الخميس، 26 يناير 2012

مهاتير محمد ‏:‏ عندما تعثر مصر علي الحكم الجيد ستنتهي كل مشكلاتها‏!‏



الغرب يراه متطرفا بل ومتعجرفا‏,‏ إلا أن العالم العربي والإسلامي ينظر إليه بوصفه صانع معجزة ماليزيا الحديثة‏,‏ الرجل صاحب الرؤية الذي تمكن من أن ينقل بلاده من دولة زراعية إلي دولة صناعية متقدمة‏.‏







في هذا الحوار الذي شارك فيه أعضاء الوفد المصري إلي مؤتمر تحالف قوي الاعتدال, فإن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق كان يصر علي أن يمازح بأنه ليس رجل الاعتدال.. بل رجل متشدد.. ولكنه أي كان الوصف فإن رجلا في قامته يعد أحد فرسان عصره, والرجل الذي قال لا لصندوق النقد الدولي, ورفض الوصفة القاتلة, وتمكن من الحفاظ علي بلاده.. هنا نحاول أو نبحر عبر الزمن, ذهابا وإيابا ما بين مصر الثورة وماليزيا الدولة المزدهرة, لنرصد بعض الأجوبة علي أسئلة مفتوحة في الزمن!
> دائما ما ترفض التفكير داخل الصندوق, وأبرز مثال هو رفضكم الحصول علي تمويل مشروط من صندوق النقد الدولي.. كيف عالجتم العواقب؟
ـ في الواقع ماليزيا مثل بقية الدول تقترض من صندوق النقد, ولكن في أزمتنا الشهيرة مع الصندوق, فإنهم تقدموا بقائمة مطالب: تخفيض قيمة العملة, تحقيق فائض في الموازنة العامة للدولة, السماح بإفلاس الشركات, ومعدل فائدة عال.
وبالطبع كان لابد لنا أن نرفض, لأنه عندما يتم تخفيض قيمة العملة, فإن ذلك سوف يجعلنا نفلس. وطالبنا من المتعاملين في أسواق العملات التوقف عن المضاربة علي عملتنا, إلا أنهم رفضوا, وفي الواقع هذا ما يفعلونه: بيع وشراء العملة بما يحقق لهم مكاسب خيالية, وعرفنا لحظتها أنهم يحاولون تدميرنا, وعلي الفور قررنا عدم قبول نصائحهم.
> كيف واجهتم الضغوط؟
ـ لقد جرت ممارسة الضغوط بقوة علينا, فلقد قالوا لنا إن الناس لا يريدون عملتكم بل الدولار. وكانت مسألة صعبة لأن80% من الاقتصاديين يعتمدون علي التجارة, وعملتنا كانت بلا قيمة, إلا أننا صمدنا, وقمنا بإعادة هيكلة الديون, ومواجهة الخطوات التي كانت ضدنا. وفي النهاية تمكنا من الصمود, لأن هذا البلد ـ يقصد ماليزيا ـ به أموال كثيرة.
> اليوم ينفذ في ماليزيا أكبر تجمع لقوي الاعتدال لمواجهة التطرف.. كيف تري الأمر؟
ـ بالنسبة لي فإن الإسلام معتدل, ولكن بعض الناس هم الذين فسروه بشكل متشدد ومتطرف.
وهؤلاء الناس الأرثوذكس ـ يقصد المتشددين ـ هم الذين يتحدثون عن فرض أمور معينة, ولا يتحدثون إلا عن الصوم وبقيم أمور العبادات, إلا أن الإسلام هو أسلوب حياة, ولابد لنا من السيطرة علي علوم الحياة, ولابد للمسلمين من الدفاع عن أنفسهم. وهذا كله يحتاج إلي المعرفة التي للأسف تم تجاهلها, ولابد من تصحيح ذلك كله.
> ماذا عن العلاقة مع إيران, والأحاديث التي تتردد عن محاولتها نشر المذهب الشيعي في ماليزيا؟
ـ نحن لنا علاقات طبيعية مع إيران, ونرغب في التعاون والتجارة معهم, لكن لا نريدهم أن ينشروا المذهب الشيعي, وماليزيا محظوظة لأنها تتبع المذهب الشافعي.
ولقد قلنا لهم بصراحة لا تحاولوا نشر المذهب الشيعي, إلا أن بعضهم في إيران لا يحترم ذلك, لكن ماليزيا من الصعب اختراقها.
> إن مصر لديها مفاوضات مع الصندوق للحصول علي مساعدات, وفي المقابل لم تتقدم الدول العربية بالمساعدات المرجوة منها, وسبق أن قلتم إن الدول الإسلامية غنية جدا.. تري ما الذي يمنع التعاون والتكاتف ما بين هذه الدول؟
ـ الدول الإسلامية في عصرنا الحاضر غنية جدا, بل هي أكثر غني من أي مرحلة في التاريخ. ومن الغريب أن هذه الدول لديها أموال طائلة, ولا تقوم باستثمارها في الدول الإسلامية الأخري التي هي بحاجة إلي استثمارات, بل للأسف تقوم بإعادتها إلي الولايات المتحدة من خلال شراء أذون الخزانة والسندات الأمريكية, هذه الدول تقوم بإعطاء الأموال لأمريكا التي تقوم باستخدامها في قتل العرب والمسلمين.
وبلهجة استنكارية تساءل مهاتير بقوله: لماذا لا تأتي الأموال العربية إلي مصر من السعودية؟.. مثلما كانت تأتي إليها في السابق من السعودية والعراق.
واستطرد مستهجنا.. لماذا هم خائفون لهذه الدرجة من أمريكا؟.. فنحن عندما يخطئون نقول لهم ـ أي الأمريكان ـ ذلك بصراحة شديدة فقد كانت مسألة تخفيض عملة ماليزيا أحد الضغوط.
والغريب أنه في كل مرة أقول شيئا ضد اليهود, فإن العملة كانت تنخفض!
> لماذا لم يحدث رد فعل تجاه ثورة مصر.. هل هناك موقف متحفظ تجاه الثورة؟
ـ لقد تعاطفنا مع الثوار, ولقد كان لابد من المراقبة للأحداث في مصر.. نحن لم نكن نرغب في أن نكون ضد أي جماعة, أو قوة سياسية ستكون في الحكومة المصرية الجديدة.. الموقف نفسه كان تجاه ليبيا, فقد انتظرنا حتي تتضح الصورة.. الآن نحن نعمل معا, وأحب أن أوضح أن مسألة الهدم عملية سهلة, إلا أن الحفاظ علي حكومة أمر صعب للغاية.. فالحكم ليس أمرا هينا.
> هل حكومة ماليزيا ضد الثورة المصرية؟
ـ نحن لسنا ضد الثورة المصرية, ولدينا علاقات جيدة مع حكومة مصر.
> ما هي رؤيتكم التي أسهمت في صنع ماليزيا الحديثة, وهل يمكن أن يقررها إلي مصر.. فنحن نريد الخروج من عنق الزجاجة؟
ـ بداية مصر لم تجرب الديمقراطية الحقيقية, بل عاشت في ظل الاحتلال والاستبداد لسنوات طويلة. ويجب أن يعلم الناس أن الكثير من المشكلات تنشأ في ظل الديكتاتورية, وعملية الانتقال إلي الديمقراطية.
ولكن علي المصريين أن يدركوا ويتعلموا ما هي حدود الحرية؟.. فإذا ذهبت إلي ما هو أبعد من حدود الحرية فإن مشكلات عدة سوف تنشأ.
ولقد قررنا نحن في ماليزيا تطبيق الديمقراطية بعد الاستقلال, وأحب أن أشير هنا إلي أنه لم تكن هناك ديمقراطية في ظل الاستعمار وقبلنا بحق الناس في تغيير الحكومة من خلال صناديق الانتخاب.
> ولكن بعض الدوائر الغربية تقول إنه ليست هناك ديمقراطية كاملة في ماليزيا؟
ـ نعم.. لقد كان البعض ينتقدنا لأننا بقينا في السلطة لسنوات طويلة, ولقد حققنا ما وعدنا به, ولقد اختار الناس التصويت لنا, كما صوتوا لمصلحة المعارضة, والآن المعارضة تسيطر علي حكم4 ولايات في البلاد.
وأحب هنا أن أشير إلي أن الديمقراطية هي اختيار الناس الحكومة, هم يختارونها لأنها تلبي مطالبهم,, ولابد لنا نحن الذين في الحكم أن نعرفهم ونتعرف علي مطالبهم واحتياجاتهم, وأن نعمل علي تلبيتها.
وفي المقابل يمكن للناس أن يقرأوا مجلة تايمز الأمريكية التي تقول إنني ديكتاتور, وهؤلاء لهم الحق في أن يقولوا ما يريدون. فالناس لا يتم اعتقالها بسبب الآراء التي تعتقدها, ولدينا حاليا بعض الصحف التي تنتقد الحكومة. وحقيقة هنا لابد من الإقرار بأن الإنترنت يمنع الرقابة, فلا أحد يمكنه السيطرة!. وأحزاب المعارضة لديها صحيفة, ولا تتوقف عن انتقاد الأداء, والادعاء بأننا لا يمكننا عمل شيء جيد!
> ماذا عن الفقر في بلادكم؟
ـ لقد تمكنا من مكافحة الفقر, ولقد وصلت الآن إلي5% فقط, ونسبة الفقر المدقع1% فقط من بين السكان. ولقد كانت نسبة الفقر بين السكان70% خلال فترة الاحتلال البريطاني. وأحب أن أوضح أن الفقر كان منتشرا في صفوف المالاويين( المسلمون) الذين يعملون في الزراعة والصيد, وأحب أن أشير هنا إلي أن المالاويين يمثلون60% من عدد سكان البلاد. وفيما يتعلق بالتوظيف, فقد وصلت النسبة إلي100%.. والآن لدينا مليونا أجنبي يعملون في البلاد, لأننا بحاجة إلي العمالة المدربة الماهرة.
> كيف أمكن لمجتمع متعدد الأعراق والديانات أن يحظي بهذه الدرجة من التناغم؟
ـ السر في دولة القانون!, فالقانون العام الذي يطبق علي الجميع هو القانون البريطاني, ولا أحد فوق القانون. وبعيدا عن ذلك فإن قانون الشريعة يطبق علي المسلمين فقط, وإذا جري تطبيق قانون الشريعة علي غير المسلمين سيكون ذلك أمرا في غاية الصعوبة, بل الإسلام يمنع ذلك, ويدعو إلي تطبيق شرائعهم الخاصة عليهم فيما يتعلق بالأحوال الشخصية, ونحن لا نقول علي أنفسنا إننا دولة علمانية, بل نحن دولة إسلامية.
> هل تري فرضية لزيادة التعاون السياسي, والتعاون الاقتصادي ما بين مصر وماليزيا وتركيا.. تحالف قوي الاعتدال؟
ـ نحن نتطلع دوما ونريد علاقات جيدة مع مصر والعرب, ونحاول دائما زيادة الاستثمارات الماليزية في مصر والدول العربية.
> بصورة محددة هل يمكن زيادة الاستثمارات الماليزية في مصر, خاصة أن دولا كثيرة, من بينها كوريا الجنوبية ونيوزيلندا تتطلع لزيادة وجودها في مصر بعد الثورة؟
ـ نحن لسنا دولة متقدمة بعد بصورة كبيرة مثل كوريا الجنوبية, لكن نحن نريد أن نستثمر في مصر, سواء في تصنيع السيارات أو من خلال تصدير الغاز إلي أوروباL.G في الإسكندرية), فضلا عن استثماراتنا البترولية الكبيرة في مصر, وهو ما نريد زيادته بصورة كبرية.
وأحب هنا أن أوضح أن هذه الدولة( يقصد ماليزيا) قد نمت من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر, ولقد جاءوا إلينا لأن لدينا قوانين واضحة, وسياسات شفافة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي, وإذا لم تكن هناك هذه القوانين, فإنه لم يكن من الممكن أن يحدث تدفق للاستثمارات الأجنبية إلي بلادنا.
> ما الذي يمنعنا من التقدم كأمة إسلامية؟
ـ الذي يمنعنا هو أننا مسلمون لا نتبع تعاليم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلي الوحدة لا الفرقة. فتعاليم العلماء مختلفة, ونحن متفرقون, ونقتل بعضنا البعض, وهذه ليست تعاليم الإسلام, ولا نسلك سلوك الآخرة, ولا نثق في بعضنا البعض. وأقول للمسلمين عودوا إلي القرآن, فعندما يفقد المرد أو يضل طريقه يعود إلي نقطة البداية.
وأنا أطالب بالعودة إلي الإسلام, ونقطة البداية فيه كانت اقرأ, ونحن لدينا استثمارات في مصر والجزائر والسودان والأرجنتين, وهذه استثمارات بترولية, لكن لابد من القوانين الواضحة, وحكومة ماليزيا مستعدة لأن تقدم لمصر جميع القوانين التي ساعدت ماليزيا في التحول من دولة زراعية إلي دولة صناعية.
وأقرأ ليس فقط بشأن القرآن, لقد تجاهلنا التعليم, ونحن لا نعمل أي شيء بمفردنا, ولا نعرف أي شيء. وعلي سبيل المثال: كيف نرسل إنسانا إلي القمر دون معرفة!
> كيف نروج للتعليم والصحة؟
ـ إنها سياسة دولة, لكن لابد أن تؤمن الناس بأن التعليم هو طريقها للتطور والترقي, وأن ترغم الدولة علي وضع أموال في التعليم والصحة.
ولابد أن يدرك الجميع أن التعليم هو مفتاح التطور.
لقد أرسلنا الطلبة إلي جميع أنحاء العالم, ودرسوا في جميع مناحي الحياة. وعندما تذهبون إلي أي مكان سوف تجدون المدارس في كل ناحية في البلاد, وعندما تعرضت أخيرا لأزمة قلبية فإنني تعالجت هنا في ماليزيا.
> ماذا عن الدين في التعليم؟
ـ يجب أن يدرس الطلبة الدين من المراحل الأولي, فالإسلام هو الدين الرسمي للدولة.
> يزداد الحديث الآن عن انتقال الاهتمام الأمريكي من الشرق الأوسط إلي جنوب شرق آسيا.. هل يساعد ذلك في حل مشكلات الشرق الأوسط؟
ـ إنهم خائفون من الصين, ويريدوننا أن نقف لمعارضتها والتصدي لها, ولكننا عشنا2000 سنة مع الصين, ولم يحتلونا إلا أن الأوروبيين جاءوا إلي هنا عام1509, وبعد عامين احتلونا, والآن نحن لدينا تجارة كبيرة مع الصين, وحركة سياحة ضخمة معهم.
> ماذا عن الشرق الأوسط؟
ـ لابد من التركيز علي أنفسنا, لأن القتال هو الذي يجلب الأمريكان الذين يستفيدون, ويقومون بحل مشكلاتهم الخاصة علي حسابنا.
ونصيحتي هي إذا كان هناك حكم جيد في مصر فلن تكون هناك مشكلة.









المصدر : الاهرام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق