السبت، 17 أكتوبر 2009

رسالة من تلميذ لا يكذب‏ !‏


الأولاد والبنات حتي سن العاشرة لا يعرفون الكذب الذي تعودنا عليه ولا يدورون ولا يتلوعون ولا يتلونون‏..‏ ولا يخلطون الحق بالباطل كما نفعل‏..‏ ولم يطرقوا بعد باب النفاق والرياء الذي نطرقه كل يوم وكل ساعة حتي تصور السادة المسئولون أن كل شيء تمام وعال العال‏..‏ وهم لا يدرون أن الدنيا من حولهم ومن حولنا نحن الغلابة‏..‏ لم تزل علي حالها‏..‏ خرابة شرخ فيها الفساد ومرح‏..‏ وغابة ناسها ديابة ضاع فيها الصح وانقشع‏..‏ وانتصر فيها الخطأ وشمر عن ساعديه وأطلق ساقيه وبرطع‏!.‏وفي ظل هذه الهجمة الشرسة لفيروس إنفلونزا الخنازير ولأنه لم يعد لنا في هذه الدنيا إلا حنايا الصدور صغارنا أكبادنا التي تمشي علي الأرض وهم يواجهون وجها لوجه عدوا شرسا لا يرحم يتطور ويتسلح ويزداد فتكا يوما بعد يوم‏..‏ بسلاح الصابونة والفوطة والكمامة‏..‏ بينما القادة الأشاوس من جنرالات التعليم والصحة يحاربون هذا الفيروس القاتل من خلف المكاتب المكيفة‏..‏ أو من خلال الجولات الميدانية التليفزيونية المعدة لها مسبقا علي المدارس الظريفة النظيفة والتلاميذ ومعهم كورس المدرسين يتغنون‏..‏ بدلا من نشيد الصباح وتحية العلم بقصائد مديح وزلفي ورياء للوزراء والمحافظين المغاوير والكاميرات التليفزيونية والصحفية تسجل وقائع الفرح التعليمي‏!‏ولأن الله دائما يكشف المستور والمستخبي والمتزوق والملون بألف لون‏..‏ فقد قال الصغير كلمة الحق ورفع الأقنعة عن الوجوه الحقيقية لما يحدث ويدور‏..‏ قالها للصحفية المتدربة النشيطة التي أرسلتها إلي القري والنجوع والكفور والعزب البعيدة كل البعد مسافة وعطفا واهتماما عن القاهرة الساحرة المتسلطة الآمرة الناهية والتي ولا مرد لأمرها ونهيها وتعاليمها‏..‏ولكي تصل هي إلي أعماق القري البعيدة سافرت مسافات ومشاوير راكبة أو متشعلقة بقطار المناشي المغلوب علي أمره‏..‏ الذي تأخر عن موعده ساعة ونصف الساعة من رصيف رقم‏11‏ بمحطة باب الحديد‏,‏ والعاري كما ولدته أمه من غير شبابيك ولا أبواب ولا كراسي ولا حتي دورة مياه‏..‏ فإذا حدث ووجدتها فإنها بلا باب وبلا نقطة ماء‏..‏ أو تحولت بقدرة قادر إلي بوفيه احتله البلطجية الدهماء الذين لا يقدر عليهم أحد‏..‏ لبيع الشاي والقهوة والسجاير والذي منه‏..‏ بالذوق بالعافية سوف تشرب وتدفع المعلوم‏!‏وفي مدرسة معزولة عن الدنيا‏..‏ حضاريا ونفسيا‏..‏ داخل قرية من قري مصر المنسية اسمها وما أكثرها‏..‏ وصلتها راكبة التوك توك‏..‏ حلزونة هذا العصر‏.‏وجدته الصحفية النشيطة التي أرسلتها‏..‏ يجلس وحيدا في ركن بعيد‏..‏ هو قصير القامة أسمر البشرة دامع العينين‏..‏ سألته هي‏:‏ مالك ياصديقي؟لم يجب‏..‏سألته مرة أخري بلطف أكثر‏:‏ مالك يا فتي الفتيان؟قال‏:‏ لقد كتبت كل حاجة في كراستي دي‏!‏أمسكت هي بالكراسة وراحت تقرأ رسالة صدق من تلميذ صغير منكسر في العاشرة من عمره لا يعرف الكذب مثلنا ولا اللوع ولا الرياء ولا النفاق‏..‏وعندما سألته عن مسح الجوخ‏..‏ قال لها‏:‏ لم تكن مقررة علينا‏!‏الرسالة يكشف فيها ابن العاشرة المستور والمستخبي كله في العملية التعليمية التي يتشدقون بها ويسهرون الليالي سهرا وسهدا خوفا عليها من أن تدنس أو تنتهك‏..‏ التي ألقوا من أجلها بفلذات الأكباد يحاربون وحدهم أخطبوط إنفلونزا الخنازير بسلاح الصابونة والفوطة والكمامة‏..‏وهم ـ أركان حرب المعركة ـ من خلف المكاتب المكيفة والسيارات ذات الستائر السوداء‏..‏ قاعدون منعمون‏!‏رافعين شعار المعركة‏:‏ ليمت الأطفال والصغار والشباب في حرب إنفلونزا الخنازير‏..‏ ولتحيا العملية التعليمية‏!‏‏................‏‏...............‏ ولأنني لم أر صاحب الرسالة تلميذنا الصغير‏..‏ فقد طلبت من الصحفية المتدربة التي التقت به في مدرسته البعيدة ـ قبل أن نقرأ معا رسالته بخط يده في كراسته ـ أن تصفه لي في صورة قلمية‏.‏قالت‏:‏ ولكم حيرتني عيون هذا الغلام المصري الأصيل الذي تتشابه ملامحه مع ملامح أجداده الفراعنة العظام‏..‏ والذي مازال وجهه يحمل ملامحهم نفسها التي تفيض مثل ماء النهر خيرا وطيبة‏..‏ العيون السوداء اللامعة نفسها‏..‏ حيوية وبهجة ونجابة‏..‏ والوجه البريء نفسه ذو الابتسامة الصادقة والذكاء الذي يطل من عينيه مصحوبا بإرادة وعزيمة لا تخفي كنور الصبح‏..‏ وكأنه حتب ابن الحكيم آني سيد الحكماء عند الفراعنة‏.‏ولكن أكثر ما يثيرك في ملامح وجهه أن ابتسامته ما أن تولد علي وجهه حتي سرعان ما تنكسر‏..‏ وتتبخر‏..‏ وكأنها لم تولد أصلا‏..‏ومنذ أن بدأ الغلام الصغير ذو العشر قامات‏..‏ أقصد عشر سنوات يجيب عن الأسئلة وينطق بالكلمات‏..‏ حتي بدأ الإحساس بالأسر بالقهر‏..‏ يتسرب إلي وجداني‏..‏ لقد وجدت أن قلب الغلام الصغير يحمل بداخله الكثير من الألم‏.‏ وعرفت أننا صدرنا إليه هذا الألم‏..‏ وأننا جميعا قد أسأنا إليه ونحن نقوده إلي الغد الذي ينتظره‏..‏ينبغي أن تكون لدينا الشجاعة لنقف أمام المرآة ونواجه أنفسنا ونسأل‏:‏ هل هذا الصغير وحده‏..‏ أم أن هناك آلافا غيره قد جري لهم ما جري له‏..‏ وأن هناك كثيرين غيره مازال يتكرر لهم السيناريو الموجع نفسه والمثير للشجن والأحزان‏..‏نحن نعرف تماما أن المستقبل في بيوت هؤلاء الأطفال الصغار العتماء الظلماء‏..‏ ونعرف أيضا أن الغد هنا في ملامحهم‏..‏ وأن علينا أن نعثر علي إجابة لهذا السؤال الحائر‏:‏ ماذا ننتظر من هذا الصغير ذي الأعوام العشرة غدا‏..‏ إذا كان هو نفسه يمضي إلي الغد بنفس منكسرة وأحلام محطمة؟وإذا كان هذا هو حاله اليوم‏..‏ فكيف يكون حالنا نحن غدا؟‏..................‏‏.................‏ولنقرأ معا الآن‏..‏ ماذا كتب تلميذ العاشرة بالصدق كله في رسالته بخط يده في كراسة المدرسة دون خوف‏..‏ التي كشف فيها عن كل مساوئ العملية التعليمية التي يتشدقون بها ليل نهار؟إلي عمو عزت‏..‏أنا مش هروح المدرسة عشان الأستاذ سامي بيشتم التلاميذ في الفصل بدون سبب‏..‏ ويسب الدين للتلاميذ والمدرسين يلعبون الكورة في الحصة ويغششون التلاميذ في الامتحان يبلون أصابعهم ويكتبون علي الصبورة ـ يقصد السبورة ـ وسراحة ـ يقصد صراحة ـ أنا كمان غشيت في امتحان آخر العام في كل المواد ـ يعملو ـ يقصد يعاملوا ـ الذي لا يأخذ عندهم دروس معاملة سيئة والدرس بـ‏15‏ أو‏20‏ جنيها وسعات ـ يعني ساعات ـ يأجلون هذه المبالغ يوم فقط لو تأخر عن هذا اليوم يسقطونه وسعات ـ يعني ساعات ـ أمي بتستلف فلوس من الجيران عشان الدروس‏..‏ وإحنا لا ننزل فسحة عشان نستخدم هذه الكمامة ولا الصبونة ـ الصابونة ـ عشان احنا مش بننزل فسحة‏..‏ كل المدرسين وحشين وأنا مش بفهم منهم أي شيء ويدربون ـ يضربون ـ التلاميذ ضرب جامد والضرب ممنوع خاصة الأستاذ سامي بيقول لنا‏:‏ يا بن الجزمة حط الجزمة في بق أمك واسكت ولو جبت أبوك هتف في وجهه‏,‏ ويحرق أمك‏,‏ ويسب الدين للتلاميذ‏.‏وفي امتحان آخر العام يقول‏:‏ اللي عايز يغش يغش من غير صوت‏..‏ وبيملينا في الامتحان ويوجد في الحمام رائحة قظرة ـ قذرة ـ جدا لا يستحملها البني آدم لاكن ـ لكن ـ حمامات المدرسين بتبقي نظيفة جدا وحمام واحد للبنات والصبيان واحنا‏34‏ تلميذا في الفصل والمدرسين ياخدوا مننا الإقفال وأنا مبفهمش حاجة في المدرسة‏..‏ نفسي أخلص المدرسة الهم دي وأسافر بره هلاندا ـ يقصد هولندا ـ أو إيطاليا أو النمسا‏.‏أحمد الأرفان ـ يقصد القرفان ـفصل‏5/6‏مدرسة الشهيد توفيق راغبالمقرفة الزبالة‏...................‏‏..................‏انتهت رسالة التلميذ أحمد الأرفان ـ ليس هذا لقبه ـ ولكن من كثرة قرفه وزهقه وطهقانه من المدرسة ومتاعبها لقب نفسه بالقرفان‏,‏ ولكنه كتبها بقدر ما تعلم الأرفان بالألف بدلا من القاف‏!‏ماذا فهمنا من رسالة تلميذ صغير لا يعرف الكذب ولا النفاق؟‏1 ‏ ـ إن طبقة المدرسين عندنا لا تتورع عن سب الدين للتلاميذ‏..‏ تصوروا‏..‏ بدلا من أن يعلموهم حسن الخلق وإتباع تعاليم الدين السمحة في الصدق والتسامح والغفران وفعل الخير والرحمة والصلاة والتضرع إلي الله‏..‏ يربونهم منذ الصغر علي سب الدين‏..‏طيب وماذا يفعل تلميذ العاشرة من عمره وقد تعلم سب الدين في الصغر من مدرسيه في المدرسة‏..‏هل سيتحول إلي بلطجي أو مسجل خطر عندما يكبر؟‏2‏ ـ إذا كان المدرسون يلعبون الكرة في أثناء الحصص‏..‏ فماذا يعلمون الأولاد إذن‏..‏ فنون الكرة‏..‏ أم المناهج الدراسية؟‏3‏ ـ وإذا كان المدرسون يشتمون التلاميذ بالأب والأم والخالة والعمة والجدود ويلعنون أبوخاشمهم‏,‏ كما يقول التلميذ أحمد الأرفان ابن العاشرة‏..‏ الذي قال له مدرس الفصل‏:‏ يا ابن الجزمة حط الجزمة في بق أمك واسكت‏..‏ ولو جبت أبوك حتف في وشه‏!‏فدلوني بالله عليكم ماذا يفعل التلاميذ مع إخوتهم وآبائهم وأمهاتهم وجيرانهم وأولاد الحارة والشارع‏..‏ طبعا سوف يكيلون لهم ما تعلموه من مدرسيهم في المدرسة‏..‏ جدول الشتائم قبل جدول الضرب‏!‏‏4‏ ـ لابد وحتما ـ كما يقول أحمد تلميذنا الصغير في رسالته ـ أن يأخذ الأولاد والبنات كل الفصل وكل المدرسة‏..‏ دروسا خصوصية عند المدرسين‏..‏ ومن لا يأخذ يا ويله وياسواد ليله‏..‏ فإنه في انتظاره ـ كما يقول التلميذ أحمد ـ أسوأ معاملة وحتي لو تأخر يوما واحدا عن دفع المعلوم ـ أقصد ثمن الدرس الخصوصي ـ فالسقوط والرسوب من نصيبه‏!‏ إلا ليوم واحد ـ كما يقول الصغير أحمد ـ أن أمه قد اضطرت أن تستلف من الجيران فلوس الدرس حتي لا يسقط المحروس ابنها‏!‏تصوروا معي أم تذهب إلي الجيران لكي تستدين ثمن درس اليوم لولدها وإلا‏..‏ فهو راسب هذا الشهر‏..‏ وراسب آخر العام‏..‏ والدرس بكم‏..‏ ما بين‏15‏ جنيها و‏20‏ جنيها في الحصة الواحدة‏.‏و شوفوا بقي الناس الغلابة تأكل منين وتدفع دروس ابنها المفروض عليه من قبل المدرسين منين؟‏.‏‏5‏ ـ التلاميذ لا يأخذون فسحة‏..‏ يحشرون طوال اليوم داخل جدران الفصل‏..‏ فمتي إذن يستخدمون الصابونة والفوطة والكمامة لمقاومة إنفلونزا الخنازير؟‏6‏ ـ وحتي الحمامات قذرة جدا بعكس حمامات المدرسين‏..‏ وهي حمامات مشتركة بين البنات والبنين‏..‏ يا عيني‏!‏‏7‏ ـ عدد التلاميذ في الفصل الواحد‏34‏ تلميذا وتلميذة طوال النهار محبوسون داخله دون فسح‏..‏ إزاي بالذمة؟‏8‏ ـ الغش في الامتحانات للركب‏..‏ وعادي جدا‏..‏ وبأمر المدرسين الذين يقولون لهم صراحة‏:‏ غشو بس من غير صوت‏!..‏ الله أكبر‏!‏وساعات يكتبون لهم الإجابات علي السبورة‏..‏ عيني عينك‏!‏حتي تلميذنا النجيب غش هو الآخر في امتحان آخر العام‏..‏ وفي كل المواد‏!‏‏9‏ ـ المدرسون يضربون التلاميذ ضربا مبرحا‏..‏ ولا أحد يحاسبهم أو يقول لهم تلت التلاتة كام‏!‏‏10‏ ـ التلاميذ لا يفهمون شيئا في أثناء الحصص‏..‏ يعني ما فيش حد بيشرح الدروس‏..‏ ولماذا يشرح مادام الأولاد سوف يفهمون في الحصص الخصوصية مدفوعة الأجر مقدما؟‏11‏ ـ واضح أن عمنا أحمد الصغير قرفان جدا من مدرسته التي وصفها بالمقرفة الزبالة‏!‏‏................‏‏................‏أيها السادة يا جنرالات التعليم في مصر‏..‏هذه هي مدارسكم‏..‏وهؤلاء هم تلاميذكم‏..‏وهؤلاء هم مدرسوكم‏..‏ثم بعد ذلك تتباكون علي العملية التعليمية‏..‏العملية التعليمية أيها السادة ماتت وشبعت موتا من زمان‏..‏المهم الآن ماذا أنتم فاعلون وسط مدارس من هذا النوع ليس فيها من التعليم والتربية إلا اللافتة؟‏..‏ وقاتل أسود لا يرحم سوف يزداد شراسة في الشتاء يحاربه التلاميذ الآن وحدهم بسلاح الصابونة والفوطة والكمامة حتي يصل إلينا المصل الواقي‏..‏متي؟ الله أعلم‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق