الخميس، 16 ديسمبر 2010

المـأساة .. في مصنع الموت بـ الإسكندرية

وعندما تغاضي المسئولون في المحليات عن متابعة عملهم‏,‏ حتي لو ثبت أنه بناه دون الالتزام بتراخيص‏,‏ فكيف ارتفع البناء أمام أعينهم بهذا الشكل‏,‏ وكيف سمحوا له بمخالفة القانون‏..‏ فالمبني الذي ارتفع أمام تجاهلهم لواجبهم انهار أمام الجميع ليكشف مدي الفساد‏..‏ لكن الضحية دائما هم الأبرياء الذين الذين دفعوا حياتهم ثمنا للقمة العيش‏.‏الأهرام انتقلت الي موقع الحادث وسجلت العديد من المشاهد‏..‏ المشهد الأول لموقع المصنع المنهار‏..‏ فقد وصلنا إليه بعد الخروج من شارع رئيسي ـ في منطقة الحضرة بالاسكندرية ـ الي شارع فرعي ممتد منه‏..‏ بعده وصلنا الي حارة ومن داخلها وصلنا الي حارة أخري مبانيها قديمة ربما تكون أفضل حالا من المصنع الذي كانت تهتز الأرض تحت أقدام عماله فظنوا أنها بفعل حركة الماكينات لكنهم لم يعرفوا أنها بداية لانهيار الجدران والسقف فوق رءوسهم‏.‏عندما وصلنا كان المكان مظلما من الداخل كظلمته من الخارج‏,‏ بينما يشق هذا الظلام اضواء كاشفة للبحث عن ضحايا وضجيج أصوات المعدات التي تشق جدار صمت الموتي وأنين المصابين المحاصرين تحت الأنقاض وعويل وصراخ أهالي الضحايا الذي لا ينقطع في انتظار جثث ضحاياهم بجوار موقع الحدث من أمهات ثكلي وزوجات صرن أرامل وأطفال أصبحوا أيتاما‏..‏أما المشهد الثاني فكان لهذا الرجل الذي افترش الأرض ودفن رأسه بين كفيه وعيناه تذرفان الدموع منتظرا شقيقته التي لم يعثر عمال الانقاذ علي أثر لها تحت الأنقاض علي مدي ثلاثة أيام‏,‏ وصوته يكاد يحتبس من شدة انهمار الدموع‏,‏ فقد ترك بيته وأطفاله ليبيت في هذا الجو القاسي منتظرا أخته وبجواره أمه التي ترقد لجواره وقد خارت قواها لكنها لم تفقد الأمل في بقاء ابنتها علي قيد الحياة‏..‏ فهي لاتزال تنتظر عودتها‏!‏أما المشهد الثالث فكان لتلك السيدة التي أخذت تطوف حول الكردون الأمني بتخبط وهي تؤكد بدموعها قبل كلامها أن أختها كانت تتصل بها حتي مساء يوم الاثنان عبر الهاتف المحمول وكانت توجد عند ماكينة التغليف‏,‏ إلا أن اليوم انقطع الاتصال نهائيا ربما لأن الموبايل فزغ شحنه وهي لاتزال حية‏.‏فجأة أعلن رجال الانقاذ عن استخراج جثة فتجمع الأهالي حولها ومعهم تلك السيدة التي صرخت صرخة دوت في أجواء مساكن تلك المنطقة العتيقة التي يفوح منها عبق طول الزمن وارتمت علي الأرض معلنة أنها جثة شقيقتها وتم حمل الاثنين في سيارة إسعاف واحدة‏,‏ أما الواقفون من المشاهدين والمتابعين من سكان المنطقة فمنهم من رفض الحديث ومنهم من طالبني بضرورة الحديث عن اعانات للضحايا‏..‏أما محمد صالح أحد سكان المنطقة فأكد لي أن هذا اليوم كان مطرا ورعدا في الاسكندرية وقال كنا نسمع دوي الرعد عاليا إلا أن هناك ثمة رعدا جاء بقوة شديدة انهار بعده المصنع مباشرة واتصل أحد زملائي بوالده من تحت الانقاض مساء يوم الاثنين غير متأكد أن هناك أحياء يتحدثون حوله ويسمعهم ويتكلمون في ذات المكان‏,‏ ولكن انقطع الاتصال ومساء الثلاثاء خرجت جثته وعندما حاولت الحديث مع الأب كان منهارا ينتظر دفن فلذة كبده أمام المشرحة‏.‏الموقف صعب للغاية فالدموع لا تنقطع ولحظات الترقب مستمرة وخروج الضحايا يتتابع وأجهزة الانقاذ لا تتوقف عن البحث عن الجثث فقد بات الأمل في العثور علي أحياء ضعيفا‏,‏ وبرغم أنه تم نقل الجرحي الي المستشفي فقد رفض المسئولون هناك دخولنا مؤكدين أنه تم نقل المصابين الي مستشفي آخر وهناك أكد الأمن عدم السماح لنا بالدخول ولا أدري ما سبب كل ذلك‏..‏اشتراطات عامةوكان حال جامعة الاسكندرية تحديدا كلية الهندسة مثل سابقيها فقد رفضوا دخولنا في البداية وبعد محاولات رد الدكتور حمدي عبدالعزيز يوسف المدير التنفيذي للمركز الهندسي للخدمة العامة ووكيل كلية الهندسة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة‏..‏ بأنه لايمكن الحديث عن واقعة سقوط المصنع بالتحديد إلا بعد أن تصدر اللجنة التي ستشكلها كلية الهندسة رأيها في ذلك‏,‏ موضحا أن الاشتراطات العامة التي يجب اتباعها في انشاء أي مصنع وهي ضرورة وجود مكتب استشاري متخصص في هذه النوعية من الانشاءات والتي تندرج تحت مسمي المنشأة الصناعية‏,‏ حيث ان لها مواصفات خاصة فيما يتعلق بالأساسات تحت الأرض والمنشآت فوق سطح الأرض لتتحمل كل العوامل الجوية والمناخية والطبيعية مثل الزلازل والرياح والأمطار ومقاومة عوامل التآكل والتعرية‏.‏ويضيف أنه لابد من مراعاة عناصر الأمن والسلامة في أي منشأة صناعية بحيث تحتاج كل منشأة الي نظام اطفاء متكامل يتناسب مع نوع الصناعة وطبيعة المنتج في هذه المنشأة من حيث مدي قابليتها للاشتعال ودرجة قابليتها للاشتعال بالاضافة الي ضرورة وجود نظام انذار متكامل لكل مكان بالمصنع مع متابعة‏24‏ ساعة علي شاشة هذا النظام بحيث يعطي الانذار بمجرد انبعاث الدخان أو ارتفاع درجة الحرارة‏,‏ كما أنه من اللازم وجود العمالة المدربة علي أعلي مستوي لتشغيل نظام الاطفاء بكل درجاته سواء الاطفاء المائي أو الاطفاء بالكيماويات أو الإطفاء الذاتي الاتوماتيكي لمواجهة أي ظروف طارئة لمنع حدوث أي خسائر أو الاقلال منها لأدني حد ممكن‏..‏ وأخيرا يجب وضع نظام للصيانة الدورية لكل مكونات المنشأة‏,‏ فإذا كان المنشأ أساسا مصنوعا مثلا من الجمالونات المعدنية وغالبا المصانع تنشأ باستخدام هذا النظام فإذا تحمل لفترة زمنية معينة بدون صيانة فسيأتي يوما وينهار‏.‏تلك كانت الاشتراطات اللازمة لكي يكون المصنع آمنا إلا أن وضع هذا المصنع وموقعه وتهالك مبناه يؤكد للوهلة الأولي أنه يفتقد لمعظم هذه القواعد الآمنة وربما جميعها‏..‏ لكننا يجب أيضا أن ننتظر تقرير اللجنة الهندسية ونتائج التحقيقات‏.‏
الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق