خــواطــر سينمائيــة
السينما تلعب دورا مهما في كشف وقائع التاريخ التي يتم التعتيم عليها لأسباب سياسية, وفيلم( جي أف كيه) من إخراج أوليفر ستون واحد من الأفلام التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية
عندما طرحت قضية اغتيال الرئيس الراحل جون كيندي في فيلم روائي طويل أعتمد علي التحقيقات الموازية التي أقامها المدعي العام لولاية لويزيانا عن قضية الاغتيال.
من الأفلام التي أثارت ضجة عند خروجها في فرنسا فيلم( أقواس النصر) من إخراج المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك وبطولة النجم كيرك دوجلاس.
منع الفيلم من العرض في دور العرض الفرنسية لمدة قد تصل إلي عشرين عاما لأسباب تتعلق بالقضية التي يعرضها الفيلم, وهي تتعلق بالظلم الذي تعرض له جنود فرنسيون أثناء الحرب العالمية الأولي ومحاكمتهم محاكمة عسكرية وإعدامهم رميا بالرصاص وهم في الحقيقة أبرياء من أي تهمة.اليوم تحتفل فرنسا بالفيلم من خلال برنامج خاص بسينماتيك مدينة بوردو يقدم من خلاله أهم الأفلام التي تم منعها في تاريخ الرقابة في فرنسا.كان أول عرض للفيلم في21 فبراير1957 في مدينة أنفير البلجيكية والعاصمة البلجيكية بروكسيل, الفيلم يدور حول واقعة حقيقية أثناء الحرب العالمية الأولي حدثت في صفوف الجيش الفرنسي حيث تم إعدام مجموعة من الجنود الفرنسيين بدون وجه حق بتهمة التمرد, للتغطية علي فشل القيادة العسكرية في احدي المعارك. عند عرض الفيلم في دورالعرض قامت جماعات المحاربين القدامي بشغب, بل وصل الأمر إلي حد الاشتباك بالأيدي, وتلقي مدير صالة العرض تهديدات بحرق الصالة, وأرسلت السفارة الفرنسية رسالة لوزارة الخارجية البلجيكية تطلب منع عرض الفيلم. لكن الطلبة بجامعة بروكسل الحرة أقاموا عرضا خاصا للفيلم حضره العديد منهم ليخرج الجميع في مظاهرة بعد العرض تحمل لافتات تحتوي علي شعارات مثل( ضد القمع العسكري) أو( أعلنوا الحرب علي الحرب).يعرض الفيلم بعد ذلك من جديد في بروكسل ويحقق نجاحا منقطع النظير, وتقول الشائعات أن السبب الرئيسي لثورة الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت كان خوفها من أن يثور الجمهور الفرنسي ضد الحرب الدائرة في الجزائر حينذاك. لم يعرض الفيلم في فرنسا لمدة طويلة( عرض لأول مرة عام1975), حيث لم يجرؤ موزع واحد علي إحضاره إلي فرنسا خوفا من تكرار أحداث بروكسل أو رفض الرقابة. الفيلم مأخوذ عن قصة همفري كوب المحارب ضمن صفوف الجيش الكندي علي الجبهة الفرنسية, الذي مات مخنوقا بغازات الألمان عام1917, تستلهم الرواية أحداثها من وقائع تاريخية فعلية حدثت أثناء الحرب العالمية الأولي, كان من نتاجها إعدام ستة جنود فرنسيين ــ بأمر من الجنرال ديليتول ــ تم اختيارهم بالقرعة ليكونوا عبرة لزملائهم الذين لم يبلوا بلاء حسنا في الهجمات علي الألمان.ويقدر المؤرخون عدد الجنود الذين تم إعدامهم في الحرب العالمية الأولي بحوالي ألفي جندي. أسند إخراج الفيلم إلي كوبريك نتيجة لضغوط كيرك دوجلاس ــ بطل الفيلم ــ علي شركة يونايتد أرتس التي رضخت للضغط...فقد كان دوجلاس, نجما كبيرا في ذلك الوقت. يركز كوبريك في الفيلم علي القيادة العليا في الجيش الفرنسي ليوضح مدي انتهازيتها وطموحها الأناني النفعي, الذي كان سببا في كارثة إنسانية, ليبرز من خلال هذا المنحني وجهة نظره المتمثلة في عبثية الحروب ودور المؤسسة العسكرية في سحق البشرية داخل ماكينتها. يعد أسلوب كوبريك في تصوير الأحداث شديد الصرامة فكل منا يتذكر تصويره الخنادق عبر ترافلينج وبأسلوب اللقطة المشهدية, حيث لامونتاج في المشهد, لنستعرض معا بؤس وشقاء العالم السفلي لخنادق الجنود. المشاهد الداخلية استخدم فيها إضاءة المدرسة التأثيرية الألمانية لإبراز عناصر المعمار الباروك الذي اختاره كديكور(قصر مقر القيادة يرجع للقرن الثامن عشر في ميونخ حيث صورت كل أحداث الفيلم), وجعل الجنرالات الفرنسيين يقيمون حفلا راقصا تعزف فيه موسيقي الفالس ليوهان شتراوس.استخدم كوبريك كذلك أسلوب التصوير من مستوي منخفض عن مستوي النظر ليعطي شخصيات الفيلم بعدا أسطوريا. ومال إلي استعمال العدسات ذات الزوايا الواسعة لكي تضم الكادرات أكبر عدد ممكن من الممثلين, لتوسيع عمق مجال الرؤية. ولعب كثيرا علي التناقض الحاد بين مناطق النور والظل لصنع إيحاءات درامية, ويتضح ذلك بشدة من خلال مشهد المحاكمة, حيث نري القضاة في الظل علي شكل سيلويت في حين يظهر المتهمون وهيئة الدفاع في المستوي الثاني في عمق الكادر وسط أضاءة ساطعة لكي يقيم مقابلة بين المعسكرين المتناقضين.ومما يحسب لصالح الفيلم انه لم يسقط في مانوية صارمة لتحديد معسكرين أحدهما للخير والآخر للشر, حيث يكون الجنود الضحية والضباط الجناة, بل علي العكس فقد أظهر الصراع في قلب الجيش بين مختلف فصائله حيث صراع المصالح وتأثير السياسة وكان المدافع الأساسي عن الجنود.. أحد الضباط واخذ الكثيرون علي الفيلم... مشهد النهاية. حيث يرغم الجنود الفرنسيون إحدي الأسيرات الألمانيات علي الغناء( تقوم المغنية ليلي مارلين بالدور) ويبكي جميع الجنود عند سماع الأغنية, وهنا يطلب منهم الرحيل لأرض المعركة, ولكن الضابط( كيرك دوجلاس) يعطي الأمر ببقائهم بعض الوقت.اعتبر هذا المشهد ميلودراميا يستهدف ابتزاز عطف الجمهور, ولكن الحقيقة أنه يعكس وجهة نظر إنسانية مفادها أن الجنود ماهم إلا بشر لادخل لهم بمعارك السياسيين, فهم يبكون علي أغنية لايعرفون كلماتها, فهي تغني بلغة العدو, ولكن بكاءهم جاء لأنها تذكرهم بأيام السلم قبل أن يساقوا إلي مجزرة الحرب, ودون أن تنتابهم أية مشاعر عنصرية أو عدائية ضد المغنية الألمانية.تحية لكوبريك في ذكري وفاته التي اقتربت مع شهر الثورات... يوليو لكونه أول من صرخ في وجه آلة الحرب في السينما الأمريكية ونذكر أن الأفلام لاتمنع ألا لكي تعود وتحيا للأبد.
الاهرام المسائي - ضياء حسني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق