تحرص السعودية على أن توفر لمواطنيها فرص عمل وتعالج الضغوط الاجتماعية التي تمثلها البطالة لكن من المستبعد بدرجة كبيرة أن يحقق المسعى الكبير لتوفير وظائف في القطاع الخاص نتائج إيجابية.
وتعتزم السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم إنفاق نحو 130 مليار دولار أي نحو 30 بالمئة من الناتج الاقتصادي السنوي على مساعدات حكومية لتهدئة أي شعور بالسخط قد يسفر عن احتجاج على الوضع القائم في المملكة المحافظة.
وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين المختص بالشرق الاوسط في مجموعة سيتي "التحدي الرئيسي الذي يواجه السعودية هو البطالة وتشغيل الشبان بشكل خاص وهذا هو المصدر الرئيسي لاستمرار الاضطرابات."
وأضاف "ما شهدناه منذ الاعلان عن المنح هو أن أصبحت هناك ضرورة أكبر لمواجهة اضطرابات سوق العمل."
وتعتبر البطالة البالغة 10.5 بالمئة قضية ملحة في البلاد مع نمو سكان السعودية بمتوسط اثنين بالمئة سنويا أي خمسة أمثال المعدل في الدول المتقدمة.
ويمثل السعوديون 69 بالمئة من اجمالي عدد السكان البالغ 27.6 مليون نسمة والباقي من العاملين الاجانب. ونحو 70 بالمئة من السعوديين تقل أعمارهم عن 30 عاما.
وعلى الرغم من ثروتها النفطية الضخمة اذ تبلغ أصولها الاجنبية مستوى قياسيا عند 468 مليار دولار تجد المملكة صعوبة في خفض معدل البطالة.
ويرجع ذلك الى نظام تعليم متقادم يركز على العلوم الدينية وينتج خريجين يفتقرون للمهارات التي تمكنهم من المنافسة على وظائف القطاع الخاص ونقص الوظائف الحكومية ذات الرواتب الكبيرة وتفضيل الشركات للعمالة الاجنبية الماهرة الارخص.
ونظم عشرات من خريجي الجامعات والمدرسين احتجاجات نادرة من نوعها في مدينتين سعوديتين في ابريل نيسان الماضي يطالبون بوظائف وتحسين الاجور.
وكانت الانتفاضتان الشعبيتان في تونس ومصر والاحتجاجات التي تجتاح البحرين وعمان واليمن قد شجعت الراغبين في التغيير في المملكة فنظموا احتجاجات صغيرة متفرقة في مارس وابريل.
وفي محاولة لتخفيف حدة التوترات كشف الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية في مارس اذار وفبراير شباط عن اجراءات تشمل اعانات بطالة شهرية قدرها 533 دولارا ورفع أجور العاملين في القطاع العام وتوفير 60 ألف وظيفة أمنية وبناء 500 ألف مسكن جديد.
وأعلنت وزارة العمل السعودية عن خطة لتعيين ألف مفتش لمتابعة تطبيق نظام جديد للسعودة في الشركات الخاصة وتصنف الشركات حسب التزامها بقواعد السعودة ومعاقبة الشركات المتقاعسة.
غير أن المحللين يشككون في قدرة السلطات على فرض رقابتها فعليا على نحو 1.2 مليون شركة مسجلة في المملكة خاصة الشركات الصغيرة.
وقل جون سفاكيناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي "يشكل ذلك عبئا اضافيا على القطاع الخاص.. وقد يمثل تجربة فاشلة أخرى."
واضاف "يمكننا رصد تحايلات على هذه القواعد... والمزيد من الفساد."
وعلى الرغم من دعم السعودة على مدة 16 عاما مازال المواطنون يمثلون عشرة بالمئة فقط من العاملين في القطاع الخاص اذ تفضل الشركات العمالة الآسيوية المستعدة للعمل لساعات أطول مقابل أجر أقل أو الخبراء الاجانب الذين يحصلون على رواتب كبيرة.
وعلى مر السنين وجدت الشركات عدة سبل للتحايل على قواعد السعودة منها دفع أموال للسعوديين على أن يبقوا في منازلهم أو اسناد بعض الاعمال للوفاء بالحصص.
وعلى عكس الحال في دول خليجية أخرى منتجة للنفط مثل الكويت لم تعد الوظائف الحكومية مضمونة للسعوديين الذين بلغ نصيب الفرد منهم من الدخل نحو 24 ألف دولار في العام الماضي أي أقل من نصفه في الامارات المجاورة.
وقال جمال خشقجي المعلق السعودي ان وجود عدد كبير من العمالة الأجنبية أثر على أخلاقيات العمل وجعل كثيرا من السعوديين يفقدون اهتمامهم بالعمل.
وفي إطار مبادرة جديدة قالت وزارة العمل السعودية يوم الاثنين الماضي ان السلطات لن تجدد تصاريح العمل للاجانب الذين يمضون أكثر من ست سنوات في المملكة لكنها لم تذكر تفاصيل.
وفي الواقع يقول البعض ان منح اعانات البطالة قد يكون له أثر عكسي اذ أن كثيرا من العاملين السعوديين من أصحاب الدخول المنخفضة قد يتركون عملهم قبل طرح هذه المزايا في نوفمبر تشرين الثاني المقبل ليتمكنوا من الحصول على مبلغ مماثل لاجورهم دون عمل.
وقال طراد العمري من بيت السعودة وهي شركة توظيف خاصة في جدة انه ليس هناك حد أدنى للاجور تفرضه وزارة العمل ما يدفع العاملين الى ترك أعمالهم اذا كان الاجر قريبا من اعانة البطالة.
وتردد أن نحو مليوني شخص سجلوا اسماءهم للحصول على اعانات البطالة منذ أن أعلن الملك عنها في مارس والتي تقدر تكلفتها عند 2.9 مليار دولار سنويا.
ويتوقع اقتصاديون أن تحاول السلطات خفض عدد المسجلين الى النصف تقريبا بحلول نوفمبر لكن ذلك سيظل يمثل مثلي عدد العاطلين في 2010.
وقال سالم الحربي (25 عاما) وهو حارس أمن في جدة "تقدمت بطلب للحصول على اعانة البطالة وانا أنتظر."
واضاف الحربي الذي يعول والدته وثلاثة أشقاء وثلاث شقيقات براتب يعادل الاعانة "أعتقد ان ذلك سيحدث. صدر أمر ملكي."
والبطالة مرتفعة بين السعوديات اللائي يمثلن 28.4 بالمئة من قوة العمل البالغة 4.3 مليون في عام 2009 وتحتاج المرأة لاذن من ولي أمرها سواء كان الزوج أو الوالد او الابن ويفضل الكثيرون ألا تعمل المرأة.
ورغم جهود الحكومة لتشجيع النساء على العمل لا يعمل سوى 17 بالمئة من النساء في سن العمل وهو أحد اقل المعدلات على مستوى العالم ويقل عن نسبة 20 بالمئة في اليمن الفقير حسب بيانات البنك الدولي.
ولم تصدر الوزارة بعد القواعد النهائية عن كيفية الحصول على اعانة البطالة البالغة 2000 ريال شهريا والتي المتوقع أن تستمر لمدة عام.
لكن مع استمرار الاضطرابات في المنطقة يشكك الكثيرون في انها ستتوقف اذ ان ذلك سيشجع على المزيد من الاضطرابات في سوق العمالة السعودي.
وقال بول جامبل مدير البحوث في جدوى للاستثمار "ثبت في الماضي أنه من الصعب للغاية الغاء مثل هذه الامور."
المصدر : نايل نيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق