وجبات وحكايات ومفارقات ترتبط بموائد الرحمن التي تعد من أهم مظاهر الاحتفاء برمضان، وأبرز مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يميز الشهر الفضيل عن باقي شهور السنة.
ومائدة الرحمن هي مائدة إفطار مفتوحة يعدها الأغنياء لإفطار الفقراء ومن لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم وقت الإفطار أواضطرتهم أشغالهم إلى الافطار فى الطريق العام بعيداً عن أسرهم. وتتفاوت الأطباق المقدمة على موائد الرحمن ما بين الأحياء الشعبية و الراقية.
موائد شعبية وراقيةومن أشهر مواقع الموائد الشعبية بوسط القاهرة، منطقة باب الشعرية والجمالية بالدرب الأحمر أمام المساجد، حيث اعتاد الشباب المشاركة في إقامة مائدة رمضانية بخيمة صغيرة، يساهم المواطنون في تعميرها بإرسال ما أعدوه من منازلهم للخيمة وأحيانا يوزعون اصناف الطعام عليهم، أما تجار حي السبتية فيقيمون شادرا لمائدة الرحمن، يتولى موظفون الإشراف عليه من حيث الطهي والنظافة والتجهيز ولا يفطرون قبل أن يطمئنوا علي كل شيء.واشتهر ميدان عابدين بإقامة مائدة ضخمة لأهالي المنطقة. وفي ميدان رمسيس تقام مائدة شهيرة خلف مسجد الفتح بها مجموعة عمل مكلفة بإعداد الطعام.
ومن موائد الأحياء الراقية، المائدة التي تمتد أمام سور نادي الصيد بالدقي، وتحتشد بنحو 2000 ضيف في اليوم قبل أذان المغرب بأكثر من نصف ساعة.
هذا بخلاف موائد الفنانات وعلى رأسها مائدة فيفي عبده ودينا وشيريهان وسميرة سعيد بالزمالك والمهندسين، وتحظى بإقبال هائل لما تقدمه من طعام فاخر إضافة إلى مبلغ مالي لكل ضيف على المائدة. وتحرص بعض الفنانات أحيانا على تقديم الخدمة بأنفسهن لرواد موائد الرحمن. وقد أثارت هذه الموائد جدلاً في المجتمع المصري، خاصة تلك الموائد التى تقيمها بعض الراقصات وسط موجة انتقادات وسخرية.
موائد المشاهيروهناك عشرات الموائد الشهيرة التي يقيمها الأزهر الشريف، وتمثل فرصة لاجتذاب المشاهير في عالم الكتابة أو الأدب أو الفن أو المال.كذلك موائد رجال الأعمال المشهورين مثل مائدة د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في السيدة زينب مقر دائرته الانتخابية. ومن الموائد التي تقدم إفطاراً جاهزاً من أحد المطاعم الكبرى، مائدة رجلي الأعمال أحمد عز ومحمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشورى في مدينة العاشر من رمضان.
ورغم أن موائد الرحمن التي يقيمها رجال الأعمال والأغنياء وبعض المسئولين في تزايد مستمر إلا أن المساجد لا تزال أشهر الجهات القائمة على إعداد موائد الرحمن، حيث لا يخلو مسجد في مصر من مائدة رمضانية.
ويلاحظ في السنوات الأخيرة أن كمية ونوعية "موائد الرحمن" قد تطورت بشكل ملموس، ولم تعد قائمة ضيوف "موائد الرحمن" تقتصرعلى الفقراء والمساكين وعابري السبيل فقط، لكنها امتدت لتشمل فئات أخرى ترتادها لأسباب مختلفة، منها التنزه، وخوض تجربة الإفطار بالهواء الطلق، فأصبحت تستضيف بعض الأجانب، حيث يجتذب شهر رمضان السائحين بطقوسه الخاصة، مثل طريقة إعداد الموائد الرمضانية، حتى أن البعض منهم يقبل على تجربة الصيام ويدعو نفسه للجلوس على موائد الرحمن للاستمتاع بهذا الجو الروحاني الذي يسوده التراحم والمودة، في محاولة لممارسة هذه الحالة الثقافية من ناحية، وتوفير ثمن وجبة من ناحية أخرى.
وقد زاد من عدد وتنوع ضيوف الموائد الأزمات المرورية الطاحنة التي يشهدها رمضان في ساعة الذروة، مما يضطر غير المحتاجين أحيانا للجلوس عليها بحكم تأخرهم عن العودة لمنازلهم وقت الإفطار.
موائد "ديلفيري"انتشرت مؤخراً ظاهرة توصيل الطعام للمنازل من موائد الرحمن في عدد كبير من الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد، حيث بدأت بعض الجمعيات في تطبيق تقليد جديد هو إرسال وجبة الإفطار إلى منازل الفقراء، ومنها جمعية الرحمن بحي البساتين والتي يشرف عليها رجال الأعمال.
وعلى سبيل المثال يقدم مسجد د. مصطفى محمود بالمهندسين في رمضان نحو 5000 وجبة يومياً، يتبرع لها أهل الخير، فهذه الطريقة تناسب شريحة أخرى من المحتاجين الذين يمنعهم الحياء من الذهاب إلى الموائد، أو يصعب عليهم الخروج إليها في الشوارع والميادين العامة لأسباب مختلفة.
وتتنوع مستويات خدمة توصيل وجبات الإفطار، فمنها مايقدم للخيمة المعدة للجلوس بجوار المركز الرئيسي للجمعية وهناك من يأخذ طعامه خارج الخيمة، كما يتم توصيل وجبات الإفطار إلى منازل الفقراء من خلال سيارات خاصة بالجمعية فضلا عن تقديم الوجبات للجالسين فى الجامع المجاور للجمعية، وهناك سيارات محملة بموائد افطار متنقلة تجوب شوارع القاهرة، بحيث يقوم مندوبو الموائد بتسليم كل من يمر وقت الإفطار وجبات جاهزة، خصوصاً الذين يجدون صعوبة في ترك أماكنهم مثل رجال المرور والحراسة والنظافة وأطفال الشوارع، والعاملين في المحال التجارية وعابري السبيل.
دراسة علميةكشفت دراسة لكلية الآداب جامعة القاهرة أن أهم ما يميز استعداد المصريين لرمضان هو تجهيز بعض أنواع المأكولات والمشروبات ذات الصلة الوثيقة بهذا الشهر، مثل الكنافة والكركدية وغيرها.وحول موائد الرحمن، تؤكد الدراسة أن رمضان يعكس مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي والترابط وعطف الغني على الفقير، وذلك من خلال مايعرف بموائد الرحمن التي قسمتها إلى 3 أنواع، الأولى تتولى الإشراف عليها المساجد فيما يعرف بـ"موائد المساجد"، ويتم تمويلها من أموال لجان الزكاة الخاصة بالمساجد، بالإضافة إلى معونات خاصة من الأفراد والأهالي، ويتم إعدادها طوال شهر رمضان.
والثانية هي "موائد القادرين" التي يقيمها بعض الأغنياء، ويتولون الإشراف عليها، وتقام أمام منازلهم أو متاجرهم أو محالهم.
والثالثة "موائد الشباب " أو "الموائد التطوعية"، ويتطوع للقيام بها عدد من الشباب الذين يتولون الإشراف عليها من حيث إعداد الطعام، وعلى كل متطوع أن يشارك أسرته في الإعداد والإشراف ومراسم الاستضافة.وتبين وفق نتائج دراسة حديثة أعدتها لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف عام 2001 أن القائمين على موائد الرحمن في القاهرة وحدها ينفقون عليها ما يزيد عن مليار جنيه.كما أوضحت دراسة أخرى نشرتها جامعة الأزهر مؤخرا أن موائد الرحمن في القاهرة تتكلف قرابة مليار جنيه، بينما ينفق أهالي المحافظات الأخرى خارج القاهرة على هذه الموائد نحو مليار جنيه آخر.وأشارت الدراسة إلى أن عدد رواد موائد الرحمن في مصر يقدر بحوالي 3 ملايين مواطن، كما يبلغ عدد منظمي موائد الرحمن نحو 10 آلاف شخص ينفقون على موائد القاهرة.وتشير أحدث دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن "موائد الرحمن في رمضان" إلى وجود أكثر من 4000 مائدة بالقاهرة وحدها، يفطر عليها أكثر من 10 آلاف شخص يومياً.
حكايات ومفارقات ومن الأحداث الطريفة والمفارقات المتعلقة بالإفطار على موائد الرحمن، ما شهدته منطقة وسط القاهرة من نهاية مأساوية لقصة حب استمرت 5 أعوام على إحدى هذه الموائد، عندما قرر مهندس شاب - صار عاطلاً بعد إغلاق المصنع الذي يعمل به - دعوة أسرة خطيبته الموظفة بإحدى المدارس الحكومية بمنطقة عابدين التعليمية على الإفطار في أحد مطاعم وسط العاصمة.
وقبل موعد الإفطار بنحو ساعة فشل في حجز مائدة للأسرة - التي قبلت أن تزوجه ابنتها - بأي مطعم متواضع، وانتابته الدهشة عندما تردد على أكثر من 10مطاعم في شوارع التوفيقية والألفي وعماد الدين، واكتشف أن دعوة أفراد الأسرة على وجبة كباب ستكلفه نحو 300 جنيه على الأقل، فاضطر للذهاب حيث تنتظره أسرتها بالقرب من إحدى محطات المترو، وبعد أن صافحهم قرر أن يذهب بهم إلى إحدى موائد الرحمن الشعبية بحجة أن كل المطاعم محجوزة مسبقاً.
غير أن الأحداث تطورت بسرعة حين وجدت الأسرة نفسها أمام مائدة رحمن تعج بالمشردين وعابري السبيل من الفقراء، فانفجر الأب في وجه خطيب ابنته معتبراً ما قام به إهانة شديدة لأسرته المرموقة الثرية، ورغم محاولة المهندس سيئ الحظ الاعتذار لصهره إلا أن الأمور ازدادت تعقيداً بعد تدخل بعض الضيوف الذين استفزهم وجود أسرة يبدو على مظهر أفرادها الثراء بينهم، وقيامهم بصب غضبهم على الشاب معتبرين ما قام به إساءة لا تغتفر. وقد اشتعل الموقف أكثرعندما أصر والد الفتاة على فسخ الخطبة ونزع الدبلة من اصبع ابنته وقذف بها في وجه العريس الذي لجأ إلى مائدة الرحمن هرباً من الفقر والبطالة دون مبالاة بعاقبة هذا التصرف.
ويروى أن عاشق الأدب والأدباء المستشار مصطفى النحاس، وهـو حفيد مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد، اتفق مع صديقه الشاعـر فرج مكسيم وهو قبطي علي الإفطار بإحدى موائد الرحمن الشعبية كنوع من التغيير. وكان النحاس أيضاً فاطرا ولا يصوم أبداً، وعندما دخلا إلي المائدة بملابسهما الفخمة الأنيقة، احتفى بهما الحضور وصاحب المائدة، لكن التأفف بدا علي كليـهما من عدم نظافة المكان والأطباق والملاعق، مما دفع "مكسيم " للتلفظ بألفاظ جارحة، فحاول "النحاس" تهدئته بلا جدوى، وبينما يناديه باسمه عرف رواد المائدة أنه قبطي وأن صديقـــه فاطر، فانهالوا عليهما ضرباً وركلاً.
هذا غير الخلافات التي تنشب أحيانا بين الرواد موائد الرحمن بسبب ماراثون الحجز على المقاعد قبل الميعاد بساعات.
أيضا هناك مخالفة بيئية عابرة وقعت بإحدى الموائد الشهيرة بمدينة نصر عام 2008، كادت أن تفجر مشكلة مع وزارة البيئة وشركة الصرف الصحي، بسبب تخلص القائمين على نظافتها من الفضلات في شبكات الصرف الصحي.
والجديد هذا العام هو وجود حملات دورية للكشف على صحة ضيوف الرحمن وقياس درجة حرارتهم ببعض الموائدة المعروفة بازدحامها الشديد، تلافياً لانتشار إنفلونزا الطيور والخنازير، وربما يتم توزيع كمامات على الضيوف.
موائد الرحمن فى التاريخ يختلف المؤرخون حول البداية الحقيقية لموائد الرحمن، لكنهم لا يختلفون على مظاهر تطورها وتوسعها كماً ونوعاً من عام لآخر، ويرجع بعضهم جذور هذه الموائد إلى عصر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - حين كان بالمدينة المنورة وقدم إليه وفد من الطائف، اعتنقوا الإسلام واستقروا فيها لفترة، فكان الرسول يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح، واقتدى به الخلفاء الراشدون حتى أن عمر بن الخطاب أعد داراً للضيافة يفطر فيها الصائمون.
ومن الموائد التاريخية التي أقامها الأئمة، مائدة إمام الخيرات الفقيه الليث بن سعد، فرغم أنه كان ثرياً زاهداً لا يتناول في رمضان إلا الفول، إلا أنه أقام موائد رحمن عامرة بأشهى الأطعمة، اشتهرت بالهريسة حتى عرفت باسم "هريسة الليث" التي كانت تصنع بعسل النحل والسمن إذا جاء رمضان في الشتاء، بينما تصنع باللوز والسكر عند حلوله في الصيف.
وفي بغداد، كان هارون الرشيد يقيم موائد الإفطار في حدائق قصره، واعتاد القيام بجولات مفاجئة وهو متنكراً بين الموائد، ليسأل الصائمين عن رأيهم في جودة الطعام ومدى كفايته وتنوعه.
حفل إفطار "ابن طولون"وبالنسبة للعصر الذي شهد انتشار هذه الظاهرة بمصر، هناك من يقول إن الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية هو أول من أقام مائدة الرحمن في مصر في السنة الرابعة لولايته، حيث دعا الأعيان وكبار رجال الدولة وتجار المحروسة إلى مائدة رمضانية عامرة بحفل إفطار ضخم، وعندما وصل المدعوون الحفل وجدوا إلى جوارهم عددا كبيرا من فقراء مصر جاءوا بدعوة من الأمير أيضا.
ويومها خطب "ابن طولون" فيهم قائلاً "إنني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فانني آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم، فيتذوقها الفقير المحروم".
وأبلغهم أن المائدة ستستمر طوال أيام رمضان لاستقبال الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وحث "ابن طولون" الأعيان وكبار التجار على أن يقتدوا به، ومن يومها أصبحت موائد الرحمن معلما مصريا رمضانيا، ثم عربيا وإسلاميا، حيث أمر أحمد بن طولون ابتداءً من عام 880 هـ بإقامة موائد الإفطار للصائمين في رمضان بالأماكن العامة، وورث ابنه "خمارويه" هذا التقليد عنه.
بينما يقول البعض نقلا عن "المقريزي" إن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقليد إقامة المآدب الخيرية في عهد الدولة الفاطمية، وأول من أقام مائدة في رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق "عمرو بن العاص"، وكان يتبرع بنحو 1100 قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع من قصره على الفقراء.
ويحكي المقريزي أن الخلفاء اتخذوا قاعة أطلق عليها "قصر الذهب" بالقصر الشرقي الكبير مكاناً لجلوسهم وأعدوها لولائم الإفطار في رمضان، فإذا حان وقت الغروب كانت الموائد تفرش وتزين بالأزهار وتقدم عليها مختلف أنواع المأكولات والحلوى والقطائف.
وكان الفاطميون يعدون موائد ممتدة تحت اسم "دار الفطرة" بطول 175 متراً وعرض 4 أمتار. ومن أشهر أصحاب الموائد في تلك الفترة الأمير "ابن الضرات" المولود بحي شبرا بالقاهرة، حيث كانت له أراض واسعة تدر عليه نحو 2 مليون دينار سنوياً، كان ينفقها في رمضان بأن يعد موائد بطول 500 متر ويجلس على رأسها وأمامه 30 ملعقة من البلور، يأكل بكل ملعقة مرة واحدة ثم يلقي بها ويستخدم غيرها.
وفي عصر المماليك والعثمانيين تراجعت موائد الرحمن بسبب الحروب وأثناء الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي، بدأت الجمعيات الخيرية تعيد إحياء موائد الرحمن للفقراء.
وحديثًا ظهرت الموائد على نطاق ضيق في صورة قيام أصحاب المصانع والورش والمحال بإعداد هذه الموائد لعمالهم كنوع من البر، وكوسيلة للحفاظ على سير العمل في رمضان بانتظام.
و في عام 1967 تولى بنك ناصر الاجتماعي الإشراف على موائد الرحمن بشكلها الحالي في مسجد الخلفاء بمصر الجديدة من أموال الزكاة، وبعد ذلك بحوالي 10 أعوام ازدادت مشاركات الوزراء ورجال الأعمال ورؤساء الجامعات ورجال الدين أقباط ومسلمين في إقامة موائد الرحمن كنموذج للوحدة الوطنية.
ومنذ مطلع سبعينيات القرن الـ20 ازدهرت موائد الرحمن وانتشرت في العديد من الدول العربية والاسلامية وأخذت تتطور من عام لآخر.
موائد شعبية وراقيةومن أشهر مواقع الموائد الشعبية بوسط القاهرة، منطقة باب الشعرية والجمالية بالدرب الأحمر أمام المساجد، حيث اعتاد الشباب المشاركة في إقامة مائدة رمضانية بخيمة صغيرة، يساهم المواطنون في تعميرها بإرسال ما أعدوه من منازلهم للخيمة وأحيانا يوزعون اصناف الطعام عليهم، أما تجار حي السبتية فيقيمون شادرا لمائدة الرحمن، يتولى موظفون الإشراف عليه من حيث الطهي والنظافة والتجهيز ولا يفطرون قبل أن يطمئنوا علي كل شيء.واشتهر ميدان عابدين بإقامة مائدة ضخمة لأهالي المنطقة. وفي ميدان رمسيس تقام مائدة شهيرة خلف مسجد الفتح بها مجموعة عمل مكلفة بإعداد الطعام.
ومن موائد الأحياء الراقية، المائدة التي تمتد أمام سور نادي الصيد بالدقي، وتحتشد بنحو 2000 ضيف في اليوم قبل أذان المغرب بأكثر من نصف ساعة.
هذا بخلاف موائد الفنانات وعلى رأسها مائدة فيفي عبده ودينا وشيريهان وسميرة سعيد بالزمالك والمهندسين، وتحظى بإقبال هائل لما تقدمه من طعام فاخر إضافة إلى مبلغ مالي لكل ضيف على المائدة. وتحرص بعض الفنانات أحيانا على تقديم الخدمة بأنفسهن لرواد موائد الرحمن. وقد أثارت هذه الموائد جدلاً في المجتمع المصري، خاصة تلك الموائد التى تقيمها بعض الراقصات وسط موجة انتقادات وسخرية.
موائد المشاهيروهناك عشرات الموائد الشهيرة التي يقيمها الأزهر الشريف، وتمثل فرصة لاجتذاب المشاهير في عالم الكتابة أو الأدب أو الفن أو المال.كذلك موائد رجال الأعمال المشهورين مثل مائدة د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في السيدة زينب مقر دائرته الانتخابية. ومن الموائد التي تقدم إفطاراً جاهزاً من أحد المطاعم الكبرى، مائدة رجلي الأعمال أحمد عز ومحمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشورى في مدينة العاشر من رمضان.
ورغم أن موائد الرحمن التي يقيمها رجال الأعمال والأغنياء وبعض المسئولين في تزايد مستمر إلا أن المساجد لا تزال أشهر الجهات القائمة على إعداد موائد الرحمن، حيث لا يخلو مسجد في مصر من مائدة رمضانية.
ويلاحظ في السنوات الأخيرة أن كمية ونوعية "موائد الرحمن" قد تطورت بشكل ملموس، ولم تعد قائمة ضيوف "موائد الرحمن" تقتصرعلى الفقراء والمساكين وعابري السبيل فقط، لكنها امتدت لتشمل فئات أخرى ترتادها لأسباب مختلفة، منها التنزه، وخوض تجربة الإفطار بالهواء الطلق، فأصبحت تستضيف بعض الأجانب، حيث يجتذب شهر رمضان السائحين بطقوسه الخاصة، مثل طريقة إعداد الموائد الرمضانية، حتى أن البعض منهم يقبل على تجربة الصيام ويدعو نفسه للجلوس على موائد الرحمن للاستمتاع بهذا الجو الروحاني الذي يسوده التراحم والمودة، في محاولة لممارسة هذه الحالة الثقافية من ناحية، وتوفير ثمن وجبة من ناحية أخرى.
وقد زاد من عدد وتنوع ضيوف الموائد الأزمات المرورية الطاحنة التي يشهدها رمضان في ساعة الذروة، مما يضطر غير المحتاجين أحيانا للجلوس عليها بحكم تأخرهم عن العودة لمنازلهم وقت الإفطار.
موائد "ديلفيري"انتشرت مؤخراً ظاهرة توصيل الطعام للمنازل من موائد الرحمن في عدد كبير من الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد، حيث بدأت بعض الجمعيات في تطبيق تقليد جديد هو إرسال وجبة الإفطار إلى منازل الفقراء، ومنها جمعية الرحمن بحي البساتين والتي يشرف عليها رجال الأعمال.
وعلى سبيل المثال يقدم مسجد د. مصطفى محمود بالمهندسين في رمضان نحو 5000 وجبة يومياً، يتبرع لها أهل الخير، فهذه الطريقة تناسب شريحة أخرى من المحتاجين الذين يمنعهم الحياء من الذهاب إلى الموائد، أو يصعب عليهم الخروج إليها في الشوارع والميادين العامة لأسباب مختلفة.
وتتنوع مستويات خدمة توصيل وجبات الإفطار، فمنها مايقدم للخيمة المعدة للجلوس بجوار المركز الرئيسي للجمعية وهناك من يأخذ طعامه خارج الخيمة، كما يتم توصيل وجبات الإفطار إلى منازل الفقراء من خلال سيارات خاصة بالجمعية فضلا عن تقديم الوجبات للجالسين فى الجامع المجاور للجمعية، وهناك سيارات محملة بموائد افطار متنقلة تجوب شوارع القاهرة، بحيث يقوم مندوبو الموائد بتسليم كل من يمر وقت الإفطار وجبات جاهزة، خصوصاً الذين يجدون صعوبة في ترك أماكنهم مثل رجال المرور والحراسة والنظافة وأطفال الشوارع، والعاملين في المحال التجارية وعابري السبيل.
دراسة علميةكشفت دراسة لكلية الآداب جامعة القاهرة أن أهم ما يميز استعداد المصريين لرمضان هو تجهيز بعض أنواع المأكولات والمشروبات ذات الصلة الوثيقة بهذا الشهر، مثل الكنافة والكركدية وغيرها.وحول موائد الرحمن، تؤكد الدراسة أن رمضان يعكس مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي والترابط وعطف الغني على الفقير، وذلك من خلال مايعرف بموائد الرحمن التي قسمتها إلى 3 أنواع، الأولى تتولى الإشراف عليها المساجد فيما يعرف بـ"موائد المساجد"، ويتم تمويلها من أموال لجان الزكاة الخاصة بالمساجد، بالإضافة إلى معونات خاصة من الأفراد والأهالي، ويتم إعدادها طوال شهر رمضان.
والثانية هي "موائد القادرين" التي يقيمها بعض الأغنياء، ويتولون الإشراف عليها، وتقام أمام منازلهم أو متاجرهم أو محالهم.
والثالثة "موائد الشباب " أو "الموائد التطوعية"، ويتطوع للقيام بها عدد من الشباب الذين يتولون الإشراف عليها من حيث إعداد الطعام، وعلى كل متطوع أن يشارك أسرته في الإعداد والإشراف ومراسم الاستضافة.وتبين وفق نتائج دراسة حديثة أعدتها لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف عام 2001 أن القائمين على موائد الرحمن في القاهرة وحدها ينفقون عليها ما يزيد عن مليار جنيه.كما أوضحت دراسة أخرى نشرتها جامعة الأزهر مؤخرا أن موائد الرحمن في القاهرة تتكلف قرابة مليار جنيه، بينما ينفق أهالي المحافظات الأخرى خارج القاهرة على هذه الموائد نحو مليار جنيه آخر.وأشارت الدراسة إلى أن عدد رواد موائد الرحمن في مصر يقدر بحوالي 3 ملايين مواطن، كما يبلغ عدد منظمي موائد الرحمن نحو 10 آلاف شخص ينفقون على موائد القاهرة.وتشير أحدث دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن "موائد الرحمن في رمضان" إلى وجود أكثر من 4000 مائدة بالقاهرة وحدها، يفطر عليها أكثر من 10 آلاف شخص يومياً.
حكايات ومفارقات ومن الأحداث الطريفة والمفارقات المتعلقة بالإفطار على موائد الرحمن، ما شهدته منطقة وسط القاهرة من نهاية مأساوية لقصة حب استمرت 5 أعوام على إحدى هذه الموائد، عندما قرر مهندس شاب - صار عاطلاً بعد إغلاق المصنع الذي يعمل به - دعوة أسرة خطيبته الموظفة بإحدى المدارس الحكومية بمنطقة عابدين التعليمية على الإفطار في أحد مطاعم وسط العاصمة.
وقبل موعد الإفطار بنحو ساعة فشل في حجز مائدة للأسرة - التي قبلت أن تزوجه ابنتها - بأي مطعم متواضع، وانتابته الدهشة عندما تردد على أكثر من 10مطاعم في شوارع التوفيقية والألفي وعماد الدين، واكتشف أن دعوة أفراد الأسرة على وجبة كباب ستكلفه نحو 300 جنيه على الأقل، فاضطر للذهاب حيث تنتظره أسرتها بالقرب من إحدى محطات المترو، وبعد أن صافحهم قرر أن يذهب بهم إلى إحدى موائد الرحمن الشعبية بحجة أن كل المطاعم محجوزة مسبقاً.
غير أن الأحداث تطورت بسرعة حين وجدت الأسرة نفسها أمام مائدة رحمن تعج بالمشردين وعابري السبيل من الفقراء، فانفجر الأب في وجه خطيب ابنته معتبراً ما قام به إهانة شديدة لأسرته المرموقة الثرية، ورغم محاولة المهندس سيئ الحظ الاعتذار لصهره إلا أن الأمور ازدادت تعقيداً بعد تدخل بعض الضيوف الذين استفزهم وجود أسرة يبدو على مظهر أفرادها الثراء بينهم، وقيامهم بصب غضبهم على الشاب معتبرين ما قام به إساءة لا تغتفر. وقد اشتعل الموقف أكثرعندما أصر والد الفتاة على فسخ الخطبة ونزع الدبلة من اصبع ابنته وقذف بها في وجه العريس الذي لجأ إلى مائدة الرحمن هرباً من الفقر والبطالة دون مبالاة بعاقبة هذا التصرف.
ويروى أن عاشق الأدب والأدباء المستشار مصطفى النحاس، وهـو حفيد مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد، اتفق مع صديقه الشاعـر فرج مكسيم وهو قبطي علي الإفطار بإحدى موائد الرحمن الشعبية كنوع من التغيير. وكان النحاس أيضاً فاطرا ولا يصوم أبداً، وعندما دخلا إلي المائدة بملابسهما الفخمة الأنيقة، احتفى بهما الحضور وصاحب المائدة، لكن التأفف بدا علي كليـهما من عدم نظافة المكان والأطباق والملاعق، مما دفع "مكسيم " للتلفظ بألفاظ جارحة، فحاول "النحاس" تهدئته بلا جدوى، وبينما يناديه باسمه عرف رواد المائدة أنه قبطي وأن صديقـــه فاطر، فانهالوا عليهما ضرباً وركلاً.
هذا غير الخلافات التي تنشب أحيانا بين الرواد موائد الرحمن بسبب ماراثون الحجز على المقاعد قبل الميعاد بساعات.
أيضا هناك مخالفة بيئية عابرة وقعت بإحدى الموائد الشهيرة بمدينة نصر عام 2008، كادت أن تفجر مشكلة مع وزارة البيئة وشركة الصرف الصحي، بسبب تخلص القائمين على نظافتها من الفضلات في شبكات الصرف الصحي.
والجديد هذا العام هو وجود حملات دورية للكشف على صحة ضيوف الرحمن وقياس درجة حرارتهم ببعض الموائدة المعروفة بازدحامها الشديد، تلافياً لانتشار إنفلونزا الطيور والخنازير، وربما يتم توزيع كمامات على الضيوف.
موائد الرحمن فى التاريخ يختلف المؤرخون حول البداية الحقيقية لموائد الرحمن، لكنهم لا يختلفون على مظاهر تطورها وتوسعها كماً ونوعاً من عام لآخر، ويرجع بعضهم جذور هذه الموائد إلى عصر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - حين كان بالمدينة المنورة وقدم إليه وفد من الطائف، اعتنقوا الإسلام واستقروا فيها لفترة، فكان الرسول يرسل إليهم إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح، واقتدى به الخلفاء الراشدون حتى أن عمر بن الخطاب أعد داراً للضيافة يفطر فيها الصائمون.
ومن الموائد التاريخية التي أقامها الأئمة، مائدة إمام الخيرات الفقيه الليث بن سعد، فرغم أنه كان ثرياً زاهداً لا يتناول في رمضان إلا الفول، إلا أنه أقام موائد رحمن عامرة بأشهى الأطعمة، اشتهرت بالهريسة حتى عرفت باسم "هريسة الليث" التي كانت تصنع بعسل النحل والسمن إذا جاء رمضان في الشتاء، بينما تصنع باللوز والسكر عند حلوله في الصيف.
وفي بغداد، كان هارون الرشيد يقيم موائد الإفطار في حدائق قصره، واعتاد القيام بجولات مفاجئة وهو متنكراً بين الموائد، ليسأل الصائمين عن رأيهم في جودة الطعام ومدى كفايته وتنوعه.
حفل إفطار "ابن طولون"وبالنسبة للعصر الذي شهد انتشار هذه الظاهرة بمصر، هناك من يقول إن الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية هو أول من أقام مائدة الرحمن في مصر في السنة الرابعة لولايته، حيث دعا الأعيان وكبار رجال الدولة وتجار المحروسة إلى مائدة رمضانية عامرة بحفل إفطار ضخم، وعندما وصل المدعوون الحفل وجدوا إلى جوارهم عددا كبيرا من فقراء مصر جاءوا بدعوة من الأمير أيضا.
ويومها خطب "ابن طولون" فيهم قائلاً "إنني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فانني آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم، فيتذوقها الفقير المحروم".
وأبلغهم أن المائدة ستستمر طوال أيام رمضان لاستقبال الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وحث "ابن طولون" الأعيان وكبار التجار على أن يقتدوا به، ومن يومها أصبحت موائد الرحمن معلما مصريا رمضانيا، ثم عربيا وإسلاميا، حيث أمر أحمد بن طولون ابتداءً من عام 880 هـ بإقامة موائد الإفطار للصائمين في رمضان بالأماكن العامة، وورث ابنه "خمارويه" هذا التقليد عنه.
بينما يقول البعض نقلا عن "المقريزي" إن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كان أول من وضع تقليد إقامة المآدب الخيرية في عهد الدولة الفاطمية، وأول من أقام مائدة في رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق "عمرو بن العاص"، وكان يتبرع بنحو 1100 قدر من جميع ألوان الطعام لتوزع من قصره على الفقراء.
ويحكي المقريزي أن الخلفاء اتخذوا قاعة أطلق عليها "قصر الذهب" بالقصر الشرقي الكبير مكاناً لجلوسهم وأعدوها لولائم الإفطار في رمضان، فإذا حان وقت الغروب كانت الموائد تفرش وتزين بالأزهار وتقدم عليها مختلف أنواع المأكولات والحلوى والقطائف.
وكان الفاطميون يعدون موائد ممتدة تحت اسم "دار الفطرة" بطول 175 متراً وعرض 4 أمتار. ومن أشهر أصحاب الموائد في تلك الفترة الأمير "ابن الضرات" المولود بحي شبرا بالقاهرة، حيث كانت له أراض واسعة تدر عليه نحو 2 مليون دينار سنوياً، كان ينفقها في رمضان بأن يعد موائد بطول 500 متر ويجلس على رأسها وأمامه 30 ملعقة من البلور، يأكل بكل ملعقة مرة واحدة ثم يلقي بها ويستخدم غيرها.
وفي عصر المماليك والعثمانيين تراجعت موائد الرحمن بسبب الحروب وأثناء الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي، بدأت الجمعيات الخيرية تعيد إحياء موائد الرحمن للفقراء.
وحديثًا ظهرت الموائد على نطاق ضيق في صورة قيام أصحاب المصانع والورش والمحال بإعداد هذه الموائد لعمالهم كنوع من البر، وكوسيلة للحفاظ على سير العمل في رمضان بانتظام.
و في عام 1967 تولى بنك ناصر الاجتماعي الإشراف على موائد الرحمن بشكلها الحالي في مسجد الخلفاء بمصر الجديدة من أموال الزكاة، وبعد ذلك بحوالي 10 أعوام ازدادت مشاركات الوزراء ورجال الأعمال ورؤساء الجامعات ورجال الدين أقباط ومسلمين في إقامة موائد الرحمن كنموذج للوحدة الوطنية.
ومنذ مطلع سبعينيات القرن الـ20 ازدهرت موائد الرحمن وانتشرت في العديد من الدول العربية والاسلامية وأخذت تتطور من عام لآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق