السبت، 21 يناير 2012

حكاية بيتنا‏ !



بريد السبت يكتبه‏:‏ احمد البري



في بيتنا حكاية أعتقد أنها لا تختلف كثيرا عن حكايات معظم بيوت مصر الآن‏..‏ وهذه الحكاية بدأت مع ظهور الأحزاب والتيارات السياسية والأصوات التي كانت مكممة قبل الثورة‏.‏








وقد بدأت حكاية بيتنا علي يد أبي وأمي اللذين ينتميان إلي تيارين إسلاميين, ثم شقيقتي الصغري وزوجها المنتمين إلي الحزب المنحل, والذي كان من قياداته ويواجهان اتهاما بانهما من الفلول! أما شقيقاتي الآخريات فينتمين إلي حزب الكنبة, ويعانين كثيرا الصراعات الفكرية داخل المنزل.. وأخيرا أنا, ويقولون عني انني ليبرالي كافر.
ومع كل حدث يتحول بيتنا إلي ساحة معركة فكرية تنتهي بأن يغضب الجميع من بعضهم, وربما يصل الأمر بينهم إلي حد المقاطعة بالأيام والأسابيع, وزادت حدة الخلافات طوال انتخابات مجلس الشعب الأخيرة, فأبي وأمي انقادا إلي حزبين دينيين ونفذا ما صدرا عنهما من تعليمات الشيوخ دون إعمال للعقل.. ودخلا معي أنا وشقيقاتي في جدال بأن الله سوف يغضب علينا إذا لم نعط أصواتنا للإسلاميين.. وعبثا حاولت أن أشرح لهم أن الانتخابات مسألة سياسية وليست دينية, فثارت أمي في وجهي وكيلت لي اتهامات باطلة بأنني أحارب الإسلام وبانني اسير علي نهج الكافرين الذين ليس لهم دين ولا ملة!
ولم أجد حلا أمامي يريحني من هذا العراك اليومي إلا أن أوثر الصمت مع الأسرة وأنا اتجه إلي أصدقائي عبر الفيس بوك.. وتصورت أنني بذلك ابتعدت عن هذا الفكر العقيم.. ولكن هيهات.. إذ لاحقوني علي الإنترنت وتحولت المعركة المباشرة إلي معركة الكترونية نتبادل فيها الاتهامات علي الملأ!
وهكذا أصبحت الأحداث السياسية مثارا للتخوين بيننا فكل طرف يشكك في الطرف الآخر, ويري أنه وحده علي صواب والباقي علي خطأ.. وما يحدث بيننا هو نموذج مصغر لما يحدث في المجتمع يعج بالخلافات والتشكيك.. وأذكر أنني كنت عائدا من ميدان التحرير في اثناء أحداث شارع محمد محمود ومعي قناع صناعي للتنفس, وما ان دخلت عربة مترو الانفاق حتي هاجمني احدهم قائلا منكم لله.. انتوا اللي خربتوا البلد!!
انني اتحدث إليك عن مشكلة اجتماعية خطيرة تهددنا وأري أن استمرار الاحتقان علي هذا النحو الموجود في بيتنا سوف يقودنا إلي ما هو أخطر من مجرد الخلاف.. فمتي نصل إلي مرتبة احترام آراء الآخرين, وأن نتكامل معا للوصول إلي أفضل الصيغ والسبل التي تكفل لنا التعبير الحر عن الرأي والارتقاء ببلدنا علي الطريق الصحيح للديمقراطية؟
> حكاية بيتكم هي حكاية كل بيوت مصر الآن.. وهذا أمر طبيعي في ظل التحول السياسي الذي تشهده البلاد منذ اندلاع ثورة52 يناير التي أحدثت حراكا هائلا.. وصار الكل يتحدث في السياسة.. الأمي والمتعلم.. رجل الشارع البسيط والعالم.. الوزيرة وربة البيت.. فلقد أحس الجميع بأن رياح الديمقراطية قد حلت علي مصر وأن كل واحد أصبح له كيان مستقل ويستطيع أن يدلي برأيه في شجاعة دون أن يخشي بطش أحد.. فلما الألم الذي يشعر به في هذا الجو الصحي؟.. ان من حقك أن تعتنق الفكر الذي يتناسب مع ميولك وقناعتك الشخصية, وأيضا من حق أفراد أسرتك أن ينتهجوا نفس المنهج دون أن يصادروا رأيك أو ان يقفوا ضد اختيارك.. وليس بالضرورة أن يكون الحزب أو التيار السياسي الذي اختاره أبوك هو الأصلح لقيادة البلاد.. فمن حقك أن تختار الحزب أو التيار الذي تريده.. وبدلا من الخلافات واتهام الآخرين بالكفر والالحاد لمجرد انه اختار حزبا ليس علي هواك, فإن الأفضل ان تتكامل الآراء وأن يتفق الجميع علي أهداف عامة.
ولتعلموا أنه لا يوجد اجماع علي أحد.. وان الخلاف في الرأي شيء صحي يولد دائما أفكارا جديدة تصب في مصلحة الوطن العليا.. فكفاكم خلافات ومناوشات ولنضع جميعا نصب اعيننا الهدف الأسمي لنا جميعا وهو العبور بمصر إلي بر الأمان.









المصدر : الاهرام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق