الأحد، 21 فبراير 2010
في فيلم العملاق : دينزل واشنطن .. فتوة يدافع عن الإيمان !
أسوأ ما يرتكبه أي مؤلف أن يقدم فكرة نبيلة وسامية من خلال دراما هزيلة وضعيفة. في هذه الحالة يبدو الأمر كما لو أنك أمام بناء سامق الارتفاع لا يقوم علي أي أساس، لو أردت مثالاً تطبيقيًا لهذا المأزق ولذلك المجهود الضائع ستجده بوضوح في فيلم بعنوان The Book of Elei الذي عُرض في الصالات المصرية تحت اسم العملاق من حيث الفكرة المباشرة والواضحة يتحدث الفيلم الذي لعب بطولته دينزل واشنطن عن أهمية الإيمان ودوره في حماية البشرية وإنقاذها، أما من حيث الدراما فإن هذا المعني يقال بطريقة مباشرة وفجة، بل إن هناك تشوشًا واضحًا في المعالجة المتواضعة التي أُريد لها أن تخدم هدف تقديم فيلم خيالي أكشن تقليدي يحاول - في نفس الوقت - أن يقدم فكرة أكثر عمقًا، أما النتيجة فهي مؤسفة حيث ارتفع صوت الفكرة علي صوت الدراما، وحيث بدا أن الكلام كبير.. ولكن الفيلم بأكمله صغير ومتهافت. يستخدم فيلم العملاق الذي كتبه جاري وتيا وأخرجه الاخوة هوجز شكل الرحلة الطويلة كوسيلة للتعبير عن أفكاره، وهذا الشكل استخدم كثيرًا في الأفلام التي تحاول التعبير عن معانٍ وأبعاد روحية، كما أنه وسيلة ناجحة للإيحاء بمعني الاكتشاف سواء علي المستوي الواقعي أو الرمزي، ولكن السرد ورسم الشخصيات والبناء بأكمله في العملاق يتم بطريقة ينقصها النضج والتمكن من أدوات الكتابة الدرامية الجيدة، ويزيد الأمر سوءًا أن المعاني مباشرة وشديدة الوضوح، وفي تطور أخير يقضي علي أي أمل في إنقاذ الموقف تختلط كل الأوراق، وتشعر بأصداء باهتة جدًا من أفلام عن نهاية العالم مختلطة بأطياف سريعة من فيلم 451 درجة فهرنهايت الشهير الذي أخرجه فرانسوا تريفو، وفي حين تحاول الصورة أن تكون مختلفة بأجواء رمادية ملبدة بالغيوم فإن الدراما لا تحتمل أن تنقل إلاّ كل ما هو مباشر وواضح، وهو أمر لا علاقة له بالفن الجيد. شاهدت في العام الماضي فيلمًا خياليًا هامًا ينتصر لفكرة الإيمان بذكاء وبراعة من خلال أحداث شديدة التشويق هو الفيلم الأمريكي الرؤيا الذي قام ببطولته نيكولاس كيدچ، وكان يقوم فيه بدور عالم كبير لا يؤمن إلاّ بالمادة المحسوسة، وقد رسمت شخصيته بكل جوانبها، وصنعت مواقف محكمة لاختباره، كما جاء تحوّله في النهاية منطقيًا ومتسقًا مع شخصيته، ولكن بطل العملاق الذي يحمل اسم إيلي (دينزل واشنطن) يبدو منذ اللقطات الأولي أقرب إلي رجال العصابات الشرسين، ولكنك ستكتشف فيما بعد أنه حامل رسالة الفيلم والمدافع عن فكرة الإيمان. في أجواء غامضة نراه وهو يتجول وسط المناطق المقفرة، يقتل قطًا ويتناول لحمه ينتزع حزاء أحد القتلي ويلبسه، يبتر ذراع أحد رجال العصابات في لمح البصر، ويصرع بعنف زملاءه، ولا يتردد في استخدام السلاح من القوس والسهم إلي البندقية في مشاهد لا تختلف تمامًا عن أي مشاهد في فيلم أكشن تقليدي عن عصابات الشوارع. ولكن إيلي هذا يُراد له أن يكون الرجل الذي يحتفظ بآخر نسخة من الكتاب المقدس، ويراد له أن يكون الرجل الوحيد الذي يدافع عن قيمة الإيمان بعد أن انهارت المدنية الحديثة تمامًا ولم يبق منها إلا إطلال هنا وهناك. سيكون من الصعب أن تبتلع ذلك لأن الشخصية لا تقل شراسة في الواقع عن رجال العصابات الذين يتصادمون معه، بل إن السيناريو الساذج أراد أيضًا أن يمنحه طابعًا روحيًا كرجل كُلِّف برسالة توصيل الكتاب المقدس الوحيد الباقي إلي البشر الذين يستحقونه في الغرب الأمريكي، وهكذا يبدو المزيج عجيبًا بعض الشيء: فتوة شديد الشراسة يقتل بمنتهي السهولة تلقي هاتفًا بإنقاذ الكتاب المقدس، فبدأ رحلة طويلة يختلط فيها العنف بالدعوة إلي الإيمان، وجثث القتلي بتلاوة الصلوات، والدم بالدم حتي آخر قطرة!! لم يكن السيناريو مضطراً لهذا التضخيم في الجانب الروحي لـإيلي الذي لا نعرف عنه سوي أقل القليل. كان يكفي أن يكون مسيحياً مؤمناً بالكتاب المقدس ويجد واجباً عليه أن يحافظ عليه وينقل تعاليمه، لم يكن الأمر بحاجة إلي صوت يكلفه بذلك، كما لم تكن هناك حاجة - من زواية أخري- إلي تضخيم عنفه حتي يكون أكثر تعبيراً عن فكرة التسامح، أما لماذا لم يعد باقياً سوي هذه النسخة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فإن السيناريو المشوش يبدو مرتبكاً في هذه النقطة حيث تتناثر معلومات عجيبة. فالمدنية انهارت بعد حرب بين البشر أدت إلي فتحة في السماء -أرجوك لا تضحك - أنزلت الشمس من مكانها، مما أدي إلي انفجار ضخم، وفي أحد المشاهد نعرف أن الحرب كانت بسبب الكتاب المقدس في إشارة ساذجة ومباشرة لكونها حرباً دينية، وأثناء هذه الحرب تم احراق كل النسخ المتاحة من الكتاب المقدس، ولم تجد السماء سوي هذا الفتوة لتكليفه بحماية آخر نسخة منه، ونقلها إلي الغرب.. أو هذا ما استطعت أن فهمه بعد جهد! التشوش والسطحية ليسا فقط في رسم شخصية إيلي ولكنه أيضاً في تقديم شخصية غريمه بيل كارنيجي (جاري أولدمان) الذي نراه ممتلكاً لحانة في مدينة صغيرة بدائية يدير أمورها، رجل شديد الشراسة متزوج من سيدة كفيفة تدعي كلوديا لها ابنة اسمها سولارا طموح هذا الرجل أن يزيد من رقعة مملكته البدائية، وبدلاً من أن يوجه طاقته لامتلاك القوة والرجال لاخضاع الآخرين فإنه يركز علي الحصول علي نسخة من الكتاب المقدس لماذا؟ لأنه اختبر تأثيره علي عقول وقلوب الضعفاء، وبسبب ذلك سيخوض صراعاً ومطاردات دامية مع إيلي الذي يمتلك النسخة الأخيرة الباقية.. وبالطبع لن تفهم سر شراسة هذا الرجل، ولا طبيعة علاقته بزوجته التي تتحول من الرقة إلي العنف في لمح البصر، والغريب أن كارنيجي يريد استخدام الكتاب المقدس للسيطرة علي البشر القلائل الذين نراهم في الفيلم مع أنهم تحت السيطرة فعلاً، وهم يحاربون للاحتفاظ بأنفسهم علي قيد الحياة، ويعتبرون الحصول علي شربة ماء أمراً عظيماً، أي أننا أصلاً خارج نطاق فكرة دولة منظمة ومستقرة. يفترض أن رحلة إيلي استمرت ثلاثين عاماً مشياً علي الأقدام، وكان خلالها مدعوماً بالصوت الذي كلفه بالمهمة بألا يسقط أبداً، لكننا سرعان ما سنراه وقد أصيب برصاصة اسقطته، ثم لا نعرف فيما بعد كيف استرد عافيته، المهم أن سولارا قررت الهرب معه، وسنكتشف بعد مواجهات عنيفة مع كارنيجي أن النسخة التي كان يحملها إيلي ليست سوي نسخة من الكتاب المقدس مطبوعة بطريقة برايل للمكفوفين، ولذلك ستتاح لـكلوديا فقط أن تقرأها، أما إيلي فإنه يصل أخيراً إلي المحيط لنكتشف أن الكتاب المقدس في ذاكرته، ولذلك سيقوم بترديد آياته ليتم طباعتها من جديد وسط جهود لاستعادة تراث البشرية المطبوع الذي حرق علي طريقة الفيلم الشهير 451 درجة فهرنهايت. تقول الدراما الضعيفة إن الإيمان ممثلاً في الكتاب المقدس ضروري لكي تتم إعادة بناء الحضارة، وبدلاً أن يقال ذلك عبر مواقف وأحداث قوية ومتماسكة ومؤثرة فإنه يقال بشكل مباشر وعبر رموز شديدة الوضوح ومن خلال شخصية عنيفة للغاية وآخر ما تصلح له الدعوة للدين وللإيمان، لقد انصب الاهتمام علي تقديم عدة معارك ومطاردات مثل أي فيلم تجاري متواضع دون العناية بما هو أهم من حيث بناء الشخصيات ورسم معالمها وتقديم أحداث مقنعة تنقل من خلالها الأفكار بسلاسة وذكاء، مع الأسف لم نقتنع أبداً أن الفتوات يصلحون لحمل رسائل روحية بعد فناء البشرية!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق