السبت، 21 نوفمبر 2009

إحسان عبد القدوس كلاكيت ثاني مرة


الوسادة الخالية وكيف صارت من مفردات الحياة اليومية

أبوسيف يتصدي للخطيئة في الطريق

وماجي تخلع نظارتها السوداء

أبي فوق الشجـرة أسطــورة البقــاء في دور العرض أربعين أسبوعا متواصلة

غريزة الامتلاك في الخيط الرفيع وأين عقـلي والراقصـــــة والطبـــال


لم تر الباحثة سهيلة زين العابدين حماد في إحسان عبد القدوس سوي أنه فصل فكره عن عقيدته‏,‏ وجعل من نظرية سيجموند فرويد عقيدته التي يكتب بها ويحلل السلوك الإنساني‏,‏ جاعلا من خلالها أفراد مجتمعه نساء ورجالا مسيرين وفق الغريزة الجنسية التي هي محور حياتهم وسلوكياتهم ومستحوذة علي كل اهتماماتهم‏,‏ ومضت قائلة في كتابها إحسان عبد القدوس بين العلمانية والفرويدية الصادر عام‏1990‏ أن المرأة لديه تجمع بين أكثر من رجل في آن واحد‏,‏ سواء كانت متزوجة أومطلقة أو أرملة أو فتاة‏,‏ حتي الأرملة لم يحترم عدتها فجعلها ترتكب الفاحشة مع صديقها وهي لاتزال في أشهر العدة‏।‏ علي هذه الشاكلة يمضي الكتاب‏(‏ المجلد‏)‏ بصفحاته التي كادت تقترب من الستمائة صفحة من القطع المتوسط في مسيرة هجومية لاتمت للنقد بصلة بل أنها بمثابة صرخة مدوية تدعو الغيورين علي دينهم لأن يهبوا فورا من أجل تنفيذ حكم القصاص في هذا الكاتب الخلاعي‏.‏لكن الكاتبة فات عليها أن تقدم لقرائها وهم كثر ولا شك تفسيرا لشهرة الكاتب وكتبه وكلاهما جاب الآفاق‏,‏ لدرجة انه قيل إن القائمين علي الأهرام‏,‏ كانوا حريصين علي زيادة الكميات المطبوعة من أهرام يوم الأحد حيث كان احسان ينشر قصصه مسلسلة‏,‏ تلبية لمطالب القراء الذين يزيد عددهم في هذا اليوم‏.‏ كما أن المؤلفة وهي عضوة فيما سمي آنذاك رابطة الأدب الإسلامي لم تقدم إجابة عن سؤال لماذا تصدر إحسان قائمة الروائيين المصريين والعرب بمن فيهم أديب نوبل نجيب محفوظ الذين حولت إعمالهم إلي سينما‏.‏ الطريف والمثير في آن الأخيرة كانت مدعاة لبعض السياسيين في التنكيل بإحسان فيبدو أن زحف نجمات الشاشة الفضية عليه آثار غيرتهم وحفيظتهم‏!!‏الحب الأول والطريق المسدود وماجي العائدةمن جانبنا لن نقف مع هذا أو ذاك فقط سنواصل ما بدأناه في هذا المكان قبل أسبوع بتحليل وتتبع أعمال إحسان عبد القدوس واليوم سيتمحور الحديث حول القصص التي لم نتعرض لها في الأسبوع الماضي ووجدت طريقها إلي الشاشة الفضية وكيف صورها السينمائيون‏,‏ ولتكن البداية من الوسادة الخالية تلك القصة القصيرة التي اكتسبت شهرة عارمة‏(‏ بفضل الفيلم‏)‏ في أوساط العامة قبل النخبة بيد أنها باتت جزءا من مفردات الحياة اليومية ومازال الناس يتندرون علي العشاق المحرومين من أنيس ويستدبلون به الوسادة الخالية ففي السطور التي كتبت عام‏1955‏ نعيش هما إنسانيا فريدا ألا وهو الحب الأول فلا يوجد قلب لم يعرف هذا الداء العجيب الذي يظل مرتبطا بصاحبه حتي نهاية حياته‏.‏في الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام‏1957‏ وقام بكتابة السيناريو والحوار السيد بدير سيظل هذا الحب محاصرا البطل‏(‏ صلاح‏)‏ عبدالحليم حافظ رغم أنه تزوج‏(‏ درية‏)‏ زهزة العلا‏,‏ وها هو طيف سميحة‏(‏ لبني عبدالعزيز‏)‏ التي تزوجت بدورها من الدكتور فؤاد‏(‏ عمر الحريري‏)‏ لا يفارقه ويكون عزاؤه أن يحتضن الوسادة الخالية‏,‏ صحيح سيندمل هذا الغرام لكنه لا يختفي والدليل علي ذلك أنه ترك ذكري تأتي وتبتعد وهكذا‏.‏في الطريق المسدود‏,‏ الرواية الطويلة المكتوبة‏1955,‏ أسرة صغيرة الخطيئة كانت عنوانها‏,‏ نساؤها نجدهن وقد أصررن علي العيش في نفس المستوي الذي عشن فيه قبل رحيل عائلها فاستضفن أصحاب المتعة‏,‏ لكن هناك من يتمرد يتوق للخلاص غير أن الماضي يظل حجر عثرة يزيد من وطأته نظرة مجتمع لا ترحم في الشريط السينمائي والذي أخرجه صلاح أبو سيف عام‏1958‏ ووضع له السيناريو نجيب محفوظ أما الحوار فكتبه السيد بدير‏(1915-1986)‏ وجدنا فايزة‏(‏ فاتن حمامة‏),‏ التي رفضت سلوك أمها وشقيقتيها راغبة في طريق الحب والعمل الشريف‏,‏ وقد اصطدمت بأقاويل وهمهماترغم أنها لم تفعل شيئا يشينها‏,‏ وجاءت براعة السيناريو تكشف مدي ازدواجية المجتمع وكيف أنه ينكل بأفراده دون سند من الحقيقة فقط كلام الناس‏.‏ في السياق ذاته جاء فيلم النظارة السوداء والذي أخرجه حسام الدين مصطفي عام‏1963‏ وكتب له السيناريو لوسيان لامبير‏,‏ المأخوذ عن القصة بالعنوان ذاته والتي كتبها إحسان عام‏1952‏ فماجي‏(‏ نادية لطفي‏)‏ التي اشتهرت بلقب صاحبه النظارة السوداء‏,‏ وتنتمي إلي الوسط الإرستقراطي تعيش بلا هدف في الحياة‏,‏ لكنها تجد من يعيد لها رونق الحياة وقيمتها فتخلع النظارة السوداء لكن من انتشلها وساعدها سرعان ما يقع هو نفسه فريسة لأوهامه وطموحاته الجانحة تلك الرسالة التي أرادها إحسان وجسدها حسام الدين مصطفي‏.‏كرامة زوجتي بين أين عقلي والخيظ الرفيعحكايات المساواة التي تؤرق أديبنا تعود من جديد في كرامة زوجتي والذي قامت ببطولته شادية مع صلاح ذو الفقار ونجوم الضحك جورج سيدهم وعادل إمام‏:‏ فهل الخيانة فقط من حق الزوج الذي دائما ما يعاقب‏,‏ وماذا عن الزوجة إذا فكرت في الفعل ذاته‏,‏ هنا ستكون الخطيئة‏,‏ فمن خلال سيناريو كتبه محمد مصطفي سامي وحوار صاغه محمد أبو يوسف يتمكن‏(‏ فطين عبد الوهاب‏)‏ من نسج شريط سينمائي صحيح غلبت عليه الكوميديا إلا أنه فضح أنانية الرجل ومعه المجتمع ككل‏.‏ في أبي فوق الشجرة والذي أخرجه حسين كمال عام‏1969‏ وكتب له السيناريو يوسف فرانسيس‏,‏ أما الحوار فقد كتبه سعد الدين وهبه عدنا مع نفس التيمة التي وجدناها في النظارة السوداء فقد جاء الأب كي ينشل الابن من الضياع فإذ به يسقط فيه الفارق أن الفيلم كان قنبلة في تاريخ السينما المصرية إذ تجاوزت أسابيع عرضه الأربعين أسبوعا‏.‏بين الحب وغريزة التملك خيط رفيع تلك كانت حكمة إحسان عبد القدوس في الخيط الرفيع الذي تحول إلي فيلم أخرجه هنري بركات عام‏1971‏ وكتب له السيناريو والحوار محمد مصطفي سامي‏,‏ وقامت ببطولته فاتن حمامة ومحمود ياسين في هذا الشريط يدق إحسان من جديد علي وتر حساس وهو في صيغة سؤال واستفهام‏:‏ هل الرجل في المجتمع الشرقي يستطيع أن يجاهر بالزواج من أمرأة عاشرها جنسيا‏,‏ وان الأخيرة وقبل أن تقيم معه علاقة كانت محظية لرجل أخر؟بالطبع الإجابة كانت بالنفي‏.‏ المثير أن إحسان سيطرح السؤال ذاته ولكن بصيغة أخري في أين عقلي الفيلم الذي أخرجه عاطف سالم‏,‏ أن بطل الفيلم وهو أيضا محمود ياسين القادم من الخارج بعد أن نال شهادة الدكتواره وحرص علي أن يؤكد لشريكة حياته‏(‏ سعاد حسني‏)‏ أنها مسئولة أمامه منذ اليوم الذي تعارفا فيه‏,‏ فماضيها أيا كان ملكها هي وحدها فقط‏,‏ مثلما ماضيه ملكه هو لكن عندما يتكشف أن حبيبته غير عذراء ظهر التناقض فهو وبفضل ما أكتسبه من الغرب الأوروبي من قيم لا يستطيع أن يواجهها بذلك لكنه في الوقت ذاته لا يقبل فكرة أن شخصا أخر عاشر زوجته قبل أن يعرفها‏.‏ وفي العذاب فوق شفاه تبتسم والذي أخرجه حسن الإمام عام‏1974‏ نفس فكرة كرامة زوجتي أن بطل الفيلم مصطفي‏(‏ محمود ياسين‏)‏ يخون زوجته شهيرة‏(‏ نجوي إبراهيم‏)‏إلا أنه لا يقبل مجرد أن تخونه زوجته وعلي رغم أن فكرة الامتلاك لم تكن واضحة في الخيط الرفيع إلا أنها ستظهر بجلاء في عام‏1984‏ عندما يقدم أشرف فهمي فيلمه الراقصة والطبال والذي وضع له السيناريو مصطفي محرم‏,‏ والحوار بهجت قمر‏,‏ فعبده الطبال‏(‏ أحمد زكي‏)‏ يكتشف مباهج‏(‏ نبيلة عبيد‏)‏ ويأخذ علي عاتقه مهمة تعليمها الرقص وبفضله تشتهر ويذيع صيتها لكنها تريد الزواج والحياة الشريفة وبالطبع يرفض فهي فقط راقصة من صنع يديه وهنا المأزق فهو لا يقبل أن يتزوجها وفي نفس الوقت لايريد ان تتركه لانها ملكه هو فقط‏!!‏ كان هذا جزءا يسيرا من مسيرة طويلة عنوانها إحسان عبد القدوس في السينما والثابت أنها حملت أفكارا ورؤيا‏,‏ مازالت‏,‏ لها أصداؤها في مجتمعها‏॥‏ بإختصار كانت أعمال إحسان القصصية معينا نهل منه السينمائيون علي أختلافهم وقدموا أفلاما الكثير منها ساهم ولا شك في ذيوع القيم والمفاهيم التي حملها النص الأدبي بجعلها أكثر اقترابا من الناس الذين قد لايقرأون اعمال الروائي الكبير الراحل إحسان عبد القدوس‏.‏


الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق