السبت، 29 أغسطس 2009

أساطير الكوميديا في الأبيض و الأسود


الدور الثاني‏..‏ عالم من السحر والإبداع
بشارة واكيم وعبد السلام النابلسي وزينات صدقي‏(1‏ ـ‏2)


بشارة واكيم‏,‏ عبد السلام النابلسي‏,‏ زينات صدقي‏,‏ عبد الفتاح القصري‏,‏ ماري منيب‏,‏ عبد المنعم ابراهيم‏,‏ انهم اسماء حفروا لنفسهم مكانا ناصعا في عالم الكوميديا المصرية‏,‏ بيد ان عقودا طويلة مرت علي رحيلهم عن عالمنا‏,‏ ورغم ذلك باقيون في وجداننا‏,‏ حتي الشباب الذين ولدوا في عصر‏(‏ التقني كلر‏)‏ الالوان‏,‏ تجدهم يجلسون احيانا امام شاشات التلفاز حينما تعرض روائع من الزمن الجميل‏,‏ يضحكون علي افيهاتهم ويبكون بشكل حقيقي لبكائهم الضاحك‏,‏ وقد يستغرقهم الشريط السينمائي الي ان يفيقوا في نهايته علي سؤال يوجهونه الي ذويهم‏:‏ من هؤلاء العباقرة؟ فيكون رد الشيوخ الذين عاصروا تلك الحقب انهم شوامخ الفن السابع‏,‏ حتي الاجيال التي كان الابيض والاسود زادها وزوادها‏,‏ مازالوا يحملون ذكريات لاتنسي عنهم‏,‏ لقد صاروا جزءا من الحاضر والمستقبل‏,‏ قبل ان يكونوا علامات الامس البعيد‏.‏المثير ان هذه الرموز وهي عوالم في حد ذاتها لم تعرف ادوار البطولة طريفا اليهم اللهم عملا واحد او بالكاد اثنين طوال مسيرتهم‏,‏ بيد انهم ظلوا يؤدون الادوار الثانية او المساعدة ان جاز هذا التوصيف‏,‏ لكن ادوارهم تلك اعطت زخما هائلا للافلام التي شاركوا فيها‏,‏ بل ذهب نقاد ومعهم مؤرخون ومشاهدون الي القول بانه لولا وجودهم لسقطت تلك الاعمال‏,‏ وسقط معها اصحاب الدور الاول‏,‏ وبمعني آخر ستكون باهتة لا حياة فيها‏.‏لكن من اين البداية وعند من نتوقف؟ هل بشارة واكيم‏,‏ ام النابلسي قبل زينات صدقي ام العكس‏,‏ ام نبدأ بالقصري قبل ماري منيب او عبد المنعم ابراهيم‏,‏ انهم جميعا متساوون في القيمة والابداع‏,‏ حياتهم الفنية حافلة بروائع تحتار ايضا في تحديد افضلها‏,‏ مسيرة طويلة كانت البسمة والضحكة الصافية سماتها‏.‏ولنبدأ بهذا الفنان الرائع الجميل الذي ولد بالقاهرة من اسرة لبنانية نزحت الي المحروسة في الربع الاخير من القرن قبل الماضي انه بشارة واكيم‏(1891‏ ـ‏1947),‏ ومن منا ينسي هذا الرجل وفيلمه البسيط المضحك المبكي في آن لو كنت غني عام‏1943,‏ وفي نفس الخط الكوميدي التراجيدي يتصدر للمرة الاولي والاخيرة فيلم طاقية الاخفاء للمخرج نيازي مصطفي سنة‏1944,‏ وودر الدكتور في غرام وانتقام اخراج يوسف وهبي والمليونير بلهجته الشامية في لعبة الست‏1946,‏ والملحن الطريف واغنيته محروم في دنيا الذكريات مع ليلي مراد في الحبيب المجهول اخراج احمد سالم عام‏1948.‏في نفس جيل واكيم تقريبا يبرز عبد السلام النابلسي‏(1899‏ ـ‏1968)‏ في عالم الضحك‏,‏ صاحب الروعة والتلقائية والعزوبة في الاداء غير المتكلف‏,‏ سارق الكاميرا دون ان يكون هذا مقصده‏,‏ بدا النابلسي الذي تعود اصوله العائلية الي فلسطين حياته الفنية بأعمال بدا فيها الشاب المستهتر الطائش صديق البطل وهو في الغالب الاعم من الطبقة الارستقراطية من هذه الاعمال‏(‏ ليلي بنت الريف‏)‏ اخراج توجو مزراحي عام‏1941‏ و‏(‏غرام وانتقام‏),‏ لكن مع الفنان فريد الاطرش سيسطع اسم النابلسي وستظهر موهبته في فن التمثيل فمن خلال مشاركته للاطرش في نحو احد عشر فيلما سينمائيا منها‏:‏ ما اقدرش‏1946‏ وعفريتة هانم وآخر كدبة‏1950‏ وتعالي سلم وما تقولش لحد‏1951‏ وعايز اتجوز‏1952‏ ولحن حبي‏1953‏ ورسالة غرام‏1954‏ وعهد الهوي‏1955,‏ وازاي انساك‏,‏ تسيد عبد السلام النابلسي الشاشة الفضية ككوميديان لايباري‏,‏ وسيضفي رونقا خاصا عندما يشارك بالتوازي النجم الساطع آنذاك الراحل عبد الحليم حافظ في عدد من افلامه ففي عام‏1955‏ ظهر مع عبد الحليم حافظ في فيلم ليالي الحب ثم فتي احلامي‏1957.‏والحق ان النابلسي كان هو البطل الحقيقي لتلك الاعمال وبعبارة اخري كان احد العوامل الاساسية في بقاء بعض افلام عبد الحليم في الذاكرة حتي اللحظة‏,‏ فخفة دمه وظرفه المتناهي اعطت هذه الافلام ابعادا كوميدية غطت علي الكآبة المفتعلة والاداء الساذج وسيتأكد ذلك في فيلم حكاية حب والذي اخرجه حلمي حليم عام‏1959‏ وفي نفس العام سيصل النابلسي الي القمة وذلك من خلال شارع الحب واخرجه عام‏1959‏ عز الدين ذو الفقار وقام ببطولته عبد الحليم حافظ وصباح‏,‏ فالمضمون الذي طرحه الفيلم لم يكن جديدا‏,‏ حكاية عادية تناولتها افلام سابقة‏,‏ لكن حسب الله السادس عشر ابن شارع محمد علي والذي اداه النابلسي سيعطي للفيلم قيمة عالية وبالطبع ساعد في بلوغ تلك المنزلة كوكبة من نجوم الصف الثاني امثال رياض القصبحي واحمد الحداد وآخرين‏.‏وفي فيلم يوم من عمري عام‏1961‏ والذي اخرجه عاطف سالم سيكون النابلسي خير سند ومعين لبطلي الفيلم عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت‏,‏ وعبارته الفريدة التي سيرددها الناس علي مدار الزمن كلمة توتالا‏.‏وفي نهاية العام‏1962‏ كان مفترضا ان يشارك عبد الحليم حافظ في فيلم معبودة الجماهير‏,‏ غير ان النابلسي غادر مصر هربا من ديونه المتراكمة‏,‏ ليسند الدور الي الفنان فؤاد المهندس‏.‏وشارك عبد السلام النابلسي الفنان الراحل اسماعيل ياسين في العديد من الاعمال السينمائية‏,‏ وعندما قام ياسين ببطولة افلام حملت اسمه منها اسماعيل ياسين بوليس سري واسماعيل ياسين في البوليس الحربي واسماعيل ياسين في الجيش واسماعيل ياسين طرزان استعان بالنابلسي‏,‏ وقد تمكن الاثنان من تقديم مبارزة في بساطة الاداء بعيدا عن الاسفاف او الابتذال‏.‏لكن يبدو ان فناننا سيضيق ذرعا بالدور الثاني او السنيد‏,‏ لكن من اين له البطولة‏,‏ فالمنتجون اعتادوا علي ادائه الدور المساعد او الثاني أما البطولة فكانت مغامرة لا عهد لهم بها من هنا قام النابلسي بانتاج‏(‏ حلاق السيدات‏)‏ وفيه ستنقلب الاية‏,‏ فيؤدي اسماعيل ياسين الدور الثاني‏,‏ اما البطولة فكانت للنابلسي‏.‏لكن هذا العمل لم يصادف النجاح المتوقع ولهذا لم تتكرر التجربة وليعود النابلسي من جديد الي سابق عهده وهو الدور الثاني ففي العام نفسه سيشارك في فيلم بين السماء والارض لصلاح ابوسيف‏.‏لكن مسيرة الكوميديا التلقائية لن تكتمل بدون تلك الاسطورة التي طبعت الابيض والاسود ونعني بها هنا الموهوبة زينات صدقي‏(1912‏ ـ‏1978),‏ ويقينا انه لايمكن ان يؤرخ للسينما المصرية اجمالا بدون ذكر هذه الفنانة التي حاولت الكثيرات ان يتبوأن مكانتها ولكن هيهات‏.‏بلغ رصيد زينات السينمائي‏158‏ فيلما‏,‏ كانت البدايات متواضعة لاتذكر وعلي اي حال فهي قليلة بيد ان موهبة زينات ستتفجر مع دهب‏1953,‏ والذي اخرجه وقام ببطولته انور وجدي ويذكر ان الاخير كان يحرص علي الاستعانة بها‏,‏ في افلامه حتي لو في مشهد واحد وفي عام‏1954‏ قدمت بنات حواء مع محمد فوزي ومديحة يسري‏,‏ واعتبارا من عام‏1957‏ سوف تنطلق زينات صدقي لتحتل مكانة راسخة في عالم السينما الكوميدية فكان حضورها الفني الاخاذ يدفع منتجي السينما للتسابق لاختيارها في ادوار داخل افلامهم التي مازال الناس يشاهدونها وكانهم يرونها للمرة الاولي منها‏:‏ ابن حميدو لفطين عبد الوهاب وانت حبيبي للمخرج الراحل يوسف شاهين وتمر حنة مع اسماعيل ياسين ايضا قدمت ام طعمة في اسماعيل يس في مستشفي المجانين‏(1958)‏ وفي عام‏1959‏ يشاهد جمهور السينما شارع الحب ومع النابلسي نسج الاثنان كوميديا من طراز فريد‏..‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق