فتح المحامي عبد العزيز عامر, عضو هيئة الدفاع عن أسر الشهداء بطلبه الذي وافق عليه غالبية أعضاء هيئة الدفاع وطالب خلاله برد هيئة المحكمة, التي تنظر قضية الرئيس المخلوع مبارك وأعوانه.. فتح ملف رد المحاكم ودفع للتساؤل: ماذا يعني رد المحكمة؟ كيف جاء رد المحكمة في الشريعة الاسلامية ؟ ومالذي كان يحدث أيام الصحابة؟ وماذا قال القانون ؟ ومتي يجب تنحي القاضي ؟ وما الاثر القانوني لاتخاذ اجراءات رد القاضي ؟ وفي حق من تصب فكرة رد المحكمة؟ وماهو موقف القاضي المطلوب رده؟
بداية رد القضاة من قبل الخصوم يعني ان طالب الرد يري ان قاضيه غير صالح للفصل في الدعويوان رد القاضي يعني ابعاده عن نظر الدعوي وهو في الاساس اجراء مستمد من مبدأ مهم من المبادئ التي يقوم عليها القضاء وهو مبدأ حياد القاضي والمساواة بين الخصوم فالقاضي يجب ان يكون منزها عن الهوي لصالح احد الخصوم فهو لا يحكم الا بما يرتضيه ضميره.قبل أن نغوص في تفاصيل القضية منذ أيام الصحابة وحتي قضية الرئيس المخلوع وأعوانه نفتح ملفات رد المحاكم في الاونة الاخيرة.. فهل تتذكرون رد المستشار جلال ابراهيم عندما كان ينظرقضية اركاديا الشهيرة ورد الملاح رئيس نادي الشمس السابق لرئيس الدائرة التي كانت تنظر تهمة الاختلاس وكان سبب الرد ان القاضي عضو في نادي الشمس وطلب مرتضي منصور رد القضاء الاداري في قضية ممدوح عباس.. وقبول المحكمة الإدارية العليا طلب رد الدائرة الأولي فحص طعون, والمقدم من السفير إبراهيم يسري في قضية منع تصدير الغاز.ربما تكون هذه النماذج علي سبيل المثال وليس الحصر فالنماذج عديدة والتفاصيل مختلفة.في هذا التحقيق حاولنا أن نقرأ ونبحث ونوثق( رد المحكمة) عبر مشوارها التاريخي من خلال الاوراق و مراجع الشريعة والقانون. ولنبدأ بالشريعة الاسلامية..فهذا المبدأ له جذوره فقد اشارت الشريعة الغراء بوجوب التزام القاضي بالحياد بين الخصوم والا يكون له هوي او ميل اذ أنزلت الشريعة الإسلامية القضاء منزلا رفيعا, فهو عمل الأنبياء وصناعة الحكماء.( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله)( سورة ص/26).( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم)( سورة المائدة/49). كما يقول تعالي:( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)( سورة النساء/58).الحيرة القاسيةكما جاء في الحديث الشريف تحذير بالغ القسوة لكل من يتبوأ ذلك المكان الرفيع.. فعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: قاض عرف الحق فقضي به فهو في الجنة, وقاض قضي بجهل فهو في النار, وقاض عرف الحق فجار فهو في النار.وتروي السنة الفعلية للنبي عليه الصلاة و السلام كثيرا من الوقائع التي تؤكد بالفعل حرص النبي علي أن يساوي بين المسلمين.وفي هذا يقول الرسول الكريم لعلي بن أبي طالب عندما بعثه قاضيا علي اليمن: فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض حتي تسمع كلام الآخر كما سمعت كلام الأول, فإنه أحري أن يتبين لك القضاء.أما مراجع التاريخ الإسلامي فقد حفلت بما يؤكد تطبيق هذا المبدأ بين الخصمين في مجلس القضاء. فقد روي أن رجلا اشتكي عليا يوما إلي عمر بن الخطاب عندما كان خليفة المسلمين فنادي عمر الإمام عليا بعبارة: يا أبا الحسن, ونادي الخصم باسمه. فغضب علي, فقال له عمر: لماذا غضبت, هل لأنني ساويتك مع الخصم؟ فقال له: لا ولكن لأنك كنيتني ولم تكنه- يالله- وروي أن عليا بن أبي طالب وجد درعه عند رجل نصراني فأقبل به علي شريح ـ قاضيه ـ يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه. وقال: إنها درعي ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح إلي علي يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي وقال: أصاب شريح. ما لي بينة. فقضي بالدرع للنصراني.ولم يقبل القاضي شريح شاهدي علي لأن أحدهما كان ابنه والآخر مولاه ويؤكد الإمام أبو الحسن علي بن محمد الماوردي هذا المبدأ بقوله: إن علي القاضي التسوية في الحكم بين القوي والضعيف, والعدل في القضاء بين المشروف والشريف. وقد ربط الماوردي بين هذا المبدأ ووقار القاضي, فقرر أن وقار القاضي يوجب عليه أن يكون دخول جميع المتنازعين إليه من شريف ومشروف مطرقاوفيما يحرص التحقيق علي توثيق المعلومات فيتوقف عند الإمام الكاساني( بدائع الصنائع, جزء سابع, ص13) الذي يذكر أنه من أدب القضاء أن يقوم الخصوم علي مراتبهم في الحضور, الأول فالأول, لقوله عليه الصلاة والسلام: المباح لمن سبق إليه. وإن اشتبه عليه حالهم استعمل القرعة فقدم من خرجت قرعته.وإمعانا في العدل, ورحمة بالناس, أعطي الغريب أولوية في نظر قضيته حتي لا يتعطل عن السفر إلي بلده. ذلك أن الغرباء إذا خاصموا بعض أهل المصر إلي القاضي أو خاصم بعضهم بعضا أو خاصمهم بعض أهل المصر فإنه يقدمهم في الخصومة علي أهل المصر, لما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: قدم الغريب, فإنك إذا لم ترفع به رأسا ذهب وضاع حقه فتكون أنت الذي ضيعته. ذلك أنه لا يمكنه الانتظار فكان تأخيره في الخصومة تضييعا لحقه..وقد روي عن عمر بن الخطاب وعن ابن أبي كعب رضي الله عنهما أنهما اختصما في حادثة إلي زيد بن ثابت, فألقي لعمر بن الخطاب وسادة: فقال عمر رضي الله عنه: هذا أول جورك, وجلس بين يديه ولم يجلس علي الوسادة.. ويؤكد الإمام الماوردي في كتابه( ص248-250) هذا المبدأ فهو يتطلب من القاضي أن يساوي بين الخصمين في مقعدهما.ويقول ابن القيم: في تخصيص أحد الخصمين بمجلس.. مضرتان: إحداهما طمعه في أن يكون الحكم له فيطوي قلبه وجنانه. والثانية أن الخصم الآخر ييأس من عدله ويضعف قلبه وتنكسر حجته.وقد وضح هذا المبدأ في كتاب عمر بن الخطاب إلي أبي موسي الأشعري بما يعرف برسالة القضاء إذ جاء بها: آس بين الناس في مجلسك... حتي لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك... وتوصلا لحياد القاضي بين الخصمين والمساواة بينهما, عني الفقه الإسلامي بإبعاد القاضي عن أيه شبهة يمكن أن تؤثر في حياده. وقد وضع الفقه الإسلامي قواعد محددة في هذا الشأن, فلا يجوز للقاضي أن يقبل الهدية من أحد الخصمين إذا كان يلحقه به تهمة( أي شبهة).قانون المرافعاتواذا كانت هذه الرؤية واضحة في الشريعة وفي مؤلفات الفقهاء والعلماء.. فما هو الحال في قانون المرافعات المصري؟الأصل أن القاضي يقضي في كل دعوي تحال إليه وتدخل تحت ولايته حسب المواد المقررة للاختصاص المكاني والنوعي و لذا بين قانون المرافعات كيفية تنحي القضاة وردهم عن الحكم و الحالات التي يجب أو يجوز للقاضي أن يمتنع عن الحكم فيها وآلية التنحي والرد سعيا إلي تحقيق مبدأ حياد القاضي, ورفع الحرج عن القاضي عن البت في قضية يلحقه بها شيء من العنت.وتحقيق الطمأنينة في نفوس المتقاضين و دفع التهمة عن القاضي.لكن اذا كانت هذه هي الفوائد الناتجة عن رد القاضي فهل هناك حالات يجب أن يتنحي فيها القاضي من تلقاء نفسه؟سألنا أكثر من رأي قانوني فتوصلنا الي أن المادة146 من قانون المرافعات تنص علي عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوي في بعض الحالات حتي لو لم يطلب الخصوم رده فيها اي أن القاضي من تلقاء نفسه عليه ان يتنحي عن نظر الدعوي- يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي ممنوعا من سماعها و لو لم يرده أحد من الخصوم اذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم الي الدرجة الرابعة و اذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته.. و اذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها و كان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوي واذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه مصلحة في الدعوي القائمة اواذا كان قد أفتي أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوي أو كتب فيها و لو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء, أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما,أو كان قد أدي شهادة فيهاالي ذلك لفت شيوخ القانون الي أن المادة150- تنص علي أنه يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة,اذا استشعر الحرج من نظر الدعوي لأي سبب, أن يعرض أمر تنحيه علي المحكمة في غرفة المشورة,أو علي رئيس المحكمة للنظر في إقراره علي التنحي.حق الرد والبطلانوقد نصت المادة147 من القانون علي انه- يقع باطلا عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصومو اذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم و إعادة نظر الطعن أمام دائرة أخريلكن متي يجوز للخصوم رد القاضي؟.. المادة148 في رأي خبراء القانون قالت اذا كان له أو لزوجته دعوي مماثلة للدعوي التي ينظرها,أو اذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم,أو لزوجته بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي ما لم تكن هذه الدعوي قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوي المطروحة عليه, و اذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي بقصد رده و اذا كان أحد الخصوم خادما له, أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته,أو كان تلقي منه هدية قبيل رفع الدعوي أو بعده و اذا كان بينه و بين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.العداوة والمودةوهنا يؤكد فقهاء القانون أن المودة والعداوة كسبب من أسباب الرد هي كلمات مرنة فالعداوة هنا هي التي لا تصل إلي مرحلة الخصومة والمودة هي أي صورة من صور المودة لا يصل إلي مرحلة المصلحة وهذا السبب هو أهم أسباب الرد علي الإطلاق وأكثرها شيوعا في العملوحتي تكتمل الصورة البحثية حول فكرة رد المحكمة نتساءل ماهي أجراءات طلب الرد؟المادة152- تنص علي انه لا يقبل طلب الرد بعد اغلاق باب المرافعة في الدعوي,أو من سبق له طلب رد القاضي نفسه في ذات الدعوي, و لا يترتب علي طلبات الرد في هاتين الحالتين وقف الدعوي المنصوص عليه في المادة162 من هذا القانون و يسقط حق الخصم في طلب الرد اذا لم يحصل التقرير به قبل اغلاق باب المرافعة في طلب رد سابق مقدم في الدعوي اخطر بالجلسة المحددة لنظره متي كانت أسباب الرد قائمة حتي إقفال باب المرافعةكما يضيف خبراء القانون بان المادة153- تنص علي أنه يحصل الرد بتقرير يكتب بقلم كتاب المحكمة التي يتبعها القاضي المطلوب رده, يوقعه الطالب نفسه, أو وكيله المفوض فيه بتوكيل خاص يرفق بالتقرير,و يجب أن يشتمل الرد علي أسبابه و أن يرفق به ما قد يوجد من أوراق أو مستندات مؤيدة لهو علي طالب الرد ان يودع عند التقرير بالرد ثلاثمائة جنيها علي سبيل الكفالة و يجب علي قلم الكتاب تحديد جلسة في موعد لا يجاوز سبعة ايام من تاريخ تقديم الطلب ويوقع طالب الرد بما يفيد علمه بالجلسة و تختص بنظر طلب رد أحد قضاة المحاكم الجزئية, أو الابتدائية احدي دوائر محكمة الاستئناف التي تقع في دائرة اختصاصها المحكمة الابتدائية التي يتبعها القاضي المطلوب ردهو تختص بنظر طلب رد المستشار بمحكمة الاستئناف, أو بمحكمة النقض دائرة بمحكمة الاستئناف, أو بمحكمة النقض حسب الأحوال غير الدائرة التي يكون المطلوب رده عضوا فيها.كما نصت المادة156- علي القاضي المطلوب رده ان يجيب بالكتابة علي وقائع الرد و أسبابه خلال أربعة الأيام التالية لاطلاعهو اذا كانت الأسباب تصلح قانونا للرد و لم يجب عليها القاضي المطلوب رده في الميعاد المحدد أو اعترف بها في إجابته,أصدر رئيس المحكمة أمرا بتنحيه.القبول والرفضوما الاجراءات التي يجب أتباعها في حالة القبول أو الرفض؟المادة162 مرافعاتفي رأي القانونيين- تنص علي أنه يترتب علي تقديم طلب الرد وقف الدعوي الأصلية الي ان يحكم فيه,و مع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلا ممن طلب رده.. وعلي هذا فان هناك مسارين للدعوي في حالة طلب الرد المسار الاول ان يتم وقف اجراءات نظر الدعوي الي ان يتم الفصل في طلب الرد فهنا الدعوي ستتعطل وسيقرر القاضي وقفها انتظارا لحين الفصل في طلب الرد الذي قد يتأخر الي شهر او يزيد وهو ما يعيب هذا الطريق لكونه قد يتخذه بعض المتقاضين لاطالة امد التقاضيومن الممكن سلوك المسار الاخر وهو ان يقرر رئيس محكمة الاستئناف احالة الدعوي الي دائرة اخري تنظرها مباشرة دون انتظار الفصل في طلب الرد وميزة هذا المسار انه يضحد محاولات الخصوم اطالة امد التقاضي بيد انه قد يتخذه البعض سبيلا لابعاد الدعوي عن قاضا بعينه كأن يكون اشتهر عنه شدة الاحكام او العكس.بعد هذا الطرح يلح السؤال:ما هو موقف القاضي من طلب الرد ؟الاصل ان ثقة القاضي في نفسه لاتتزعزع فاذا كان طلب الرد مبنيا علي اسباب باطلة فلن ينال ذلك بكل شك من حياد القاضي فيما بعدكما انه يجوز للقاضي ان يطلب التعويض عن طلب الرد او يقدم بلاغا في صدد موضوع الرد اذا كان به ما يسئ ولكن حددت المادة165- اذا رفع القاضي دعوي تعويض علي طالب الرد أو قدم ضده بلاغا لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوي و تعين عليه أن يتنحي عن نظرها.
بداية رد القضاة من قبل الخصوم يعني ان طالب الرد يري ان قاضيه غير صالح للفصل في الدعويوان رد القاضي يعني ابعاده عن نظر الدعوي وهو في الاساس اجراء مستمد من مبدأ مهم من المبادئ التي يقوم عليها القضاء وهو مبدأ حياد القاضي والمساواة بين الخصوم فالقاضي يجب ان يكون منزها عن الهوي لصالح احد الخصوم فهو لا يحكم الا بما يرتضيه ضميره.قبل أن نغوص في تفاصيل القضية منذ أيام الصحابة وحتي قضية الرئيس المخلوع وأعوانه نفتح ملفات رد المحاكم في الاونة الاخيرة.. فهل تتذكرون رد المستشار جلال ابراهيم عندما كان ينظرقضية اركاديا الشهيرة ورد الملاح رئيس نادي الشمس السابق لرئيس الدائرة التي كانت تنظر تهمة الاختلاس وكان سبب الرد ان القاضي عضو في نادي الشمس وطلب مرتضي منصور رد القضاء الاداري في قضية ممدوح عباس.. وقبول المحكمة الإدارية العليا طلب رد الدائرة الأولي فحص طعون, والمقدم من السفير إبراهيم يسري في قضية منع تصدير الغاز.ربما تكون هذه النماذج علي سبيل المثال وليس الحصر فالنماذج عديدة والتفاصيل مختلفة.في هذا التحقيق حاولنا أن نقرأ ونبحث ونوثق( رد المحكمة) عبر مشوارها التاريخي من خلال الاوراق و مراجع الشريعة والقانون. ولنبدأ بالشريعة الاسلامية..فهذا المبدأ له جذوره فقد اشارت الشريعة الغراء بوجوب التزام القاضي بالحياد بين الخصوم والا يكون له هوي او ميل اذ أنزلت الشريعة الإسلامية القضاء منزلا رفيعا, فهو عمل الأنبياء وصناعة الحكماء.( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله)( سورة ص/26).( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم)( سورة المائدة/49). كما يقول تعالي:( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)( سورة النساء/58).الحيرة القاسيةكما جاء في الحديث الشريف تحذير بالغ القسوة لكل من يتبوأ ذلك المكان الرفيع.. فعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: قاض عرف الحق فقضي به فهو في الجنة, وقاض قضي بجهل فهو في النار, وقاض عرف الحق فجار فهو في النار.وتروي السنة الفعلية للنبي عليه الصلاة و السلام كثيرا من الوقائع التي تؤكد بالفعل حرص النبي علي أن يساوي بين المسلمين.وفي هذا يقول الرسول الكريم لعلي بن أبي طالب عندما بعثه قاضيا علي اليمن: فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض حتي تسمع كلام الآخر كما سمعت كلام الأول, فإنه أحري أن يتبين لك القضاء.أما مراجع التاريخ الإسلامي فقد حفلت بما يؤكد تطبيق هذا المبدأ بين الخصمين في مجلس القضاء. فقد روي أن رجلا اشتكي عليا يوما إلي عمر بن الخطاب عندما كان خليفة المسلمين فنادي عمر الإمام عليا بعبارة: يا أبا الحسن, ونادي الخصم باسمه. فغضب علي, فقال له عمر: لماذا غضبت, هل لأنني ساويتك مع الخصم؟ فقال له: لا ولكن لأنك كنيتني ولم تكنه- يالله- وروي أن عليا بن أبي طالب وجد درعه عند رجل نصراني فأقبل به علي شريح ـ قاضيه ـ يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه. وقال: إنها درعي ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح إلي علي يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي وقال: أصاب شريح. ما لي بينة. فقضي بالدرع للنصراني.ولم يقبل القاضي شريح شاهدي علي لأن أحدهما كان ابنه والآخر مولاه ويؤكد الإمام أبو الحسن علي بن محمد الماوردي هذا المبدأ بقوله: إن علي القاضي التسوية في الحكم بين القوي والضعيف, والعدل في القضاء بين المشروف والشريف. وقد ربط الماوردي بين هذا المبدأ ووقار القاضي, فقرر أن وقار القاضي يوجب عليه أن يكون دخول جميع المتنازعين إليه من شريف ومشروف مطرقاوفيما يحرص التحقيق علي توثيق المعلومات فيتوقف عند الإمام الكاساني( بدائع الصنائع, جزء سابع, ص13) الذي يذكر أنه من أدب القضاء أن يقوم الخصوم علي مراتبهم في الحضور, الأول فالأول, لقوله عليه الصلاة والسلام: المباح لمن سبق إليه. وإن اشتبه عليه حالهم استعمل القرعة فقدم من خرجت قرعته.وإمعانا في العدل, ورحمة بالناس, أعطي الغريب أولوية في نظر قضيته حتي لا يتعطل عن السفر إلي بلده. ذلك أن الغرباء إذا خاصموا بعض أهل المصر إلي القاضي أو خاصم بعضهم بعضا أو خاصمهم بعض أهل المصر فإنه يقدمهم في الخصومة علي أهل المصر, لما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: قدم الغريب, فإنك إذا لم ترفع به رأسا ذهب وضاع حقه فتكون أنت الذي ضيعته. ذلك أنه لا يمكنه الانتظار فكان تأخيره في الخصومة تضييعا لحقه..وقد روي عن عمر بن الخطاب وعن ابن أبي كعب رضي الله عنهما أنهما اختصما في حادثة إلي زيد بن ثابت, فألقي لعمر بن الخطاب وسادة: فقال عمر رضي الله عنه: هذا أول جورك, وجلس بين يديه ولم يجلس علي الوسادة.. ويؤكد الإمام الماوردي في كتابه( ص248-250) هذا المبدأ فهو يتطلب من القاضي أن يساوي بين الخصمين في مقعدهما.ويقول ابن القيم: في تخصيص أحد الخصمين بمجلس.. مضرتان: إحداهما طمعه في أن يكون الحكم له فيطوي قلبه وجنانه. والثانية أن الخصم الآخر ييأس من عدله ويضعف قلبه وتنكسر حجته.وقد وضح هذا المبدأ في كتاب عمر بن الخطاب إلي أبي موسي الأشعري بما يعرف برسالة القضاء إذ جاء بها: آس بين الناس في مجلسك... حتي لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك... وتوصلا لحياد القاضي بين الخصمين والمساواة بينهما, عني الفقه الإسلامي بإبعاد القاضي عن أيه شبهة يمكن أن تؤثر في حياده. وقد وضع الفقه الإسلامي قواعد محددة في هذا الشأن, فلا يجوز للقاضي أن يقبل الهدية من أحد الخصمين إذا كان يلحقه به تهمة( أي شبهة).قانون المرافعاتواذا كانت هذه الرؤية واضحة في الشريعة وفي مؤلفات الفقهاء والعلماء.. فما هو الحال في قانون المرافعات المصري؟الأصل أن القاضي يقضي في كل دعوي تحال إليه وتدخل تحت ولايته حسب المواد المقررة للاختصاص المكاني والنوعي و لذا بين قانون المرافعات كيفية تنحي القضاة وردهم عن الحكم و الحالات التي يجب أو يجوز للقاضي أن يمتنع عن الحكم فيها وآلية التنحي والرد سعيا إلي تحقيق مبدأ حياد القاضي, ورفع الحرج عن القاضي عن البت في قضية يلحقه بها شيء من العنت.وتحقيق الطمأنينة في نفوس المتقاضين و دفع التهمة عن القاضي.لكن اذا كانت هذه هي الفوائد الناتجة عن رد القاضي فهل هناك حالات يجب أن يتنحي فيها القاضي من تلقاء نفسه؟سألنا أكثر من رأي قانوني فتوصلنا الي أن المادة146 من قانون المرافعات تنص علي عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوي في بعض الحالات حتي لو لم يطلب الخصوم رده فيها اي أن القاضي من تلقاء نفسه عليه ان يتنحي عن نظر الدعوي- يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي ممنوعا من سماعها و لو لم يرده أحد من الخصوم اذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم الي الدرجة الرابعة و اذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته.. و اذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها و كان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوي واذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه مصلحة في الدعوي القائمة اواذا كان قد أفتي أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوي أو كتب فيها و لو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء, أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما,أو كان قد أدي شهادة فيهاالي ذلك لفت شيوخ القانون الي أن المادة150- تنص علي أنه يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة,اذا استشعر الحرج من نظر الدعوي لأي سبب, أن يعرض أمر تنحيه علي المحكمة في غرفة المشورة,أو علي رئيس المحكمة للنظر في إقراره علي التنحي.حق الرد والبطلانوقد نصت المادة147 من القانون علي انه- يقع باطلا عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصومو اذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم و إعادة نظر الطعن أمام دائرة أخريلكن متي يجوز للخصوم رد القاضي؟.. المادة148 في رأي خبراء القانون قالت اذا كان له أو لزوجته دعوي مماثلة للدعوي التي ينظرها,أو اذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم,أو لزوجته بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي ما لم تكن هذه الدعوي قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوي المطروحة عليه, و اذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي بقصد رده و اذا كان أحد الخصوم خادما له, أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته,أو كان تلقي منه هدية قبيل رفع الدعوي أو بعده و اذا كان بينه و بين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.العداوة والمودةوهنا يؤكد فقهاء القانون أن المودة والعداوة كسبب من أسباب الرد هي كلمات مرنة فالعداوة هنا هي التي لا تصل إلي مرحلة الخصومة والمودة هي أي صورة من صور المودة لا يصل إلي مرحلة المصلحة وهذا السبب هو أهم أسباب الرد علي الإطلاق وأكثرها شيوعا في العملوحتي تكتمل الصورة البحثية حول فكرة رد المحكمة نتساءل ماهي أجراءات طلب الرد؟المادة152- تنص علي انه لا يقبل طلب الرد بعد اغلاق باب المرافعة في الدعوي,أو من سبق له طلب رد القاضي نفسه في ذات الدعوي, و لا يترتب علي طلبات الرد في هاتين الحالتين وقف الدعوي المنصوص عليه في المادة162 من هذا القانون و يسقط حق الخصم في طلب الرد اذا لم يحصل التقرير به قبل اغلاق باب المرافعة في طلب رد سابق مقدم في الدعوي اخطر بالجلسة المحددة لنظره متي كانت أسباب الرد قائمة حتي إقفال باب المرافعةكما يضيف خبراء القانون بان المادة153- تنص علي أنه يحصل الرد بتقرير يكتب بقلم كتاب المحكمة التي يتبعها القاضي المطلوب رده, يوقعه الطالب نفسه, أو وكيله المفوض فيه بتوكيل خاص يرفق بالتقرير,و يجب أن يشتمل الرد علي أسبابه و أن يرفق به ما قد يوجد من أوراق أو مستندات مؤيدة لهو علي طالب الرد ان يودع عند التقرير بالرد ثلاثمائة جنيها علي سبيل الكفالة و يجب علي قلم الكتاب تحديد جلسة في موعد لا يجاوز سبعة ايام من تاريخ تقديم الطلب ويوقع طالب الرد بما يفيد علمه بالجلسة و تختص بنظر طلب رد أحد قضاة المحاكم الجزئية, أو الابتدائية احدي دوائر محكمة الاستئناف التي تقع في دائرة اختصاصها المحكمة الابتدائية التي يتبعها القاضي المطلوب ردهو تختص بنظر طلب رد المستشار بمحكمة الاستئناف, أو بمحكمة النقض دائرة بمحكمة الاستئناف, أو بمحكمة النقض حسب الأحوال غير الدائرة التي يكون المطلوب رده عضوا فيها.كما نصت المادة156- علي القاضي المطلوب رده ان يجيب بالكتابة علي وقائع الرد و أسبابه خلال أربعة الأيام التالية لاطلاعهو اذا كانت الأسباب تصلح قانونا للرد و لم يجب عليها القاضي المطلوب رده في الميعاد المحدد أو اعترف بها في إجابته,أصدر رئيس المحكمة أمرا بتنحيه.القبول والرفضوما الاجراءات التي يجب أتباعها في حالة القبول أو الرفض؟المادة162 مرافعاتفي رأي القانونيين- تنص علي أنه يترتب علي تقديم طلب الرد وقف الدعوي الأصلية الي ان يحكم فيه,و مع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلا ممن طلب رده.. وعلي هذا فان هناك مسارين للدعوي في حالة طلب الرد المسار الاول ان يتم وقف اجراءات نظر الدعوي الي ان يتم الفصل في طلب الرد فهنا الدعوي ستتعطل وسيقرر القاضي وقفها انتظارا لحين الفصل في طلب الرد الذي قد يتأخر الي شهر او يزيد وهو ما يعيب هذا الطريق لكونه قد يتخذه بعض المتقاضين لاطالة امد التقاضيومن الممكن سلوك المسار الاخر وهو ان يقرر رئيس محكمة الاستئناف احالة الدعوي الي دائرة اخري تنظرها مباشرة دون انتظار الفصل في طلب الرد وميزة هذا المسار انه يضحد محاولات الخصوم اطالة امد التقاضي بيد انه قد يتخذه البعض سبيلا لابعاد الدعوي عن قاضا بعينه كأن يكون اشتهر عنه شدة الاحكام او العكس.بعد هذا الطرح يلح السؤال:ما هو موقف القاضي من طلب الرد ؟الاصل ان ثقة القاضي في نفسه لاتتزعزع فاذا كان طلب الرد مبنيا علي اسباب باطلة فلن ينال ذلك بكل شك من حياد القاضي فيما بعدكما انه يجوز للقاضي ان يطلب التعويض عن طلب الرد او يقدم بلاغا في صدد موضوع الرد اذا كان به ما يسئ ولكن حددت المادة165- اذا رفع القاضي دعوي تعويض علي طالب الرد أو قدم ضده بلاغا لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوي و تعين عليه أن يتنحي عن نظرها.
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق