السبت، 9 يوليو 2011

السحب من الاحتياطى البترولى الاستراتيجى يبعث برسائل خاطئة للأسواق



أثار قرار الوكالة الدولية للطاقة بالسماح للدول المستهلكة للبترول الأعضاء فيها بسحب 60 مليون برميل من المخزون الاستراتيجى للبترول لديها وطرحها فى الأسواق الكثير من التساؤلات المحرجة وبعث برسائل خاطئة للأسواق.
البعض رأى فيها خطوة ضرورية لتهدئة الارتفاع المستمر فى أسعار البترول، وتوفير الأجواء الملائمة لتحقيق الهبوط الهادئ للنمو فى الاقتصاديات الرئيسية، أما البعض الآخر فرأى فيها خطوة سياسية تخرج استخدامات المخزون الاستراتيجى عن الشروط المحددة له وسلاح تلوح به الدول المستهلكة ضد منظمة الدول المصدرة للبترول “الأوبك”ففى قرار وصف بأنه مفاجئ، لكنه جاء بعد مشاورات دبلوماسية مكثفة بين عدة عواصم غربية وآسيوية قررت وكالة الطاقة الدولية فى 23 يونيو الماضى بيع 60 مليون برميل من الاحتياطى الاستراتيجى، منها 30 مليون برميل من الاحتياطى الأمريكى وحده، على مدى شهر. القرار يعد تاريخيا المرة الثالثة التى تتدخل فيها الوكالة فى الأسواق منذ انشائها فى عام 1974 من 28 من كبار مستهلكى البترول فى العالم. المرة الأولى كانت فى أعقاب غزو العراق للكويت فى عام 1990 والثانية بعد كارثة إعصار كاترينا فى عام 2005. وفى المرتين كان هناك نقص حقيقى فى تدفق الامدادات البترولية فى الأسواق لكن هذه المرة تبدو الأمور أقل وضوحا.فى تبريرها للقرار استندت الوكالة إلى متابعتها لتقلص الإنتاج البترولى الليبى بسبب الاضطرابات منذ شهر فبراير الماضى من 1،6 مليون برميل إلى 200 ألف برميل يوميا فى شهر أبريل الماضى دون أن تبدو فى الأفق نهاية سريعة للأزمة هناك. وعلى الرغم من أن البترول الليبى من النوع الخفيف ويتميز بانخفاض نسبة الكبريت فيه إلا أن غيابه لا يمثل تهديدا فعليا للامدادات بقدر ما تسبب فى ارتفاع أسعار البترول بصفة عامة تحت ضغط المضاربة والقلق من الأوضاع فى الشرق الأوسط.المبرر الآخر للقرار كان رفض الجزائر وإيران وفنزويلا وغيرها من الجناح المتشدد فى منظمة الأوبك فى اجتماعها فى 8 يونيو الماضى اقتراحا سعوديا بزيادة الإنتاج، خاصة أن الأسعار التى كانت قد قفزت إلى 125 دولارا للبرميل فى شهر أبريل بدأت فى التراجع إلى أقل من 115 دولارا للبرميل.وعلى الرغم من أن السعودية – الوحيدة بين دول الأوبك- التى يتوفر لديها طاقة إنتاجية فائضة تعهدت بطرح كميات إضافية لتعويض النقص فى البترول الليبى حتى نهاية العام، إلا أن هذا لم يمنع صدور القرار وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بوجود أسباب سياسية وراءه.الكثيرون يرجحون الأسباب السياسية وراء القرار لأن الإنتاج الليبى يمثل قطرة فى حجم الاستهلاك العالمى الذى يصل إلى 89 مليون برميل يوميا، ويقولون أن القرار استهدف اتخاذ اجراء وقائى لمنع المزيد من الارتفاعات فى الأسعار مع توقع زيادة الاستهلاك العالمى فى موسم السفر فى الصيف، وأنه يخدم أغراضا انتخابية للرئيس الأمريكى أوباما بخفض تكلفة الطاقة وتنشيط الطلب المحلى فى وقت تتعثر فيه خطته لإنعاش الاقتصاد. كما يفيد فى تهدئة الضغوط التضخمية التى تتعرض لها الكثير من الاقتصاديات الأوروبية والآسيوية ويرغمها على رفع أسعار الفائدة فى توقيت غير ملائم لدورتها الاقتصادية. والأكثر أهمية من كل ذلك أنه يرسل برسالة قوية إلى الأوبك بأن الولايات المتحدة والدول المستهلكة الرئيسية ستكون مستعدة لاتخاذ ما يلزم لحماية أسواقها المحلية من ارتفاعات الأسعار إذا رفضت الأوبك زيادة الإنتاج.المشكلة أن كل هذه المبررات سواء كانت النقص المؤقت فى امدادات البترول الليبى، أو رفض الأوبك زيادة الإنتاج، أو المخاوف من ارتفاع الطلب والأسعار فى موسم الصيف لم تكن أبدا من الأسباب المدرجة فى قائمة المبررات للجوء إلى السحب من الاحتياطى الاستراتيجى عند انشاء الوكالة. فقد كان المبرر لوجودها هو اتخاذ ما يلزم للحيلولة دون وقوع صدمة بترولية جديدة وليس تهدئة التقلبات فى الدورة الاقتصادية والوضع حتى الآن فى الأسواق لا يرتقى إلى مرحلة الصدمة.أما خطورة هذا القرار بغض النظر عن مبرراته السياسية فهو أنه يرسل برسائل خاطئة إلى الأسواق أولا: أن الارتفاع فى الأسعار كان قد بدأ فى إحداث تأثيراته بتراجع الطلب على البترول ومن ثم الأسعار. ثانيا: أنه رسخ سابقة استخدام المخزون الاستراتيجى فى غير الأهداف المحددة له. ثالثا: أن المخزون الاحتياطى الأمريكى يبلغ 727 مليون برميل وهو يكفى استهلاك شهرين فقط، ولذلك فمن غير المتوقع استمرار السحب من المخزون لفترة طويلة مع عدم وجود أسباب قاهرة لذلك. ورابعا: أنها مغامرة لها مخاطرها لأن عدم تحقق الهدف الرئيسى منها وهو انخفاض جذرى فى أسعار البترول يعنى أن تعويض الاحتياطى فى المستقبل سيتم عند مستوى أعلى من الأسعار وبتكلفة تزيد الأعباء ولا تقلل منها. خامسا: أن المصداقية فى قرارات الوكالة الدولية للطاقة قد تأثرت وهو ما قد يضعها على طريق الصدام مع الأوبك، و يثير الشكوك حول مكانتها كملجأ أخير وقت الأزمات



المصدر : الاهرام





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق