بعد نحو نصف قرن يعود فيلم «إشاعة حب» للأضواء من جديد ولكن بالألوان الطبيعية.. هكذا أعلن صناع فيلم «إشاعة واحدة لا تكفى» المستوحى وفقا لتصريحات مؤلفه يوسف معاطى، من «إشاعة حب» الذى أنتج عام 1960 مع الاحتفاظ بنفس شخصيات النسخة الأصلية بل وتمت الاستعانة بأحد أبطالها وهو الفنان عمر الشريف ليلعب دور الأب الذى لعبه الراحل يوسف وهبى.فإلى أى مدى يحق لمؤلف ان يكمل فكر غيره وما الضرورات التى تدفع البعض لاعادة إنتاج الأفلام القديمة فى هذا الزمن وما هى الشروط الواجبة لخوض هذه النوعية من التجارب.. أسئلة عديدة حاولنا إيجاد إيجابات لها فى هذا التحقيق. الناقد والسيناريست رفيق الصبان خاض نفس التجربة من قبل حينما كتب فيلم «اذكرينى» المستوحى من فيلم «بين الأطلال» وقال:كانت لدىّ دوافع قوية لأعيد تجربة فيلم بين الأطلال الذى تعلقت به جدا وكنت أرى أن الجانب الرومانسى طغى بشدة على المنطق فأفقدنا الاقتناع بالتغيرات التى طرأت على الشخصيات بدون أى مبررات واضحة وعليه قررت أن أعيد التجربة بوضع مبررات وإجابات على أشياء كثيرة لم يتضمنها العمل الأصلى مع إحداث تغييرات جذرية فى الشخصيات واستأذنت يوسف السباعى صاحب القصة الذى أصر على قراءة السيناريو خشية أن تغلب المبررات والتفسيرات الحسية على الجانب الرومانسى لقصته وتناقشنا كثيرا فى السيناريو الذى كتبته وأقنعته بأن أخلاق الجيل الجديد اختلفت عن الزمن الذى أنتج فيها «بين الأطلال» حتى أبدى إعجابه بالسيناريو واحترم الرؤية الجديدة التى طرحتها فى «اذكرينى».وتمت الاستعانة بنجوم هذا الزمن «محمود ياسين ونجلاء فتحى» ولكن رغم نجاح الفيلم بالدول العربية بشهادة المنتج رمسيس نجيب فإن الفيلم لم يحقق نفس النجاح الذى حققه «بين الأطلال» فى مصر وذلك لأن الشعب المصرى يحن دوما للذكريات وليس لديه استعداد لتقبل هذا الاتجاه وعليه ففكرة إعادة الأفلام القديمة هى فكرة غير مقبولة وتعرض صاحبها لاتهامات عديدة منها عقم فى الأفكار ومحاولة الحنين إلى الماضى وتعرض أبطال العمل لمقارنة بالنجوم القدامى والتى لن تكون فى صالحهم فى أغلب الأحيان.وقال: فى تجربتى كنت حريصا على تغيير الشخصيات وتقديم رؤية مختلفة، ومع هذا فالتجربة لم تنجح بالشكل الذى كنا نتوقعه فى مصر وعليه أرى أنه لو استعان المؤلف بنفس الشخصيات واستلهم أفكار غيره لينسبها لنفسه هو العجز بعينه وأتمنى أن ينجح صناع فيلم «إشاعة واحدة لا تكفى» بالخروج من هذا المأزق وتبقى التجربة الحية واضحة المعالم هى المعيار الحقيقى للحكم عليها وإن كنت من واقع تجربتى أشك أنها ستحقق نجاح النسخة الأصلية.ومن جانبه أكد السيناريست بشير الديك رفضه التام لهذا الاتجاه وهذه التجربة قائلا: فكرة أن يستوحى مؤلف قصة من فيلم آخر لمؤلف غيره هى فكرة مستنكرة وأراها عملية سطو على أفكار الغير.واستطرد: من الممكن أن أتقبل الفكرة إذا قام المؤلف باستئذان صاحب العمل الأصلى فى إعادة كتابة عمله من جديد لكن بدون هذا الأمر فأنا أراه عملا غير لائقا وينم عن حالة إفلاس غريبة وإذا حقق هذا العمل المستنسخ أى نجاح فسوف يكون النجاح مشكوك فى أمره.وأضاف: لى رأى خاص باعادة تجربة فيلم «إشاعة حب» فهو فيلم اجتماعى خفيف كانت له ظروف خاصة حيث أنه يعتبر حالة إبدع فيها النجوم أداءا فلأول مرة نشاهد عمر الشريف هذا الفتى الوسيم الذى قدم لنا كثيرا من الأدوار التراجيدية يلعب دورا كوميديا وهو الذى يفشل فى جذب ابنة عمه نحوه وهو الدور الذى لعبته ببراعة كعادتها الفنانة الراحلة سعاد حسنى ويسانده عمه بقوة فى دور لا يمكن أن ننساه هذا الذى لعبه الراحل يوسف وهبى لكن الفيلم نفسه لم يكن له أى مدلول اجتماعى وليس به أى قضايا تثير اى مؤلف لكى يعيد قراءته مرة أخرى فهو ليس «القاهرة 30» أو «الأرض» وعليه أرى أن إعادة مثل هذه النوعية من الأفلام الخالية من المضمون الجاد يأتى فى إطار السبوبة.وتتفق معه فى الرأى المؤلفة زينب عزيز وتقول: لست مقتنعة بهذا الفكر خاصة أن النجاح هو حليف النسخة الأصلية بلا شك التى ارتبطت فى أذهاننا جميعا فمن الصعب أن يقتنع الجمهور بالنسخة المعدلة وهو الذى شاهد الأصل مرارا وتكرارا وعليه فهى تجربة غير ممتعة على الإطلاق فما يساق من مبررات أنه ستتم معالجة الموضوع بحيث يتناسب مع جيل هذا الزمن هو مبرر ضعيف فماذا سيحدث هل سندخل التكنولوجيا الحديثة فى الموضوع من كمبيوتر وإنترنت وهاتف محمول فهل هذا هو التغيير أعتقد أن المشاهد نفسه لن ينجذب إلى هذه النوعية من الأعمال فلقد سبق وشاهدها وعليه مالذى سيدفعه لمشاهدتها مرة أخرى.وقالت: عن نفسى كمؤلفة صعب أن أخوض هذه التجربة رغم إيمانى أنه من الظلم أن نتهم من يخوضها بالإفلاس فلربما لا يرى مانعا أن يكرر تجربة سبق وحققت نجاحا بشكل جديد ولكن عن نفسى غير مقتنعة بالمبدأ نفسه ليس على مستوى أفلامنا العربية ولكن على مستوى الأفلام الأجنبية أيضا فاذا كنت مفتقدة الحماس لمشاهدة النسخة الجديدة من العمل الأصلى فكيف سأقدم على كتابته إلى جانب أننى وقبل عرض الفيلم غير متقبلة بالمرة أن يلعب عمر الشريف نفس دور يوسف بك وهبى وهو الذى ارتبط بأذهاننا بالشخصية التى لعبها فى «إشاعة حب» والتى كانت مفاجأة بكل المقاييس.على الجانب الآخر رفض يوسف معاطى صاحب التجربة أن يتحدث عنها موضحا أنه سيترك الحكم للجمهور بعد العرض مشيرا إلى مفاجآت عديدة تتضمنها نسخته الجديدة وإلى الشخصيات الجديدة التى سيستعين بها.وأخيرا تعلق الناقدة صفاء الليثى على هذا الموضوع قائلة: إعادة الأفلام مرة أخرى بشكل مختلف هو امر وارد وحدث من قبل وأراه نوعا من الاحتفاء بالنسخة الأصلية ولا يقلل منها ولا من النسخة الجديدة خاصة أنه لو تمت مراعاة اختلاف الزمن والأجيال وتقديم نسخة معاصرة فسيكون أمرا محمودا بلا شك.وأضافت: عانينا كثيرا من التعامل بوجهة النظر التى ترى أن أى فيلم غير واقعى يكون فى مستوى أقل وهذا غير صحيح فعلى الرغم أن فيلم «إشاعة حب» هو فيلم خفيف نوعا ما فإنه يقدم لنا سخرية للمظاهر الخادعة التى تجتاح مجتمعا ما ويحمل قيما لا بأس بها وعليه لا يجوز أن نطالب بإعادة أفلام لأنها واقعية ونمنع أفلاما لأنها خفيفة.أما فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة للكاتب الذى يخوض هذه التجربة هى اتهامات مجحفة، فهذه التجربة تمثل تحديا حقيقيا لهذا المؤلف وقدرته على إعادة رسم الشخصيات مرة أخرى وقدرته على أن ينسينا القصة الأصلية وهذا لا يعد إفلاسا أبدا خاصة أنه كان من الممكن ألا يعلن يوسف معاطى أنه استلهم قصته من اشاعة حب فى ظل أن الشائعات ليس لها زمن وأن أفكار المراهقات فى الارتباط بنوعية من الشباب التى تجيد الكلام المعسول لا تزال كما هى لكن الرجل كان صريحا منذ البداية وهو يعلم أنه سيخضع لمقارنة مع العمل الأصلى ولكنه قبل التحدى.
المصدر : الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق