السبت، 14 أبريل 2012

المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال :‏ وثيقة الأزهر ضمانة لدستور توافقي يحقق مصالح الأمة


في ظل الجدل الدائر حول المادة الثانية من الدستور‏,‏ والمخاوف من سيطرة الإسلاميين علي اللجنة التأسيسية للدستور‏,‏ والخلاف بين القوي السياسية والتيارات الدينية والفكرية حول الشريعة الإسلامية‏,‏ ومطالبات عدد من نواب مجلس الشعب بالإسراع في تطبيق الحدود وقوانين الشريعة الإسلامية في كافة المجالات.
, جاءت وثيقة الأزهر الشريف لتضع حدا فاصلا لهذا الخلاف الفقهي القديم الذي تجدد حول مفاهيم ومبادئ وأحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية. وفي ظل مطالبات القوي السياسية والتيارات الفكرية بالأخذ بما جاء في وثيقة الأزهر عند إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية مرة أخري تحت مظلة الأزهر بعد حكم القضاء الإدراي بعدم صحة تشكيلها السابق, ولأن المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال إمام, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة لإسكندرية كان بمثابة الجندي المجهول عند صياغة وثيقة الأزهر, خاصة تلك البنود المتعلقة بالشريعة الإسلامية ومبادئها ومقاصدها الكلية بحكم تخصصه في علوم الفقة والشريعة فانه يكشف في هذا الحوار, عن حقيقة هذا الجدل الفقهي والفكري حول الشريعة الإسلامية, ويبين لنا الفرق بين مبادئ وأحكام الشريعة, وهو في كل الأحوال يري أن ما جاء في وثيقة الأزهر حول مسألة الشريعة والحدود هو نقطة الانطلاق الحقيقية لبناء دستور تتوافق عليه جميع أطياف الأمة, وأن تطبيق الحدود لا ينبغي أن يبدأ بحد الحرابة الذي يعد أقصي الحدود مطالبا بالتدرج وتهيئة المجتمع قبل الحديث عن تغيير القوانين.
لماذا تم تجاهل وثيقة الأزهر في لجنة صياغة الدستور رغم توافق كافة القوي والتيارات حولها ؟ ولماذا تحفظ الاخوان والسلفيون علي بعض بنودها ؟
المؤسسة الأزهرية بتاريخها الطويل في الحركة الوطنية المصرية استطاعت أن تعلن انتماءها لهذه الوطن واهتمامها بحركة تحرره ونضاله وثورته مما جعل الأزهر الشريف المعقل الوحيد الذي فتح جميع الأبواب لجميع التيارات, ووثيقة الأزهر كانت إحدي ثمرات هذا الدور الأمر الذي جعل التيار الليبرالي- الذي لم يكن يلجأ للأزهر إطلاقا- يلجأ للأزهر ومعه عدد كبير من أطياف الشعب المصري لصياغة تلك الوثيقة التاريخية, وأنا شاركت في جميع اللجان التي تعلقت بوثيقة الأزهر التي وقع عليها جميع ألوان الطيف السياسي في مصر,وقد حضر للمشيخة ووقع علي الاتفاقية رؤساء الأحزاب المصرية وكبار السياسيين وكل المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية وممثلون عن الأقباط والكنائس المصرية وممثلون عن الجماعة الإسلامية وبعض المنتمين للاتجاه اليساري, وقد وقع الجميع ولم يكن هناك اعتراض إلا من فصيل واحد حول هل تكون أحكام الشريعة أم مبادئ الشريعة ؟, لكن الجميع رأي أن تلك الوثيقة نقطة انطلاق لصياغة دستور توافقي يحقق مصالح جميع المصريين بغض النظر عن الانتماء الفكري أو الديني أو السياسي وقد ترجمت تلك الوثيقة لأكثر من20 لغة.
اللجنة التأسيسية لوضع الدستور هل كانت عنصر شقاق بين التيارين الإسلامي والليبرالي ؟
أري أن التوتر الموجود حاليا بين التيار الليبرالي والتيار الإسلامي مصدره ليس تشكيل اللجنة لكن السبب هو الحضور المكثف للتيار الإسلامي في البرلمان وهذا أحدث مخاوف لدي الليبراليين من أن يتم تكريس ذلك في الدستور, وأنا أري أن الدستور لا يصاغ من جانب الأغلبية لكن من جانب كل فئات المجتمع وكل التيارات التي تعمل في الساحة السياسية لأن الدستور يخص الوطن ككل وهو ليس ملك الأجيال الحالية فقط بل الأجيال القادمة أيضا, وهذه اللجنة لابد أن تعرض مشروع الدستور علي كل ألوان الطيف السياسي قبل عرضه للاستفتاء علي الشعب ولو لم يكن هذا الدستور معبرا عن كل طوائف المجتمع لن يحوز الأغلبية وهنا أقول إن اختيار الأشخاص في الانتخابات يختلف عن الاستفتاء علي الأفكار وهذا لابد أن يكون واضحا أمام كل التيارات السياسية فالشعب قد يرفض الدستور إذا لم تكن هناك صياغة جيدة, ونحن لدينا تجربة دستورية عريقة امتدت لأكثر من نصف قرن منذ عصر الخديو إسماعيل ولدينا دستور71 وهناك مشروعات دساتير أخري ولدينا أيضا الدساتير العالمية, ولابد للجنة أن تستفيد من جميع الخبراء والكفاءات لصنع دستور يعبر عن مصالح الأمة ومن لم يستطع أن يعرف نبض الشارع لن يقدم دستورا صالحا في الاستفتاء.
بعد انسحاب كثير من القوي السياسية من اللجنة التأسيسية احتجاجا علي ممارسات الإخوان, عادت القوي السياسية لتطالب مرة أخري بالأخذ بوثيقة الأزهر عند وضع الدستور.. كيف تري ذلك ؟
سواء تم هذا الانسحاب أم لا أقول إن وثيقة الأزهر تضع موجهات عامة مثل شكل الدولة وهويتها, والمادة الأولي من الوثيقة تنص علي أن مصر دولة وطنية وهذا لا يختلف عليه أحد, ودولة دستورية حتي يتساوي الجميع في الحقوق والواجبات أمام القانون لأن مشكلتنا كانت في عدم المساواة, ودولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة حتي لا يحتكر فريق السلطة كما حدث منذ عام1952 ووجدت أحزاب تلبي رغبة الحاكم وتسبح بحمده وتشارك في عملية سياسية مزيفة ولم تحقق مصالح الجماهير واعتلي عرش السلطة من انفصل عن الجماهير وأخذ كل ثروات الوطن, وكذلك دولة حديثة فلسنا نعيش في القرون الوسطي لكننا لابد أن نستفيد من كل منجزات العلم وكل ما لدي العالم من تقدم يعد خبرة بشرية نستفيد منها, هذه هي عناصر الدولة المدنية الحديثة, أما إذا كان المقصود بالمدنية دولة بلا دين فلن تكون مصر دولة بلا دين لأن مصر متدينة بشقيها المسلم والمسيحي, وإذا كانوا يريدون الدولة المصرية دولة تفصل الدين عن الدولة وتكون تشريعاتها من عقل الإنسان وليس من أحكام الشريعة فهذا لن يصلح لمصر, أما إذا كانوا يريدون الدولة المدنية بمعني أن تكون الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة فهذا ما يطلبه إسلامنا.
مقاصد وأحكام ومبادئ الشريعة مصطلحات جرت علي الألسنة منذ بدء الحديث عن صياغة الدستور الجديد للبلاد, ما الفرق بين هذه المصطلحات؟
أحكام الشريعة هي الأوامر والنواهي المباشرة, فمثلا قول الله تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام هذا حكم موجه لكل المسلمين, وهناك المبادئ العامة مثل مبدأ الوحدانية في قول الله تعالي قل هو الله أحد, هذا مبدأ عام يترتب عليه أشياء كثيرة, والمبادئ العامة صالحة لكل زمان ومكان, ومقاصد الشريعة هي حماية ما نسميه الغايات الأساسية من الشرائع في حياة الناس حينما تتحول إلي أنظمة, فمطلوب حماية الدين ويكون هذا عن طريق إنشاء المؤسسات الدينية ونشر التعليم الديني هذا من ناحية الوجود, ومن جانب العدم أمنع الذين يعتدون عليه, فحينما نتكلم علي مقاصد الشريعة نتكلم عن الغايات والأهداف الرئيسية التي تتعلق بعلاقة الإنسان بالطبيعة أو بأخيه الإنسان وهذه الأهداف والغايات لابد أن نحميها من جانب الوجود ومن جانب العدم بمنع كل ما يؤدي للعدوان عليها, فمثلا حماية العرض من جانب الوجود بالزواج ومن جانب العدم وضع عقوبات تزجر كل من يرتكب جريمة الاغتصاب, والنفس نحميها بالتغذية والرعاية من ناحية الوجود وأحميها من العدم بمنع قتل الإنسان أو إتلاف أعضائه إذن يتضح أن هناك مقاصد ومبادئ كلية وأحكاما نطبقها في العبادات والمعاملات.
لكن تطبيق الشريعة الإسلامية أصبح مرتبطا لدي العامة بتطبيق الحدود رغم أنها تمثل جزءا من الشريعة, كيف نفسر تلك المخاوف ؟
قضية الحدود في الشريعة الإسلامية هي عقوبات جنائية تنطوي علي أمرين خطاب من الله عز وجل, وشروط وأسباب وموانع لابد أن تتحقق, وتطبيق الحدود يحتاج أن نفكر فيه أولا من خلال الأسباب والشروط والموانع وليس من خلال الأوامر والنواهي التي هي ليست مجال نقاش لأنها جزء من إيماننا, فقول الله تعالي والسارق والسارقة فقطعوا أيديهما لا يستطيع مسلم في أي عصر أن يخالفه لأن هذا حكم, لكن ما نريد أن نتحدث عنه أن السارق هنا لابد أن تتوافر فيه شروط محددة ومكثفة, وهذه القضية تحتاج لتهيئة اجتماعية وفكرية وتدرج في تطبيقها والتدرج مبدأ إسلامي لأن هناك تدرجا في تنزيل الأحكام, وهناك جزء كبير من أحكام الشريعة مطبق في مسائل الأحوال الشخصية وقد نحتاج لتعديل بسيط لكن لابد أيضا أن يكون مستمدا من الشريعة.
والتطبيق العملي للشريعة لا يبدأ بحد الحرابة وإنما يبدأ بتهيئة المجتمع وتغيير قوانين الإعلام والتعليم والثقافة فالخطاب الشرعي موجود ولابد أن يصحبه خطاب ثقافي وتعليمي وإعلامي وديني بحيث عندما تنزل الشريعة تجد مجتمعا مهيأ فتنتج ثمارها لكن حين نزرعها في غير ذلك فالبيئة غير صالحة ولن تنتج ثمارها, ولابد أن نبدأ بما هو أيسر بالمجتمع ولا يكون شديدا علي الناس حتي نصل بالتدرج لكافة الشريعة والتدرج يعني التطبيق فيما هو أيسر للوصول للتطبيق الكامل, وبالتالي أتصور أنه ليس مهمتنا حاليا تطبيق الحرابة وإذا أردنا أن نحارب البلطجة واللصوص لابد أن نغلظ العقوبات في قانون العقوبات المصري الحالي لأن حد الحرابة يحتاج لإعادة تفسير ونحن يغيب عنا أن جميع الأحكام لا تنطبق في الواقع إلا إذا وجدت أسبابها وشروطها وعدمت موانعها.
هل تختلف الديمقراطية بمعناها الغربي عن الديمقراطية بمفهومها الإسلامي ؟
الديمقراطية ثقافة تتعلق بتقاليد المجتمع ودينه, وهي تختلف من مجتمع لمجتمع فكثير من الأمور في الغرب لا تصلح في مجتمعنا, فهي ليست نظاما ينقل لكن المضمون هو الذي ينقل فلا توجد ديمقراطية بلا انتخابات وتداول السلطة, ونحن في حاجة لترسيخ مبادئ الديمقراطية, والذي يحدث في الإعلام المصري والشارع حاليا يعد تغذية ضد الديمقراطية, وهناك من يعطل مصالح الناس ويفضل المصلحة الخاصة علي المصلحة العامة ويتم قطع الطرق وقطع شرايين المال من خلال الاعتصامات وتعطيل المصالح من قبل البعض, وهذا يعني أنه لا الثورة استطاعت أن تغيير هؤلاء ولا ثقافة الديمقراطية وصلت إلي عقولهم, ونتائج الانتخابات الأخيرة لا تعبر عن الديمقراطية لأن الناس ليسوا دائما يختارون الأصلح لأن ثقافة الديمقراطية غير موجودة فالبعض يذهب ويعطي صوته بناءا علي المصلحة الشخصية أو العصبية, وهنا أقول لازال لدينا مصالح اجتماعية وحياء اجتماعي يمنعنا من اختيار الأكفأ والتجربة الانتخابية في مصر ستتغير بعد أربع سنوات لأن ثقافة الديمقراطية وقتها ستكون قد نضجت.
هل وضع الإسلام نمطا محددا للحكم أم وضع مبادئ ومقاصد عامة يجب مراعاتها ؟
ليس هناك شكل معين للحكم ليكن نظامنا رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا, لكن لا يمكن أن يكون إسلاميا إلا إذا توافرت فيه شروط تتمثل في التأكيد علي حقوق الإنسان, وأن يكون الحاكم منحازا للرعية وألا ينحاز لأسرته, وأن يكون الوطن أمانة فيشرك علماء الأمة في جميع القرارات التي يصدرها حتي يصدر القرار محققا مصلحة الجميع, وأن تكون الإدارة بالأهداف والغايات التي تتحقق علي أرض الواقع وليست التي تردد في الخطب.
وما هي واجبات الحاكم وواجبات الأمة نحوه ؟
الحاكم له حقوق وله واجبات وهذه الحقوق والواجبات ترتبط بتحقيق الغايات منها, نحن نريد من الحكام أن يقوموا بواجبهم تجاه الأمة أولا قبل أن يسألوا عن حقوقهم, والأمة لابد أن تفكر في حقوقها أولا قبل الواجبات, لأن الواجبات أمر مفروض يأتي بالإجبار لكن الناس تنسي الحقوق في ظل وجود الديكتاتوريات والتزييف الإعلامي ومناهج التعليم التي تعلم الإنسان الطاعة والاستسلام, فقدنا قدرتنا علي المطالبة بالحقوق ظللنا نري الظلم ولا نتحدث نحن في مرحلة نريد منها أن يتكلم الجميع وأن نأخذ من الآراء ما هو أصلح للأمة في الحاضر والمستقبل.
كيف تقيم تجربة الإسلاميين في الحياة السياسية بعد ثورة25 يناير ؟ وهل أضرت تلك التجربة بالدعوة الإسلامية كما يردد البعض ؟
لا شك أن التقييم يحتاج لفترة زمنية كافية لكن نستطيع أن نقيم تجربتهم في الانتخابات هل كانت ناجحة أم موفقة ؟, بالتأكيد تجربتهم الانتخابية كانت موفقة لأنهم استطاعوا أن يحصلوا علي أغلبية في مجلسي الشعب والشوري وهذا يدل علي أنهم كان لديهم وعي بالعميلة الانتخابية وحضور في الشارع السياسي وشعارات لقيت استجابة من جانب المجتمع المصري, لكن التجربة السياسية لا تقاس بالنجاح في الانتخابات وإنما تقاس بالنجاح في تحقيق مصالح الشعب, ونقد الإسلاميين والتيار الديني ينبغي أن نفصله عن نقد الإسلام فهذا ليس نقدا للإسلام وإنما نقد لممارسة فريق من الفرق التي تعمل في المجال السياسي نتيجة بعض السلبيات التي يراها الآخرون ومن حق المجتمع والإعلام والمثقفين أن ينتقدوا الإسلاميين, لكن الذي أراه أن هناك خلطا ما بين فوز الإسلاميين وبين نقد الإسلاميين, فهل وجود الإسلاميين علي الساحة أمر إيجابي ؟ النظرة المباشرة عند الليبراليين وعند بعض المثقفين يري وجود الإسلاميين في السياسية مردوده سلبي وليس إيجابيا وهذا خطأ شديد, فلماذا يكون وجود الليبراليين إيجابيا ووجود الإسلاميين غير إيجابي!, فالمؤكد أن الحكم يكون بالتجربة الطويلة وتحقيق مصالح الناس وهذا يتطلب وقتا وفرصة كافية.
المصدر : الأهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق