السبت، 15 يناير 2011

حرب خفية لتخريب برنامج إيران النووي‏!‏

الكاتب : مكرم محمد أحمد
لعل التطور الأهم في قضية الملف النووي الإيراني هو توافق تقديرات أجهزة المعلومات الغربية والأمريكية والإسرائيلية لأول مرة علي أن البرنامج النووي الإيراني يواجه صعوبات ضخمة‏.
يستحيل معها أن تتمكن طهران من امتلاك سلاح نووي قبل عام‏2015‏ علي أقل تقدير‏,‏ برغم الخلافات الطويلة علي امتداد السنوات العشر الماضية بين هذه الأجهزة حول المدي الزمني الذي تحتاجه طهران كي تحصل علي القنبلة النووية‏,‏ اعتمادا علي قدرتها علي تخصيب اليورانيوم إلي درجة عالية تزيد علي‏85%‏ تصلح لتصنيع سلاح نووي‏,‏ في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير المفتشين الدوليين لوكالة الطاقة الدولية الذين يراقبون علي مدي الساعة معامل ناتانز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم تؤكد أن الإيرانيين يملكون قدرة تخصيب تتجاوز نسبته بالكاد‏4%‏ علي الأكثر‏,‏ تساعدها علي إنتاج وقود نووي يصلح لتشغيل المحطات الكهربائية النووية‏,‏ لكن رفع درجة تخصيب اليورانيوم إلي حدود‏85%‏ علي الأقل‏,‏ وإن كان أمرا ممكنا بالنسبة لطهران من الناحية النظرية التي أصبحت تملك معرفة كاملة بتكنولوجيات إنتاج دورة الوقود النووي‏,‏ إلا أنه لايزال هدفا صعب المنال يحتاج إلي المزيد من الوقت والجهد‏.‏وعلي حين قدرت المخابرات المركزية الأمريكية عام‏2005‏ أن إيران تحتاج علي الأقل‏4‏ سنوات‏,‏ إن لم يكن أكثر‏,‏ كي تنجح في تصنيع قنبلة نووية بدائية‏,‏ كان تقدير الموساد الإسرائيلي أن طهران تستطيع أن تحقق هذا الهدف في زمن أقل‏,‏ ربما لا يتجاوز عاما ونصف العام‏,‏ وأن علي الولايات المتحدة والقوي الغربية أن تفيق لهذا الخطر الحالي وتسارع بالعمل لمنع إيران من إنتاج سلاحها النووي قبل فوات الأوان‏!‏ بينما كانت الوكالة الدولية للطاقة التي تراقب معظم منشآت إيران النووية تؤكد في تقاريرها الدورية أنها لا تمتلك أي أدلة واقعية تثبت أن البرنامج النووي الإيراني ينطوي علي مشروع سري لإنتاج سلاح نووي‏,‏ وإن كان لديها العديد من الملاحظات والأسئلة المتعلقة بمدي شفافية البرنامج النووي الإيراني‏,‏ أخفقت طهران في الإجابة عنها بما زاد من شكوك المجتمع الدولي في نيات طهران‏,‏ ومكن الولايات المتحدة من فرض أول وجبة عقوبات علي إيران داخل مجلس الأمن‏,‏ ثم جاء اكتشاف الأمريكيين لمنشأة نووية إيرانية جديدة لتخصيب اليورانيوم تقع في المنطقة الجبلية قريبا من مدينة قم المقدسة‏,‏ ويختفي أغلب أبنيتها تحت الأرض‏,‏ لم تبلغ عنها طهران الوكالة الدولية للطاقة‏,‏ التزاما باتفاقية الضمانات التي وقعتها إيران لتزيد من شكوك الغرب والأمريكيين‏,‏ وتساعد الولايات المتحدة علي إخضاع طهران لوجبة أخري من العقوبات‏,‏ وترفع من احتمالات قيام عمل عسكري ضد إيران يمكن أن تقوم به إسرائيل منفردة‏,‏ التي تصر علي أن إيران علي وشك الحصول علي القنبلة منفردة‏,‏ أو بالتعاون مع الولايات المتحدة لحرمان إيران من الحصول علي سلاح نووي‏.‏وما من شك أن التهديدات الجزافية الصاخبة التي أسرف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في توجيهها إلي إسرائيل‏,‏ وإصراره علي أنها لا محالة إلي زوال‏,‏ وأن العد التنازلي لمصيرها المحتوم بدأ بالفعل‏,‏ مكن إسرائيل‏,‏ التي تمتلك ترسانة نووية تضم علي الأقل‏200‏ قنبلة نووية‏,‏ بالإضافة إلي سلسلة من الأسلحة النووية التكتيكية من تصوير القنبلة النووية الإيرانية التي لم توجد بعد باعتبارها خطرا حاليا يهدد وجود إسرائيل لا تستطيع التعايش معه‏,‏ يفرض عليها ضرورة العمل لحرمان إيران من امتلاك القنبلة حتي لو تطلب ذلك القيام بعمل عسكري منفرد إذا تقاعس الغرب والولايات المتحدة عن القيام بالمهمة‏.‏وبرغم المفارقة الواسعة بين تقديرات إسرائيل التي اعتبرت حصول طهران علي السلاح النووي حدثا وشيكا وتقديرات أجهزة المعلومات الغربية والأمريكية التي كانت تري أنه لاتزال هناك فسحة زمن لعمل سياسي ودبلوماسي يقلل من مخاطر مواجهة عسكرية مع إيران يصعب حساب تداعياتها علي منطقة الشرق الأوسط‏,‏ ظل الاعتقاد السائد في الشرق الأوسط وفي معظم العالم أن إسرائيل التي باتت تملك طائرات هجومية بعيدة المدي‏,‏ يمكن أن تطال منشآت إيران النووية‏,‏ وتملك قنابل أعماق سحيقة لتدمير المنشآت المقامة تحت الأرض‏,‏ وتملك طائرات بدون طيار يمكن أن يصل مداها إلي أكثر من‏7‏ آلاف كيلومتر‏,‏ تستطيع التحليق لأكثر من‏36‏ ساعة‏,‏ وتصل حمولتها القصوي إلي ألفي كيلوجرام‏,‏ لن تجرؤ علي القيام بعمل منفرد ضد طهران‏,‏ ما لم تتلق إشارة خضراء من الولايات المتحدة‏,‏ يسبقها تعاون وتخطيط مشترك بين الحليفين‏,‏ يمكن طائرات إسرائيل من التحليق فوق أجواء غير صديقة وصولا إلي إيران‏,‏ ويساعدها علي إنجاز مهمة معقدة‏,‏ لأن الأمر مع إيران يختلف تماما مع ما حدث في العراق عام‏1981,‏ عندما قصفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل أويزيراك بالقرب من بغداد من خلال طلعة جوية واحدة‏.‏لأن قصف منشآت إيران النووية الموزعة علي مناطق عديدة‏,‏ والتي ربما يوجد بعضها خارج مرمي الطائرات الإسرائيلية‏,‏ يتطلب طلعات جوية عديدة تواصل قصفها المتكرر لهذه المواقع‏,‏ وربما لا تتمكن من تدميرها علي نحو شامل‏,‏ لأن معظم المنشآت مقامة علي أعماق سحيقة تحت الأرض‏,‏ تتطلب قدرات تفجيرية خاصة لا تملكها سوي الولايات المتحدة‏,‏ فضلا عن أن عملية معقدة من هذا النوع يمكن أن تستمر عدة أيام سوف تتطلب بالضرورة ضربة استباقية لجنوب لبنان بهدف تدمير القدرة الصاروخية التي يملكها حزب الله‏,‏ والتي يمكن أن تشل الحياة في إسرائيل‏,‏ كما يستتبعها بالضرورة أيضا عدد من الضربات الجوية تستهدف مراكز الأبحاث ومصانع المعدات الملحقة علي البرنامج النووي الإيراني‏,‏ خاصة إذا كان يدخل ضمن أهداف هذه العملية النيل من الأفراد العلميين والخبراء وعناصر القيادة والتخطيط التي تشرف علي البرنامج النووي الإيراني لشل فاعليته وتعويق فرص نهوضه من جديد إن عز تدميره علي نحو كامل‏.‏غير أن اللافت للنظر أخيرا هو تقارب المسافات بين الرؤي الأمريكية والرؤي الإسرائيلية علي نحو يؤكد وجود مساحة من الاتفاق المشترك بأن البرنامج النووي الإيراني فقد خطورته الحالية‏,‏ وأن حصول إيران علي القنبلة لم يعد باعتراف الجميع‏,‏ أمريكا والغرب وإسرائيل‏,‏ حدثا محتملا أو وشيك الوقوع‏,‏ وأن التقديرات الإسرائيلية التي كانت تصر علي أن إيران سوف تحصل علي القنبلة عام‏2009‏ ثبت أنها غير صحيحة‏,‏ كما أن تقديرات وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بأن إيران يمكن أن تصبح قوة نووية مع عام‏2011‏ ثبت أيضا أنها غير واقعية‏,‏ خاصة بعد التصريحات التي أطلقها أخيرا مائير دوجان رئيس الموساد السابق الذي أعلن بعد اعتزاله أنه لن يكون في وسع إيران الحصول علي سلاح نووي قبل عام‏2015‏ علي أقل تقدير‏.‏وتستمد تصريحات ضابط الموساد دوجان أهميتها من أنها جاءت في معرض تأكيده النجاحات الكبيرة التي حققها الموساد الإسرائيلي في حربه علي إيران في ظل قيادته‏,‏ برغم إخفاقه الشديد في قضية اغتيال المبحوح العضو القيادي في حماس الذي قتله رجال الموساد في غرفة فندقه في دبي‏,‏ لكن سلطات دبي ضبطتهم جميعا بالصوت والصورة في فضيحة مدوية دمرت سمعة الموساد‏,‏ برغم اعتراف الحكومة الإسرائيلية بأن مائير دوجان كان أكفأ من أداروا الموساد علي امتداد سنوات عديدة‏.‏ويتوافق مع تصريحات ضابط الموساد دوجان‏,‏ التي تستبعد إمكان حصول طهران علي السلاح النووي قبل عام‏2015‏ علي أقل تقدير‏,‏ تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الأخيرة في الإمارات المتحدة التي أكدت فيها ربما للمرة الأولي أن البرنامج النووي الإيراني يعاني تراجعا شديدا بسبب مشكلات تكنولوجية أجبرت طهران علي إبطاء برنامجها ربما لعام‏,‏ وربما لأربعة أعوام‏,‏ لكن إيران أيا كان الفارق الزمني لاتزال مصممة علي أهدافها الاستراتيجية‏.‏وما يزيد من احتمالات صحة التقديرات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة‏,‏ وتوافقهما علي أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد يمثل خطرا حاليا‏,‏ تقارير الوكالة الدولية للطاقة التي لاتزال تراقب علي مدي الساعة ما يجري في معامل ناتانز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم‏,‏ التي تؤكد أنه من بين‏7800‏ جهاز للطرد المركزي تم تركيبها في ناتانز فإن عدد الأجهزة التي تعمل بالفعل لا يزيد علي‏3800‏ جهاز‏,‏ في إشارة واضحة للمصاعب التكنولوجية التي تواجه عمليات تخصيب اليورانيوم‏,‏ خاصة بعد أن أعلن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن إيران سوف ترفع درجة تخصيبها لليورانيوم من‏4%‏ إلي‏20%,‏ كي تتمكن من الحصول علي وقود نووي عالي التخصيب‏,‏ لتشغيل مفاعل إيران الطبي بهدف إنتاج نظائر طبية مشعة‏,‏ وثمة ما يشير إلي أن عملا تخريبيا محتملا ربما كان قد طال الحاسبات الإلكترونية في معامل ناتانز‏,‏ خاصة بعد تصريحات أحمدي نجاد في نوفمبر الماضي التي ألمح فيها إلي ضبط عملاء للموساد متهمين بالعمل علي تخريب شبكة الاتصالات الإلكترونية‏,‏ ثم جاءت عمليات اغتيال اثنين من علماء إيران النوويين هما مسعود علي محمدي أستاذ الطبيعة النووية في جامعة طهران في يناير عام‏2009,‏ واغتيال العالم النووي ماجد شهرياري وإصابة زميله قيدون عباس في محاولتين أخيرتين لتكشف عن وجود حرب خفية تقودها أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بهدف تخريب البرنامج النووي الإيراني‏,‏ بدلا من محاولات تدميره في عمل عسكري تحفه مخاطر ضخمة وتكتنفه صعوبات عديدة‏,‏ وربما يكون أقل كلفة من حرب مدمرة ضد إيران يصعب حساب نتائجها علي ساحة الشرق الأوسط‏.‏وما من شك أن الغرب يعرف تماما أن إيران ربما لا تستهدف في هذه المرحلة الدخول في عملية تصنيع سلاح نووي في ظل المراقبة الغربية الشديدة التي تعد علي إيران أنفاسها‏,‏ وإن كان من المؤكد أن طهران تخطط لتجهيز نفسها كقوة نووية تستطيع أن تتخذ قرار تصنيع سلاح نووي في الوقت الذي تريد‏,‏ يساعدها علي ذلك أنها تملك الآن معرفة كاملة بدورة إنتاج الوقود النووي‏,‏ لا سبيل المرة إلي محوها من ذاكرة إيران ومخزونها وتراثها العلمي‏,‏ تدخل ضمن حقوقها المشروعة التي تقرها اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية‏,‏ كما تستطيع إيران رفع درجة تخصيبها لليورانيوم إلي الحد الذي تريد إن آجلا أو عاجلا‏,‏ وهي تملك عددا من الخبراء والأفراد العلميين يساعدونها علي تحقيق هذا الهدف‏,‏ برغم أنهم يشكلون أهدافا مستمرة لأجهزة المخابرات الدولية‏,‏ فضلا عن طموحها الشديد لكي تصبح قوة عظمي وإيمانها العميق بأهمية التكنولوجيا النووية لتعزيز مكانتها وأهدافها كقوة إقليمية مؤثرة‏.‏وبسبب كل هذه الظروف ربما يفضل الغرب الآن تعويق البرنامج النووي ولو بالعمل علي تخريبه‏,‏ بدلا من محاولة تدميره في عمل عسكري يصعب حساب نتائجه علي ساحة الشرق الأوسط بتعقيداتها الشديدة‏,‏ فضلا عن أن كل الحسابات تؤكد أن العمل العسكري لن يفلح في تدمير كل منشآت إيرانية النووية‏,‏ وأن غايته الأخيرة تعويق البرنامج الإيراني بهدف تطويع إرادة طهران ومنعها من تصنيع سلاح نووي‏,‏ وإلزامها بالضمانات التي تحقق هذا الهدف‏,‏ وأظن أننا نشهد الآن تفاصيل هذه المرحلة في أحداث متفرقة تظهر فجأة‏,‏ لكنها تكشف عمق الصراع الخفي الذي يدور تحت السطح‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق