الثلاثاء، 5 يناير 2010

الحيلة أحد أدوات الأم فى مواجهة سكر الأطفال


إحدى المفاجآت غير السارة التى قد تحملها الأيام لعائلة طفل لا يختلف عنه كل أقرانه فيما قد يلفت إليه النظر. بادى الصحة، موفور النشاط له رغباته ونزواته ككل الأطفال تقاريره الصحية لا تشى بأى معلومة عن خطر قادم ولا تدل على مرض أو عرض حالى. ربما زادت شهيته بعض الشىء فى الأسابيع القليلة الماضية أو غادر الفصل أكثر من مرة بدعوى الذهاب للحمام فظنته المعلمة يحاول التهرب من الحصة فزجرته. لكنها بتالى ستكون أول من يتلقى مفاجأة سقوط تلميذها الصغير فجأة فاقدا للوعى بلا سبب واضح بينما تفوح من أنفاسه المتلاحقة رائحة أقرب إلى رائحة تفاح تعطن. إنه سكر الأطفال. ما يطلق عليه سكر الأطفال أو السكر المعتمد على الإنسولين هو النوع الأول من مرض السكر الذى درجنا على تشخيصه عند الأطفال أو الشباب لكن الآن يمكن رصده فى أى سن خاصة المسنين. يتميز بغياب الإنسولين من الدم مما يطلق العنان للجلوكوز ليسجل ارتفاعات قياسية فى الدم بينما يغيب من الأنسجة والخلايا مما ينجم عنه ما يسمى بغيبوبة الحامض الكنيونى. البنكرياس هو العضو المسئول فى الجسم عن إنتاج هورمون الإنسولين. الإنسولين ينظم حركة مرور جزىء الجلوكوز من الدم إلى الأنسجة والخلايا فى مختلف أعضاء الجسم فكلما زادت نسبة الإنسولين فى الدم هرب الجلوكوز إلى الأنسجة والخلايا وإذا ما قلت نسبة الإنسولين فى الدم تكاسل الجلوكوز عن الحركة من الدم إلى الأنسجة وتراكم فى الدم لتعلو نسبته فيه وفى البول أيضا حيث تفرزه الكلى. الجلوكوز هو الوقود الذى يستخدمه الجسم فى إدارة أحواله ووظائفه الحيوية الإرادى منها كالحركة والمجهود العضلى واللاإرادى كنبض القلب وحركة الأمعاء ووظائف المخ المعقدة وهو بالتالى موجود فى كل مكان مع تيار الدم داخل الشرايين وفى الأنسجة ذاتها كطاقة حاضرة أو مؤجلة لحين الحاجة إليها. غياب الإنسولين يستدعى التعويض عنه بحقنه باستمرار وبانتظام وبصورة تضمن حصول الطفل على جرعة تناسب احتياجاته ومجهوده ونموه طوال عمره.
لماذا يصاب الطفل بالسكر؟ غياب إفراز الإنسولين من البنكرياس يرجع لعوامل كلها حتى الآن قيد البحث رغم رصدها وتأكيد وجودها: عوامل وراثية فهناك عائلات يظهر مرض السكر فيها بصورة واضحة ومستمرة، أو الإصابة ببعض الفيروسات، إلى جانب عامل خلل المناعة الذى يظهر فى اضمحلال خلايا البنكرياس وتدهور وظائفها بلا سبب واضح كنتيجة لمهاجمتها فى معركة غير متكافئة بينها وبين عدد خفى قد يكون للوراثة أو الفيروسات شأن به. تشخيص مرض السكر عند الأطفال نتيجة خلل مناعى أيا كان سببه يعد السبب الرئيسى المقبول علميا إلى الآن Autoimmune Disease. أعراض تسبق ظهور المرض رغم أن مرض سكر الأطفال فى الغالب قد يشكل مفاجأة غير سارة لعائلة الطفل المصاب مما يسبب ارباكا وصدمة إلا أن هناك بعض الأعراض التى تشير إلى وجوده قبل تفاقمه مما قد تغفلها الأم دون قصد أو تعزوها لمشكلات صحية أبسط كثيرا. ــ الإحساس بالعطش المستمر. ــ زيارات متكررة للحمام للتبول. ــ سرعة الإحساس بالجوع بعد الأكل. ــ نقص غير مبرر فى الوزن. ــ عصبية زائدة دون أسباب. ــ بعض من مصاعب الرؤية «زغللة العين». ــ فتور الهمة والإحساس بالتعب والخمول. ــ شكوى غير محددة من آلام البطن. ــ التهابات متكررة للجلد. كيف يمكن تشخيصه؟ نقل الطفل لأقرب مكان إسعاف متكامل فيه انقاذ لحياته إذ إن حالة الغيبوبة التى تتميز برائحة أنفاس الطفل كفيلة بتوجيه عناية الطبيب لاختبار نسبة الجلوكوز فى الدم واعطائه جرعة الانسولين اللازمة فورا والتى غالبا ما تتم عن طريق محلول يصب فى الوريد ببطء. هذا إلى جانب الطرق المعروفة للتشخيص واللازمة لمتابعة حالته: 1 ــ تحليل البول ويمكن القيام به فى المنزل باستخدام أشرطة تحليل السكر التى تتيح أيضا معلومات عن الاستيون والكتيون (ارتفاعها ينذر بحدوث الغيبوبة) والزلال ونسبة حوضة البول وكلها دلالات مهمة على منسوب السكر فى الدم رغم بساطتها وسهولة استعمالها. 2 ــ تحليل نسبة السكر فى الدم تتوافر حاليا أجهزة عديدة صغيرة يمكنها تحديد نسبة الجلوكوز فى الدم باستعمال قطرة واحدة من دم المريض فيتم «شك» الإصبع بسن إبرة مدببة يجب التخلص منها بعد استعمالها لمرة واحدة منها أيضا أجهزة تحتفظ بذاكرة إلكترونية يمكن من خلالها مقارنة النتائج ومتابعة ثبات مستوى السكر عند الحد المطلوب من عدمه. تلك الأجهزة يجب أن تخضع للمراقبة بداية بحسن استخدامها والحرص على اتباع التعليمات المقترنة بها والتى تتطلب معايرتها من آن لآخر بمحلول خاص مرفق بها. التحليل فى المعمل من آن لآخر أمر لا غنى عنه ربما للتأكد من دقة النتائج مع استعمال وسيلة مختلفة. 3 ــ الهيمجلوبين السكرى وهى وسيلة لقياس متوسط نسبة السكر فى خلايا الدم الحمراء «الهيمجلوبين» خلال ثلاثة شهور فقط هى متوسط عمر خلية الدم الحمراء. أهميتها تبدو فى متابعة حالة المريض على المدى البعيد وإن كانت أهم فى حالات تشخيص مرض السكر عند البالغين حين تعطى مؤشرات سكر الدم نتائج متوسطة الارتفاع فتأتى لتؤكد وجود السكر لفترة سابقة وبصورة غير مؤقتة. ملاحظات مهمة فى الملف تشخيص النوع الأول من السكر المعتمد على الإنسولين عند الأطفال رغم إحساس الصدمة من البداية يجب أن يقابل بمحاولة لتفهم كل تفاصيل الأمر تشخيصه مبكرا يعطى فرصة أفضل للتعامل معه ودرأ أخطاره، الحرص على فهم طريقة عمل الإنسولين وعلاقته بالطعام والجهد البدنى تجعل من حقنه المستمر أمرا دقيق الحساب وهذا هو بيت القصيد. التعامل مع الأبعاد النفسية للطفل وانعكاسات مرضه وضرورة حقنه يوميا بالإنسولين وغياب ألوان من الطعام يحبها كلها أشياء تبدو قاسية فى البداية لكن الصبر والتفهم والحيلة كلها أدوات تملكها الأم حالة وقت استخدامها.
الشروق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق