السبت، 1 يناير 2011

صاحبة "بروكلين هايتس" : أمريكا ليست أرض الأحلام


بروكلين هايتس


نجيب محفوظ

الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي

كاتبة على موعد مع الجوائز؛ فقد اختيرت "الخباء" كأفضل رواية مصرية 1996، ثم حصلت الكاتبة على الجائزة التشجيعية عام 2000 عن روايتها "الباذنجانة الزرقاء"، بينما فازت "نقرات الظباء" بجائزة معرض القاهرة للكتاب، وأخيرا حصلت "بروكلين هايتس" على جائزة نجيب محفوظ للرواية، وهي المرشحة ضمن القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" العربية.
التقى "محيط" بالكاتبة ميرال الطحاوي، التي ترفض لقب "أديبة الصحراء" وتدرس الأدب العربي بجامعة نورث كارولينا بأمريكا ..
محيط : هل تكتبين نفسك في رواية "بروكلين هايتس" ؟
- بطلة الرواية "هند" بالفعل تتلاقي معي، فهي سيدة في منتصف العمر تسافر لتعمل بالترجمة، ولكنها ليست بطلة العمل الوحيدة، لأن البطل الحقيقي هو عدسة العين التي تلتقط أحوال المهاجرين في هذا الحي الأمريكي . وبالتالي فمتن الرواية ليس عن هند أو الزوج، إنما تجسد حال الإنسان عندما يختار هوية بديلة، فهل إذا قررت امرأة أن تبدأ حياة جديدة سيتحقق ذلك؟.
"هند" طوال الوقت تلتقي بنساء، يقضون لديها على فكرة التميز والتفرد التي يطمح إليها كل إنسان، فأصبحت ترى نفسها في مراياتهم، وكل حين تلتقي بجزء منها في أخريات غيرها، فتقابل السيدة الروسية التي تقول لها أن كل العجائز يتشابهون، ولتكتشف أيضا أن الحياة مليئة بالأسى.
وهذه البطلة حملت معها في الغربة ذكرياتها وطفولتها ، وهو حال كل مغترب يجد في حقائب ذكرياته هويته الوحيدة ، والرواية بالتالي مليئة بسيدات يشبهن مرايا للبطلة وبالطبع لسن جميعا أنا .
بروكلين هايتس
محيط : في روايتك يصبح القهر واحد شرقا وغربا .. كيف ؟
- حين سافرت لم أتصور أن هناك مقهورين على الاطلاق، فرحلتي إلى امريكا كانت مشبعة بصورة نمطية عن الحياة هناك، تلك الحياة القائمة على الحرية والحلم والتحقق والتغيير.
لكنني وجدت أن الفرد في الغرب مطحون، وقوارب الأحلام التي ذهبت لأمريكا لم تنجُ كلها، لأن قليلين ممن سافروا استطاعوا تحقيق أحلامهم، لكن الغالبية تفرم في مفرمة يومية اسمها الرأسمالية العتيقة.
الغرب به أيضا كما الشرق قسوة في مفردات الحياة اليومية، ويكفي أن مدينة نيويورك بها أكبر عدد من المشردين ممكن أن تحظى بهم مدينة في العالم، لأنه مجتمع يصعد فيه الأقوياء، كما أن الحرية لديهم ليست حرية مطلقة كما نتصور، ولديهم أيضا تعصب ديني وبالتالي هناك تعصب مضاد، لكن الفرق بيننا وبينهم هو في احترام القانون الذي ينظم العلاقات بين الناس ويطبق على الجميع.
وكما أننا في الشرق نملك صورا نمطية جاهزة عن الغرب، هم أيضا يفعلون نفس الشئ، فيطلقون علينا "الشرق المطحون"، وحين اتحاور مع الطلبة أثناء المحاضرات أكتشف أن صورة المرأة العربية لديهم أنها تُضرب باستمرار، كما أنها أداة للجنس، رغم أن هذا ليس قاصراً على المرأة العربية فقط، ففي الغرب هناك أيضا عنف موجه ضد النساء.
محيط : إذن ما جسور تلاقي الشرق والغرب برأيك ؟
- أول الجسور برأيي هي الترجمة وهي جسر عرفه العالم منذ قرون، هي التي صنعت الحضارة الإسلامية الكبرى، كما أعادت تصديرها للغرب للاستفاة منها، وهي أيضاً قيمة من قيم التواصل الإنساني التي ينبغي أن نضعها في اعتبارنا.
في كلمتي التي ألقيتها بالجامعة الأمريكية حين فزت بجائزة نجيب محفوظ للأدب، تحدثت عن المترجم فهو ليس خائنا أو جاسوسا، بل هو يشقى لفهم ثقافة مختلفة ويقوم بنقلها، ومن الصعوبة فهم النص العربي المتلون، الملئ بالرمزية والمترادفات، وقد بدأت بعض المؤسسات تتجه لدعم الترجمة مثل جائزة البوكر، والمركز القومي للترجمة، ومشروع الشروق- بنجوين وغيرهم، ورغم أن كل ما يترجم هو في صالح الثقافة العربية، إلا أن ما يعيب أحوال الترجمة لدينا أننا نتكأ على لجان، وغالبا تكون اختيارات هذه اللجان للنصوص غير موفقة، ومع ذلك يجب ألا ندين الترجمة بسبب اخطاء ترتكب.
وأقصى أمنياتي أن أخلق من الدفعات التي أدرس لها بأمريكا مترجما جيدا يهتم بالثقافة العربية ويقوم بدوره في وصل المعسكرين أحدهما بالآخر.
محيط : لماذا يتلازم الحنين والتمرد في قلمك ؟
- نعم، لأني أكتب وأصف مجتمعات قديمة مثل مجتمع البدو أو عالم العائلات الكبيرة، وعادة من يستعيد عالم منتهي يكون به حنين، حتى الكتابة عن القاهرة القديمة يغلفها الحنين، لكننا ابتعدنا عن تلك المفردة بسبب ضغوط الحياة .
والحنين عندي يعني الرغبة في استعادة الماضي وامتلاكه، أما التمرد فهو رغبة في التغيير، ومع الأسف ثقافتنا اللغوية أصبحت تدين تلك المفردات وكأنها وصمة عار، رغم أن كل النصوص الأدبية المتميزة بها حنين، بدء من "مائة عام من العزلة" لماركيز، وكذلك كتابات إبراهيم الكوني.
وقد كانت رسالة الماجستير الخاصة بي عن التمرد والاغتراب في النص القصصي في أدب الستينيات، لأن الاغتراب وجوديا يولد الحنين، وأحيانا لا نحتاج إلى السفر ليحدث ذلك.
محيط: هل يعجبك وصف "أديبة الصحراء"؟
- توصيف غير صحيح من الناحية النقدية، لأنه يتماشى مع ما افترضه النقاد ، أن القاهرة متن وما سواها في مصر هامش، ولكن مع ظهور كتابات جيل التسعينات اختلف الأمر، فقد كتبت عن الشرقية التي شهدت طفولتي، وكتب حمدي أبو جليل عن الفيوم، ومسعد أبو فجر عن سيناء، وحجاج ادول كتب عن النوبة، فاكتشف النقاد أن هذه المجتمعات التي يسمونها هامش هي مصر الحقيقية ، وتشكل نسيجها .
ارتبطت أجيال كثيرة من الكتاب بتجربة نجيب محفوظ وحاولوا استلهام الحارة، لكنني لم أرغب في إعادة انتاج شئ قديم، ولم يكن بإمكاني فعل ذلك لأنني لست ابنة القاهرة، فقررت الإخلاص لعالمي، حين نشرت رواية "الخباء" قال النقاد أنها كتابة صحراء، وهي ليست حقيقة لأنني لم أعش في خيمة مطلقا، لكن الخباء هو معنى رمزي يشير إلى مكان النساء في الخيمة البدوية، وأحكي فيه عن عوالم النساء التي لم يرها أحد، وهي مفردة استلهمتها من قراءاتي للشعر العربي الذي يبكي على الأطلال، عبر تذكر الشاعر لخباء حبيبته، وليس الخباء في التراث العربي فقط، بل في كل الثقافات.
وجدت أن المرأة وصفت كثيرا من قِبل الرجل، وحين بدأت الكتابة كنت أبحث عن ماذا أضيفه، ولذلك ولجت إلى عالم النساء.
نجيب محفوظ
محيط: هل قلت أن فوز محفوظ بنوبل مكافأة اعتراف مصر بإسرائيل ؟
- لم أقل هذا، بل هو تعليق نُقل بشكل خاطئ، واعتذرت صحيفة "أخبار الأدب" عن نشره، فقد كنت أحاضر في أحد المؤتمرات عن الدوافع السياسية وراء الترجمة، واقتطعت أجزاء من المحاضرة فخرج الحديث عن سياقه، ثم تم التوضيح، وحينها كان لا يزال أديب نوبل محفوظ حياً، وتحدث معي عبر الهاتف وقال لي أنه لا داعي لتلك الضجة المثارة، فقد كان لطيفاً للغاية وأوسع صدراً من الجميع.
لكن في ثقافتنا وموروثنا هناك دائماً محاولات لإفساد الفرح على الآخرين، خاصة أني لست الوحيدة التي اتهمت بذلك، فكل كاتب يأتي بسيرة نجيب محفوظ يجلد، وقد كتب حلمي النمنم فيما سبق مقالاً جاء فيه أن حواريي نجيب محفوظ يفتعلون مشكلات، ويزجون باسمه في معارك لا قبل له بها كما أن هناك تصفية حسابات تتم باسم محفوظ، وفي النهاية ليست هذه هي الصحافة التي نريد.
ونجيب محفوظ برأيي هو الأب الذي نريد أن نتخطاه ونكتب أفضل منه، أو مختلفاً عنه، فكل الكتابات التي جاءت بعده كانت تبحث عن مكان بجواره، ورغم صعوبة تحقيق ذلك إلا أن الأبناء لا يكفون عن الكفاح لإيجاد مكانأ بجوار الأباء، وهي مسألة تاريخية محسومة خاضتها كل الأجيال، وليست عقوبة أن رجلاً بحجم موهبة محفوظ يظل صامداً لا يمكن تخطيه.
محيط: البعض يتهمك بمغازلة الغرب لترجمة أعمالك ؟ - لا أحد يكتب وعينه على الترجمة، كما أنه لا يوجد نص عربي يخاطب الغرب، رغم أن هذا مقبول، ولا غضاضة ان نكتب للغرب بل هو شئ مطلوب، كما فعل حامد عبد الصمد وكتب روايته بالألمانية . لكن كل كاتب يكتب للغته، لأنه يكتب عنها، وهل حين تُرجمت روايات بهاء طاهر، أو "عمارة يعقوبيان" للأسواني، أو "عزازيل" لدكتور يوسف زيدان هل كانوا يكتبون عن الغرب؟ .
أرى أنها روايات تناولت موضوعات يحتاج الغرب لمعرفتها، وفي الخارج هناك دقة أكبر في اختيار النصوص التي تترجم طبقا لقوائم البيع وحركة النقد والتأثير ، وهو سبب ترجمة أعمال نجيب محفوظ أيضا .
محيط : هل تتوقعين الفوز بجائزة البوكر؟ - "بروكلين هايتس" أهدتني فرحة حقيقية بعد مخاوف وانقطاع عن الكتابة، والجوائز تصنع جسرا بين الكاتب وقارئ محتمل، لا يعرفني و لا أعرفه . أذكر أنني أرسلت بمخطوطة الرواية إلى صديقي عزت القمحاوي لترددي في نشرها، لكنه تحمس جدا وقال أنه سينشر فصلا منها في "اخبار الادب"، أيضاً تحمس لها الناشر محمد هاشم ونشرها حتى بدون أن أراها وقد كان متعجلاً حتى تلحق الرواية بالبوكر. وسعادتي هذه الأيام نابعة من التحقق الذي شعرت به ، كما فرحت بوصول الرواية للقائمة القصيرة للجائزة، ولكني مازلت مؤمنة أن نجاح النص "قسمة ونصيب" .
البوكر أحدثت في وقت قصير حراكا أدبيا ولجنة تحكيم هذه الدورة لها مصداقية عالية بين المتابعين، وهذا ما يجعل الفوز بها سعادة للكاتب. وأتمنى أن تظل الجوائز محفزة للكتابة الجيدة وأن تبتعد عن العصبيات الاقليمية الضيقة، فكلنا نكتب تحت مظلة لغة واحدة هي ما تبقى من روابط بين العرب، وسأفرح لمن يأخذ الجائزة ممن يستحقونها .
محيط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق