السبت، 28 يناير 2012

النفس المطمئنة‏!‏


أكتب اليك هذه الرسالة وأنا أشعر بدنو أجلي وأنني قد اقتربت من النهاية المحتومة لكل إنسان وهي الموت‏,‏ نعم الموت الذي لم يفارق خيالي لحظة‏,‏ منذ أن كنت طفلة أتطلع الي السماء وأتأمل مخلوقات الله وأسبح بحمده وكنت حريصة علي أداء الصلوات في مواعيدها‏,‏ واقتصرت في علاقاتي مع مجموعة محدودة من الصديقات‏.‏




وكعادة معظم أهالي القري والمناطق الريفية فإنني أكملت تعليمي المتوسط بالكاد, فمعظم الآباء والأمهات لا يحبذون اتجاه بناتهم الي التعليم العالي, ويرون أن مصير البنت هو الزواج وتربية الأبناء, وأما من تتجه الي التعليم العالي فيكون ذلك علي حساب بيتها وأولادها فيما بعد, وبالفعل تزوجت بمجرد أن أكملت السن القانونية للزواج, وانتقلت الي عالم جديد مع شاب من قرية مجاورة لقريتنا كان يكبرني بعام واحد تقريبا, ولم يكن أبوه قد أتم سن الأربعين بعد, ومر أسبوع واحد بعد الزفاف كانت الأمور خلاله عادية, وكان زوجي في إجازة من عمله بأحد المصانع الخاصة, ولاحظت تودد أبيه الزائد لي, حيث كنا نسكن جميعا في بيت واحد, ففهمت ذلك علي أنه يعاملني كابنته, لكنه ذات يوم وبمجرد خروج ابنه الي العمل كنت بمفردي معه في البيت, حيث انه يعيش معنا وليس لديه أولاد آخرون وزوجته توفيت في حادث قبل سنوات.. أقول لك, وجدته يغازلني ويحاول أن ينال غرضه مني بالقوة, وكنت وقتها في المطبخ أعد الطعام, فهاج وأمسك بإناء الطعام وكان به زيت مغلي وقذفني به, فإزداد صراخي وتجمع الجيران ونقلوني الي المستشفي, وعلمت أسرتي بما حدث فعقدوا جلسة عرفية لمناقشة هذه الواقعة الدنيئة وانتهي الأمر بتطليقي من زوجي لاستحالة العشرة معه بعد ما حدث من والده.

وخلال وجودي في المستشفي للعلاج علمت إحدي السيدات بقصتي خلال حديثها مع والدتي, وكانت تخضع وقتها للعلاج هي الأخري, وفي اليوم التالي فاتحتها في زواجي من ابنها الذي توفيت زوجته في أثناء وضع مولودها الثالث.

وهكذا وجدتني وأنا لم أكمل سن العشرين مطلقة ثم زوجة لرجل لديه أولاد من زوجة سابقة, ولم يكن لي رأي فيما يحدث, فمن العيب أن تبدي الفتاة رأيا في مثل هذه الأمور, وتترك القرار النهائي لأهلها, ووجدتني في بيت جديد وعالم مختلف عما عشته من قبل, فعائلة زوجي كثيرة العدد, والبيت يضج بالرجال والنساء ليل نهار, ولا خصوصية لأحد أبدا, وتتداخل كل الأمور مع بعضها, وحرصت قدر الامكان أن أقتصر علي نفسي وحياتي, ولم استجب لمحاولات الكثيرين الاقتراب مني, وظل الحادث الذي تعرضت له مع والد زوجي السابق في مخيلتي.. فلقد كرهت الرجال بسببه, وظل الهاجس المسيطر علي هو أن أي رجل يتحدث مع امرأة يريد أن ينال غرضه منها.

لقد مر العمر كله وها أنا قد تعديت سن الخمسين ولدي أربع بنات وولدان.. ذقت ومازلت أذوق المرارة في تربيتهم خصوصا البنات اللاتي أخشي عليهن من الهواء الطاير, اما الإحساس الذي يراودني الآن بعد ان تزوجت ابنتي الكبري, فهو انها قد تتعرض لنفس ماتعرضت له من قبل, حيث انها تعيش في بيت واحد مع حماها الذي تزوج بعد رحيل زوجته.. وتكاد تعيش نفس الظروف, وأخشي أن أحدثها بما وقع لي من قبل فألفت نظرها الي اشياء ليست في حسبانها, وأسييء بذلك الي رجل فاضل لم يصدر منه شيء.

إنني أعيش صراعا داخليا قاسيا ولا أريد نكأ جراحي القديمة لكني أرغب في أن تتعلم بناتي الدرس والحذر من تقلبات الآخرين قبل رحيلي.. فماذا أفعل؟

> من انتهجت نهجك ياسيدتي يجب أن تطيب نفسا, وأن تدرك أنها بصنيعها قد وضعت الأساس لذرية صالحة, وأحسب أن بناتك سوف يصنعن صنيعك إذا صادفن الظروف نفسها, ومن طاب نفسها صارت مطمئنة في دنياها واخراها, يقول تعالي: يا أيتها النفس المطمئنة.. ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي... وإنني أهدي قصتك الي كل فتاة وكل زوجة تريد ان ترضي ربها, وان تعلم أن ما تعرضت له من اختبار ونجحت فيه سيكون في ميزان حسناتها يوم القيامة, وسوف يخلفها الله عز وجل ذرية تسير علي نفس منهجها في الحياة.

فإهدئي بالا ياسيدتي ويمكنك أن تحكي لبناتك عن تجارب مماثلة وما أعده الله للصالحين, ولا داعي لنكأ جراحك القديمة كما تقولين, وان كنت أري أنها ليست جراحا في رأيي, وانما هي تجربة كشفت عن تدينك وخوفك من ربك, وتربيتك الصالحة, وفقك الله وهدي بالك وأصلح حالك, وجعل من ذريتك اناسا صالحين يملأون الدنيا صلاحا ونورا.






المصدر : الاهرام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق