قررت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بطلان العقد المزمع إبرامه بين المهندس أحمد المغربي، وزير الإسكان، وشركة الوحدة للاستثمار العقاري والسياحي التي تملك الحكومة الليبية 78% من رأسمالها، وبموجبه تم بيع مساحة 6 آلاف فدان من أراضي الدولة بمدينة القاهرة الجديدة للشركة، بغرض إنشاء مدينة "الفاتح" السكنية متعددة الأغراض بقيمة إجمالية 14 مليار جنيه، بواقع 600 جنيه فقط للمتر تسدد على 5 سنوات।وقررت الجمعية برئاسة المستشار د.محمد أحمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، عدم الاعتداد بجميع الموافقات السابقة على تخصيص مساحة الأرض للشركة، ومنها موافقة الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الصادرة في مارس الماضي.وكشفت مصادر قضائية مطلعة لـ"الشروق"، أن قيادات وزارة الإسكان كانت حريصة على تمرير مشروع العقد باعتباره من أعمال السيادة وتحكمه العلاقات الاقتصادية بين مصر وليبيا، مما يخرجه عن إطار القانون المصري الحاكم لعمليات التصرف في أراضي الدولة، لكن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، رأت أن الاتفاقية الموقعة بين مصر وليبيا لإنشاء مدينة "الفاتح" غير قانونية ومخالفة للدستور، ولم تعتد بها كسند لإتمام عملية بيع الأرض للشركة المنشأة برأسمال ليبي مصري مشترك.وأرسل المغربي إلى مجلس الدولة مشروع العقد لمراجعته، وذكر أن العقد مستند لاتفاقية التنقل والإقامة والعمل الموقعة بين مصر وليبيا عام 1999، واتفاقية تشجيع وضمانات الاستثمار الموقعة بين البلدين عام 1990، وكذلك مذكرة التفاهم الموقعة في العاصمة الليبية بطرابلس في ديسمبر 2008 بين الدولتين لتنفيذ مشروع مدينة الفاتح، وتضمنت المذكرة طلب الطرف الليبي من الطرف المصري تخصيص مساحة أرض بمدينة القاهرة الجديدة لإنشاء مدينة جديدة متعددة الأغراض، طبقاً لقرار تخصيص وتقسيم يصدر من الحكومة المصرية، بالإضافة إلى التزام مصر بإصدار قرار من السلطات المعنية ببيع قطعة الأرض نقداً أو بالتقسيط بسعر 600 جنيه للمتر على 5 سنوات، وإقامة شركة مشتركة وفق قوانين الاستثمار المصرية يكون للطرف الليبي 78% من رأسمالها، وللطرف المصري 22% مع تعهد الحكومة المصرية بمد شبكات المرافق مجاناً للمدينة السكنية الجديدة.وأوضح المغربي أنه تم تأسيس الشركة الليبية المصرية في يناير 2009 كشركة مساهمة مصرية، برأسمال إجمالي 100 مليون جنيه وحقيقي 10 ملايين جنيه تقرر زيادتها إلى 26 مليوناً، وفي مارس 2010 وافق مجلس الوزراء على تخصيص المساحة بالكامل لبناء مشروع المدينة وتم تفويض هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لتخطيطه وإعداد دراسة مالية للمشروع، فبلغت قيمته الإجمالية 14 مليار جنيه، وتم الاتفاق على أن تدفع الشركة 10% فقط من إجمالي هذا المبلغ فور توقيع العقد وتقسيط الباقي على 5 سنوات وفق اتفاقية التفاهم.وأرسلت وزارة الإسكان مشروع العقد لإدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة فقررت إحالته للجنة الفتوى الثانية التي رأت أن تعرضها على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، أعلى جهة إفتاء قانوني مصر، للفصل فيه وبيان مدى اتفاقه مع القوانين المصرية المنظمة لبيع أراضي الدولة والشراكة مع الدول الأجنبية.وقال المستشار محمد عبد العليم أبو الروس، نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس المكتب الفني للجمعية العمومية، أنه تبين للجمعية أن مذكرة التفاهم تنطوي على معاهدة دولية بين مصر وليبيا لإنشاء شركة مشتركة في أرض دولة منهما، مما يدخلها في نطاق ما عبر عنه الدستور في الفقرة الثانية من المادة 151 بـ"معاهدات التجارة الدولية" باعتبار أن الشركات المنشأة بموجب المعاهدة تعد من الأعمال التجارية الدولية.وأضافت الفتوى أن مشروع العقد خالف الأوضاع الشكلية التي أرستها المادة 151 من الدستور حيث وقع على المشروع المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان، رغم أنه لم يفوض من رئيس الجمهورية بذلك، حيث إن الرئيس مبارك هو المختص دستورياً دون غيره بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية، ومن ناحية أخرى خالف مشروع العقد القانون العام بعدم عرض الاتفاقية المصرية الليبية على مجلس الشعب، وبالتالي تكون هذه الاتفاقية فاقدة لسندها الدستوري كمعاهدة دولية، ولا تصلح لتكون سنداً لهيئة المجتمعات لإتمام التعاقد.وشددت الفتوى على أنه لا يمكن الاعتراف بقانونية هذه الاتفاقية، إلاّ إذا تم استيفاء هذه الإجراءات الشكلية بتصديق رئيس الجمهورية ومجلس الشعب عليها، ولا ينال مما تقدم موافقة مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم، لأن هذه الموافقة ليس لها أي أثر قانوني إلاّ في الحدود التي قررتها المادة 138 من الدستور والتي أوجبت أيضاً على رئيس الجمهورية عند ممارسة اختصاصي توقيع المعاهدات الدولية أخذ رأي مجلس الوزراء، كما لا يمكن الاعتداد أيضاً بالقول إن مذكرة التفاهم استندت إلى اتفاقيات سابقة وافق عليها مجلس الشعب، لأن العبرة فقط بتصديق مجلس الشعب على الاتفاقية الجديدة التي تنص على إنشاء الشركة وتخصيص أراضي الدولة لها.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق