يتم إرسالها للعلاج فى الخارج على حساب الحكومة كى تأخذ فرصة طبية أفضل، وكان عدد تلك الحالات قليل جدا، وحينما تم إقرار نظام العلاج على نفقة الدولة فى عهد الوزير الأسبق، كان يتم من خلاله مجاملة أعضاء مجلس الشعب لغرض فى نفس يعقوب ومن هنا بدأ نظام العلاج بأجر، وبدأ بـ100 ألف جنيه، ثم مليون ثم 100 مليون حتى وصل إلى 4 مليارات جنيه، وكل هذا يتم أخذه من ميزانية وزارة الصحة المخصصة للطب العلاجى، فمستشفيات الحكومة كان العلاج بها مجانيا لكن حاليا أصبح بأجر.
ويضيف بدران قائلا: أنا كطبيب كنت أحصل على راتبى من الحكومة مقابل عملى، ثم أصبحت ارتزق من العلاج بأجر ويقومون بزيادة راتبى بنسبة بسيطة، والباقى يذهب إلى الأدوية وجزء منه «أستغفر الله.. لا ينفق فى الحلال وافهم أنت قصدى»، المهم أن كل هذا جاء على حساب العلاج المجانى. واليوم أصبح المريض يشترى الأدوية قبل دخوله إلى المستشفى ويشترى القطن والشاش والحقن.
ويضيف: ونحن الآن لدينا 25 كلية طب، مازلنا نتمسك بالبدعة التى تبنتها وزارة الصحة منذ فترة فيما يسمى بالزمالة، وهذه الزمالة تبنتها الدول العربية أيام معاهدة كامب ديفيد لتقليص دور مصر التربوى الطبى، حيث كان 98 % من أطباء العالم العربى يتخرجون فى كلياتنا، فنحن ساعدناهم فى تقزيم دور مصر بالكامل، ولم يعد يأتينا طلاب من الدول العربية بل أصبح يأتينا طلاب من إندونيسيا ومن الفلبين وماليزيا ودول اخرى وبعض الطلاب من الدول العربية الفقيرة حيث يأتون فقط للحصول على إعانات تعليمية فى مصر.• من ابتدع نظام الزمالة؟ــ هو نفس الوزير الذى ابتدع نظام العلاج بأجر، وأذكر اننى عام 1978 عندما كنت وزيرا للصحة، ابتدعت الدول العربية نظام الزمالة العربية، وعارضت هذا النظام، ولكن جاء هذا الوزير بعد ذلك ووافق عليه، وجعل مصر تقلد تلك الدول العربية، وعملت بنظام الزمالة داخل وزارة الصحة، بينما بعض كليات الطب الجديدة كان يمكن أن تستفيد من وزارة الصحة فى تعليم أبنائها، ولكن للأسف الشديد نجد أن الزمالة يدرس فيها أساتذة كليات الطب ليحصلوا على راتب آخر، لأنهم إذا قاموا بالتدريس للدراسات العليا داخل كليات الطب لن تزيد رواتبهم لأنهم يؤدون واجبهم الوظيفى، وفى اعتقادى بأنه فى وقت من الأوقات سيخرج راجل يحب مصر ويحب الغلابة المنسيين ويعيد العلاج المجانى.• كيف تابعت قضية العلاج على نفقة الدولة والمتهم فيها وزراء ونواب برلمانيون بإهدار المال العام؟ــ هذه القضية نتيجة منطقية لنظام العلاج بأجر، والعلاج بقرار، كل مليونير يروح بواسطة من مجلس الشعب ويأخذ قرارا للعلاج فى أمريكا أو بريطانيا، والمسألة للأسف بدأت صغيرة وتحولت بعد ذلك إلى عبء على ميزانية وزارة الصحة، ولا يجرؤ أحد أن يوقفها الآن، ولكن فى رأيى أنها يجب أن توقف بقرار من وزير الصحة، ومثلما فعلها وزير لابد أن يوقفها وزير.• من المتهم الرئيسى فى تلك القضية؟ــ الوزير الذى أقر نظام العلاج على نفقة الدولة، «ربنا يغفر له»، وهو رجل طيب، وإنما منذ إقرار هذا النظام وأنا منتظر أن يحدث كل هذا الفساد.• معنى هذا أن الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة الحالى ليس مسئولا عن قضية العلاج على نفقة الدولة؟ــ لا الجبلى ليس مسئولا، ولكن يؤخذ عليه أنه لم يتعلم من الخطأ الذى حدث، ولم يحول هذا النظام إلى علاج حكومى مجانى، ومصر بها فقراء لا تقل نسبتهم عن 40 % ويحتاجون إلى الرعاية الطبية المجانية. وإذا كان العلاج فى المجتمع الرأسمالى بأجر، فإن غير القادر يعالج على حساب الدولة، ولكن دعنا ننتظر نظام التأمين الصحى الذى تتجه إليه الوزارة حاليا والذى خصص فيه بندا بأن يقوم القادر بكفالة المعدم.• هل معنى هذا أن الدكتور حاتم الجبلى ضحية لنظام العلاج على نفقة الدولة ؟ــ لا أستطيع أن أقول إنه ضحية، هو جاء ووجد قطارا سائرا فركبه، ولكن هو أستاذ جامعة وذو علم، وأعتقد أن حظه سيئ، حيث وقع فى مرحلة كلها مطبات، فكل وزير له مطبات معينة يقع فيها، فأنا وقعت فى مطب تأمين الدواء، حيث بدأت الحكومة عام 1976 تسمح للقطاع الخاص والأجنبى بإقامة شركات دواء فى مصر، فتضاعف سعر الدواء، وبعد ان كنا نبيع الـ100 قرص أسبرين بخمسة قروش، باعت شركة بايرن الـ20 قرصا بجنيهين ونصف الجنيه، وحاربنا كى نحافظ على سعر الدواء، وأيضا مجلس الشعب قلب علينا الدنيا والشركات الوافدة كان لها علاقات جيدة بأعضاء مجلس الشعب فهاجمونا تحت قبة البرلمان والذى كان يدافع عنا اقتصاديا هو الدكتور محمود القيسونى رئيس اللجنة الاقتصادية بحكومة ممدوح سالم التى كنت وزيرا بها.• لو حدثت مثل تلك القضية فى عهدك هل كنت استقلت من منصبك كوزير للصحة؟ــ كنت ألغيت هذا النظام بلا تردد، فوزارة الصحة أيامى كانت فقيرة جدا من ناحية الميزانية، بينما اليوم يتحدثون عن ميزانية بالمليارات لوزارة الصحة، فقد كانت استثمارات وزارة الصحة أيامى 3 ملايين جنيه، ولكن اليوم الدكتور الجبلى يطلب 17 مليار جنيه للتأمين الصحى، ولو فرضنا أن الشعب الآن أصبح 80 مليون مواطن، بينما أيامى كان 40 مليونا فقط، فهذا يعنى أن الميزانية كانت تصبح 6 ملايين جنيه أى الضعف، فأنا أيامى والله العظيم كنا «بنشحت الدواء من الدول الصديقة»، وكنا نحاول أن نضيف إلى ميزانية وزارة الصحة بالأخذ من الأطباء المصريين والصيادلة وأطباء الأسنان الذين كانوا يعملون فى الدول العربية، كنت أستعطفهم بدلا من قيامهم بشراء أرض فى مدن أوروبية مثل نيس وكان وغيرهما ــ حيث كانت الدنيا مفتوحة والفلوس معهم كثيرة ــ كنا نستعطفهم أن يحاول كل منهم أن يقوم ببناء وحدة ريفية فى مصر، وبعضهم استجاب والبعض رفض.• ما رأيك فى الاتهامات التى لاحقت وزير الصحة فى قضية إهدار المال العام فى العلاج على نفقة الدولة؟ــ أنا شاهدته فى التليفزيون يتكلم عن هذا الموضوع، وكان رده شافيا، كما ان قيامه برد الأموال يعد رد اعتبار له وللدولة، والوزير شخص مباع للدولة، فأنا توليت الوزارة عامين وكنت والله العظيم اصرف فلوس بيتى على القهوة والشاى فى الوزارة.
وأذكر أنى حينما كنت وزيرا قال لى وزير المالية آنذاك «يا إبراهيم السطور الخاصة بالأرقام والحسابات تتداخل مع بعضها أمام عينى ولا أستطيع حصرها» فأخذته من يده إلى أستاذ رمد وكشف عليه وقال له إنه يعانى من «كتراكت» متقدم جدا، فقمنا بتسفيره على حساب الدولة للعلاج فى إسبانيا.
وأنا كان راتبى 273 جنيها و15 قرشا عن منصبى كوزير، وكنت أعمل 18 ساعة فى اليوم ولا يوجد إجازة خميس وجمعة، فحاتم الجبلى ستجده يوم الجمعة ينزل من وزارة الصحة لأداء صلاة الجمعة فى مسجد مجلس الشعب ويعود لمكتبه مرة أخرى ليعمل، واذكر أن الرئيس السادات فى خطبة من خطبه قال إن «الناس مش عايزه تشتغل وزراء».
والدكتور حاتم الجبلى صحيح لديه مستشفى استثمارى كبير وظروفه المادية أفضل ولكن هذا حقه فهو لم يسرق أحدا ووالده من أعظم من اشتغلوا فى وزارة الزراعة فى مصر، وهو كان أستاذ أراضٍ فى جامعة الإسكندرية، وكان يحفظ تربة مصر من أسوان حتى السلوم، وكانت حياته كلها لمصر، وكافأته مصر بأن أرسلته للعمل كمستشار لرئيس جمهورية بلغاريا، وظل هناك نحو 5 سنوات وربنا وسع فى رزقه وأبناؤه تربوا فى «بحبوحة» فهذا حقه وحقهم فهم لم يسرقوا أحدا، فمستشفى حاتم الجبلى أحدث نقلة طبية فى تاريخ مصر فى كل شىء، وللعلم فهو عليه ديون كبيرة مستحقة للبنك الأهلى، لانه استدان ما لا يقل عن 300 مليون دولار من البنك الأهلى ويقوم بتسديد ديونه.• ما سبب انتشار ظاهرة الرشاوى فى وزارة الصحة؟ــ قرارات العلاج على نفقة الدولة.• وما سبب انتشار التلوث فى المستشفيات فى مصر؟ــ الفقر.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق