
هل يمكن أن يفرق وطن بين أبنائه؟ وهل تستطيع جماعة أن تلجأ للخارج لتنتصر علي فئة أخري من أبناء نفس الوطن؟! للأسف هذا ما يهدد مصر الآن॥ فأحداث نجع حمادي أحدثت شرخاً في الجسد الواحد.. تصور الأقباط أنهم أقلية مضطهدة وتخيل المسلمون أن شركاءهم في البلد يستقوون بالخارج فتخاف منهم الدولة والحكومة। السنوات الأخيرة شهدت أحداث فتن كثيرة بين قطبي الأمة.. ودائماً يدور الصراع حول علاقة عاطفية.. فإما قبطية أحبت مسلماً وفرت معه. وإما مسلماً راود مسيحية عن نفسها أو طاردها بمعاكسة فجة.. وفي الحالتين تكون الثورة والثأر والمظاهرات. الفتن كلها نشبت في الصعيد حيث يتوج الشرف بين المسلمين والمسيحيين علي أنه تاج الفضائل والتقاليد.. الشرف غال في مصر كلها. لكن في الجنوب إذا مسه الضر فلا يغسله إلا الدم. بعد كل حادث في الصعيد أو القاهرة أو الإسكندرية أو أي محافظة أخري يتم عقد مجالس صلح أو التي يطلق عليها المجالس العرفية حيث يتبادل الأقباط والمسلمون تقبيل الرءوس واللحي. ويا دار ما دخلك شر.. لكن الشر يظل موجوداً يستيقظ أو يغفو أو ينام كما يحلو له.. وعندما ينقض تقوم القيامة.. يشتبك شباب قبطي غاضب مع مسلمين ثائرين وترتفع القبضات وتسمع التهديدات.. وفي النهاية تسمع من يقول "صلي علي النبي" أو "مجد المسيح".. ويتم العناق ثم يمضي كل إلي حال سبيله. المسلمون والمسيحيون يعرفون أن هذا وطنهم لا بديل عنه.. بحلوه ومره عليهم أن يتعايشوا عليه.. ثقافة المصريين وحضارتهم الممتدة عبر آلاف السنين جعلتهم يدركون أن المعاملات اليومية بين المسلم والقبطي وزمالة العلم في الكليات والمعاهد وتقارب الوحدات السكنية في بنايات. كلها لا تفرق بين من يعتنق المسيحية أو يدين بالإسلام. غير أن أهم ما ينزعج له المصريون الآن هو تسلل مفاهيم دينية خاطئة إلي نفوس المسلمين والمسيحيين علي السواء خصوصاً الشباب منهم وصغار السن..هذه المفاهيم تتحدث عن ثواب يحققه طرف علي آخر إذا انتزع منهم أحدا وضمه إلي عقيدته. ويتضاعف هذا الإحسان إذا كانت الغنيمة "رجلا أو امرأة" في سن الشباب. البعض الآخر يتمادي فيقول ان اغتصاب فتاة مسلمة أو مسيحية يكسر عين هذه الفئة أو تلك ويتسبب في الحاق الخزي أو الفضيحة بالأقباط أو المسلمين.. ومن ثم تحدث الثورة والانتقام.. فلا أحد ينكر ان حادث فرشوط الذي اغتصب فيه المسيحي فتاة مسلمة كان أحد أسباب ارتكاب مذبحة نجع حمادي لكنه لم يكن السبب الوحيد. ان المجتمع المصري تسكنه وتتحكم فيه مفاهيم خاطئة آن لها ان تنتهي وتزوي عن العقول.. فبعض المسلمين يري ان الأقباط ليسوا من أهل الإيمان وانهم ليسوا أصحاب رسالة سماوية. وبعض الأقباط يري ان المسلمين ليسوا من أهل الملكوت الأبدي الذي يختص به المسيح اتباعه ومريديه. وبدلا من أن يتعمق كل من المسيحي والمسلم في دينه طفقا يبحثان عن ثغرات الدين الآخر وبدآ يسعيان للمفاضلة بين هذا وذاك.. وبدأنا نسمع من يقول نحن من أهل الجنة وأنتم خالدون في النار والعكس صحيح مع ان الاثنين يجب أن يعلما ان الجنة والنار علمهما عند ربي والله أعلم بالمهتدين وهو من سيحاسبهم علي أعمالهم وعقائدهم وليس البشر الضعفاء. أما أنا فأتصور ان النار الحقيقية هي التي تهددنا في الحياة الدنيا.. نار يشعلها التطرف القبطي أو الإسلامي.. نار يدعو إليها من يريد إقامة دولة إسلامية دينية في مصر يصبح فيها الأقباط مواطنين درجة ثانية.. أو نار يشعلها الأقباط الذين أحيانا ما يشعرون بالضعف لكونهم أقلية فيستقوون بالخارج ويدعون القوي الكبري للتدخل في الشأن المحلي المصري لإنقاذ ما يزعمون انه اضطهاد للأقباط أو للأقليات الدينية. هذه هي النار الحقيقية التي تهدد الوطن بالدمار.. اللهيب إذا اشتعل لن يفرق بين مسلم وقبطي ولكنه سيأتي علي الجميع ويتركنا هشيما تذروه الرياح. إن هناك إجراءات عاجلة لابد من اتخاذها لمحاصرة هذه النيران قبل أن تشتعل وتأتي علي الأخضر واليابس في وطننا الأم. إن أخطر نتيجة لهذه النيران هي انقسام مصر أو بالأحري تقسيمها كما خططوا للسودان. وكما حدث في لبنان ويوشك أن يتم في العراق.. مصر قوتها في وحدتها الأرضية وتوافقها الديني والتاريخي.. وعفوا فإن التعديلات الدستورية التي أدخلت حقوق المواطنة المتساوية لجميع المواطنين لن تكون هي طوق النجاة الذي يتعلق به الأقباط والمسلمون للنجاة من النيران.. الدستور لن يكون عسكري المطافيء الذي يخمد نيران الفتنة. لكن يمكن أن يساهم قانون دور العبادة الموحد في ذلك بحيث تتساوي الكنيسة والمسجد عند بنائهما ويتمكن الأقباط من بناء كنائسهم وترميمها وتوسيعها دون معوقات إدارية. يمكن أن يحصل الأقباط علي دور سياسي أكبر في البرلمان وفي عدد الوزراء أو في المناصب القيادية العليا بالدولة.. وليس سراً أن اشتراك منظمات المجتمع المدني مع وزارة الداخلية في ملف الفتنة الطائفية سيكون مجدياً. ويعطي دلالة علي أن قضايا الوطن يتشارك الجميع في تحمل مسئوليتها سواء كان الأمن أو المجتمع المدني. وفي النهاية يحتاج الأمر إلي تنظيم التعليم الديني في المدارس وخصوصاً المرحلة الابتدائية وذلك للارتقاء بالسلوك العام للتلاميذ واقترانه بجهد تربوي صحيح يهذب النفس ويواجه سلبياتها. وأخيراً فإن القانون الرادع والعقوبات الشديدة وسرعة إنجاز القضايا وتقديم المتهمين - أياً كانوا - للمحكمة يكفل عدم ظهور فتن أخري قدر الإمكان .
الجمهورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق