الأربعاء، 13 يناير 2010

نوال السعداوى : المرأة أيضا تفضل أن تشرب من كوب نظيف !!


قال الرجل لزوجته حين ضبطته مع زوجته الأخرى: تعدد الزوجات من حقى حسب شرع ربى، والجنس مثل الطعام والشراب، قالت زوجته: سأفترض معك أن تعدد الزوجات شرع ربك، وأن الجنس مجرد ضرورة مثل الشراب، فإن كان الأمر كذلك فأنا أفضل أن أشرب الماء من كوب نظيف.
لم يعرف كيف يرد الرجل على زوجته، كلامها عين العقل، فالمرأة تشعر بالقرف من زوجها إن مارس الجنس مع امرأة أخرى فما بالنا بأكثر من امرأة، إنها تشعر بالغثيان إن اقترب منها فى الفراش، أو لامست يده صدفة يدها، يستعين الرجل بربه الأعلى ليبرر علاقاته الجنسية المتعددة، ثم يظن أن زوجته راضية، لا يفهم حقيقة مشاعرها، تعودت المرأة منذ نشوء العبودية أن تخفى مشاعرها تحت المساحيق المزيفة، تقابل زوجها بابتسامة بدلا من صفعة أو بصقة فى وجهه.
تخاف المرأة أن تفقد زوجها مورد رزقها إن كانت فقيرة، تخاف كلام الناس إن كانت ثرية، تخاف عقاب الله إن كانت مؤمنة بالله، تخاف الوحدة، تخاف الحرمان من أطفالها، وجميع أنواع الردع الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية والأخلاقية والأدبية والثقافية، أقل ما يقولون عنها إنها ليست أنثى طبيعية، يعنى مسترجلة شاذة، ليست زوجة صالحة، يعنى نشاز، ليست الأم المثالية،
ليست المرأة الفاضلة، إن كانت كاتبة فهى تكتب فضائح وليس أدبا مبدعا، إن كانت نشطة سياسيا فهى خائنة للوطن تتعاون مع الأعداء فى الخارج، أو على الأقل تقسم صفوف الجبهة الشعبية، تخلق أكذوبة اسمها قضية المرأة، تستوردها من الغرب والكفار أو الاستعمار والصهيونية.
أما زوجها الذى ينتقل فى الفراش من امرأة إلى امرأة فهو رجل طبيعى، مؤمن بالله والوطن، رجولته قوية تساوى أربعين حصانا، لا يلوث الرجل تعدد علاقاته الجنسية، لأنه ليس وعاء مثل الأنثى أو كوب ماء، ليس عود كبريت يشتعل مرة واحدة فقط، الرجل لا يعيبه إلا جيبه، إن امتلأ جيبه بالمال فهو طاهر شريف وإن كان زير نساء.
هذه القيم المزدوجة غير الأخلاقية، التى تحكم العالم، يؤمن بها أغلب الرجال من جميع الأديان والجنسيات والأحزاب والتيارات السياسية، حتى زعماء اليسار من كارل ماركس إلى ستالين وفلاديمير لينين، تصوروا أن الرجل لا تلوثه التعددية الجنسية، أما المرأة المتعددة فهى مثل كوب قذر يرفض الرجل أن يشرب منه.
دخلت التاريخ مقولة «لينين» للسيدة «روزا لوكسمبورج» حين وصفت الجنس بأنه مثل الطعام والشراب، قال لها: لو كان هذا صحيحا فأنا أفضل أن أشرب من كوب نظيف، هذه العبارة تم ترديدها على لسان الكثيرين من الأبطال فى الروايات الأدبية، فى الغرب والشرق.
أرسطو فيلسوف العقل فى اليونان (٣٨٤ - ٣٢٢ ق. م) تصور أن العبودية أمر عادل تتطلبه طبيعة العبد وطبيعة المرأة، اندرجت النساء والعبيد ضمن الحيوانات والأشياء، أصبحت الازدواجية الأخلاقية سائدة فى ظل النظام العبودى حتى اليوم، تجعل الأسياد عاجزين عن إدراك حقيقة العبيد كبشر مثلهم، وتجعل الرجل عاجزا عن إدراك حقيقة المرأة كإنسانة مثله، تشعر بما يشعر به، وتنفر منه إن عاشر نساء غيرها فى الفراش.
حتى يومنا هذا لم تندرج حقوق المرأة ضمن حقوق الإنسان فى الشرق والغرب.
يمارس الرجل تعدد الزوجات منذ العبودية دون أن يدرك ما تشعر به زوجته، فإن فعلت ما يفعل اتهمها بالفسق، دون أن يدرك فسقه، وهنا الخطورة، أن يستغرق صاحب السلطة فى الفساد لمجرد أنه صاحب السلطة، ثم يبرر ذلك سياسيا أو دينيا أو بيولوجيا.
كانت التعددية الجنسية للرجل والمرأة طبيعية فى المجتمعات القديمة قبل نشوء العبودية، ثم اكتشفت المرأة الزراعة والكتابة والأخلاق والإنسانية، سبقت المرأة الرجل فى إدراك المسؤولية تجاه المستقبل، كان الرجل يعيش يوما بيوم، لا يدرك المستقبل أو المسؤولية تجاه الأطفال، يمارس الجنس مع المرأة دون أن يدرك دوره فى إنتاج الأطفال، دون أن يدرك الأبوة،
كان يتصور أن قوى السماء هى السبب فى ارتفاع بطن المرأة بالجنين، أدركت المرأة مسؤوليتها تجاه أطفالها، تحملهم فى رحمها وتلدهم من جسدها وتحتضنهم وتطعمهم وتعلمهم، تطورت مشاعر الأمومة والمسؤولية الإنسانية قبل مشاعر الأبوة بسبب جهل الأب بدوره فى عملية الإخصاب،
كان الرجل البدائى يغتصب بناته ويأكل أولاده، كافحت الأم آلاف السنين لتهذب الرجل وتطوره ليصبح إنسانا وليس ذكرا، ساعد فى ذلك اكتشاف علم الأمبريولوجى أو علم الأجنة وعملية الإخصاب، أدرك الرجل دوره فى صنع الجنين، بدأ يتعرف على أبوته، تطورت الأبوة عبر آلاف السنين، لكنها لم تصل بعد إلى الإحساس الكامل بالمسؤولية والإنسانية مثل الأمومة.
كان طبيعيا أن تصبح الأم هى الآلهة المقدسة، فهى التى تصنع المستقبل، هى التى تحمى الأطفال من أن يفترسهم الرجال، هى التى صنعت الحضارة والإنسانية والعلم والفلسفة والمعرفة، ثم أشركت الرجل معها فى جميع الأنشطة والمناصب، بما فيها منصب الألوهية، ظهر فى التاريخ الآلهة الذكور إلى جانب الآلهة الإناث، هناك لوحة خالدة فى مصر القديمة تصور الآلهة الأم «نون» ضخمة الجسم يخرج من بطنها عشرات الآلهة ذكورا وإناثاً.
أصبح الرجال فى الحضارات الإنسانية القديمة متساوين مع النساء فى جميع نواحى الحياة العامة والخاصة، فى مصر القديمة والعراق وسوريا وفلسطين واليونان وغيرها، تغلبت الطبيعة والفطرة فانعدمت الفروق بين البشر،
شغلت النساء والرجال المناصب فى الدولة والدين والقضاء والطب والهندسة، لكن المرأة الأم سبقت الرجل فى اكتشاف المعرفة، «حواء» سبقت زوجها «آدم» فى اكتشاف شجرة المعرفة، سبقت الآلهة «إيزيس زوجها أوزوريس فى الفكر والنظام، سبقت الآلهة «معات» الرجال فى الحكم بالعدل، أما «أتينا» فى اليونان القديم فكانت إلهة الحكمة، والأمثلة كثيرة فى التاريخ على تفوق النساء على الرجال فى العقل والحكمة والمسؤولية الإنسانية والعدل والحرية.
علينا قراءة التاريخ، لنعرف كيف نشأ النظام العبودى، الطبقى الأبوى، كيف انقلبت الأمور فأصبح الرجل مسيطرا بقوة السلاح وليس الحكمة أو العدل، ضاعت حقوق الأم الأكثر معرفة والأقوى ضميرا وإنسانية، امتلك الأب وحده الشرف والنسب والمال والسلاح والسلطة المطلقة فى الدين والدولة والعائلة،
أصبح الرجل يشرع القوانين ويقرر القيم المزدوجة والكيل بمكيالين فى كل شىء، من قمة السلطة فى الدولة والجيش إلى غرفة النوم، أعطى الرجل لنفسه حريات متعددة فى كل المجالات بما فيها السياسة والجنس، ألزم المرأة بالوفاء له وأعطى نفسه حرية خيانتها.
حكمها بقانون الاحتباس، ألبسها حزام العفة ولم يلبسه هو، انطلق يعربد مع النساء خارج الزواج وداخله دون مسؤولية تجاه الأطفال والأسرة.
هنا بيت الداء، لقد انفصلت «المسؤولية» عن «القوة» منذ نشوء العبودية، كلما زادت «قوة» صاحب السلطة انكمشت «مسؤوليته»، ومن هنا نشوء الديكتاتورية والاستبداد فى الدولة والأسرة، ومعها قانون الحصانة للحكام فى مجال السياسة وللأزواج فى مجال الجنس.
أصبحت الزوجة تشرب من كوب غير نظيف كل ليلة دون اعتراض أو اشمئناط.

المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق