انتهى تقرير خبراء «لجنة القيم» التى شكلتها وزارة الأسرة والسكان حول قيم المواطنة واحترام التعددية وحقوق الطفل فى مناهج اللغة العربية والدراسات الاجتماعية فى المرحلة الابتدائية إلى الاعتراف بتجاهل وجود الأقباط فى منهج التاريخ الذى يغطى الفترة من الفتح الإسلامى وحتى ثورة 1919.وبناء على تقرير اللجنة انتهت وزارتا الأسرة والسكان والتربية والتعليم من وضع خطة لتضمين المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية العامة ما يدعم قيم المواطنة واحترام التعددية وحقوق الطفل لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بمشاركة خبراء من مركز تطوير المناهج والبحوث التربوية ومن لجنة القيم بوزارة الأسرة والسكان، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وخبراء من كلية التربية بجامعة حلوان، بحسب د. فيفيان فؤاد منسق لجنة القيم.تميز بوضع أهداف ومعايير لكيفية تضمين المناهج قيم المواطنة وحقوق الطفل واحترام التعددية، يمكن قياسها فى المناهج بما يضمن اكتساب التلميذ لهذه القيم وتشجيعه لممارستها، وليس المعرفة بها فقط، وأن تكون المدرسة هى المكان الأول لممارسة هذه الحقوق بعد أن تناول التقرير تحليلا لمضمون هذه القيم بالمناهج التى بين أيدى الطلاب الآن.تشمل المعايير التى حصلت «الشروق» على نسخة منها ضرورة أن يتضمن المنهج جهود المصريين من أجل الحصول على حقوقهم فى المواطنة المتساوية، وبناء مصر الحديثة فى جميع المجالات، بحيث يدرك التلميذ التنوع الثقافى والدينى للمجتمع المصرى عبر العصور، ويقدره كمصدر لغنى وتميز الشخصية المصرية.كما ركزت المعايير على ما يضمن اكتساب التلميذ المعارف الأساسية عن جغرافية مصر فى إطار علاقتها بقارتها الأفريقية وانتمائها إلى منطقة البحر المتوسط والعالم العربى، وأن يتعرف على التواصل الثقافى والحضارى بين مصر ومحيطها الإقليمى والدولى والتأثيرات المتبادلة بينهم عبر التاريخ، فى حدود ما يمكن أن تستوعبه مداركه فى هذه المرحلة الدراسية، وبحيث يتعرف التلميذ على الوثائق الأساسية والأماكن الأثرية المهمة ودلالتها التاريخية، بما فى ذلك الأماكن الخاصة بمحافظته.وركزت معايير تضمين معرفة الطفل بحقوقه على مايضمن أن يعى التلميذ أنه مواطن له حقوق لدى أسرته والمجتمع والدولة، وعليه واجبات يجب أن يقوم بها، من خلال معرفته بالوثائق الأساسية لحقوق الطفل المصرية والدولية وقانون الطفل فى مصر، وماهية الدستور والقوانين والنظام السياسى فى مصر، وأن يكتسب المهارات المتعلقة بالمواطنة مثل (المساواة ـ المشاركة ـ التفاوض ـ العمل الجماعى ـ احترام الاختلاف والتنوع العمل ـ حرية الرأى..)، وأن يمارس تلك المهارات داخل المدرسة، وأن يسهم المنهج فى تنمية القدرات الذهنية لدى الطالب، وتساعده فى تملك وسائل متنوعة فى اكتساب المعرفة، وتنمى لديه مهارات البحث وحب الاطلاع والتفكير النقدى.فى الوقت نفسه كشف تقرير «لجنة القيم» أن صياغة دروس التاريخ فى جميع الصفوف الدراسية ما زالت تعكس تاريخ الحكام والقادة وعلاقتهم بالحروب والثورات، ويكاد يختفى التاريخ الاجتماعى والاقتصادى والثقافى للشعب المصرى، بما يرسخ فكرة البطل الفرد ويغيب قيمة المنجز الجماعى للشعب المصرى، كما أن تاريخ مصر القديم مختزل بصورة كبيرة تؤدى إلى جهل التلميذ بتاريخ بلاده. وكشف التقرير عن أخطاء علمية فى مناهج الدراسات الاجتماعية، منها ما جاء بمنهج الصف الخامس تحت عنوان «مصر قبل الإسلام» فالتسمية ليست صحيحة علميا أو منهجيا، لأن تاريخ مصر لا يقسم علميا «مصر قبل الإسلام»، و«مصر بعد الإسلام». فالتوصيف العلمى الذى تستخدمه المدرسة التاريخية الأكاديمية هو: تاريخ مصر القديم ـ الوسيط ـ الإسلامى ـ الحديث ـ المعاصر. ويقال عن الفترة الإسلامية، مصر فى العصر الإسلامى أو مصر الإسلامية وليس ما قبل وما بعد، بحسب التقرير.كما أن تسمية «الحقبة القبطية» التى جاءت فى نفس المنهج ليست صحيحة أيضا، لأن التصنيف المعتمد فى كتب الدراسات الاجتماعية هو تقسيم تاريخ مصر إلى حقب سياسية، والمصريون الأقباط لم يحكموا مصر طوال هذه الفترة من القرن الأول حتى السابع الميلادى، فقد كانت مصر تحت حكم الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية.، أما تاريخ الشعب المصرى الذى آمن بالمسيحية وصاغها بطريقته الشعبية فى الطقوس والفن والموسيقى واللغة فهو ما يمكن أن نطلق عليه القبطية. وفى حين يركز درس «الحقبة القبطية» على ظهور المسيحية وانتشارها فى مصر، لا يركز على تاريخ المصريين الدينى والثقافى فى هذه الفترة، ولا يذكر معنى كلمة قبطية، وما هى الثقافة القبطية (لغة وفنا وعمارة وغيرها)، وكيف استمرت هذه الثقافة عبر العصور المختلفة، وتأثيرها على الحاضر الاجتماعى والثقافى المصرى.ومن الغرائب التى رصدها التقرير أيضا أن الدرس يذكر الامبراطور دقلديانوس فى المنهج مرتين، مرة فى درس عن العصر الرومانى باعتباره الامبراطور الذى قضى على ثورات المصريين، ومرة أخرى فى الحقبة القبطية باعتباره الامبراطور الذى عرف عصره بعصر الاضطهاد الكبير للأقباط، وفى هذا تناقض كبير، فى حين أن الحقيقة التاريخية هى أن المصريين المسيحيين قاوموا الامبراطورية الرومانية ودقلديانوس مقاومة كبيرة، ولم تكن مقاومة دينية فقط بل حملت بعدا وطنيا، حيث تذكر كثير من المراجع التاريخية أن المصريين غير المسيحيين اشتركوا إلى جانب المسيحيين فى هذه الثورات التى قمعها دقلديانوس بمنتهى العنف والقسوة. لذلك يجب أن تتغير صياغة هذه العبارة من «نجح دقلديانوس فى القضاء على ثورات المصريين» إلى «ثار المصريون المسيحيون وغير المسيحيين ضد دقلديانوس الذى قمع هذه الثورات بمنتهى القسوة والعنف».ومن ملاحظات التقرير أيضا اختفاء الأقباط خلال العصر الإسلامى، ثم يظهرون بعد ذلك فى درس ثورة 1919، تاريخ مصر الحديث والمعاصر منذ عصر محمد على مختزل بشكل كبير، رغم أن تجليات المواطنة والحداثة فى مصر قد بدأت منذ ذلك الوقت، لذلك ينبغى عرضه بشكل تفصيلى أكبر، حتى يستوعب التلاميذ نشأة المواطنة والدولة الحديثة فى مصر، كما لا يحتوى الدرس الذى يتناول ثورة 1919 ـ النموذج التقليدى للوحدة الوطنية فى تاريخ مصر المعاصر ـ إلا على جملة واحدة حول مشاركة المسلمين والأقباط فى الثورة (ثار الشعب المصرى كله مسلمين ومسيحيين.... ضد الاحتلال الانجليزى)، وفى حين يتحدث الدرس عن دستور 1923 لا يذكر أى نص من نصوصه وأهميته فى بناء المواطنة على أسس حديثة.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق