من منا لم يشاهد محطة مصر, ومبناها الإداري بحالته المتدهورة من الناحية المعمارية والإنشائية, وما كان يشكله من خطورة داهمة علي الأفراد, والركاب, والموظفين الموجودين به. نظرا لانتشار الصرف الصحي في البدرومات, والتدهور الإنشائي الواضح في عناصره الأساسية, بالإضافة إلي التوصيلات الكهربائية الخطيرة للغاية في ممراته, وعدم توافق المبني مع اشتراطات الدفاع المدني مما يشكل خطرا داهما في حالات الحرائق والكوارث!!هكذا كان الحال قبل أن يتولي الاستشاري العام للمشروع, وهو المركز الهندسي بكلية الهندسة ـ جامعة الإسكندرية مهمة تطوير المحطة, ضمن بروتوكول للتعاون وقعته وزارة النقل في ديسمبر2006 مع جامعة الإسكندرية بما تمتلك من خبرات متميزة في مجال التصميم المعماري, والديكوري والتصميمات الإنشائية والكهروميكانيكية, والتخطيط, والتنسيق الحضري, للقيام بالتصميمات التخطيطية, والمعمارية والداخلية اللازمة لتطوير محطة سكك حديد القاهرة( رمسيس), وذلك في إطار الخطة الحكومية الشاملة لتطوير هيئة السكة الحديد كخدمة مهمة, وحيوية للشعب المصري سواء كان في القاهرة أو الأقاليم.وقد توافقت رؤية وزارة النقل ـ آنذاك ـ مع مؤسسة السكة الحديد في إضافة مجموعة عناصر خدمية تدر ربحا مستقبليا علي المؤسسة, تمثل خطوة مهمة جدا علي طريق توفير التمويل الاقتصادي الذاتي اللازم لتسيير, وصيانة وإدارة المحطة, علي اعتبار أنها منشأة لها كيانها المستقل المعتمد علي مواردها الخاصة في توفير الخدمات العامة للجمهور, والتطوير المستقبلي لها, وللمنشآت المكملة لها مما ينعكس في النهاية في صالح عامة الجمهور.محوران للتطويراعتمدت خطة التطوير في محطة القاهرة( رمسيس) ـ كما يقول الدكتور محمد رفيق زاهر الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية, والمصمم الداخلي للمشروع علي محورين مهمين: الأول يقوم علي تطوير الساحة أمام مبني المحطة المواجهة للميدان في المساحة المحصورة بين المبني القائم, والسور الخارجي وهي المنطقة الواقعة داخل حدود ملكية الهيئة.. والثاني هو تطوير المبني نفسه داخليا وخارجيا ليوفر الخدمة للجمهور بصورة متحضرة وآمنة, سواء علي مستوي استخدام القطارات نفسها أو علي مستوي الخدمات اللائقة للركاب المستخدمين للمحطة, ولكي تنتقل المحطة كمبني وكخدمة, إلي محطة حضارية تليق باسم مصر, وبكونها من أقدم محطات السكك الحديدية في العالم.التوظيف الشامل للمبنيمن هنا, تم البدء في إعداد الدراسات اللازمة لإجراء ترميم ودعم, وتطوير, وإعادة توظيف شامل للمبني, وتزويده بكل المرافق, والخدمات, والشبكات الكهربائية الحديثة, وأنظمة الإنذار, ومقاومة الحريق, وإضافة سلالم الهروب والمصاعد ودورات المياه طبقا للمواصفات, والأكواد المصرية, مع إعادة توظيف الفراغات المعمارية لزيادة صالات خدمة الركاب, والمداخل, وصالات حجز التذاكر, والانتظار, والأنشطة الإدارية, والبنوك, وشركات السياحة, والاستعلامات, والأنشطة الخدمية الخاصة بحركة الركاب, والمشرفين عليها طبقا للهيكلة الإدارية الجديدة لهيئة سكك حديد مصر, وكذلك طبقا لما هو متبع في المحطات العالمية.وعند بدء العمل في التصميمات, واجه فريق العمل تحديا فنيا خطيرا, فمبني المحطة لا يمثل فقط ملتقي يوما لمئات الآلاف من جماهير مصر القادمين من وإلي القاهرة, ولكنه يمثل أيضا خلفية جمالية, وعاطفية, لها ثقلها, ووزنها لا يمكن إغفالها في وجدان مصر بمثقفيها وعامتها.. وكان الاتفاق العام بين الجميع علي ضرورة الحفاظ علي روح المبني من خلال الحفاظ علي الإطار العام لمواجهات المبني الحالي, وكذلك مفردات الألوان المشكلة لشخصية المبني, والمميزة له في أثناء إجراء مراحل التطوير.طراز أندلسيوعند دراسة تاريخ إنشاء المبني, تبين أنه تم بناؤه فعليا علي عدة مراحل, لعل أروعها هو الجزء الخاص بالمدخل الملكي الذي تم بناؤه في سنة1932 ثم تمت صيانته وتجديده وإضفاء الطراز الأندلسي المميز له عليه مع الحفاظ فقط علي مدخل كبار الزوار( مدخل الملك) كما هو, وذلك من خلال المرحلة الثانية لعملية تطوير وتوسعة المحطة التي تمت في سنة..3691 وهو الجزء الذي يبدأ من ركن برج الساعة( جنوب شرق المبني) ويمتد حتي مبني الدرجة الثانية( شمال غرب المبني).. ويمثل هذا الجزء أكثر أجزاء المبني حساسية وجمالا, حيث كان القرار التصميمي لفريق العمل في التعامل معه ليس فقط في اتجاه الحفاظ عليه, وترميمه وإرجاعه إلي حالته الأصلية الأولي, ولكن أيضا كان في إعادة استخدام مفرداته بالغة الثراء في تطوير المبني ككل..الرقعة الخدميةجاءت خطة التصميم ـ كما يقول الدكتور محمد رفيق زاهر ـ معبرة عن التطوير الداخلي المهم للمبني, والذي يشتمل علي البهو الرئيسي الذي من خلاله تتم جملة الحركات الرئيسية من المداخل إلي قاعات التذاكر المتسعة ومن وإلي أرصفة القطارات, وكذلك زيادة مساحة الرقعة الخدمية للجمهور سواء الكافيتريات, والمطاعم, والمحال التجارية, وكذلك زيادة السعة الخدمية, والنوعية, للأرصفة وإخلاإها من الإشغالات المعوقة لحركة الركاب.. في هذه المرحلة الأولي, تم بالفعل تطوير ساحة الدخول الرئيسية( البهو الرئيسي) لتكون المدخل الشرقي للجمهور والذي منه تتم ثلاثة محاور للحركة الرئيسية للجمهور من وإلي الأرصفة, ومنه إلي قاعات التذاكر للخطوط المتعددة, ومنه إلي الكوبري المعدني الذي يعلو القاطرات, والذي يشكل المنطقة الرئيسية للانتظار, مضاءة إضاءة سماوية مع وجود عدة كافيتريات توفر الخدمات اللازمة, والكافيه, لرواد المحطة المنتظرين لحين حلول موعد القطارات, كما يمكن الحركة السهلة من الكوبري إلي مساحة كبيرة من المحلات التجارية في المول الموزع علي مستوي الدورين الأرضي والأول, شرق وغرب البهو الرئيسي.شهداء ثورة ينايرفيما يتعلق بالنصب الفني التشكيلي الذي يتوسط البهو الرئيسي كما يقول الدكتور محمد رفيق زاهر ـ فقد تمت صياغة العمل التشكيلي الذي ينتصف الفراغ الرئيسي ليكون معبرا عن الأحداث التي تشهدها مصر مؤخرا, فالتشكيل مكون من هرم معدني مفرغ الجوانب يعبر عن العصر السابق يتولد من داخله هرم ضوئي من خام الاكليرك العاكس للإضاءة, والذي يعبر عن المرحلة الجديدة الوليدة التي تمر بها مصر, معبرا عن الأمل في غد أفضل أكثر إشراقا, وقد تمت إضافة اسم لكل شهيد من شهداء ثورة25 يناير علي الأحجار المكونة للهرم الضوئي للتأكيد علي مساهمة كل منهم في صناعة المستقبل المرتجي ولإثبات تضحياتهم في مرحلة بناء التاريخ الجديد لمصر.سيولة مروريةالدكتور محمد رفيق زاهر المصمم الداخلي للمشروع يري أن تطوير الساحة الخارجية الحالية أمام المحطة سوف يوفر سيولة مرورية فائقة, وتنظيما دقيقا حضاريا لدخول المحطة والخروج منها, سواء لسيارات النقل الخاص أو الأتوبيسات السياحية أو سيارات الأجرة وتوفير أماكن انتظار لحوالي300 سيارة في الساحة والجراج بعد تطويره, ومن ثم سوف تكتمل منظومة التطوير علي محوريها الأساسيين: التجربة البصرية المؤثرة في إحياء جماليات من وحي التراث القديم للمحطة نحن في أمس الحاجة إليها, والتطوير الداخلي والخارجي للمبني والساحة الخارجية الذي سوف يدفع بالمحطة قطعا لتقطع شوطا مهما ومؤثرا في أن تكون خدمة واقعية وعصرية آمنة تليق بتاريخ وحضارة مصر, ومشرفة لكل مصري يفخر بها.. ولتصبح محطة القاهرة ليست فقط خدمة راقية وآمنة للجمهور المصري, ولكن لتتحول أيضا إلي مزار سياحي مهم تفخر به القاهرة, ويليق بحضارة مصر
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق