الأحد، 21 فبراير 2010

الخصوصية تتوارى تحت عدسات الديجيتال .. التصوير دون علم "جنحة"





اغتيال الخصوصية.. جريمة جديدة انتشرت بالمجتمعات الشرقية، نتيجة سوء استخدام كاميرات التقنيات الحديثة سواء من قبل الأفراد أو بعض المنشآت، فماذا تفعل إذا فوجئت بصورتك أو بفيديو لأختك أو خطيبتك أو زوجتك أو قريبتك في لحظات خاصة على شاشات الموبايل والإنترنت؟ وما هي العقوبة القانونية لمن يخترق خصوصيات الغير؟
عدد ممن تم تصويرهم دون علمهم قالوا - - كيف تعرضوا لذلك في الجامعة أو في المراكز التجارية أو في الشارع، وقال خبراء بالقانون إن الدستور المصري يحمي خصوصية الأفراد، موضحين أن على من يتعرض للتصوير خلسة إبلاغ الشرطة وإخطار المجلس القومي لتنظيم الاتصالات
صورة بالإكراه
طالبة بكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة قالت إنها أثناء جلوسها بكافيتريا الجامعة مع زميلها فوجئت بمن يركز على تحركاتها ثم اختلس صورة لها بموبايله وجرى، لحظتها صرخت، فجرى خلفه زملاؤها وأشبعوه ضربا إلى أن قام بمنحهم الموبايل لمسح الصورة، واكتشفوا أنه طالب في كلية أخرى يهوى معاكسة الطالبات بالموبايل، فأبلغوا العميد ورئيس الجامعة حتى لا يستغل الصورة، لأنه ربما يكون أرسلها لغيره بـ"البلوتوث" أو حولها على الكمبيوتر الشخصي الخاص به في ثوان معدودة.
من جهة أخرى، شكت عارضة أزياء من محاولات ابتزازها بتصوير فقرات من ديفيليهات خاصة، رغم أن قاعة العرض ممنوع فيها التصوير نهائيا، لكن بعض أفراد الجمهور يصور بكاميرات صغيرة بحجم العملة المعدنية يصعب كشف هويتهم.
وقالت إنه "لا بد من وضع أجهزة تشويش على صور الموبايلات والكاميرات الدقيقة، لأنني للأسف لا أكتشف التصوير خلسة إلا حين أفاجأ بمن يتصل بي ليهددني باستغلالها إذا لم أقبل معاكساته أو لم أوافق على نشرها كموديل لمجلات البورنو، ولا أقوى على إدانتهم لأني لا أعرفهم وربما يساء استعمالها على الإنترنت، خاصة من منافساتي أو ممن طلبوا الارتباط بي ورفضتهم".
أما هناء مسعود - باحثة شابة - فأعربت عن مخاوفها من كاميرات التلصص. وقالت إن "هواجس تسيطر على تفكيري من التلاعب بصور الأبرياء وتركيبها لإظهارهم في مواقف مشبوهة، لذا كلما دخلت غرفة البروفة بمحلات الملابس أحرص على استكشاف المكان جيدا قبل تغيير ملابسي، وإذا لاحظت وجود أشياء تثير الريبة كأزرارصغيرة أو أقلام رفيعة، أقوم بارتداء الفستان أو التايير فوق ملابسي أو أبحث عن محل آخر، خاصة بعدما سمعت عن شيوع الكاميرات بمحلات الملابس في بعض دول الخليج ومحاولة البعض إتلافها".
بينما واجهت هدى محمود - مدرسة ثانوي - موقفا حرجا في مول تجاري كبير بالمعادي، فقالت إن "حذائي كسر أثناء التسوق مع ابني الصغير بالمول، ولم أجد مفرا من السير حافية حتى أصعد إلى طابق الأحذية، وطبعا كنت في غاية الحرج من أنظار وتعليقات المارة، وقتها التقيت بجار في العمارة المواجهة لبيتي، وعندما سألته هل جئت للتسوق وحدك؟ ابتسم قائلا "أنا أعمل هنا بعد الظهر في قطاع الحراسة وشاهدت صورتك بالصدفة على جهاز المونيتور بالطابق العلوي، فجئت لأرشدك إلى مكان الأحذية الحريمي كي لا تسيري طويلا هكذا".
وأضافت "عرفت منه أن مسألة التصوير غير معلنة، وتم اللجوء إليها بعد سرقة بضائع من المول وعدم معرفة سارقيها.. ساعتها شعرت بالرعب لأنني لا أدري إذا كان القائمون على المراقبة سيسجلوا هذه الصور أم لا؟ وماذا سيكون الحال لو رآنى تلاميذي حافية في مكان عام؟!"
واقعة أخرى، رواها "م. س." - محاسب شاب بشركة كبرى - فقال "كنت أعتقد أن الكاميرات مغلقة وقت البوفيه في حفل زفاف فاخر بفندق 5 نجوم، ولم أكن تناولت غذائى بعد، فانهمكت في الأكل بطريقة شرهة حتى وقعت المشروبات والأطعة على ملابسي، لكنني فوجئت عند زيارة العروسين لتهنئتهما بعش الزوجية بموجة ضحك هستيري على المشهد الذي ظهرت به على كاميرات الفيديو".
وأضاف "كم توسلت إليهما أن يقوما بمسحها إلا أنهما رفضا واكتفيا بتقديم وعد بعدم إساءة استغلالها، ومن يومها أكره الكاميرات وأتوجس من كوني مراقبا في كل مكان عام لأني ربما أتورط في صورة تهددد سمعتي وتشوه صورتي في محيط عملي".
أما الأجانب، فيجدون سهولة في التصوير بحجة الدعاية للآثار وترويج السياحة، ولكنهم قد يصورون السلبيات أو المناظر والسلوكيات غير اللائقة للناس، مثلما قال "عم مغاوري" وهو رجل عجوز صورته سائحة أثناء هرولته بعصاه وراء الأتوبيس، وعندما لوح لها بالرفض عرضت عليه دولارا ليصمت.
حاسب من الزووم
أحيانا ما يعتدي المصورون الهواة على خصوصية السياح مثلما يحدث على شواطىء البحر في شرم الشيخ وغيرها من المنتجعات السياحية، فتجد السائحات نائمات بملابس البحر لا يرين كاميرات الفيديو والموبايل التي تتلصص عليهن بعدسات "الزووم" من على ارتفاع دون علمهن، ما يشجع ضعاف النفوس على نشرها عبر الإنترنت بالمواقع الإباحية دون حسيب ولا رقيب.
ومن جانبه، قال المصور الفوتوغرافي محمد عبد الحميد إنه في أحيان كثيرة يتهرب الناس من التصوير المفاجىء خاصة البنات والسيدات حرصا على مظهرهن وخصوصيتهن، فعلى سبيل المثال أثناء التصوير على كورنيش النيل - حيث يقف عليه الشباب عادة في لحظات غرامية خاصة - كثيرا ما يعترضون وربما يتطور الأمر إلى مشادة ومحاولة لتحطيم الكاميرا رغم إقناعي لهم أنني أصور مشاهد طبيعية وأنهم لن يظهرون في الصورة.
وقال إنه "تلافيا لهذه الحساسيات بمثل هذه المشاهد، أقوم بالتصويربـ"عدسة الزووم" عن بعد". وأضاف محمد أن من المشاكل التي تصادف صغار المصورين (المتدربين)، استنجاد أحدهم به عندما تورط بحسن نية في تصوير اثنين مخطوبين بمنطقة أثرية، مما أثار استيائهم وطلبا منه مسح الصورة فورا، وكانت هذه التجربة درسا له في كيفية التقاط الصور دون إشعار أحد بالتجسس عليه.
من جهة أخرى، قال صاحب استوديو بالقليوبية إنه اشترى صورة من معمل بالقاهرة وعرضها في فاترينة الاستديو الخاص به، ثم فوجئ بمن يهدده بتحرير محضر في الشرطة لأنه استغل صورة خطيبته "كموديل" دون إذنها أو إذنه.
وأضافصاحب الاستوديو أن "تحقيقات الشرطة أثبتت عدم مسئوليتي، وأبلغت عن مقر المعمل الذي باعها لي، حيث اتضح فيما بعد أن صاحبة الصورة أخذتها باستديو في مدينة نصر، فكيف وصلت إلينا ومن استغلها؟"، هكذا تاهت المسئولية وتم رفع صورتها وعدم تعليق أو استخدام صورة أحد إلا بعد الحصول على توقيعه بصفة شخصية.
وعن مخاطر اعتداء الأجهزة الحديثة المزودة بكاميرات على شئون الأفراد الخاصة، قال مهندس الكمبيوتر ناصر حسين إن هناك كاميرات متناهية الصغر مخبأة في أجهزة دقيقة جدا غير الموبايل مثل اللعبة أو الميدالية أو النظارة شمسية أو الحزام أو رابطة العنق أو "الإكسسوار"، وكلها ترصد حركات الغير بالصوت والصورة دون أن يلاحظ أحد وجودها.
وحذر من قبول أي رسالة بتقنية "البلوتوث" التي تستخدم بطرق عشوائية لتبادل الصور والفيديو عبرالموبايل بالأماكن المفتوحة على مسافات متقاربة بين شخصيات لا تعرف بعضها مثل "الكافيهات والمسارح ودور السينما".
الحماية بالدستور
الدكتور أحمد سعد أستاذ القانون المدني بحقوق بني سويف قال إنه حتى الآن لم تتبلور قوانين حديثة تستوعب مستجدات التكنولوجيا الحديثة وانتهاكاتها للحياة الخاصة بمختلف صورها، ولكن الدستور المصري كفل حماية الخصوصية ومنع نشر صور شخصية لأحد أو التسجيل له دون إذن من النيابة أو برضائه رسميا.
وأضاف أن على من يكتشف تصويره بكاميرا ديجيتال دون موافقته - حتى وإن لم يساء استغلالها –الإسراع بإبلاغ الشرطة، وإخطار المجلس القومي لتنظيم الاتصالات، والاستناد إلى شهادة الشهود، والإصرار على سحب الجهاز نفسه والتحقق من مسح الصورة، مع إلزام المعتدي بالتعهد كتابيا بعدم إعطائها للغير أو استغلالها حتى لا تظهر فيما بعد بشكل محرف أو مركب على خلاف الحقيقة.
وحسب قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 المعدل سنة 2006، يعتبر اختراق الشئون الخاصة للأفراد جنحة تتراوح عقوبتها بين الغرامة والسجن من يوم إلى سنة طبقا لخطورة وبشاعة الفعل، وقد تصل إلى السجن والغرامة معا عند تكرار الجنحة.
وتنص المادة 309 مكرر، بالباب السابع المتعلق بالقذف والسب وإفشاء الأسرار من قانون العقوبات على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه" مثل استراق السمع أو التقاط أو نقل صورة شخص في مكان خاص بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه، فإذا صدرت الأفعال المشار إليها أثناء اجتماع على سمع أو مرأى من الحاضرين، فيفترض توافر رضائهم.
أيضا "يعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد هذه الأفعال اعتمادا على سلطة وظيفته"، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة المستخدمة بالجريمة، و بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.
المستشار حسن علي المحامى بالنقض أيد د. سعد، مؤكدا أن الأهم من تحديث القوانين وتغليظ العقوبات أن يتم تطبيقها على جميع المخالفين دون تمييز، مطالبا بقانون جديد، خاصة أن المادة "309 مكرر أ" من قانون العقوبات جرمت استعمال هذه الأجهزة بالتصوير أو استراق السمع أو انتهاك الخصوصية ونقلها دون رضاء وعلم صاحبها أو التهديد بها، ولكنها لا تجرم من استوردها أو باعها، رغم حتمية تطبيق عقوبات جديدة على منبع الجريمة.
وأشار المستشار إلى أنه إذا سعى صاحب الشأن للكشف عن أسرار حياته الخاصة‏،‏ وسمح بإرسالها إلى وسائل الإعلام، ولم يبادر بتكذيبها‏، تسقط عنه الحماية القانونية التي تكفلها له هذه المواثيق والعهود والقوانين‏.‏
أما الموقف القانوني للمنشآت التى تضع كاميرات مراقبة لأغراض مختلفة، فلابد من حصولها على ترخيص من الجهات الأمنية، وإذا ترتب على تركيبها اختراق للخصوصية يتورط صاحبها في الاتهام نفسه.
التثقيف التكنولوجي
تعليقا على استعمال بعض المراهقين أو المنحرفين الأجهزة الحديثة في التجسس، ولو على سبيل اللهو والتسلية، استنكرت الدكتورة علية حسين أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة انشغال الأهالي عن سلوكيات الأبناء، لأنهم يلهثون وراء تحصيل الأموال معتقدين أنها خير ضمان لتأمين مستقبل أولادهم، متناسين أنهم وسط ظروف البطالة والفراغ والإحباط وصداقات السوء بالأندية والمولات والكافيهات التي تسهر حتى الصباح، قد يسيئوا استخدام التقنيات الحديثة ويتورطوا في جرائم دون قصد.
وبالتالي من الضروري تثقيف الآباء تكنولوجيا حتى يتابعوا أبناءهم ويشاركون في توعيتهم بسلبياتها وإيجابياتها، ويحثونهم على استعمالها في الاتصال وجمع المعلومات وتلقى الخدمات بدلا من الثرثرة والمعاكسات التي ربما تصل إلى اغتيال خصوصية الغير.
وقالت د. علية إنه رغم صعوبة اكتشاف أجهزة التلصص بمختلف أنواعها، إلا أنه يجب توخي الحذر خاصة عند تعامل الفتيات مع التكنولوجيا الحديثة، حتى لا يقعن في براثن معدومي الضمير ومحترفي الإيقاع بالأبرياء وابتزازهم.


اخبار مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق