تجارة السلاح من أكثر أنواع التجارة المنتشرة في مناطق كثيرة من العالم فهي ثاني تجارة مربحة بعد المخدرات وكلتاهما مجرمة بالقانونوالمشكلة ليست في تجارة السلاح لأنها ظاهرة موجودة في كل المجتمعات منذ القدم ولكن المشكلة في أن المجتمع بأفراده سيطرت عليه في السنوات الاخيرة فكرة العنف واستخدام السلاح للحصول علي حقوقه دون انتظار لتطبيق القانون- إن كان له حقوق- الكثيرون يؤمنون بان السلاح هو الشرف والإنسان بدونه عاجز عن الدفاع عن نفسه وارضه وبيته وماله واسرته.لم نكن نتحدث عن استخدام السلاح الناري والالي إلا في حالات محدودة و في جرائم الثأر بصفة خاصة في السنوات القليلة الماضية فوجئنا بكثرة الجرائم التي يستخدم فيها السلاح الناري في انهاء النزاعات التي بطبيعتها مدنية, وتزايد الحديث عن تجارة السلاح باعتبارها جوهر المشكلة, ولكن لم يتساءل أحد عن الأسباب التي كانت وراء استخدم السلاح في هذه الجرائم, فالحصول علي السلاح منذ وقت طويل سهل جدا, والناس كانت تقتنيه للإحساس بالأمان ولكن لا تلجأ إلي استخدامه, ماذا حدث في المجتمع المصري؟, معدل أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية في السنوات الخمسين الأخيرة لم يتعد(78) حكم اعدام, في حين شهد العام الماضي عام2009 صدور(245) حكم إعدام وفي شهر يونيو فقط من نفس العام صدر فيه(75) حكم اعدام, لماذا ارتفع معدل صدور احكام الاعدام في المجتمع, ظاهرة يجب ألا تمر دون تحليلها, بل إن السكوت عنها وعدم دراستها والبحث عن حل لها في حد ذاته يعد جريمة, المجتمع يدخل في مرحلة من العنف المتزايد سيأكل الأخضر واليابس, لماذا انتشرالسلاح والعنف في مجتمعنا بهذه الصورة المخيفة.يري اللواء محمد عبد الفتاح عمر عضو مجلس الشعب والخبير الامني أن اقتناء السلاح ظاهرة قديمة منذ الأزل, بل انه عادة وموروث قديم وعدد كبير من الناس يحتفظ بسلاح او أكثر معهم في منازلهم, ولا يصح ربط جرائم القتل التي يستخدم فيها السلاح الناري بتزايد تجارة السلاح في الفترة الاخيرة, كما أن ربط توافر السلاح في الوجه القبلي بظاهرة الثأر اكذوبة, لأن عادة الثأر موجودة في الوجه البحري مثلها مثل الوجه القبلي والدليل علي ذلك أن أكبر مذبحة حدثت العام الماضي حدثت في عزبة الكلاف في قرية ميت العطار بالقليوبية والتي راح ضحيتها12 شخصا في تبادل لإطلاق النيران بين عائلتين, وأضاف عبد الفتاح أن قانون الأسلحة والذخائر رقم(345) لسنة1952يحظر تماما حمل الأسلحة الآلية ونصف الآلية تحت أي مسمي ولأي شخص وحتي عام1995كان مصرحا لأعضاء مجلسي الشعب والشوري بالاحتفاظ ببندقية آلية وبمرور ذلك العام تم سحب هذه البنادق من النواب والاكتفاء بالتراخيص العادية. ومع هذا فقد يلجأ البعض إلي الاحتفاظ بالسلاح الآلي بحكم العادات والتقاليد.متابعة الأحداثويؤكد اللواء فؤاد علام الخبير الأمني ومدير مباحث أمن الدولة السابق ان تجارة السلاح في مصر طول عمرها موجودة ولكن هل نسبة زيادة تجارة السلاح زادت بالنسبة للجرائم الأخري ام لا, الجهات الأمنية هي الوحيدة التي تستطيع تحديد ذلك, ولكن من متابعة الأحداث هناك زيادة في جرعة استخدام العنف الذي أصبح سمة من سمات المواطن المصري في سلوكياته بما فيها استخدام السلاح الناري والأمر يحتاج إلي دراسة اجتماعية وعلمية وأمنية لبحث سبب تغير سلوكيات المواطن المصري نحو العنف, فهي ظاهرة واضحة كالشمس, فالنزاعات التي كانت طول عمرها مدنية تحولت الي جنائية.وحذر علام من ان الأخطر والقنبلة الموقوتة التي ستنفجر في المجتمع المصري خلال خمس او ست سنوات علي الأكثر وستحيل المجتمع إلي فوضي من ناحية ارتكاب الجرائم اطفال الشوارع الذين اصبحوا ملايين سيصبح لدينا مجرمون عتاة مجردون من كل القيم والمبادئ والمشاعر وكلهم انحراف بمعني الكلمة وهم الخطر القادم, وحول زيادة نسبة المسجلين الخطر في المجتمع, قال اصبحت ظاهرة للبلطجة لا يستطيع احد ان ينكرها, كان في الماضي المفرج عنهم من السجون يتم رعايتهم من خلال جمعيات رعاية المسجونين واسرهم.وتري الدكتورة عزة كريم استاذ علم الأجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن المشكلة ليست في تجارة السلاح ولكن في الأسباب التي كانت وراء هذه الجرائم التي استخدم فيها سلاح, واضافت أن سبب وجود تلك الأسلحة لدي المواطنين هو اعتقادهم بضرورة استخدامها في الدفاع عن النفس وذلك نتيجة حدوث ضغوط وتغيرات اقتصادية واجتماعية في المجتمع المصري كانت السبب الرئيسي وراء ظهور واستخدام السلاح بكل هذا القدر, فنسبة كبيرة في المجتمع تعاني من مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية بجانب غياب مفاهيم العدالة وافتقاد الثقة من الأفراد تجاه أجهزة الدولة ومؤسساتها في تحقيق العدالة أو تأخرها, واتجاه كل فرد لأخذ حقه بيده.أكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني أن هناك حيازة سلاح في مصر بصورة كبيرة, وأن تجارة السلاح تعتبر من أهم أنواع التجارات المنتشرة في كل مناطق العالم لما تدره علي اصحابها من مكاسب مالية فهي تجارة كأي تجارة أخري تعتمد علي عملية العرض والطلب وارجع اليزل زيادة الطلب علي السلاح الي زيادة البلطجة والعمليات الاجرامية في السنوات الاخيرة فالبلطجة الآن أصبحت مهنة والبلطجي له مكانه الآن في المجتمع وله أجر يحصل عليه.واشار إلي ان مصادر الحصول علي السلاح متعددة معروفة وأغلبها من بقايا مخلفات الحروب السابقة ومن خلال الاسلحة المهربة من سيناء وعن طريق استخدام الحدود الوعرة والصعبة مثل حدود مصر والسودان التي تم رصدها خلال السنوات الماضية, حيث يتم تهريب الأسلحة بكميات كبيرة بمختلف أنواعها سواء مسدسات أو آلي أو الرشاشات القصرة أو الرشاشات العوز الاسرائيلية واسعارها تتراواح بين1800 جنيه و6000 جنيه, وهناك اسلحة تصنيع إيطالي وألماني وصيني وبلجيكي واسباني وامريكي بالإضافة إلي الاسلحة التي يتم الحصول عليها من جرائم سرقة الأسلحة من المخازن الرسمية وغيرهم من تجار الأسلحة, ومن سرقات المنازل والأسلحة الخاصة بالضباط, ومخازن الطب الشرعي بما فيها من الأسلحة التي استخدمت في جرائم سابقة, وهناك أسلحة نارية محلية الصنع يتم تصنيعها وصيانتها في أنحاء متفرقة بمصر, مثل المسدسات المصنعة محليا ولا يتجاوز ثمنها300 جنيه وهو تصنيع بدائي وموجود في الأغلب في الصعيد, وبالطبع ساهم سعرالسلاح الرخيص في انتشاره حيث يتراوح ثمن البندقية الآلية الجديدة ما بين4 و6 آلاف جنيه, ويقل الثمن للنصف بالنسبة للبندقية المستعملة وللحد من هذا الانتشار المبالغ فيه للسلاح لابد من تطبيق القانون بشكل فوري وحاسم وتغليظ عقوبة حيازة السلاح بدون ترخيص لتكون رادعة والأهم تنفيذها خاصة اننا مقبلون علي انتخابات مجلسي الشعب والانتخابات الرئاسية والجميع يعلم ما يحدث فيها من صراعات ومشاحنات يستخدم فيها السلاح بصورة كبيرة.النزاعات والخلافاتيري الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي أنه في السنوات الأخيرة هناك احساس عام بعدم الأمان في شتي مناحي الحياة لأن القانون لم يعد الفيصل في حل النزاعات والخلافات التي تنشأ بين أفراد المجتمع أو تأخر سنوات التقاضي لدرجة رحيل أصحابها قبل صدور الحكم فيها, وانشغال الأجهزة الأمنية بالأمن السياسي أكثر من الامن الاجتماعي, فعلي مستوي رجال الأعمال أغلب مصالحهم يتم حسمها من خلال استخدام القوة الذاتية لديهم, فمثلا في الصحراء الغربية كان هناك نزاع علي قطعة أرض بين جمعية مستشاريين وجمعية طيارين قامت معركة عسكرية بين الطرفين تم فيها تأجير بلطجية من الطرفين قتل فيها(22) شخصا وحكم علي(11) آخرين بالإعدام, ومن أبرز الأمثلة في السنوات الأخيرة التي تكشف الإفراط في استخدام السلاح حادث مقتل الفنانة ذكري علي يد زوجها الذي انتحر بعد أن قتل مدير أعماله وزوجته بـ(81) رصاصة وقد كانت رصاصة أو رصاصتان تكفي لكل منهما, وفي الصعيد في محافظة المنيا عام1998 دارت معركة بين عائلتين بالأسلحة الآلية سقط خلالها24 قتيلا, وايضا مذبحة بيت علام التي وقعت في عام2002 بمحافظة سوهاج وراح ضحيتها22 شخصا بسبب خلافات بين الأسرتين ترجع لعام1990, وفي السنوات الأخيرة انتشرت جرائم القتل الأسري بصورة مفزعة والأمثلة كثيرة.واشار المهدي إلي أن معدل الجريمة زاد بشكل واضح في عام2009 حيث صدر(245) حكم اعدام ففي شهر يونيو فقط من نفس العام صدر(75) حكم إعدام, وفي السنتين الاخيرتين صدر حكم باعدام(11) شخص في جلسة واحدة, في حين أن معدل احكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم المصرية في السنوات الخمسين الأخيرة لم يتعد(78) حكم اعدام.وأرجع تزايد العنف في المجتمع للضغوط الاقتصادية والاجتماعية والبطالة والتلوث والعشوائيات وفقدان الأمل والجمود السياسي فالناس اصبحت تمارس العنف علي اتفه الأسباب, أضف إلي ذلك سكان العشوائيات والمقابر الذين يقدر عددهم بحوالي30% من الشعب المصري ويعيشون عيشة غير سوية سواء صحيا اوبيئيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا ومن9 إلي12% عاطلون فضلا عن أكثر من مليون طفل من أطفال الشوارع, هذه التركيبة الاجتماعية اذا توفر لها سلاح في ظل هذه الظروف ومع الغضب المتراكم ستكون نتائجه كارثية, ولفت الانتباه إلي أن المجتمع يدخل مرحلة من العنف المتزايد مع توافر السلاح وسهولة استخدامه في وقت احيلت فيه كل ملفات المجتمع المصري للأمن.. المجتمع لو توافرت لديه النية والارادة والاصلاح, وقال إننا في حاجة إلي إعادة ترتيب البيت المصري من أوله لأخره, وطالب مؤسسات المجتمع المدني وخبراء علم النفس والاجتماع والأمن والمؤسسات الحكومية المعنية بجهد مستمر لرصد الظاهرة ووضع برنامج عملي لخفض درجة العنف في المجتمع حتي يتم الاصلاح الشامل.
الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق