تباينت آراء خبراء تربويين وأزهريين ومعلمين حول حول نية وزارة التربية والتعليم فى إلغاء رواية طه حسين «الأيام»، المقررة على طلاب الصف الثالث الثانوى، بحجة إساءتها للأزهر ورجاله، أو أنها غير معدة تربويا للطلاب. واستبعد د. محمود كامل الناقة أستاذ مناهج اللغة العربية بتربية عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس أن يكون السبب من استبدال أيام طه حسين إساءتها للأزهر ورجاله، واصفا ذلك بأنه محض ادعاء. وكشف الناقة أن قصة الأيام لـ«طه حسين» التى بين أيدى طلاب الثانوية العامة الآن قد عولجت من قبل لجنة من خبراء اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم عندما قررت الوزارة إعادة إقرارها على الطلاب قبل عدة سنوات، من أجل تنقيتها مما قد يجرح مشاعر مؤسسة الأزهر، وحذفت منها بعض الفقرات ووضحت بعض الكلمات ولم يعد فيها ما يسىء لمؤسسة دينية أو تعليمية مثل الأزهر. وأوضح الناقة أن هذا أمر وارد تربويا ولا يحدث مع دراسة الأدب العربى فقط، بل وأيضا مع قصص شكسبير وغيرها من أعمال تقرر على الطلاب، لكن دون المساس بأسلوب الكاتب، فالتلميذ ليس قارئا عاديا، والكتاب المقرر هو كتاب تعليمى نظامى مقصود، يهدف إلى إقرار أهداف اجتماعية تذوقية من خلال عين تربوية وبصيرة تعليمية. ورجح الناقة أن يكون وراء تغيير القصة «مصلحة ما» مطالبا وزارة التربية والتعليم بالإفصاح عن البديل المقترح لـ«الأيام» والهدف من تدريسه علميا وموضوعيا، وليس لمجرد التغيير فقط. فى حين قال د. سليمان العطار ــ أستاذ اللغة العربية بآداب القاهرة ــ أنه لا توجد أى كتابات رفعت من شأن الأزهر مثل قصة «الأيام»، واصفا إياها بأنها أجمل عمل أدبى فى القرن العشرين. وعلق د. سيد البحراوى رئيس قسم اللغة العربية بآداب القاهرة على مشكلة الإعداد التربوى لقصة طه حسين الذى يتعلق بالشرح والأسئلة والتناول الأدبى واللغوى للنص وغيرها ــ أنها مشكلة تعانى منها أكثر كتب اللغة العربية المقررة على تلاميذ المدارس، فمازال خبراء وزارة التعليم يتناولون النصوص الأدبية بمنطق البلاغة القديم الذى ينظر إلى جزئيات الصور البلاغية، مما يفسد النص الأدبى ويحوله إلى جزيئات أو فتافيت ــ حسب تعبيره ــ مما يفقد المتلقى تذوق جمال وحدة النص، وهذا من أسوأ ما يؤثر على دارس اللغة والأدب. ولفت البحراوى إلى أن أيام طه حسين تحمل قيما تربوية مهمة لتكوين الطلاب، منها قيمة المجاهدة مع النفس والآخرين ومع المجتمع من أجل الخروج من دائرة الفقر المادى والمعنوى، والتغلب على العادات والممارسات الصحية الخاطئة التى مازال بعضها يمارس حتى الآن فى مواجهة الأمراض المختلفة، والتى تناولها طه حسين فى رحلة فقده للبصر، بالإضافة إلى القيمة الاجتماعية للنص الذى يرصد الحياة فى ثلاثينيات القرن قبل الماضى، والمشكلات الاجتماعية التى مازلنا نعانى من بعضها وفى مقدمتها حقوق المعاقين وادماجهم فى التعليم وباقى نواحى الحياة. ويشير د. على إسماعيل أستاذ مناهج اللغة العربية بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، إلى أن الأيام ما هى إلا وجهة نظر لطه حسين عن حال الأزهر فى تلك الفترة ــ أواخر القرن قبل الماضى، مقترحا أنه تقرر على طلاب الصف الثالث الإعدادى وليس الثانوية العامة لأنها أكثر مناسبة لتلك المرحلة. وقال حاتم عبدالمنعم مدرس اللغة العربية بمدرسة أحمد ماهر الثانوية بالسيدة زينب إن القصة تصف حال الأزهر فى تلك الفترة حيث كانت مقرراته لا تساعد على الإبداع وإبداء الرأى. وعلى الجانب الآخر، اعترف د. سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف بأن ما جاء فى أيام طه حسين فى وصف قسوة النظام التعليمية فى الأزهر فى ذلك الوقت كان حقيقيا بالفعل، فقد «دفعت قسوة هذا النظام زملائى بالمعهد الأزهرى إلى ترك الدراسة عاما بعد آخر للدرجة التى لم يتبق منهم سوى 20 تلميذا فقط عندما وصلنا إلى الشهادة الإعدادية». وأضاف أن الأمر لم يكن خاصا بمعلمى الأزهر فقط بل بثقافة المعلمين وأولياء الأمور، حيث كانت القاعدة وقتها إذا جاءك ابنك مكسور اليد من معلمه أعده إليه ليكسر رقبته، فما بالنا بما يمكن أن يقاسيه المكفوف مثل طه حسين. واستدرك عبدالجليل «صحيح أن الأمر قد تغير الآن فى التعليم الأزهرى لكن للأسف للأسوأ فلم تعد هناك قسوة ولا تعليم ولا تربية ــ حسب رأيه ــ بعد أن أصبح الطالب «يدفع» للمعلم، مطالبا المجتمع كله بمؤسساته الدينية والتربوية والرقابية بإعادة النظر فى منظومة التعليم بشكل عام فالأسرة لم تعد تقوم بدورها فى التربية بسبب غياب الآباء على خلفية الظروف الاقتصادية، من أجل أن يعود للتعليم وظيفته فى التربية قبل التعليم. وقالت د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر إن الأزهر ليس مقدسا فإذا كان فيه رجال يخطئون ويصيبون ويختلفون من عصر إلى عصر، فهذا لا يعيب قيمته العلمية والدينية كمؤسسة أكاديمية لها مالها وعليها ما عليها، وعندما يسجل طه حسين ملحوظات سلبية فلا يعنى هذا وقف تدريس قصته الأيام التى تعد تحفة أدبية.
الشروق - عبير صلاح الدين - نيفين أشرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق