حضر من الريف للمدينة في سن صغيرة ليعمل في السينما.... كان أول عمل له في السينما يتمثل في حمله لآلة عرض متهالكة مع مجموعة من قصاصات الأفلام ليجوب بها أنحاء الريف التركي عارضا السينما علي الريفيين مقابل القليل من النقود
فلقد هرب من فقر الريف لتعيده السينما إليه من جديد, ليظل داخله إلي الأبد. لا يستطيع أحد أن يتطرق للسينما التركية دون الحديث عنه, هو أحد أكبر الرموز لسينما تركيا و سينما الأكراد.. جاء من قاع المجتمع التركي ليعبر عنه, فهو ليس ابن أحد المهاجرين في أوروبا, تعلم السينما في المدارس الأوروبية و أنتج كل أفلامه بأموال الغرب, بل جاء من تراب الوطن تركيا الأم و مات مدافعا عن الحرية لآخر لحظة في حياته. رغم أن المخرج التركي يلماظ جوناي يعمل في مجال السينما منذ عام1958 كممثل وكاتب سيناريو ألا إن أوروبا لم تتعرف علية إلا في أوائل السبعينيات عن طريق فرنسا.. هذا المخرج ـ المولود عام1937 بشرق تركيا لأبوين كرديين- حكم عليه بالسجن لمدة18 شهرا عام1961 بتهمة الدعاية الشيوعية,( نشر رواية صنفت علي أنها شيوعية), وبعد خروجه من السجن عاد إلي التمثيل ليصبح ممثلا محبوبا, وليطلق عليه الجمهور لقب( الملك القبيح) حيث تخصص في أدوار الشر, بعد خمس سنوات فقط قام خلالها بتمثيل أربعين فيلما.وشهد عام1968 تحولا مهما في حياته, حيث ترك التمثيل واتجه للإخراج فقط دون أن يشارك في البطولة.. وتخصص في أفلام التحليل الاجتماعي والسياسي التي وضح فيها تأثره بالواقعية الجديدة الإيطالية, أهم أفلام تلك الفترة الأمل1970 الذي يدور حول عاملين فقيرين يعتقدان أن هناك كنزا مدفونا تحت أرض منزليهما, فيتناوبان ورديات الحفر بحثا عنه دون جدوي بالطبع.وفي عام1972, يسجن جوناي مرة أخري لمدة عامين لأنه ساعد أحد المتظاهرين اليساريين علي الفرار من قوات الأمن, وبفضل حركات التضامن الثقافية والفنية معه صدر قرار العفو عنه بعد ستة أشهر فقط قضاها في السجن, وعاد للعمل بإخراج فيلم القلق عام.1973لكن يبدو أنه علي موعد دائم مع السجن, فقد قابل بالصدفة القاضي الذي حكم عليه فاشتبك معه, وتم القبض عليه, وفوجئ جوناي بتوجيه تهمة القتل له, فقد قتل القاضي و تم اتهامه بقتله, ليحكم عليه بـ24 عاما مع الشغل والنفاذ, خفضت إلي18 عاما كاملة رغم عدم ثبات التهمة عليه.ولم ينل ذلك من عزيمة المخرج الكبير, فأنشأ من وراء الأسوار شركة لإنتاج الأفلام يديرها أصدقاؤه في الخارج, وبدأ في كتابة السيناريوهات مع إضافة تعليمات الإخراج عليها لينفذها مساعدوه خارج السجن.. وفي1978 زاره المخرج الأمريكي الكبير أليا كازان في سجنه, وكانت هذه الزيارة بداية الاهتمام العالمي بقضيته التي تحولت إلي احدي قضايا حقوق الإنسان, وكتب جوناي سيناريو فيلميه القطيع1978 و العدو1980 بشكل مفصل, وحدد فيها حجم اللقطات وحركتي الكاميرا والممثلين ونوع الإضاءة ونفذ مساعده زكي اوكتن هذة التعليمات حرفيا.. وعرض فيلم القطيع في فرنسا عام1980, وتوافق عرضة مع نشر ملف عن المخرج جوناي في مجلةبوزيتيف السينمائية الفرنسية الشهيرة.. فبدأ الرأي العام في أوروبا كلها يهتم بهذا المخرج الذي يسجل سابقة بالعمل من وراء أسوار السجن.وفي1981, دبر الجيش التركي انقلابا عسكريا واستولي علي الحكم, فدخلت مفاوضات الإفراج عن جوناي في طريق مسدود.. ولكن الضغط الدولي أدي إلي نقله لسجن اقل قسوة يعمل فيه المساجين مقابل اجر ويسمح لهم بزيارة ذويهم عدة مرات في العام.. وكانت هي تلك الفرصة التي سمحت لجوناي بالهرب إلي سويسرا, حيث حضر لفيلمه الشهير يول- الطريق من إنتاج مشترك مع سويسرا.. ونفذ تعليماته في إخراج الفيلم هذه المرة مساعده شريف جورين علي الأراضي التركية.
الاهرام المسائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق