مرحباً بكل تأييد أو تضامن غربي مع أية قضية عربية، خاصة إذا كانت قضية فلسطين، سواء كان التضامن والتأييد من قوي المجتمع المدني أو السلطة السياسية، أو الإعلام وأجهزته في أي بلد غربي أو إسلامي. فنحن نري أن لهذا التأييد وجهتين لا ثالث لهما: الوجهة الأولي: إشعار شعب فلسطين سواء كان في غزة أو في الضفة الغربية أو في فلسطين المحتلة عام 1948 أن هناك من يتضامن معه، ويقف إلي جانبه معنوياً وإعلامياً وسياسياً، وربما يعبر عن هذا الوقوف بإرسال مساعدات اجتماعية أو تموينية أو علاجية مختلفة له، ونقل تحيات قوي عديدة في هذه المجتمعات للشعب الفلسطيني الصامد في أرضه وهو يواجه العدوان الصهيوني المستمر منذ 62 عاماً. الوجهة الثانية: أن العدوان علي الشعب الفلسطيني هو عدوان صهيوني بكل أنواع الأسلحة، وفي مختلف المناطق وبكل الوسائل الإرهابية: حصار، قتل، اعتقال، تعذيب، تخويف.. وبالتالي يجب أن يكون الوجه الآخر للتضامن مع فلسطين هو التحرك ضد إسرائيل، لأن التحركين جدلياً معاً، هما وجهان لعملة واحدة. أنه وطالما أن الهدف هو التضامن مع شعب فلسطين، ونفي العدوان الصهيوني عليه، فإن الأدعي ألا يبيع المتضامنون الغربيون مع الشعب الفلسطيني المياه في حارة السقايين.. لأن العرب يعتبرون قضية فلسطين هي قضيتهم الأولي، ولأن بلاد العرب أو بلاد الطوق حول فلسطين وتحديداً مصر ولبنان.. دفعوا ثمن التزامهم ووقوفهم مع شعب فلسطين لأنه وقوف مع النفس، فاحتلت أراضيهم وقصفت مدنهم وقراهم وسقط مئات آلاف القتلي من أبناء هذه البلدان طيلة 62سنة ومازالت اقتصاديات هذه البلدان وحياة الناس وثقافتهم واهتماماتهم وهموهم الإعلامية.. مرتبطة إلي حد كبير بمسار الصراع العربي - الصهيوني. إذن إذا أراد المتضامنون مع شعب فلسطين تحقيق الهدف المعنوي من تحركهم النبيل، فليس عليهم إلا التحرك داخل مجتماعاتهم سياسياً وإعلامياً وإنسانيا وشعبياً كي يكون لهم أثر فعال في تخليص الشعب الفلسطيني من محنته المستمرة. وكيف يكون ذلك؟ مع افتراضنا أن كل التحرك المعنوي لقوي المجتمع المدني في أوروبا هو تحرك مستقل لدعم شعب فلسطين ترجمة لثقافة يتقدم فيها الحس الإنساني عن أي حسابات سياسية أو انتهازية، أو إعلامية بحب الظهور وتوظيفها في استحقاقات انتخابية أو لأسباب أخري.. فإن الأفضل لشعب فلسطين وحقوقه أن تتحرك هذه القوي داخل مجتمعاتها، لتكوين رأي عام كبير مؤثر يحسب السياسيون أو الأحزاب السياسية الحاكمة أو تلك التي في المعارضة، كما أجهزة الإعلام التي تصنع أفكارا وترسم توجهات المجتمعات والسياسيين والمثقفين والناس حسابه، فإذا كان هذا الرأي العام ميالاً إلي انصاف الفلسطينيين، فلا يكون الانصاف بكم المساعدات الغذائية التي يتوقعها أو التي يرسلها، مع أهمية ذلك، بل يكون الانصاف بأن تقف هذه البلدان الغربية في مواجهة إسرائيل سياسياً وإعلامياً، وربما اقتصادياً لردها عن عدوانها، أو علي الأقل لإلزامها بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنصف الشعب الفلسطيني وترد له حقوقه. نعم يحتاج أبناء فلسطين مساعدات من كل الأنواع غذائية كما معنوية لكن المساعدة الحقيقية التي يريدها أبناء هذه الأرض المحتلة هي المساعدة السياسية التي ترفع الاحتلال وجبروته وعدوانه عنهم، اليست هذه غاية إنسانية عظيمة! غير أنها في البداية مهمة الجهات العربية المتعددة وسواء منها العرب العاملون والدارسون والمستثمرون والإعلاميون في أوروبا.. وخاصة الفلسطينيين أو المؤسسات الرسمية العربية وفي مقدمتها السفارات ومنها سفارات جامعة الدول العربية، كما المراكز الثقافية العربية المنتشرة في بلاد العرب، وعليها أن تبذل جهدا حثيثا داخل هذه المجتمعات الأوروبية لتكوين رأي عام أو لتساهم في ايصال معلومات دقيقة صادقة يقبلها العقل عن العدوان الصهيوني. نعم نحن نعرف ونعيش ـ للأسف ـ ما يعانيه الغربيون من تحرك بعض المتمسلمين العنصري والمستفز للمشاعر الغربية المسيحية عموما بما يجعل مهمة التحرك العربي داخل المجتمعات الغربية صعبة وتكاد تكون في الفترة الأخيرة شبه مستحيلة.. لأن الصورة التي نجحت الجماعات المتمسلمة في رسمها عن العرب، حاضني الإسلام وعن المسلمين عموما، هي صورة الإرهابي الذي يزنر جسده بالمتفجرات ويطلق لحيته ويلبس الثوب الفضفاض لكي يخبئ أدوات الموت تحتها. صورة طالبان في أفغانستان الذين يقتلون جنود الغرب الذي يحتل بلادهم. صورة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما وهم يحرضون علي قتال الغرب وتدمير مصالحه.. صورة المتفجرات التي تدمر في مدريد ولندن وباريس وتهدد بالتدمير في كل مصلحة غربية لا تفرق بين مدني أو سياسي.. وتراها تقتل من كان ربما خرج في مظاهرة تأييد لفلسطين.. أو مظاهرة استنكار للعدوان الأمريكي علي العراق، أو استنكار للعدوان الصهيوني علي غزة نفسها وعلي لبنان. ثم صورة القمع الذكوري للمرأة حتي في بلاد الغرب وجرائم الشرف التي تحصل في هذه البلدان ضد فتيات كل ذنبهن أن أهاليهن أو بالاحري الذكور منهم جاءوا بهن إلي هذه البلدان كي يعيشن ويتعلمن .. ويريدون نصب الخيم التي جاءوا بها من بلادهم ومازالت في عقولهم داخل هذه المجتمعات الغربية التي تخلت عن هذه الخيم منذ قرون فعرفت التقدم والتطور والرفاهية والحرية وباتت مقصدا لأمثال هؤلاء.. لكنهم لم يتعلموا منها أي حسنة.. بل يعيشون كراهية لمجتمع أكرمهم وصرف عليهم وآمنهم من خوف، وأطعمهم من جوع. تري هل باتت صعوبة هذه المهمة لقوي المجتمع المدني الغربي - مبررا كي يهربوا من واجباتهم في بلادهم والتوجه بدلا منها إلي بلاد العرب كمصر أو لبنان أو فلسطين تعويضا عن شعور بالذنب تجاه ما فعلته بلادهم سابقا من جرائم، كان زرع الكيان الصهيوني في فلسطين أفدحها؟ أم إن هناك تحركات سياسية وإعلامية وحزبية لجماعات عربية - فلسطينية مثل حماس مثلا ومن يؤيدها في هذه البلدان، هي التي اقنعت هذه القوي بالتوجه إلي مصر مثلا لاظهار تضامنها مع شعب فلسطين، فتصيب حماس بذلك عصفورين بحجر واحد. الأول: هو احراج مصر تحديدا في ثقافة حركة حماس للضغط علي الحكومة المصرية لوقف حرص القاهرة علي المصالحة بين حماس وحركة فتح. الثاني: هو تكريس وضع غزة التي تمثلها حماس بأنها هي خلاصة قضية فلسطين وشعبها وصراع الأمة العربية لها ضد العدو الصهيوني. فلو كانت حماس حريصة علي كل فلسطين لجعلت قضية القدس مثلاً في مقدمة اهتماماتها، ولمسألة تهويد القدس الذي تمارسه العنصرية الصهيونية منذ عقود حساسية خاصة داخل المجتمعات الغربية وكلها مسيحية (كاثوليكية - أرثوذكسية - إنجيليكانية). لو كانت حماس حريصة علي كل فلسطيني لجعلت من مسألة المستعمرات المستشرية في معظم أرجاء الضفة الغربية في مقدمة تحريضها داخل المجتمعات الغربية التي لقيت أجيالها هذه الأيام أقسي فصول السيطرة الصهيونية علي أرض الغير، فربما لم يعد في الغرب من يفكر لحظة في إعادة كل فلسطين إلي أهلها، لكن أجيال اليوم الغربية وسط هذه البحار من الإعلام عبر ثورة الاتصالات المستمرة.. تشاهد لحظة بلحظة احتلال الصهاينة لبيوت وأراضي الفلسطينيين وطردهم من بيوتهم. لو كانت حركة حماس حريصة علي فلسطين لأقامت الدنيا ولم تقعدها أمام بناء الجدار العنصري الصهيوني بين أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 وتلك المحتلة عام 1967.. فهذا الجدار مكروه في الغرب لأنه تكرار لمأساة جدار برلين الذي بناه الاتحاد السوفيتي في برلين الشرقية فاصلاً لها عن ألمانيا وكل أوروبا. حماس لا تري إلا غزة.. لأنها بنظرها هي كل فلسطين، خاصة بعد أن نجحت في إقامة أول إمارة سلامية تابعة للإخوان المسلمين في العالم.
وأخيرًا: بعد أن بدا أن هدف التضامن مع غزة هو التوظيف السياسي ضد مصر ومكانتها وهروبا من المسعي المصري للمصالحة الفلسطينية، يحق لنا أن نسأل المتضامنين، أما وقد بلغتم رسالتكم وأتيتم وأثرتم فتنة بين العرب أنفسهم وبين الفلسطينيين كلهم.. فلماذا أنتم مستمرون في تعلية الصوت وفي الصراخ؟ لقد أتيتم ووجدتم أن المسجد مقفل فما عليكم إلا القول: بركة يا جامع.. وكان الله يحب المحسنين حتي لو كانوا أوروبيين.. فلماذا الزعيق والضجيج!
وأخيرًا: بعد أن بدا أن هدف التضامن مع غزة هو التوظيف السياسي ضد مصر ومكانتها وهروبا من المسعي المصري للمصالحة الفلسطينية، يحق لنا أن نسأل المتضامنين، أما وقد بلغتم رسالتكم وأتيتم وأثرتم فتنة بين العرب أنفسهم وبين الفلسطينيين كلهم.. فلماذا أنتم مستمرون في تعلية الصوت وفي الصراخ؟ لقد أتيتم ووجدتم أن المسجد مقفل فما عليكم إلا القول: بركة يا جامع.. وكان الله يحب المحسنين حتي لو كانوا أوروبيين.. فلماذا الزعيق والضجيج!
روز اليوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق