أحد أسوأ مشاكل الكفاية الدرامية عموماً أن يتوه الموضوع الأصلي من الكاتب أو أن يفشل في التركيز عليه. من توابع هذه المشكلة أن ينشطر العمل إلي جزءين لكل منهما حكايته وبدايته ونهايته، ويمكن ترجمة هذا في الأفلام السينمائية بأن تقطع تذكرة لمشاهدة فيلم واحد، فإذا بك تشاهد فيلمين لكل منهما موضوعه رغم أن الأبطال لم يتغيروا، وتلك بالضبط أزمة فيلم «The last song» أو «الأغنية الأخيرة» الذي اشترك في كتابة السيناريو له مؤلف الرواية المأخوذ عنها الفيلم وهو «نيكولاس سباركس» وأخرجته «جولي آن روبنسون» يفترض أن الخط الأقوي والأكثر كثيراً هو استعادة فتاة مراهقة لعلاقتها مع والدها الذي انفصل عن أمها، ولكن هناك خطاً آخر لا يقل عنه قوة وتأثيراً هو قصة حب بين الفتاة المتمردة وشاب أكثر ثراءً. الخطان يتصارعان ويشطران الفيلم الواحد إلي فيلمين: الأول تقليدي ينتمي إلي أفلام المراهقين الأمريكية التي قدمت منها هوليود عشرات الأفلام، والتي تلعب قصص الحب محورها، ولا تخرج في معظمها عن أيام الدراسة في المدارس أو الجامعات، أو أيام الإجازات الصيفية حيث الشواطئ والبلاجات، أما الفيلم الثاني فهو أفضل بكثير لأنه يتعامل مع هذه العلاقة الخاصة بين الابنة المتمردة والأب الذي لن نعرف أنه يعيش لحظاته الأخيرة إلا في المشاهد الأخيرة. بعد أن انتهيت من مشاهدة الفيلم أذهلني أن الكلمات المكتوبة علي الأفيش تؤكد فعلاً أن صناعه لم يحددوا موضوعهم بدقة، فقد أشاروا إلي أن الفيلم عن العائلة وعن الحب الأول وعن الفرص الجديدة، وكل عنصر من هذه العناصر يصنع فيلماً مستقلاً لو أرادوا. كان واضحاً أيضاً أن «نيكولاس سباركس» وكان قد قدم من قبل روايات رومانسية ناجحة مثل «رسالة في زجاجة» ونزهة للتذكر و«ليالي في دوانثي» الذي تحول إلي فيلم جميل شاهدته وكتب عنه منذ شهور - كان واضحاً أنه لا يريد عند كتابة السيناريو الاستغناء عن أي تفاصيل فرعية وأي شخصيات يمكن حذفها أو دمجها لتكثيف الأحداث. لكل ذلك ترهل الإيقاع تماماً في النصف الثاني من الفيلم، وبدا العمل مفتقداً للتجانس بين حكاية شبابية خفيفة وأخري ثقيلة ومزعجة، بين مشاهد متتالية في النصف الأول تذكرك بالمسلسلات الأمريكية القصيرة، وبين مشاهد في النصف الثاني تذكرك بأفلام تحاول أن تقول الكثير عن المشاعر الإنسانية. طرفا الحكاية هما الأب «ستيف» الذي يلعبه «جريج كينير» وأداؤه هو الأفضل ما في الفيلم. أنه يعيش بمفرده في منزل صغير علي الشاطئ. لا نعرف له عملاً محدداً وإن كنا نراه يعزف علي البيانو في منزله ويؤلف بعض الألحان، كما نراه يقوم بإنجاز لوحات زجاجية لتركيبها في الكنيسة التي احترقت، وأرجو أن تتذكر أن الكنيسة احترقت لأن هذه المعلومة سيبني عليها الفيلم حدوتة أخري فرعية عجيبة. أما الطرف الثاني فهي للمراهقة المتمردة «روني» (ميلي كيروس) التي أراد لها الفيلم أن تكون ضحية انفصال والدها «ستيف عن أمها» تفترض أنها موهوبة في العزف علي البيانو، ولكنها تأخذ جانباً عدائياً من والدها طوال الوقت لسبب مجهول اللهم أولاً إذا كان مجرد انفصال والدها عن أمها مبرراً كافياً. ولكن كيف يكون مبرراً كافياً ونحن نشاهد شقيقها الصغير «جونا» (بولي كولمان في دور مليء بالحيوية والظرف) أكثر اتزاناً وسعادة وتعلقاً بالأب. الزوجة السابقة ستأخذ، «روني» و«جونا» لقضاء إجازة الصيف مع الأب في منزله علي الشاطئ، «جونا» سيندمج مع والده في إعداد لوحات زجاجية للكنيسة، أما «روني» فستعيش قصة حب مع شاب طويل بعرض عاري الصدر طوال الوقت هو «ويلي» (ليام هيمسورث الذي يصلح أكثر للإعلانات). في النصف الأول من الأحداث ستشعر كأنك أمام فيلم مراهقين تقليدي تماماً، بل إن حكاية «ويلي» و«روني» تذكرنا بحكايات الحب في أفلام الأبيض والأسود المصرية. «ويلي مثلاً» يقدم نفسه للفتاة علي أنه ميكانيكي، وأحياناً نراه يعمل في أحد مراكز الأحياء البحرية، ولكننا سنكتشف أنه طالب ينتمي إلي أسرة باذخة الثراء تمتلك قصراً ضخماً مثل قصور الباشوات في حين تنتمي «روني» إلي أسرة أقل ثراء ومكانة. بل إن «ويلي» يستظرف مثل كمال الشناوي» ليتعرف إلي «روني» التي تصده أكثر من مرة، ويصل الأمر إلي درجة أن يجلس أمام منزلها بالساعات، وأن يشاركها حماية بيض السلاحف ليل نهار - خوفاً عليها من هجوم حيوان «الراكون». والطريف أن الأب «ستيف» يراقبهما بالمنظار مثل آباء أفلام الأبيض والأسود. كل شيء تقليدي حتي أسباب غضب «روني» من «ويلي» لأنه يعرف بنات أخريات، مع ملاحظة أن هؤلاء البنات - للأمانة - أجمل مائة مرة من «روني» «الكئيبة»، وخصوصاً «آشلي» الشقراء التي ستفرق بينهما علي طريقة ما كانت تفعله «مني» في أفلام شادية وكمال الشناوي. والغريب أن «ويلي» ستقسم لروني» أنها غير البنات الأخريات (يا منافق ؟!)، وعندما يقبلها لأول مرة ستنهار مقاومتها تماماً، خصوصاً أن «ويلي»، زي الباب وبالتالي فإن ضل راجل أفضل من ضل حيطة» أو ستجد لقطات للثنائي يجريان ويتقافزان فزان علي رمال الشاطئ وتماماً مثل أي فيلم عربي من زمن السبعينيات هذه المرة. وستتعرف «روني» بأسرة الشاب الثري لنجد كلاماً من الأب عن ضرورة تعلم ابنه الثري في جامعة معينة، ولم يعد باقياً إلا أن يرتدي الجميع الطرابيش لنتأكد أننا في قصر سعادة الباشا! فجأة في منتصف الفيلم يبدأ فيلم آخر عندما تكتشف «روني» أن والدها مريض بالسرطان القاتل. وأنه دعاهم لقضاء إجازة الصيف حتي يكونوا معه في لحظاته الأخيرة، وهنا يتذكر السيناريو حكاية الكنيسة المحترقة والتي بدأ بها الفيلم. فالأب يعتقد أنه هو الذي أحرق الكنيسة ب
سبب غريب جداً. فقد تسلل لكي يعزف علي البيانو هناك ( مع أن لديه بيانو في منزله) وبسبب الأدوية التي يتناولها نام فسقطت الشموع وأحرقت المكان! ويسير هذا الخط الفرعي إلي نهاية عجيبة عندما نكتشف أن «ويلي» وأصدقاءه هم الذين كانوا وراء الحريق عندما كانوا يلعبون وراء المكان بالكرات النارية! سيموت الأب بالطبع، وستكمل الابنة الأغنية التي لم يكملها، وستعزفها داخل الكنيسة بعد بنائها من جديد، وستعود بالطبع إلي «ويلي»، و«توتة توتة فرغت الحدوتة» التي تقول أشياء كثيرة جداً في اتجاهات مختلفة ودون بناء قوي ومتماسك. من الواضح أن «فبركات» الحريق والاتهامات وغيرها تحاول أن تتحدث عن التسامح والفرصة الثانية. وهناك كلام عن الحب الذي يتجاوز الفوارق الاجتماعية، وعن الحب الهش الذي يحتاج إلي رعاية، وعن البشر الذين يخطئون، وربما نسي الفيلم المتواضع أن يضيف» أن «خير الخطائين التوابون»! علي مستوي أداء الممثلين كان الأفضل «جريج كينير» في دور الأب «ستيف» يليه الطفل «بوبي كولمان» الذي خطف مشاهد كثيرة من الجميع بظرفه وبحضوره أما البطلة الشابة «ميلي كيروس» فتفتقد الحضور ومازالت تحتاج إلي امتلاك أدواتها كممثلة، وكان مضحكاً بالفعل أن يختاروا لها حبيباً عملاقاً يسير إلي جانبها علي الشاطئ مفيدوا كما لو كنا أمام أخ يقوم بتوصيل شقيقته إلي المدرسة ومعها الشنطة المليئة بالكراسات والكشاكيل، وبعض أصناف السندوتيشات لزوم الأكل في الفسحة»
روز اليوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق