ينتشر فوق أرض مصر الآن اعتقاد يقترب من التأكيد أنه لا أحد من المتهمين سوف يفصح عن حجم ومكان الأموال المنهوبة والمهربة الي خارج البلاد. ولكن السجن وحده هو الذي سوف يعيد الاموال الهاربة في بنوك الدنيا
وبعد سنوات وسنوات داخل السجون بعد أحكام نهائية عادلة سوف يتكلم المتهمون ويعرضون إعادة الأموال مقابل العفو.. ولكن التساؤل هل يسمح القانون وقتها بالعفو بعد صدور أحكام نهائية بالسجن؟.. وهل تنجح محاولات التصالح التي يعرضها الآن رجال أعمال برد الأموال بشرط عدم اتهامهم في جنايات أو الاشتراك في قتل المتظاهرين؟تساؤلات عديدة... واقتراحات تستحق المناقشة يطرحها رجال القانون هدفها الأول لملمة الأموال المنهوبة حتي, وإن كان المقابل العفو المشروط.وإذا كان من الواضح أن أحدا من المتهمين لن يفصح عن الأموال الهاربة, وأن السجن هو الحل.. فإن العفو بعد السجن والحكم النهائي لا يكون, كما يشرح المستشار عماد النجار مساعد وزير العدل للتشريع السابق, إلا في جرائم علي سبيل الحصر مثل الشيكات بدون رصيد وتبديد أموال الدولة وأمام المتهم فرصة لاعادة الاموال مقابل العفو.. وفي القضايا الاخري المطروحة الآن, وإن لم تدخل في جرائم العفو.. إلا أن للمحكمة فرصة استخدام المادة17 وتنزل درجتين في العقوبة أو ايقاف التنفيذ اذا أعاد المتهمون الاموال المنهوبة قبل صدور الحكم النهائي.. أما بعد صدور الحكم النهائي فليس أمام المتهم إلا الحصول علي مرسوم من الدولة بعفو شامل من رئيس الدولة اذا أعاد جمع الاموال المنهوبة.مثل شركات توظيف الأموال> ويكاد يكون استرجاع الاموال الهاربة هو الشغل الشاغل لكل ابناء الأمة المصرية, ومن داخل المركز القومي للبحوث القانونية يطرح المستشار عبد المنعم الحلواني أمين عام المجلس تصورا يقول فيه إن الدولة سبق أن أصدرت القانون رقم146 لسنة1988لمواجهة إعادة الاموال التي جمعها أصحاب شركات توظيف الاموال ونص علي العقوبة بالسجن والغرامة والمصادرة إلا إذا قام المتهمون برد هذه الأموال فإن المحكمة تقضي بإعفائهم من العقوبة.واستطاعت الدولة بهذا القانون إعادة معظم الأموال التي حصلت عليها هذه الشركات للمواطنين.وعلي ضوء هذا المنهج التشريعي فإنه من المناسب الآن إصدار قانون أو تعديل في قانون العقوبات يقضي ــ والحديث لأمين عام المركز القومي للبحوث القانونية بالعفو عن رجال الأعمال المتهمين بالتربح والاستيلاء علي المال العام والاضرار به.. إذا ما قاموا بسداد قيمة هذه الأموال بالكامل... ويمكن أن يتضمن ــ كما يضيف ــ إضافة مبلغ كغرامة تعادل نصف قيمة المبالغ التي قاموا بالحصول عليها أو زيادة الغرامة طبقا لما سوف يستقر عليه الرأي في وزارة العدل ومجلس الوزراء..إرضاء المشاعر العامةويري المستشار الحلواني ــ أن هذه الغرامة ضرورية لإرضاء المشاعر العامة للمواطنين بأن الردع لم يقتصر علي رد قيمة الأموال فقط, وأن ذلك تم مقابل العفو عن الشق الجنائي للمتهم.وهذا الإجراء يمكن أن يتم فقط في حق المتهمين من رجال الأعمال باعتبارهم لم يكونوا موظفين عموميين... ولكنهم استفادوا من الفساد الوظيفي... وبالتالي فإن جرمه يكون أقل من جرم الموظف العام صاحب النصيب الأكبر من الفساد الوظيفي, وعلي ذلك يمكن في شأن هذا المتهم غير الموظف من رجال الأعمال الاكتفاء بالرد والغرامة.أما المتهمون من الموظفين العموميين امثال الوزراء وغيرهم, فيترك أمرهم طبقا للنصوص المعمول بها في قانون العقوبات ــ كما يضيف المستشار جميل قلدس والخاصة بجرائم الأموال العامة بتطبيق العقوبات بالسجن والغرامة, والرد, حيث انهم كانوا أصحاب الرصيد الأكبر من الفساد الوظيفي.ويحذر المستشار جميل قلدس بالكسب غير المشروع سابقا من إصدار أي نصوص للتصالح... إذ ان وجود نص للتصالح في القانون يكون دافعا علي قيام رجال الأعمال بعمليات نهب كنوع من المغامرة... فإذا كشف أمره فإنه يعيد الأموال... وإذا لم ينكشف أمره... فاز بالأموال المنهوبة.الطريق لاسترداد الأموال> وأمام الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس وزراء مصر تجمعت عديد من اقتراحات القضاء والقانونين تحاول رسم طريق لاسترداد الأموال... أكدت جميعها اننا لن نتمكن من استردادها بالوسائل المعتادة لأنه لا يمكن إلا استرداد الأموال النقدية فقط المودعة بأسماء هؤلاء الأشخاص وهي نسبة ضئيلة.. اما النسبة الأكبر فسوف يستحيل الوصول إليها لأنها في الأغلب أخفيت في شركات وصناديق استثمار ومحافظ أوراق مالية وسندات لحامله وهو مسلك معروف لناهبي أموال الشعوب.. وعلي ذلك فإننا أمام مسلكين. اما أن نحاكمهم ونكتفي بحبسهم مع استرداد الفتات... أو إيجاد آليات جديدة تمكننا من استردادها.العفو.. الخيار الأخيرومن هنا كان اقتراح المستشار القانوني أشرف سمير أمام د. يحيي الجمل أن يصدر المجلس العسكري قانونا بإنشاء لجنة وطنية مستقلة لاسترداد أموال الشعب تمنح الصلاحيات لتتبع الأموال في الخارج واستردادها.. وتستخدم آليات مبتكرة للبحث عن هذه الأموال عن طريق جهات متخصصة في الخارج... أو عن طريق منح مكافآت للاشخاص الذين يتقدمون بمعلومات تفيد في هذا السياق... فإن لم تفلح هذه الجهود فإننا نلجأ إلي خيار العفو عن العقوبة للمتهمين الذين يقومون برد هذه الأموال طواعية.. ويجب توضيح أن العفو هنا, كما يضيف المستشار أشرف سمير ــ يكون فقط بخصوص جرائم الفساد المالي... ولا يمس بأي حال محاكمة هؤلاء المتهمين عن الجرائم الجنائية الأخري مثل قتل المتظاهرين.وتري كل الآراء أن العفو عن العقوبة ليس ببدعة في القانون المصري... فهو معمول به في أخطر الجرائم مثل جرائم التخابر مع دولة أجنبية وجرائم الإرهاب عندما يتقدم الجاني بمعلومات عن الجريمة بعد ارتكابها, وقبل التحقيق فيها.. وهنا يكون هدف المشرع تحقيق مصلحة عامة تتمثل في كشف المتهمين الآخرين لمنعهم من ارتكاب جرائم أخري.العزل السياسيوتري الآراء أيضا أنه لن يتحقق من وراء تنفيذ العقوبة علي هؤلاء أي مصلحة عملية سوي ابعاد هؤلاء الاشخاص عن الحياة العامة في مصر... وهو ما يمكن تحقيقه بوسائل أخري مثل تطبيق قانون العزل السياسي علي كل من شارك في إفساد الحياة السياسية في مصر قبل الثورة... ويؤكدون أننا لسنا بصدد تصالح مع رجال أعمال النظام السابق... وإنما نحن بصدد استرداد أموال الشعب المنهوبة... وما العفو من العقوبة إلا خيار أخير يتبع في حالة الفشل في ردها بالوسائل الأخري, وكما يضيف المستشار القانوني: هناك اقتراح بأن تقوم اللجنة المزمع تكوينها بعمل آخر لا يقل أهمية, وهو إعداد تقرير يعد وثيقة تاريخية تدون فيها حجم جرائم الفساد المالي ووقائعها.. واسبابها... والأساليب المتبعة فيها.. بالإضافة إلي تقييم كامل لأداء الجهات الرقابية خلال الفترة السابقة علي الثورة... مع التوصيات بالتعديلات التشريعية والإدارية اللازمة لتفادي ذلك مستقبلا
المصدر : الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق